Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

http://www.sami-aldeeb.com/

2003


مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي



نبذة عن المؤلف

سامي عوض الذيب أبو ساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1994 في الزبابدة، فلسطين.

أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسئول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة في عدّة لغات. وألقى محاضرات عدّة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت www.sami-aldeeb.com


من بين كتبه

- أثر الدين على النظام القانوني في مصر: غير المسلمين في بلاد الإسلام، 1997 (بالفرنسيّة).

- التمييز ضد غير اليهود مسيحيّين ومسلمين في إسرائيل، 1992 (بالفرنسيّة).

- المسلمون وحقوق الإنسان: الدين والقانون والسياسة، دراسة ووثائق، 1994 (بالفرنسيّة).

- ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين، 2001 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).

- المقبرة الإسلاميّة في الغرب: النظم اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، 2002 (بالفرنسيّة).

- المسلمون في الغرب بين الحقوق والواجبات، 2002 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).


الكتاب الذي بين يديك

هذا الكتاب مختصر لكتاب مطول يجده القارئ في موقعي على الانترنيت. وقد أصدرت دار رياض الريس في بيروت عام 2000 الجزء الأول من الكتاب المطول تحت عنوان: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني. كما صدر الكتاب كاملاً، دون الملاحق، باللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة.

مؤامرة الصمت

ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي




مختصر محتويات الكتاب

يجد القارئ المحتويات كاملة في آخر الكتاب


تقديم الدكتورة نوال السعداوي 11

المقدّمة 17

الجزء الأوّل: تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه 21

الفصل الأوّل: تعريف الختان 21

الفصل الثاني: الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي 24

الجزء الثاني: الختان والجدل الديني 27

الفصل الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي 27

الفصل الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي 54

الفصل الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي 71

الجزء الثالث: الختان والجدل الطبّي 105

الفصل الأول: الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث 105

الفصل الثاني: الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث 109

الفصل الثالث: المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث 119

الفصل الرابع: الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث 131

الفصل الخامس: المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة 152

الجزء الرابع: الختان والجدل الاجتماعي 157

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي 157

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط 162

الفصل الثالث: الختان والدين 165

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة والأعداد للزواج 167

الفصل الخامس: الختان والنظام القَبلي والطائفي 171

الفصل السادس: الختان وغريزة التسلط 175

الفصل السابع: الختان والعوامل الاقتصادية 178

الفصل الثامن: الختان والدوافع السياسيّة 183

الفصل التاسع: النتائج النفسيّة والاجتماعية للختان 189

الفصل العاشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان 198

الجزء الخامس: الختان والجدل القانوني 205

الفصل الأوّل: منع ختان الذكور عبر التاريخ 205

الفصل الثاني: إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث 208

الفصل الثالث: الختان وحقوق الإنسان 219

الفصل الرابع: ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية 226

الفصل الخامس: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات 232

الفصل السادس: الختان واللجوء السياسي 238

خاتمة الكتاب 243

ملاحق 245

كامل محتويات الكتاب 335

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

منحني هذا الكتاب لذّة المعرفة. أدركت منذ الطفولة أنها أكثر أهمّية من لذّة الحلوى في العيد أو الفستان الجديد، رغم أنها لم ترد في كتب الله الثلاثة ضمن ملذّات الدنيا والآخرة. كنت أتساءل دائماً لماذا تغيب في جنّة عدن. لم أنبهر كثيراً بالجنّة وما فيها من لبن وعسل وخمر وحور وغلمان. كانت لذّة المعرفة تبدو لي أكثر أهمّية من كل ذلك. منذ تعلمت القراءة انفتح عالم الكلمات أمامي على نحو مبهر. إلاّ أن اللذّة كان يصاحبها الإثم دائماً. ربّما بسبب خطيئة حوّاء (كما شرحها لنا المدرّسون) لأنها أكلت الثمرة المحرّمة. لم يذكر الله اسم الشجرة في القرآن، لكنّه ذكر اسمها في كتابه الأوّل التوراة، وقال إنها شجرة المعرفة. عرفت منذ المدرسة الابتدائية أن التوراة والإنجيل أنزلهما الله نوراً وهدى للناس كما أنزل كتابه الثالث القرآن. اقترن الإيمان بالإثم منذ قرأت الكتب السماويّة. يتزايد الإثم في أعماقي مع تزايد المعرفة، حتى قرّرت في مرحلة المراهقة الأولى أن أكف عن القراءة.

كنت في مدرسة تجمع التلميذات من الأديان الثلاثة المسلمات والقبطيّات واليهوديّات، وكم تصارعنا حول أيها الدين الصحيح، وكم تنافسنا في اصطياد الآيات غير المنطقيّة في الكتاب الذي لا نؤمن به. عانيت كثيراً لأني كنت مسلمة ورثت الإسلام عن أبي الذي قال لي إنني يجب أن أومن بكتب الله الثلاثة. عانيت وحدي وأنا أقرأ هذه الكتب. أتوقّف عند آيات لا يقبلها عقلي. وأسأل أبي وأمي والمدرّسين إلاّ أن أحداَ لم يكن يرد على تساؤلاتي.

