Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

الجنسيّة مع الصغيرات في السن حتى يثبت سيطرته ويرفع من تقديره لنفسه. ومن المعروف أن العلاقة الجنسيّة مع من هم أصغر سنّاً ظاهرة منتشرة في العالم الأمريكي والعالم الإسلامي الذي يمارس الختان.

ب) بتر أعضاء الغير

يتساءل البعض عن نسبة أطبّاء الولادة والأطفال والمجاري البوليّة الذين اختاروا هذه المهنة مدفوعين بكرههم للختان.

ويقول «جولدمان» بأنه رغم وجود آثار ضارّة للختان، فإنه من الصعب لمؤيّدي ختان الذكور أن يغيّروا رأيهم وذلك لعوامل نفسيّة قويّة. ومن تلك العوامل ميل الشخص الذي وقع ضحيّة أمر ما أن يعيد ذلك على غيره. وهذا ما يجري في الختان: فالذي خُتن يحاول إعادة الختان على غيره. وقد بيّنت الأبحاث أن الأطبّاء الذين يدافعون عن الختان هم من المتقدّمين في السن والذكور والمختونين.

وهناك من يربط بين الختان وبين ظاهرة ارتفاع نسبة العمليّات التي تجرى على النساء في الولايات المتحدة دون ضرورة طبّية. فمن المعروف أن كل المجتمعات التي تمارس ختان الإناث تمارس أيضاً ختان الذكور. وإذا اعتبرنا أن ختان الذكور ينقص اللذّة الجنسيّة، فهذا يعني أن من يجد نفسه محروماً من حقّه في اللذّة، فهو أيضاً يرفضها لغيره تحت أستر مختلفة منها الخوف والجهل والجراحة الطبّية. والرغبة في الحد من لذّة المرأة بختانها قد تكون إحدى نتائج ختان الذكور. ولذلك يكون التعرّض لختان الذكور شرطاً مسبقاً لكي يتم القضاء على ختان الإناث.

ويلاحظ أيضاً أن النساء المختونات هن اللاتي يقمن بختان البنات، وكذلك الرجال المختونين هم الذين يقومون بختان الذكور. كما أن الرجال يؤيّدون ختان الإناث. فالمبتور يحاول دائماً أن يتصرّف مع الغير كما تصرّف الغير معه. وهكذا تدوم عادة الختان. ويؤدّي نظام العدوى هذا إلى بغض لكل من هو غير مختون. ولذا وضعت الحواجز الدينيّة والاجتماعية بينه وبين جماعة المختونين: فلا يُقبل زواجه أو شهادته أو مشاركته في العبادة أو دفنه في المقابر العامّة. ويُعتبر مسبّة كبرى القول لشخص أنه غير مختون أو ابن غير مختونة. وهنا يقارن البعض بين هذا التصرّف وبين الذين أنتهكوا جنسيّاً في المجتمعات الغربيّة. فهم يقومون بدورهم بانتهاك غيرهم.

وترى عالمة النفس «اليس ميلير» أن هناك صلة بين ختان الأهل لطفلهم، وختان هذا الطفل لابنه عندما يكبر. وهذا هو أحد أسباب دوام عمليّة ختان الذكور والإناث التي تعتبرها هذه العالمة عمليّة انتهاك للأطفال وأبشع عمليّة إجراميّة تكرّسها البشريّة باسم الدين ولا يتدخّل القانون لمنعها، تحت دعوى أن ذلك يجري لمصلحة الطفل. وتقول هذه العالمة أن المؤرّخين وعلماء النفس سوف يستمرّون طويلاً في التحقّق من الأسباب الكامنة وراء هذه العادة الغريبة لأنهم ينسون في مناقشاتهم التفسير الوحيد الذي لا بد أن يظهر يوماً ما. فماذا عساه أن يفعل الطفل الذي عذبه أهله الجهلة؟ ألن يحاول هذا الطفل أن ينتقم عندما يكبر؟ إنه فعلاً سوف ينتقم إلاّ إذا ما تم شفاء جرحه. فالطفل الذي تم التعدّي عليه لا بد أن يتعدّى على غيره من الأطفال مؤكداً بأن ذلك لا يضرّهم ما دام أن أهله الذين يحبّونه قد فعلوا ذلك معه. أضف إلى ذلك أن الختان يصوّر على أنه مطلب ديني، ممّا يعني في عقول الناس أن الدين لا يمكن أن يكون قاسياً.

ج) العنف والتصرّف غير الاجتماعي

بدأ معارضو ختان الذكور في طرح أسئلة حول علاقة الختان بالتصرّفات غير الاجتماعية والعنف، خاصّة في الولايات المتحدة التي تعتبر المجتمع الأكثر عنفاً في العالم. فمعدّل القتل في هذا البلد يساوي 14 مرّة ما هو عليه في اليابان و8 مرّات ما هو عليه في الدول الأوروبيّة. ويحاول البعض تفسير هذه الظاهرة بعوامل اجتماعية مثل المخدّرات، وضعف التربية الأخلاقيّة، ووجود الأسلحة بيد الناس، والعنف في التلفزيون، وغياب الأب عن العائلة، وضعف المستوى الدراسي، والبطالة، والعنصريّة، وتدنّي الشعور الديني. ولكن بيّنت دراسة أن مستوى الجريمة في هذا البلد قد ارتفع جدّاً خلال الثلاثين سنة الماضية التي شهدت ارتفاع نسبة المختونين. ممّا يوعز أن هناك علاقة بين الختان والعنف.

وأوسع أنواع العنف في الولايات المتحدة هو العنف الذي يتم داخل البيت. فتقدّر نسبة الأزواج الذين يتعدّون على بعضهم البعض بـ 12%. وفي عام 1993، وجد أن 29% من النساء اللاتي قُتِلن، قد تم قتلهن بيد أزواجهن أو أصدقائهن. فهل هناك علاقة بين كون أن كل 25 ثانية هناك طفل يختن وأن كل 15 ثانية هناك رجل يضرب امرأة؟ إن ضرب الرجل للمرأة قد يكون بقصد السيطرة عليها أو رد فعل على عدم تلبيتها لحاجته. وهذا ينبع من الاعتقاد بأن بيت الرجل هو قلعته، وأن المرأة ملكه. وهذا لا يختلف عن اعتقاد من يوافق على الختان أو يجريه على الأطفال. ففي كلتا الحالتين هناك شعور بحق فرض إرادة الشخص على الآخر. وقد أثبتت دراسات أن انتهاك الأطفال يجعل منهم أزواجاً عنيفين. والختان هو انتهاك جسدي للأطفال. وبعض المختونين يرون أن أمّهاتهم لم تحمينهم عندما تم التعدّي عليهم بالختان. ومن هنا يأتي الشعور بالانتقام من النساء دون وعي بالأسباب التي أدّت إلى هذا الشعور. وهذا لا يعني حتماً أن كل المختونين يتعدّون على النساء. ولكن الختان قد يكون أحد عوامل العنف ضد النساء.

د) الاغتصاب

الاغتصاب هو نوع آخر من الاعتداء على النساء ويخفي رغبة في الثأر. فهناك في الولايات المتحدة مليوني حالة اغتصاب سنوياً، وأكثر حوادث الاغتصاب لا يعلن عنها. وقد بين بحث أن 15% من الطلاّب مارسوا الجنس اغتصاباً مرّة على الأقل. وقد يكون الاغتصاب من الزوج ذاته. وقد بين بحث أن 60% من الطلاّب قد يغتصبون امرأة في بعض الظروف. و46% من النساء تعرّضن لاغتصاب أو محاولة اغتصاب في حياتهن. ونسبة الاغتصاب في الولايات المتحدة تبلغ سبعة أضعاف الاغتصاب في دول المجموعة الأوروبيّة. فهل هناك صلة بين هذا الاغتصاب وما يحدث للرجال الأمريكيّين في صغرهم من خلال الختان؟

هناك تماثل بين الختان والاغتصاب. ففي الختان يتم ربط الطفل وتعريته وبتر قضيبه قصراً. وهذا لا يختلف عمّا يجري في عمليّة اغتصاب النساء. فكليهما يتم فيه التعدّي على الأعضاء الجنسيّة. والاختلاف الوحيد هو العمر وطبيعة الفعل. وقد عنون الدكتور «مورجان» عام 1965 مقاله عن الختان «اغتصاب القضيب». ويشير عالم النفس «باري وانهولد»، وهو رئيس برنامج الدراسات حول العنف في جامعة كلورادو الأمريكيّة، إلى أن المختونين يعيشون في حالة غضب. فالختان هو أوّل عمليّات اغتصاب للرجال.

والاغتصاب والختان يؤدّيان إلى نتائج مماثلة. فالختان يؤدّي إلى فقد الثقة في الغير والعزلة كما في الاغتصاب. والمرأة التي تغتصب كثيراً ما تكبت الألم وتسكت عنه رافضة التكلم عمّا أصابها. وهذا ما يحدث مع المختونين. وكما أن الخاتن يرى أن الطفل لا يحق له رفض الختان، يعتقد المغتصب أن المرأة لا يحق لها رفض العلاقة الجنسيّة. وكما أن البعض يعتقد أن المرأة المغتصبة تتمتع بالاغتصاب ولا تحس بالألم، فكذلك هناك اعتقاد بأن الطفل لا يتألم بالختان ولا يتأثر به. والذين يغتصبون النساء يظهر أنهم أنفسهم كانوا ضحايا اغتصاب. وارتفاع نسبة الاغتصاب في الولايات المتحدة يتطلب بحث الصلة بين هذه الظاهرة وظاهرة الختان.

هـ) الانتهاك الجنسي للأطفال

أحد أنواع العنف في الولايات المتحدة هو الانتهاك الجنسي للأطفال. وقد بيّنت دراستان بأن 38% من النساء تم انتهاكهن جنسيّاً في صغرهن. ودراسة أخرى بيّنت أن هذه النسبة تصل إلى 45%. وهذه الأعداد قد تكون أقل من الحقيقة لأن ليس كل النساء تقبل التكلم عن هذه المواضيع، وقد يقع الانتهاك ولا تتذكره المرأة. ولذا يمكن اعتبار هذه النسبة 60%.

وهناك من يرى علاقة بين الختان وانتهاك الأطفال. فالذين ينتهكون الأطفال يعانون من انخفاض في تقدير أنفسهم، وإحساس بعدم القدرة. وهذه العوارض نفسها تنتج عن الختان. وهم أيضاً يعانون من صعوبة في تحقيق حاجاتهم الجنسيّة، وهذا أيضاً ناتج عن الختان. وإذا أحس الطفل أنه قد أغتصِب جنسيّاً فإن ذلك سوف يقوده إلى اغتصاب غيره. وإن كان من المؤكد أن ليس كل المختونين ينتهكون الأطفال، وأن أسباب انتهاك الأطفال متعدّدة، إلاّ أن ذلك يتطلب البحث في ما إذا كان الختان هو أحد تلك الأسباب.

و) الانتحار

ارتفع معدّل الانتحار في الولايات المتحدة بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة، خاصّة بين الذكور. فما بين عامي 1950 و1990 أزداد معدّل الانتحار 3.4 مرّة بين الشباب الذين يتراوح عمرهم بين 13 و24 سنة. وقد كان انتحار الذكور 6.5 مرّات أعلى ممّا هو بين الإناث عام 1990. والانتحار ينتج عن الانعزالية وكبت الشعور العاطفي والخجل. وهذه كلها من مخلفات الختان.

هناك أيضاً ظاهرة وفاة الأطفال فجأة تحت عمر سنة والتي تصيب 6000 طفل سنوياً في الولايات المتحدة، من بينهم 60% ذكور. ويجب هنا دراسة مدى تأثير الختان على هذه الظاهرة. فإذا ما اعتبرنا أن الختان يشابه الاغتصاب، وأن الاغتصاب يقتل إرادة وروح الإنسان، فلا يمكن استبعاد أن يكون الختان أحد أسباب هذه الظاهرة.

ز) السرقة

تمثل السرقة مشكلة كبيرة في الولايات المتحدة. وقد تم اقتراف 12.2 مليون حالة سرقة عام 1992. ومعدّل السرقة في هذا البلد في ارتفاع.

هذا وهناك من يعتبر الختان عمليّة سرقة لأنها تجري على ممتلكات شخص دون إرادته. فالتيّار اليهودي المعارض للختان يرى فيه مخالفة للوصيّة التوراتيّة «لا تسرق» (الخروج 20:15). ونجد تعبير السرقة في كتاب السيّدة الصوماليّة «واريس ديري». فهي تقول في كلامها عن ختان الإناث الذي عانت منه: «إني أعرف أن عدد النساء الغاضبات مثلي اللاتي لن يتمكن من الرجوع إلى الوراء أو يسترجعن ما سُرق منهن في تزايد». وتضيف في مكان آخر: «إني أعتقد أن الجسد الذي أعطاني الله إيّاه عند ولادتي كان كاملاً. لقد سرقني الرجال، وسلبوني قوّتي وتركوني مع عاهتي. لقد سرقوا منّي أنوثتي. وإن كان الله قد حكم بأن بعض أعضائي غير ضروريّة، فلماذا إذاً خلقها؟»

ويرى «جولدمان» أن هناك شبه بين الختان والسرقة. فالذي يُسرق يغضب، ويحس باليأس، ويحاول أن يقلل من أهمّية ما سُرق منه لحماية نفسه. وكثير من المختونين قد يقللوا من أهمّية ما تم سرقته منهم. وإذا ما اعتبر شخص أنه تم سرقته فإنه سوف يسرق غيره كما سُرق هو. فهل الختان هو أحد الأسباب التي تدفع الأشخاص للسرقة رداً على ما فعل ضدّهم؟ هل هناك صلة بين ارتفاع معدّلات السرقة ومعدّلات الختان؟

ح) الصراعات والحروب

يمكن للمجتمع، مثله مثل الأفراد، أن يوجّه غضبه وعنفه داخلياً وخارجياً. وكل ما يساعد في زيادة العنف الفردي يساعد في زيادة عنف المجتمع وميله لشن الحروب. فعدم الثقة، والتقدير المنخفض للذات، ونقصان التعاطف مع الغير، والرغبة في السيطرة عليهم، وكبت العواطف هي من مكوّنات النفسيّة الأمريكيّة. وهذا يؤدّي بدوره إلى الحروب. وهذا لا يعني أن المختونين هم الذين يشنون الحروب، ولكن ليس من المستبعد من أن يكون الختان إحدى المؤثرات في شنها. واستبعاد افتراض تأثير الختان على التصرّفات الاجتماعية لأنها مجرّد تخمينات يعني بحد ذاته رفض معرفة ما إذا كان هناك علاقة سببيّة بين الختان وتلك التصرّفات خوفاً من اكتشاف آثارها. وهكذا يسد الباب أمام البحوث الاجتماعية حتى لا نطرح تساؤلات حول الختان. وقد نقلنا في الفصل الثامن (تحت رقم 4) فقرة من كتاب السيّدة الصوماليّة «واريس ديري» حول علاقة ختان الإناث بالحرب في بلدها.

الفصل العاشر
الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان

نقدّم هنا زبدة ما يقترحه معارضو الختان كوسائل تربويّة ونفسيّة وقائيّة حتى يتم القضاء على هذه العادة. ونحيل القارئ إلى الجزء القادم فيما يخص الوسائل القانونيّة.

1) الدراسة الشاملة وكسر حاجز الصمت

لمكافحة الختان لا بد من دراسته من جميع جوانبه التاريخيّة والدينيّة والطبّية والاجتماعية والنفسيّة والاقتصادية والسياسيّة والقانونيّة. والقصد من عمل الدراسات ونشرها هو كسر السر وحاجز الصمت الذي يحيط به ومضاعفاته.

وإن كان ختان الإناث قد أصبح حديث الساعة، إلاّ أن ختان الذكور ما زال التكلم عنه من المحرّمات. فمجرّد القول بأنني أبحث موضوع ختان الذكور يثير التعجّب والاستنكار. وعند إعلاني عن نشر كتابي الأوّل حول الجدل الديني، كتب لي أحدهم قائلاً بأن الختان أمر حسّاس جدّاً دينياً. ولذلك يجب الابتعاد عنه وعدم الخوض فيه. وقد حاول ترهيبي بأني سوف أدخل نار الجحيم، حتى قَبل أن يقرأ كتابي. وقد كتب لي أحدهم: «لماذا تهتم بموضوع ختان الذكور والإناث بينما هناك مشاكل أخرى. هل موضوع الختان يستحق كل هذا الاهتمام؟» فسألته: «هل بتر 15 مليون طفل سنوياً ليس أمراً يستحق الاهتمام؟» ولكنّه لم يرد على سؤالي.