لا زلت حتى اليوم وبعد أن تجاوزت الستين عاماً أحاول الإجابة على كثير من الأسئلة الطفوليّة التي دارت في رأسي وأنا في العاشرة من العمر دون أن أجد لها جواباً. إن النشاط الهرموني المتزايد في سن المراهقة الأولى يزيد نشاط الخلايا العقليّة، ويصاحب رغبة الاستطلاع الجنسيّة رغبة استطلاع فكريّة. وفي هذا العمر تزيد الضغوط العائليّة والاجتماعية على المراهقين والمراهقات تحت اسم الحماية أو العفة. وتسعى السلطة في الدولة أو العائلة لمصادرة الكتب. هكذا يصاحب التعفف الجنسي تعفف فكري، ويتم تحريم الأفكار الأخرى بمثل ما يتم تحريم الاختلاط بالجنس أو الأجناس الأخرى.

في بلادنا العربيّة لا أظن أننا تخلصنا من داء مصادرة الكتب التي تفتح عقول الشبان والشابّات على أفكار مختلفة لم ترد للأسلاف من الأجداد أو الأنبياء. منذ أيّام قليلة (خلال شهر أبريل 1999) منعت الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة عدداً من الكتب، ومنها سيرتي الذاتيّة المترجمة إلى الإنكليزيّة، رغم أنها نشرت بالعربيّة منذ عامين. وهذا يدلنا على أن الرقابة على الكتب أو على المعرفة لا تزال موجودة في بلادنا، بل إنها تشتد تحت اسم حماية الشباب من الأفكار التي قد تهز إيمانهم الديني! فهل الإيمان قشة يمكن أن يذروها الهواء؟ هل لا بد من غلق النوافذ حتى تظل هذه القشة ملتصقة بقشرة المخ؟ وإن انفتحت نافذة واحدة طارت القشرة ومعها القشة؟!

في العاشرة من عمري في قريتي في مصر كنت ألتهم أي كتاب يقع في يدي، وأقرأ القراطيس التي يلف فيها اللب أو الفول السوداني. كانت صفحات من كتب قديمة يبيعها المفكرون الفقراء بالأقة لأصحاب الدكاكين. تخيّلت وأنا أقرأ هذا الكتاب لو أنه وقع في يدي منذ أربعين عاماً، هل كان يوفر عليَّ السنين الطوال التي أنفقتها في البحث والتنقيب عن الحقيقة؟ التي كانت تتسرّب كالماء من بين أصابعي، ما أن أمسكها حتى تفلت منّي كالسمكة في البحر، وأعود أدراجي إلى الصلاة والتوبة عن الإثم.

هذا الكتاب من الكتب الضروريّة للمكتبة العربيّة. لهذا أود أن يُنشر هذا الكتاب في بلادنا العربيّة، وأن يكون في متناول الشبان والشابّات والتلاميذ والتلميذات في المدارس والجامعات.

أحد الأسلحة في مجال الثقافة العامّة، حيث تحرّم الأغلبيّة الساحقة من الثقافة الحقيقيّة، حيث يفشل نظام التعليم في تدريب الشبان والشابّات على تشغيل عقولهم. تؤدّي الهزيمة العقليّة إلى هزيمة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة. إن الثقافة غير منفصلة عن السياسة أو الدين أو الحرب، والعقل هو الذي يوجّه اليد التي تمسك السيف أو البندقيّة.

لا أظن أن بلادنا يمكن أن تنهض من كبوتها أو هزائمها المتتالية أمام الغزو الخارجي أو البطش الداخلي دون نهضة عقليّة، دون حرّية فكريّة بحيث يكون الشك هو خادم المعرفة كما يقول مؤلف هذا الكتاب، الحقيقة إذا كانت حقيقة فإنها تقوى أمام كل امتحان.

الشك أوّل الخطوات نحو المعرفة وليس الإيمان. فالإيمان موروث يطمس العقل ويمنعه من التفكير بحرّية. حتى في كليات الطب لم تكن المعرفة واردة، بل التدريب على إجراء عمليّات موروثة عن الآباء والأجداد. أود أن يُدرّس هذا الكتاب للأطبّاء والطبيبات في بلادنا حتى يكفوا عن إجراء عمليّات الختان للذكور والإناث على حد سواء.

يبدأ الدكتور سامي أبو ساحلية كتابه بأنه تألم حين سمع طفلاً يصرخ من شدّة الألم أثناء عمليّة ختان. بقي هذا الصراخ يدوّي في أعماقه رغم أنه هو نفسه لم يتعرّض لعمليّة الختان. فلماذا لا يسمع الأطبّاء هذا الصراخ أثناء إجرائهم هذه العمليّة؟ أليس للأطبّاء آذان وقلوب تتألم مثل البشر؟ أليس للآباء والأمّهات الذين يسمعون صراخ أطفالهم آذان وقلوب؟!