2) التحرّك على المستوى الديني

رأينا أن الدين هو من أهم العوامل التي تتحكم بعمليّة ختان الذكور والإناث. ويلعب رجال الدين دوراً تختلف أهمّيته حسب المجتمعات. ولكن مهما يكن دورهم ضئيلاً، فإنهم يتحمّلون وزر استمرار هذه العمليّة لأنهم كثيراً ما يقومون بممارستها بأنفسهم كما هو الأمر عند اليهود، ولأنهم يبرّرون تلك العمليّة من الوجهة الدينيّة، أو يسكتون عنها. وهم عامّة متمسّكون بالتفاسير الحرفيّة للكتب المقدّسة التي تخدم مصالحهم. والناس من ورائهم يسيرون كقطعان غنم وراء راع أعمى. وهناك ثلاثة حلول للتعامل مع رجال الدين.

أ) علاج وعزل رجال الدين ومنع قراءة بعض النصوص الدينيّة

يلعب الدين دوراً كبيراً في عمليّات البتر الشاذّة. وإن كان ممكناً اللجوء إلى الأدوية الكيماويّة والجراحة لعلاج الشذوذ الفردي، إلاّ أنه من غير المتصوّر إعطاء أدوية مهدّئة لجميع اليهود والمسلمين حتى يكفوا عن ختان أطفالهم.

وقد اقترح «فولكوف» لمكافحة طائفة الخصيان في روسيا تنظيم شبكة من الهيئات السياسيّة والتعليميّة، وإرسال أشخاص للتثقيف ضد تفسيرهم للدين وأطبّاء للمناطق التي تتواجد فيها تلك الطائفة، وعمل قائمة بالخصيان المعروفين ومراقبتهم بشدّة، وأخذ الإجراءات الإداريّة لفصل الخصيان المتعصّبين ووعّاظهم ومن يقومون بالخصي وإبعادهم عن الشعب. وهذا الأسلوب مثل سابقه لا يمكننا اللجوء إليه في مكافحة الختان دون أن يثير حركة معارضة شديدة.

وقد ذكرنا أن البعض يرى ضرورة منع الشاب الذي يبتر نفسه من قراءة النصوص الدينيّة التي قد تبرّر في عينيه تصرّفاته الشاذّة. إلاّ أنه من الصعب منع قراءة النصوص الدينيّة المتعلقة بختان الذكور خاصّة أن اليهود يعتبرونها من صميم اعتقادهم الديني.

وبدلاً من علاج وعزل رجال الدين ومنع قراءة بعض النصوص الدينيّة، يقترح البعض إشراك رجال الدين في الحملة ضد الختان ويرى البعض الآخر ضرورة تثقيف الشعب وتحصينه ضد تأثير رجال الدين والنصوص الدينيّة.

ب) إشراك رجال الدين في الحملة ضد الختان

هناك تيّار يحاول، إمّا عن جهل أو عن حيلة، كسب تأييد رجال الدين إلى صفوفهم. وبطبيعة الحال ليس من السهل الحصول على تأييد جميع رجال الدين. فالسلطات الدينيّة المسيحيّة واليهوديّة في فرنسا لم تأخذ موقفاً من ختان الإناث رغم مطالبة الحركات النسائيّة.

وإن كان من المفيد إشراك رجال الدين، فإنه يجب تثقيفهم قَبل ذلك. ففاقد الشيء لا يعطيه. ورجال الدين يجهلون أو يتجاهلون موضوع ختان الذكور والإناث حتى في مجال الجدل الديني. وعلى فرض أن رجال الدين وافقوا على تثقيفهم يبقى موضوع إمكانية جرّهم لأخذ مواقف شجاعة. وهذا أمر يكاد يكون مستحيلاً في وقت تتكلم فيه السلطات الدينية عن الحوار بين الأديان. ففتح موضوع الختان قد يعتبر نوع من التحدّي المرفوض ومعاداة للسامية.

ج) تثقيف الشعب وتحصينه ضد سطوة رجال الدين والنصوص الدينيّة

فسّر اليهود المعارضون للختان النصوص التوراتيّة بصورة تاريخيّة فأفرغوها من طابعها الإلهي واعتبروها كتباً غير منزلة. وقد حاول آخرون إبطال مفعول نص الختان باللجوء إلى نص أخرى. فبدلاً من قراءة الفصل 17 من «سفر التكوين» الذي يحتوي على أمر الله إبراهيم بختان ابنه، يقومون بقراءة الفصل 22 والذي يذكر نداء الملاك إبراهيم عندما نوى تضحية ابنه قائلاً: «إبراهيم إبراهيم [...] لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئاً» (التكوين 11:22-12). فهم يعتبرون النص الأول منسوخ بالنص الثاني.

وأمّا عند المسيحيّين، فإن كتبهم المقدّسة قد أخلت الختان من طابعه اليهودي الإجباري وأعطت القيمة ليس لختان الجسد بل لختان القلب. كما أن آباء الكنيسة اعتبروا الختان منافياً لمبدأ كمال الخلق. وأن من يختن عن اعتقاد ديني يقترف خطيئة. ولكن التيّار المسيحي المتعصّب يرفض التخلي عن النصوص التوراتيّة التي يعتبرها نصوصاً موحاة يجب تطبيقها. وقد رد عليهم معارضو الختان بإظهار تناقض تلك النصوص مع روح التعاليم المسيحيّة.

وفيما يخص المسلمين، فإن المشكلة مع النصوص الدينيّة أقل صعوبة ممّا هي عليه عند اليهود والمسيحيّين. فليس من الصعب صدّهم عن ختان الذكور والإناث إذا ما أثبتنا لهم أن القرآن لم يذكرهما، وأن الأحاديث التي تتكلم عنهما ضعيفة، وأنه من غير الثابت أن النبي محمّد قد ختن، وأن الختان في حقيقته مخالف لفلسفة القرآن الذي ينادي بكمال خلق الله وعدم التعدّي على سلامة الجسد وعدم الضرر. وتتمثل المشكلة عند المسلمين خاصّة في جهلهم لمحتوى نصوصهم الدينيّة وانقيادهم وراء رجال دينهم بصورة عمياء.

وعلى من يكافح ضد ختان الإناث والذكور أن يعي صلتهما بالكتب المقدّسة وإمكانية التعامل مع هذه الكتب. وقد يرى البعض ضرورة حذف فكرة الوحي للتخلص من سيطرة هذه الكتب كما فعل المجدّدون اليهود لفترة ما. ولكن هذا الفكر لا يمكن له أن يترعرع إلاّ في جو كامل من الحرّية الفكريّة، ولا يمكن التعاطي معه إلاّ على مستوى الطبقة المثقّفة. ممّا يعني أنه لا يستطيع التأثير على الشعب. ولذلك فإنه من الضروري استعمال منطق أقل جرحاً وحرجاً إذا ما أردنا أن نحمي أطفالنا على المدى القريب. وكما يقول المثل العامّي: «لا تعطي الجوز للي ما عندو أسنان ولا المشط للأقرع». وليس كل الناس على مستوى واحد من الثقافة ووسع الصدر.

3) أساليب توصيل المعلومات للعامّة

هناك أسلوب للكلام والتعامل مع الغير مهما كان الموضوع. هناك أولاً أسلوب الجد باتباع أسلوب «التوليد» الذي كان سقراط أكبر روّاده. فالداية لا تولد الطفل بل تنتظر ولادته. والقصد من هذا الأسلوب هو جر المستمع إلى اكتشاف مكنون نفسه والوصول إلى وحدة في الرأي. وترى ناهد طوبيا أنه من الضروري تبنّي لغة ولهجة بعيدة عن الغضب والانفعال، حتى وإن كان هناك مبرّر للغضب والانفعال. فالغضب والانفعال غير مجديين في التعامل مع القضايا الاجتماعية. فهذه القضايا تتطلب تفكيراً وليس خصاماً.

وإن كان من الضروري اللجوء إلى المنطق والتفكير الهادئ، إلاّ أنه يجب عدم تجاهل الفكاهة والكاريكاتير لأنّهما أكثر فائدة من آلاف المحاضرات والكتب للوصول إلى إلغاء الختان. فالختان مصيبة مبنيّة على خرافات ولا يحتاج المرء إلاّ للقليل من الجهد للاقتناع بسخافتها.

ورغم إننا نعيش عصر التخصّص، إلاّ أن الإنسان يبقى محكوماً في تصرّفاته بعناصر مختلفة منها العقل والشعور والدين. وإن كنّا كلنا نتوق إلى أن تكون تصرّفاتنا عقليّة ومنطقيّة، إلاّ أننا لا نسد آذاننا للمشاعر الإنسانيّة. فالبعض يتذوّق الشعر، ويهتز لسماعه، فيؤثر في حياته. وهناك من يتأثر بالنكتة وخفة الروح أكثر من الجدل الجاد المتعب. وهناك من يقتنع بمثل عامّي. ويرى معارضو ختان الذكور أن هناك حلقة مفقودة في معركة ختان الذكور ألا وهو الأدب والإحساس. ويشدّد أحد المحامين على أهمّية أن يعتمد الدفاع في قضيّة الختان على المعطيات العلميّة كما على المشاعر.

ونحن نؤكد على أن للخطيب والشاعر والأديب وكاتب المسرحيات ومخرجي الأفلام والممثلين دور يساوي، إن لم يكن يفوق، دور المتخصّصين في الدين والقانون والطب وغيرها من العلوم، لأنهم يعرفون كيف ومتى يمكن التأثير على قلوب الناس وعقولهم. ونشير هنا إلى أن المؤتمرات التي تنظمها منظمة مكافحة الختان تلجأ إلى هذه الوسائل وتنشر ضمن أعمالها قصائد شعريّة ضد الختان.

بالإضافة إلى الأساليب السابقة، هناك من لجأ إلى المظاهرات أمام المستشفيات والهيئات الطبّية. وقد شاركت في إحدى تلك المظاهرات عام 1994 في واشنطن، قام خلالها بعض المتظاهرين بحرق وثيقة ميلادهم التي سجّل عليها اسم الطبيب الذي ختنه. كما أحرقوا وثيقة حقوق الإنسان لأنها لم تتضمّن الحق في سلامة الجسد.

وقد بدأ معارضو ختان الذكور في أمريكا ما يسمّى «اقتحام المستشفيات»، بإقامة مظاهرات صاخبة أمامها تأييداً للممرّضات التي يتعرّضن للفصل بسبب رفضهن المشاركة في عمليّات الختان. وقد ذكرنا كيف أن أحد المعارضين قام بسرقة الآلة التي يتم الختان عليها كرد على سرقة قام بها المستشفى عليه قَبل 20 سنة عندما قطع غلفته.

ويقول معارضو الختان أن الأفعال تتكلم بصوت أعلى من الكلام، وإذا اجتمعا فتكون النتيجة أيضاً أكبر. فالذين أصيبوا في جسدهم يستطيعون أن يعبّروا عن آلامهم بصورة مؤثرة أكبر من الكلام الأكاديمي البحت.

4) علاج الآثار النفسيّة للبتر الجماعي الثقافي

بالإضافة إلى الآثار الطبّية الضارّة، يترك ختان الذكور والإناث أثاراً اجتماعية ونفسيّة ضارّة تدوم مدى الحياة. ويرى معارضوه ضرورة الاهتمام بها من خلال الوسائل النفسيّة والتربويّة لمساعدة الشخص المختون والمجتمع وتفادي تكرار الختان.

يقول عالم النفس «جولدمان» عن ختان الذكور أنه إذا ما عرف الشخص بأنه وقع ضحيّة الختان وأنه يعاني من أضراره النفسيّة والصحّية، عند ذلك سوف يأخذ ثلاثة مواقف: الانغلاق على الذات، أو البحث عمّن يستمع له، أو الثورة. وأفضل أسلوب للقضاء على الختان والشفاء من آثاره هو التعبير عنه لأنه يؤدّي إلى راحة نفسيّة ويساعد على استعادة الثقة والإحساس بقوّة ذاتيّة. ولكن التعبير عن الختان ليس مقبولاً في المجتمع عامّة. لذلك قليلاً ما يبوح الشخص عن آلامه. وإذا ما اختار المرء التعبير عن مشاعره، فيجب أن يكون ضمن محيط يثق به. فليس كل مختص في مجال الطب النفسي منفتح على موضوع الختان بسبب حساسيّته. وبما أن الختان له صلة بالعلاقة الجنسيّة، فقد يكون من المهم أن يكون انفتاح المختون مع شريك الحياة الجنسيّة. وإذا كان التعبير عن الشعور ضمن العائلة، فقد يكون مفيداً أن يقدّم معلومات كتابيّة للطرف الآخر حتى يعي المشاكل التي تتعلق بالختان. وإذا عبّر الأهل عن ندمهم لإجراء الختان، فإن ذلك سوف يخفف من الغضب الذي يكنّه المختون نحوهم.

هذا وعمليّة اكتشاف الذات ومحاولة شفائها بحد ذاتها ضروريّة إذا ما أردنا أن نتجنّب الدائرة المفرغة. فقد سبق وذكرنا أن الشخص الذي يتم انتهاكه صغيراً، يقوم عامّة بانتهاك غيره كبيراً. ولكن حتى لا تستمر هذه العمليّة إلى ما لا نهاية، يجب توعية الشخص الذي أنتهك ومساعدته لكي يتغلب على مشاكله الذاتيّة. فإن كان من غير الممكن إرجاع المختون إلى حالته الطبيعيّة جسديّاً ونفسيّاً، فعلى الأقل يجب مساعدته حتى لا يقوم بدوره بانتهاك غيره. وهذا هو الدور الهام لمعارضي الختان في توعية المجتمع أمام ظاهرة انتهاك الأطفال. ونحن ننقل هنا للقارئ رأي عالمة النفس «اليس ميلير» المتخصّصة في هذا المجال.

تقول هذه العالمة بأن القاتل لم يكن ليقتل لو أنه استطاع أن يتذكر كيف أنتُهك في صغره ويعيش تلك اللحظة ويفكر فيها. لذا يجب كسر القمقم الذي كبت فيه الإنسان تجربته في صغره، وإعادته لوعيه، حتى يستطيع أن يتخلص من رغبته في إعادة ما عاشه من ألم على غيره. ويجب لذلك التخلص من المبرّرات التي تردّد لصالح من قام بعمليّة الانتهاك.

فمثلاً يجب أن يعي المختون أنه تم بتر قضيبه والتغلب على حرّيته والسيطرة عليه بحجّة الدين أو حجج أخرى، وأن هذه الحجج لا يمكن الاستناد عليها للتصرّف معه بهذا الأسلوب الوحشي. وهكذا يستطيع أن يفلت من الحلقة المفرغة فلا يقوم بدوره بختان ابنه. وتحمل العالمة «ميلير» على استغلال الدين استغلالاً سيّئا. فالدين يعلمنا أن نحترم أهلنا ولذلك نحجم عن اتهامهم بما يفعلونه معنا. لقد تعوّدنا أن ننظر إلى أعمال القسوة وكأنها أعمال حب. لقد وقعنا تحت تأثير تعاليم التوراة التي تقول: «من لا يستعمل عصاه يبغض ابنه والذي يحبّه يبادر إلى تأديبه» (الأمثال 24:13). ولا أمل في الخروج من المأزق إلاّ بالاعتراف بالحقيقة وهو أن الختان عمليّة بتر وحشيّة مهما كانت الأسباب الدينيّة والاجتماعية. وهذا أيضاً مهم للمشرّع نفسه، فهو لن يحرّك ساكناً قبل أن يعترف بأن الختان جريمة بحق المجتمع لها نتائجها الوخيمة.

وترى هذه العالمة في ختان الإناث والذكور عمليّة انتهاك أحيطت بالقدسيّة. وللتخلص منها يجب كسر هذه القدسيّة التي تحيطها والاعتراف بأن هذا الفعل هو جريمة، أو حسب تعبيرها «أبشع جريمة تقترفها البشريّة» تم تكريسها ولا يوجد أي قانون يمنعها. وفي كل من ختان الذكور والإناث هناك شعور بأن ذلك لمصلحة الأطفال. وهذه العمليّة القاسيّة التي تتم على الصغير تقود هذا الأخير عندما يكبر إلى إجراء مماثل على الغير مع نفس التبريرات. وتضيف بأن كل مجرم كان في بداية الأمر ضحيّة. وحتى لا يكون كل ضحيّة مجرماً يجب توعيته وإشعاره بما وقع عليه في صغره. وفقط عندما يستطيع أن يحس ما أصابه يمكنه أن يرأف بالغير. ويجب في ذلك مصاحبته حتى لا يقود نفسه وغيره إلى الهلاك.

الجزء الخامس
الختان والجدل القانوني

يتم سنوياً بتر ما لا يقل عن 13 مليون طفل و12 طفلة من خلال عملية الختان التي تعتبرها «اليس ميلير» أكبر جريمة في الإنسانية. ورغم هذه الأرقام المخيفة فإن المشرع والمحاكم ورجال القانون لا يعيرون كبير اهتمام لهذه الممارسة بسبب حساسيتها الدينية والسياسية وعلاقتها بالربح.

درسنا في الجزء الثاني موضوع الختان من وجهة نظر الشرائع الدينية اليهودية والمسيحية والمسلمة. وسوف نستعرض هنا المشاكل التي يطرحها الختان على مستوى القانون الوضعي، أي القانون الوطني والدولي.


الفصل الأوّل
منع ختان الذكور عبر التاريخ

تقول طبيبة يهوديّة معارضة لختان الذكور: «حاول مضطهدو اليهود دائماً منع الختان. وكان هدفهم القضاء على الشعب اليهودي وليس لاعتبارات إنسانيّة لصالح الأطفال». وهي تجهد نفسها لإقناع اليهود بأن معارضتها هي للختان نابعة من أسباب إنسانيّة، وتطالب ترك نقد ختان اليهود لليهود أنفسهم حتى لا يفسّر هذا النقد على أنه عداء لليهود. والقول بأن منع الختان لجأ إليه مضطهدو اليهود للقضاء عليهم هو تزوير للتاريخ.

1) منع ختان الذكور في العصور القديمة

أوّل ذكر لمنع الختان هو ما تم في عصر ملك إسرائيل آحاب (توفى عام 853 ق.م). وهذا يستشف من قول النبي إيليّا: «إني غرت غيرة للرب، إله القوات، لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك» (1 ملوك 9:19-10). فعبارة «تركوا عهدك» قد تشير هنا إلى «ترك عهد الختان». وتخليداً لموقف النبي إيليّا، يضع اليهود كرسياً خلال الختان يُدعى كرسي النبي إيليّا كشاهد على إتمام العهد. والنص المذكور لا يقدّم تفاصيل هذا المنع أو أهدافه. وإن صح هذا الخبر، فإن منع الختان نابع من سلطات اليهود ذاتها، وقد تصدّى لهذا المنع رجال الدين اليهود.

وثاني ذكر لمنع الختان هو ما تم تحت سيطرة اليونانيين. فسفر المكابيين الأوّل يخبرنا بأن يهوداً رأوا في انفصالهم عن الأمم مضرّة لهم. فذهبوا إلى الملك اليوناني «أنطيوخس»، ملك سوريا حينذاك، طالبين منه أن يعملوا «بأحكام الأمم»، فأذن لهم ذلك. فقاموا ببناء مؤسّسة رياضيّة بدنيّة في القدس وعملوا لأنفسهم غلفاً وتركوا أولادهم دون ختان. ثم أصدر الملك قانوناً يمنع الختان ويجازي المخالفين بالقتل. وعلى إثر ذلك المنع، قام رجال الدين «الحسيديون» بحملة معادية ضد من تخلى عن الختان، فختنوا بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف. ويبيّن هذا النص أن اليهود هم المبادرون بترك الختان وأن رجال الدين قد تصدّوا لهم. وليس هناك مصدر تاريخي حيادي يثبت إصدار الملك تلك القوانين الصارمة. وقد تكون من اختلاق مؤلف سفر المكابيين لتبرير تصرّفات رجال الدين والظهور بمظهر المضطهد.

وإذا ما انتقلنا إلى خبر منع الإمبراطور «هادريان» (توفى عام 138) للختان، فهو أيضاً مشكوك فيه. ولفهم ما حدث، يجب أن نشير إلى أن اليهود كانوا يمارسون الختان قَبل «هادريان» رغم أن المفكرين الرومان كانوا يستهزئون من هذه العادة ويعتبرونها علامة تعالي اليهود على غيرهم من الشعوب. وقد حاول الأباطرة الرومان اتخاذ قوانين ذات طابع إنساني بقصد الحد من التعدّي على سلامة الجسد. فقد منع قانون روماني صدر عام 97 خصي العبيد تحت طائلة مصادرة نصف أملاك من يقوم بذلك. ويشير قانون آخر بأن من يخصي رجلاً، «بهدف اللذّة أو الجشع»، يعاقب بالنفي إلى جزيرة وتصادر جميع أمواله، والذين كانوا ينتمون لطبقات فقيرة كانوا يصلبون أو يرمون إلى الوحوش لتفترسهم. وهذه القوانين لم تمس ختان اليهود. وقد قام بعض المسيحيّين بختان أنفسهم لكي يستفيدوا من امتيازات اليهود، ومن بينها عدم المشاركة في الطقوس الدينيّة تكريماً للإمبراطور الذي كان يعتبر إلهاً حيّاً في الأرض. وهكذا كان ينظر إليهم وكأنّهم يهود من قِبل الشعوب وكانوا ينجون من اضطهاد اليهود لهم.

وقد أعاد «هادريان» عام 129 أو 130 منع خصي الحر أو العبد، بإرادته أو غصباً عنه، وعاقب على هذه الجريمة بالإعدام ومصادرة الأموال. وذكر أن الطبيب الذي يجري تلك العمليّة ومن يوافق على إجراء «بتر أعضائه الجنسيّة» يعاقب بالإعدام.

وقد أثار استعمال تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة» في هذا القانون جدلاً كبيراً بين الباحثين، وخاصّة اليهود، معتبرين بأنه يعني الختان، وأن ذلك كان موجّهاً ضد اليهود. وهم يشيرون إلى أن هذا المنع كان سبباً في نشوب ثورة «بار كوخبا» بين عام 132-135. فهناك نص تاريخي يذكر أن اليهود قد ثاروا لأنهم منعوا من «بتر الأعضاء الجنسيّة». فربطوا بين هذا النص وبين قانون «هادريان». كما اعتمدوا على قانون أصدره الإمبراطور «أنطونينوس» (توفى عام 161) يقول فيه بأنه يسمح لليهود ختان أطفالهم، ولكنّهم إذا ما مارسوه على غيرهم من الأمم فتجري عليهم العقوبة المطبّقة على من يمارس الخصي. فاعتبروا هذا القرار استثناءاً على المنع الذي كان سارياً في زمن «هادريان». ولكن هذا التفسير لم يلقى إجماعاً بين الباحثين. فقد استمر اليهود في ممارسة الختان في روما ذاتها في زمن «هادريان». وعلى فرض أن «هادريان» منع الختان خارج روما، فإن هذا القرار لم يكن عملاً عدائياً ضد اليهود بقدر ما هو عمل يتفق مع مبادئ هذا الإمبراطور الذي كان يرى في الختان عادة سيّئة، فأدخلها ضمن منعه بتر الأعضاء الجنسيّة. وقد يكون منعه وسيلة لمساندة أولئك اليهود الذين حاولوا استرجاع الغلفة وأبدوا رغبتهم في ترك الختان. ففي تلك الحقبة التاريخيّة، فرض رجال الدين اليهود، إضافة إلى بتر الغلفة، عمليّة سلخ بطانة الغلفة لمنع شد جلد القضيب وإلغاء علامة الختان. وهكذا يكون قرار «هادريان» موجّهاً ضد رجال الدين اليهود، وليس ضد اليهود أنفسهم.

2) منع ختان الذكور في العصور الحديثة

إذا انتقلنا إلى العصر الحديث، نجد أن اليهود المجدّدين في القرن التاسع عشر في ألمانيا قاموا بمحاولة لإلغاء الطابع الإجباري للختان وجعله أقل خطراً على الصحّة كما رأينا في القسم الأوّل. وفي فرنسا، قامت السلطات المدنيّة عام 1843 بإلغاء مص قضيب الطفل، وهي المرحلة الثالثة من ختان الذكور عند اليهود، بسبب مخاطرها الصحّية. وفي كلتا الحالتين قاوم رجال الدين اليهود هذه الخطوة مطالبين بممارسة الختان بالطريقة التي يرونها حتى وإن تسبّب ذلك في تعريض الأطفال لخطر الموت. وما زال حتى يومنا هذا رجال دين يهود وخاتنين يرفضون تدخّل السلطات المدنيّة في شؤونهم ويدافعون عن مص قضيب الطفل.

وفيما يخص الاتحاد السوفييتي، يلاحظ أنه لم يكن هناك أي قانون يمنع ممارسة الختان لا قَبل استلام الشيوعيين الحُكم ولا بعده. وتشير المصادر اليهوديّة ذاتها بأن المسلمين واليهود الذين كانوا يعيشون في وسطهم مارسوا بصورة واسعة ختان الذكور. إلاّ أن الختان تراجع بدرجات متفاوتة بين اليهود المنتشرين في المناطق الأخرى لأسباب ثلاثة:

- هناك أوّلاً موقف اليهود العلمانيين المعادي للختان.

- ثم هناك عدم وجود ثقافة روسيّة مؤيّدة للختان. وكان موقف الهيئات الطبّية الرسميّة معادياً لهذه الممارسة، كما هو الأمر في دول غربيّة كثيرة. فقد كانت تعتبر الختان ضارّاً بصحّة الطفل، يجريه أشخاص غير مدرّبين طبّياً وفي أوضاع غير صحّية، ومن مخلفات الحضارة البدائيّة، وطقساً دينيّاً يضر بالمواطنين مثله مثل باقي الطقوس الدينيّة، وعلامة تعصّب شعوبي تُخَلف شعور بالتعالي على الغير وتزرع البغضاء نحوهم.

- وأخيراً هناك موقف السلطات الحاكمة المعادي للختان. فتلك السلطات كانت تعتبره انتهاكاً للدستور السوفييتي الذي يقر بالحق في عدم الانتماء لأي ديانة. وختان الطفل اليهودي والمسلم يعتبر انتهاكاً لهذا الحق إذ يفرض عليه علامة انتماء دائمة. كما أن الختان يعتبر مخالفاً للمادّة 227 من قانون العقوبات التي تحرّم الممارسات الدينيّة التي تضر بصحّة المواطنين. وعليه، فإن الخاتن اليهودي كان يعتبر مسؤولاً عن أيّة مضاعفات طبّية تنتج عن الختان لممارسته عملاً طبّياً من اختصاص رجال الطب. والأهل الذين كانوا يخضعون أطفالهم للختان، كانوا يتعرّضون لمضايقات ويفقدون امتيازات وحقوقاً. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاتحاد السوفييتي قد لاحق أيضاً أتباع طائفة الخصاة المسيحيّة بصورة أشد ممّا لاحق اليهود لممارستهم بتر الأعضاء الجنسيّة.

هذا ولا نجد أي قانون يمنع الختان في حقبة الحُكم النازي في ألمانيا. فاليهود كانوا يمارسون الختان حتى في المعتقلات. فهذا النظام لم يجرّم الختان، لا بل اعتبره حليفه إذ يُسَهِّل عليه التعرّف على من هو يهودي ومن هو غير يهودي.

وبناء على ما سبق، يمكننا القول إن الختان نادراً ما منع في التاريخ رغم أنه تعدّي صارخ على سلامة الجسد، وأن الذين منعوه لم يقصدوا من ذلك القضاء على اليهود، خلافاً لما يدّعيه بعضهم. وبدلاً من البحث عن محاولات «أعداء» اليهود لمنعهم من ممارسة الختان، على المؤرّخين البحث عن اضطهاد رجال الدين اليهود لإتباعهم وإجبارهم على ممارسة الختان، متعدّين بذلك على حقّهم في تقرير مصيرهم وحقّهم في سلامة جسدهم.

الفصل الثاني
إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث

على العكس ممّا حدث مع ختان الذكور، فإن المشرّع والمفكرين لم يعيروا ختان الإناث في العصور الماضية أي اهتمام. وقد عرف هذا الختان انتشاراً في دول غربيّة في القرن التاسع عشر حتى أواسط القرن العشرين، تحت رعاية رجال الطب، يساندهم في ذلك رجال الدين، كوسيلة للحد من الاستمناء والأمراض التي تنسب إليه. ولكن بسبب عدم وجود أساس ديني مباشر لختان الإناث في التوراة، وبسبب تزايد فعاليّات الحركات النسائيّة الغربيّة، أخذت الدول الغربيّة قَبل وبعد الاستعمار تتصدّى له من خلال التشريعات الوطنيّة والدوليّة ووسائل الإعلام. وقد استطاعت هذه الدول في تأليب منظمات غير حكوميّة في الدول التي تمارسه، تدعمها ماليّاً وفكريّاً. وقد زادت حدّة هذه الحملة بسبب تدفق المهاجرين الأفارقة إلى الدول الغربيّة. هذا ما نود عرضه في هذا الفصل.

1) الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصّصة

نستعرض هنا بصورة مختصرة المواقف التي تبنّتها الأمم المتحدة ومنظمّاتها المتخصّصة حول ختان الإناث.

كان أوّل اهتمام للمشرّع الدولي بختان الإناث في المؤتمر الدولي الذي عقدته عصبة الأمم عام 1931 في جنيف حول وضع الأطفال الأفارقة. فقد أثارت «دوكة أتهول» خلاله موضوع ختان الإناث في قبيلة «كيكويو» الكينيّة. وقد طالب ممثلون أوروبيون المؤتمر بدعوة حكومات الدول التي تمارس هذه العادة «الوحشيّة» اعتبار من يشارك فيها مقترفاً جرماً. ولكن أكثريّة الممثلين لم يكونوا من هذا الرأي. فقد كان هناك رأي عام بأن يثقّف الشعب حتى يتمكن من الحفاظ على هذه العادة أو رفضها كما يرى.

وفي 19 يوليو 1958، دعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة منظمة الصحّة العالميّة «القيام بدراسة حول استمرار تقاليد تُخضِع الفتيات لعمليّات طقسيّة والخطوات التي اتخذت أو يقصد اتخاذها لوضع حد لهذه الممارسات». إلاّ أن الجمعيّة العامّة لمنظمة الصحّة العالميّة رفضت هذا الطلب في 28 مايو 1959، معتبرة أن «تلك العمليّات الطقسيّة ناتجة عن مبادئ اجتماعية وثقافيّة ليس لمنظمة الصحّة العالميّة صلاحيّة لدراستها».

وأوّل رد فعل من قِبَل منظمة الصحّة العالميّة على مطالب الأمم المتحدة لدراسة ختان الإناث جاء على شكل تقرير حول آثاره الصحيّة قدّمه في 30 سبتمبر 1976 الدكتور «روبيرت كوك»، المستشار الصحّي لمكتبها الإقليمي في منطقة شرق المتوسّط. وقد قسّم هذا الدكتور الأمريكي ختان الإناث إلى أربع فئات وهو لا يدينها جميعها. فـهو لا يرى مضرّة في «ختان السُنّة» الذي يوازي ختان الذكور ما دامت الولايات المتحدة تمارسه أيضاً.

وقامت منظمة الصحة العالمية ما بين 10 و15 فبراير 1979 بتنظيم مؤتمر في الخرطوم حول الممارسات التقليديّة المؤثرة على صحّة النساء والأطفال، من بينها عادة ختان الإناث، حيث تم جمع ممثلين عن عشر دول هي بوركينا فاسو، وجيبوتي، ومصر، والحبشة، وكينيا، ونيجيريا، وعُمان، والصومال، والسودان، وجنوب اليمن. وقد صدر عن هذا المؤتمر توصيات بتبنّي سياسات وطنيّة واضحة للقضاء على ختان الإناث دون تفريق بين أنواعه المختلفة. ويعتبر هذا المؤتمر نقطة تحوّل في النضال ضد ختان الإناث. فمنذ ذلك الحين، تزايد اهتمام منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها بهذا الموضوع.

وفي يونيو 1982 أعلنت منظمة الصحّة العالميّة في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بأنها تدعم توصيات مؤتمر الخرطوم. وأضافت، متناسيّة موقفها السلبي السابق، بأنها «كانت دائماً ترى وجوب عدم إجرائه من قِبَل أصحاب المهن الصحّية في أي محيط كان بما في ذلك المستشفيات والمنشآت الطبّية الخاصّة».

وفي فبراير 1984 عقدت مجموعة العمل الخاصّة بالممارسات التقليديّة المؤثرة على صحّة النساء والأطفال بالتعاون مع منظمة الصحّة العالميّة مؤتمراً في داكار. وقد تم الاتفاق بين الحاضرين على ضرورة وضع ختان الإناث في التقرير السنوي المقدّم للجمعيّة العامّة لمنظمة الصحّة العالميّة من قِبَل جميع الدول ذات العلاقة.

وفي 1990 دخلت حيّز التنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي تقول في الفقرة الثالثة من المادّة 24: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعّالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليديّة التي تضر بصحّة الأطفال». وقد تم في ذاك العام تبنّي تعبير بتر الأعضاء الجنسية للإناث بدلاً من تعبير الختان وذلك في مؤتمر عقدته في أديس أبابا اللجنة الأفريقية الخاصّة بالممارسات التقليديّة المؤثرة على صحّة النساء والأطفال بالتعاون مع منظمة الصحّة العالميّة.

وفي سبتمبر 1994 تضمّن برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عقد في القاهرة توصيات حول ختان الإناث مطالباً الدول باتخاذ الخطوات لإيقافه ودعم المنظمات الجماعيّة والدينيّة التي تكافح ضدّه. ويذكر التقرير بين مظاهر العنف التي تتعرّض له النساء ختان الإناث والذي يعتبر خرقاً لحقوق المرأة الأساسيّة وخطراً كبيراً ودائماً على صحّتهن، يُقصد منه كبح العلاقات الجنسيّة للنساء.

وفي سبتمبر 1995 حث برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الخاص بالمرأة المنعقد في بكين الحكومات والمنظمات الدوليّة وغير الحكوميّة لوضع خطة للقضاء على التمييز ضد الفتيات ومن ضمنه ختان الإناث. وقد أكد المؤتمر على واجب الحكومات لمكافحة العنف ضد النساء كأولويّة، بما في ذلك ختان الإناث، من خلال تثقيف العامّة وسن القوانين ورفض ممارسته من قِبَل المهن الطبّية باعتباره خرق لحقوق الإنسان وخطر على صحّة المرأة. كما أكد على ضرورة العمل من خلال منظمات الأمم المتحدة المختلفة لتشجيع الدول الإفريقيّة لوضع خطة وطنيّة تتفق وثقافتها لإلغاء ختان الإناث.

وفي فبراير 2000 اتخذت الجمعيّة العامّة قراراً بخصوص الممارسات التقليديّة المؤثرة على صحّة النساء والفتيات معتبرة تلك الممارسات عنف ضدّهن وانتهاك لحقوقهن الأساسيّة، ومطالبة الحكومات والمنظمات المدنيّة السعي لتغيير العادات بصورة جوهريّة.

ويمكننا اختصار موقف منظمة الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصّصة من الختان كما هو عليه الأمر اليوم في النقاط التالية:

- إدانة ختان الإناث بجميع أنواعه واعتباره مخالف للحق في سلامة الجسد والصحّة الجسديّة والنفسيّة، وتمييز وعنف ضد النساء.

- رفض إجراء هذه العمليّة في الأوساط الطبّية.

- المطالبة بوضع قوانين لمنع ختان الإناث ومعاقبة مهني الصحّة الذين يمارسونه.

- لا تدخل هذه المنظمات في التفاصيل فيما إذا كان مسموحاً ممارسة ختان الإناث على البالغين.

وكما هو واضح فإن مواقف الأمم المتحدة تقتصر على ختان الإناث دون ختان الذكور. وقد أرسلت للسيدة حليمة الورزازي، مقررة الأمم المتحدة الخاصّة بالعادات التقليدية الضارّة، عدّة أسئلة لاستشفاف موقف منظمتها. وهذا هو ردّها كما وصلني في 7 فبراير 1997 (مع تصرّف بسيط وضعته بين قوسين معكوفين للإيضاح):

1) هل تكافح الأمم المتحدة ضد ختان الذكور والإناث أم فقط ضد أحدهما؟ وفي هذه الحالة أي منهما؟ ولماذا تهمل الآخر؟

الجواب: تعتبر الأمم المتحدة فقط ختان الإناث عادة ضارّة يجب القضاء عليها. أمّا ختان الذكور فهو ليس من اهتمامات الأمم المتحدة. وأنا أعتبر أن هذه الممارسة، بالإضافة إلى كونها دينيّة عند اليهود والمسلمين، هي عادة مرتبطة بالنظافة التي يمارسها الأطبّاء الأمريكيّون حالاً بعد الولادة، مهما كان دينهم على اليهود والمسلمين والكاثوليك أو غيرهم. ولهذا أرى بأنه ليس من المناسب الخلط بين ختان الإناث الضار للصحّة وختان الذكور الذي هو، على خلاف ختان الإناث، مفيد للصحّة.

2) هل تتفق الأمم المتحدة مع القول بأن الأفراد أو المجموعات الذين لا يمارسون ختان الذكور والإناث أو أي منهما يحق لهم مكافحة هذه الممارسات؟ مثلاً هل تقبلون أن يكافح البيض ضد ختان الذكور أو الإناث الذي يمارسه السود؟ أو أن يكافح المسيحيّون ضد ختان الذكور والإناث الذي يمارسه المسلمون واليهود؟ إن كان الجواب نعم أو لا، الرجاء إعطاء الأسباب في كلا الحالتين.

الجواب: إن هذا السؤال، كما يبين لي، ذات طابع تمييزي عنصري فيما يخص اللون والدين. إن الأمم المتحدة بكفاحها ضد ختان الإناث، لا تكافح بسبب اللون أو الدين، ولكن لحماية النساء والأطفال من المضار الكثيرة لهذه الممارسة.

3) هل تقبل الأمم المتحدة ممارسة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كان ذلك الدين: يهوديّة، أو إسلام، أو ديانة تقليديّة animism؟

الجواب: إني أشارك الأمم المتحدة رأيها الطبّي فيما يخص ختان الذكور مهما كان دين الأطفال أو البالغين.

4) هل تقبل الأمم المتحدة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب ثقافيّة على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ مهما كانت تلك الثقافة: غربيّة أو غير غربيّة؟

الجواب [فقط عن ختان الإناث]: إني أرفض ختان الإناث. ورفضي لمثل هذه الممارسة لا علاقة له بالثقافة. إن الأمم المتحدة تعتبر كل خرق لسلامة جسد النساء والفتيات مع ما يلحقه من نتائج بسبب ختانهن هو خرق لحقوق الإنسان. وعليك في ذلك أن ترجع لإعلانات بكين أو القاهرة بخصوص النساء والسكان. ويمكن لمركز حقوق الإنسان أن يرسل لك التقارير الخاصّة ببتر الأعضاء الجنسيّة للإناث.

5) هل تقبل الأمم المتحدة بأن يجري الأطبّاء ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس لأسباب طبّية) على الأطفال؟ أو على البالغين بموافقتهم؟ لا يحق للأطبّاء بتر إصبع أو أذن سليمة حتى ولو طلبها بالغ. هل ترى منظمتكم بأن هذه القاعدة تنطبق أيضاً على ختان الذكور أو / والإناث؟

الجواب: إن جوابي لا يخص إلاّ ختان الإناث. إني أطالب بإلغاء هذه العادة تماماً. ولا يحق لأي طبيب أن يمارس ختان الإناث.

6) هل تقبل الأمم المتحدة بأن تمنع القوانين ختان الذكور أو / والإناث وأن تعاقب عليه؟ حتى وإن كان ذاك الختان لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ حتى وإن كان المختون بالغاً؟ ما نوع العقاب الذي تقترحونه؟ وهل يعاقب أهل الطفل؟ أم المختون البالغ؟ أم الذي يجري الختان؟

الجواب: [فقط عن ختان الإناث]: يجب التعامل مع ختان الإناث، بسبب علاقته بالثقافة (فهو ليس عادة دينيّة)، بكل حِكمة. فالتربية والتعليم يجب أن يسبقا القوانين الجزائيّة لأنه قد لا تؤدّي هذه القوانين للنتائج المرجوّة وقد تقود الأهل إلى ممارسة ختان الإناث في السر. أمّا الأطبّاء، فإنه يجب معاقبتهم. ويجب ملاحظة أن الحكومة المصريّة قد أخذت قانوناً في هذا المعنى. وبخصوص المرأة التي تخضع بإرادتها للختان، وهذا لا يحدث كثيراً، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن عمله هو تقديم المساعدة لها عند الحاجة.

7) هل تظن الأمم المتحدة بأن للأهل الحق في إعطاء الموافقة بدلاً من أطفالهم القُصّر في إجراء عمليّة ختان الذكور أو / والإناث لأسباب دينيّة أو ثقافيّة (وليس طبّية)؟ وان كان الجواب نعم، فحتى أي سن؟

8) بعض الجماعات تعتبر الكفاح ضد ختان الذكور أو / والإناث موقف إمبريالي، معادي للساميّة أو للإسلام أو للسود؟ هل تهتم منظمتكم بمثل تلك الاتهامات؟ وما هو ردكم عليها؟ وهل سبق أن أتهِمتم بذلك؟ ومن قِبَل من؟

الجواب على السؤالين [فقط عن ختان الإناث]: ما دام أن مكافحة ختان الإناث هو من مجال حماية الضحايا ومناهضة ممارسات مخالفة لحقوق الإنسان، يجب أن لا نعير أي اهتمام لما قد يظنّه شخص أو مجموعة من الأشخاص. ومكافحة ختان الإناث في أيّامنا تتم في نجاح. والذي يثبت أن الجماعة الدوليّة تسير على الطريق الصحيح هو أن الكلام عن ختان الإناث لم يعد من المحرّمات (تابو).

وقد أشارت هذه المقرّرة لمرسلاتنا في تقريرها المقدّم للأمم المتحدة في 1997 إذ تقول فيه:

«لقد بدأت بعض الجامعات ببحث هذه المشكلة بعمق أكثر. ففي بداية شهر يناير من عام 1997، على سبيل المثال، قدّم مدرّس في المعهد السويسري للقانون المقارن أسئلة للمقرّرة الخاصّة يود استعمالها كأساس لكتاب حول ختان الذكور والإناث. وقد أوضحت المقرّرة أن ختان الذكور ليس موضع اهتمام الأمم المتحدة إذ إن فقط ختان الإناث يعتبر ضارّاً ويجب القضاء عليه. ولذلك ليس من المناسب عرض تحت نفس العنوان كل من ختان الإناث الضار بالصحّة وختان الذكور الذي ليس له آثار ضارّة، لا بل يعتبر مفيداً».

وفي تقريرها لعام 2000 تقول السيّدة حليمة الورزازي بأنها استلمت عدّة رسائل تدين ختان الذكور. ولكنها تأكد على أن مهمّتها تنحصر في ختان الإناث. كما تدّعي أنه لا يمكن مقارنة أو مساواة الآثار الضارّة لختان الذكور بالعنف والخطر الذي تواجهه البنات والنساء. وتضيف بأن ختان الذكور يقلل من احتمال انتقال مرض الإيدز من النساء إلى الرجال.

ومن الواضح أن الأمم المتحدة تعتمد في موقفها غير المعادي لختان الذكور على كونه مطلب ديني وغير ضار بالصحّة، لا بل قد يكون مفيداً. ولكن لا بد من الإشارة إلى أن ختان الإناث هو أيضاً مطلب ديني عند من يمارسونه. ولم تقم الأمم المتحدة ولا منظماتها المتخصّصة بأي دراسة حول مضار ختان الذكور. ونذكر هنا أن لختان الذكور أشكال مختلفة بعضها أكثر شدّة من بعض أشكال ختان الإناث. وموقف الأمم المتحدة من ختان الذكور مبني في حقيقة الأمر على اعتبارات سياسية. فقد قابلت في جنيف، في 12 يناير 1992، الدكتورة «ليلى مهرا»، رئيسة دائرة تخطيط العائلة والسكان في قسم صحّة العائلة التابع لمنظمة الصحّة العالميّة في جنيف وسألتها عن سبب سكوت منظمتها عن ختان الذكور. وكان ردّها: «إن ختان الذكور جاء في التوراة. هل تريد أن تخلق لنا مشاكل مع اليهود؟»

2) إدانة المشرّع الوطني لختان الإناث

تكفي القواعد العامّة في قانون العقوبات لملاحقة ومعاقبة كل حالات بتر الأعضاء الجنسية التي تمارس على الذكور والإناث. ولكن بعض الدول فضّلت اتخاذ قوانين خاصّة ضد ختان الإناث بينما تسكت جميع الدول عن ختان الذكور. وسوف نستعرض هنا موقف بعض الدول الغربية ودولة مصر حول هذه الممارسات.

أ) سويسرا

تعتبر سويسرا أول دولة أخذت موقفاً معادياً لختان الإناث. فقد أثار السيّد «ادمون كيزر»، مؤسّس منظمة «أرض الناس»، هذا الموضوع على المستوى العالمي في مؤتمر صحفي عقده في جنيف في 25 أبريل 1977 دعا إليه عدد من الأطبّاء والكتاب. وقد طالب منظمة الصحّة العالميّة مناقشته في الجمعيّة العالميّة التي عقدت في شهر مايو من ذاك العام. وقد أرسل رسالة إلى كورت فالدهايم، السكرتير العام للأمم المتحدة، لكي يفرض على منظمة الصحّة العالميّة هذا النقاش. كما أبلغ اتحاد الأطبّاء السويسريين بأن عمليّات ختان إناث تتم في المستشفيات الأوروبيّة. فرفع الاتحاد طلب إلى اللجنة المركزيّة للأخلاق الطبّية التابعة للأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّية التي أصدرت بلاغا عام 1983 قرّرت فيه ما يلي:

- كل شخص يجري عمليّات بتر جنسيّة طقسيّة على إناث صغار أو صبيّات، حتى وإن كان طبيباً يمارس ضمن شروط صحّية لا غبار عليها، يقترف جرحاً جسديّاً خطيراً ومتعمّداً حسب المادّة 122 من قانون العقوبات. ولذلك يجب ملاحقته تلقائيّاً.

- ينتهك هذا الشخص حق أساسي بإجرائه تلك العمليّة الوحشيّة والمذلة على قاصرة غير قادرة على الوعي ولا تستطيع التمسّك بحقّها الشخصي في سلامة الجسد.

- كل شخص يتعاون مع مثل هذه العمليّة يعتبر شريك في الجريمة حسب قانون العقوبات وينتهك حقوق الإنسان.

- الذين يقترفون مثل هذه الجريمة وشركاؤهم بصفتهم أطبّاء أو ممّن يمارسون مهنة العلاج يخالفون بصورة خطيرة جدّاً مبادئ الأخلاق التي تحكم مهنتهم.

وقد ذكرت هذه اللجنة بمحتوى المادّة 122 من قانون العقوبات والتي تقول: «كل من يبتر جسم شخص، أو أحد أطرافه أو أعضائه المُهمّة أو عطل وظيفتها [...] يعاقب بالسجن لمدّة أقصاها عشر سنين أو بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنين».

ورداً على استجواب رفعه أعضاء من المجلس الوطني في 7 أكتوبر 1992، أشار المجلس الفدرالي في 1 مارس 1993 إلى قرار الأكاديميّة السويسريّة للعلوم الطبّية وأكد على أن «قانون العقوبات يعتبر بتر البظر جرحاً جسديّاً خطيراً. وبما أن سلامة الجسد أحد أثمن الأشياء التي يحميها القانون السويسري، فإن أي شخص يجري عمليّة بتر طقسيّة للأعضاء الجنسيّة، خاصّة على الإناث الصغيرات، يعتبر مقترفاً جريمة تلاحق تلقائياً». وأضاف: «في سويسرا وباقي الدول الأوروبيّة، يعتبر بتر البظر معاملة غير إنسانيّة حسب المادّة 3 من المعاهدة الأوروبيّة لحقوق الإنسان. ولذلك، فإنه في حالة قرار إبعاد امرأة أجنبيّة ووجود خطر حقيقي لتعرّضها لمثل هذه المعاملة غير الإنسانيّة، فإن قرار الإبعاد يجب أن يوقف ويستبدل بقرار بقاء مؤقّت».

وقامت سيّدتان من الإعلام معارضتان لختان الإناث بتشجيع أم صوماليّة لطلب اللجوء السياسي حتى تتفادى ابنتها الختان. وقد صاحبتاها في الإجراءات. إلاّ أن السلطات السويسريّة رفضت منح اللجوء السياسي، مكتفية بمنح إذن الإقامة المؤقّتة. وقدّم البرلماني «جان زيجلير» في 21 يونيو 1996 طلباً بإعطاء اللجوء السياسي للنساء المهدّدات بالختان، كما في فرنسا. فرد المجلس الفدرالي بأن فرنسا لا تمنح اللجوء السياسي لهذا السبب وأنه يكتفي بإذن الإقامة. وأشار بأن تعديل قانون اللجوء السياسي يأخذ بالاعتبار خطر الختان. والقانون المذكور دخل حيّز التنفيذ في 1 أكتوبر 1999 وتقول المادّة الثالثة في فقرتها الثانية من هذا القانون بأنه يجب الأخذ بالاعتبار الأسباب الخاصة بهرب النساء عند فحص طلبات اللجوء السياسي. ويقول كتاب إجراءات اللجوء كما تم تحديثه في ديسمبر 2000 بأن تعتبر النساء التي تخاف من الختان «فئة اجتماعية معيّنة» ولكن لن تمنح اللجوء السياسي النساء التي تأتي من دول مثل ساحل العاج أو الكميرون التي تنشط أو تأخذ إجراءات قانونية لمنع ختان الإناث لأن النساء يمكنهن الحصول على حماية من قِبل تلك الدول. وهذا يعني أننا أمام تطوّر جديد في سياسة اللجوء السياسي بخصوص ختان الإناث.

ورغم هذا الموقف الشديد، لم يتم في سويسرا ملاحقة أي شخص قام بهذه العمليّة.

ب) فرنسا

هذه هي الدولة الوحيدة التي حكمت محاكمها على ممارسي ختان الإناث رغم أنه لا يوجد فيها قانون خاص في هذا المجال. وقد اعتمدت المحاكم على المادّتين التاليتين من قانون العقوبات الجديد الصادر في 1 فبراير 1994:

المادّة 222-9: العنف الذي ينتج عنه قطع أو عاهة مستديمة يعاقب بالسجن لمدّة عشر سنين وبغرامة قدرها مليون فرنك.