الجهل يطمس القلوب والآذان فلا تسمع ولا تحس. الجهل يقلب الأمور رأساً على عقب فيصبح الألم فرحاً وسفك الدم مبعث السرور والبهجة. ألم يبتهج إله موسى في التوراة حين رأى الدم يسيل من ابنه حين أمسكت زوجته صفورة حجر صوّان وقطعت غرلته؟! إذا كان الإله (الذي هو المثل الأعلى للبشر) يبتهج لمنظر الدم فماذا يفعل البشر؟!

الله هو العدل كما عَرفت من جدّتي الفلاّحة الفقيرة: «ربّنا هو العدل عرفوه بالعقل» هي عبارتها. رسخت في ذهني منذ السادسة من عمري، مع الألم الذي أشعر به إثر عمليّة الختان، وصراخ أختي لا يزال في أذني رغم مرور ستين عاماً. وقد توالى الصراخ في بيتنا إثر ختان تسعة من الأطفال الذكور والإناث. آلمني صراخ أخي الصغير بمثل ما آلمني صراخ أختي الصغرى، وبعد كل صرخة تتزايد شكوكي في عدالة الله، ويتزايد معها الإحساس بالإثم.

فرحت بهذا الكتاب، لأنه قد يحرّر الناس من الإحساس بالإثم الدفين منذ طفولتهم، ولأنه قد يلعب دوراً كبيراً في إقناع الكثيرين بالامتناع عن ختان أطفالهم الذكور والإناث. لقد بذل المؤلف الدكتور أبو ساحلية جهداً كبيراً في المقارنة بين الأديان السماويّة الثلاثة إزاء موقفها من الختان، ومتابعة الآراء المعارضة والمؤيّدة بروح علميّة وإنسانيّة. وهناك نقص كبير في الدراسات المقارنة بين الأديان في معظم الجامعات في العالم. وقد اكتشفت أن الأقسام التي تدرس الدين في الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة لا تهتم بالدراسات المقارنة بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، بل إنها تدرّس الإسلام فقط لمن يختص في الإسلام، ويصبح أستاذاً في الدين الإسلامي، دون أن يعرف التشابه أو الاختلاف بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة. قابلت كثيراً من الأساتذة الأمريكيّين والأوروبيين الذين تخصّصوا في الإسلام، والذين يعتقدون أن حجاب المرأة وختانها يرتبط بالإسلام فقط وليس له وجود في المسيحيّة واليهوديّة.

هذا الكتاب يكشف عن هذه الأفكار الخاطئة والشائعة في الغرب. فإن عمليّات الختان للذكور كانت تمارس قبل ظهور الأديان السماويّة. وقد مورست في ظل هذه الأديان الثلاثة. ويتميّز القرآن عن التوراة في أنه صمت تماماً عن ختان الذكور، كما أن القرآن لم يذكر شيئاً عن ختان الإناث. فلماذا هذه الشائعات السياسيّة الغربيّة عن الإسلام وحده دون الأديان الأخرى؟ أذكر أنني في إحدى المحاضرات في بداية الثمانينات في مؤتمر بمونتريال بكندا، تعرّضت للأديان الثلاثة فيما يخص الحجاب وختان الذكور والإناث. وتقبّل الحاضرون من النساء والرجال كلامي بفهم كبير، خاصّة وأنني قرأت بعض الآيات من التوراة والإنجيل والقرآن. إلاّ أن الغضب الشديد استولى على بعض النساء اليهوديّات الأمريكيات والإسرائيليّات على حد سواء. أصابهن هستيريا الغضب ولجأن إلى الصراخ والشتائم والاتهامات أقلها الاتهام بالعداء للساميّة. إلاّ أنني واجهت هذا الغضب بقوّة المنطق، لأن الغضب كثيراً ما يكون غطاءاً للزيف وبطلان المنطق. وقلت إننا العرب من أهل سام وليس اليهود فقط. وأن العداء للساميّة هو عداء للعرب أيضاً. لذلك لا يمكن تخويفنا بهذه الحجّة الواهية (العداء للساميّة). ثم أثبت بحقائق التاريخ أن اليهوديّة والمسيحيّة فرضتا الحجاب على النساء. ولا يختلف زي الراهبات في الكنائس عن زي النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب. وفي يومنا هذا لا يمكن لامرأة مسيحيّة (وإن كانت زوجة الرئيس الأمريكي) أن تقف أمام البابا في الفاتيكان دون أن تغطي رأسها بحجاب. ثم قرأت بعض ما يكتبه التيّار اليهودي الأصولي في إسرائيل عن عزل النساء من الحياة العامّة ممّا هو أشد قهراً للنساء ممّا يكتبه التيّار الإسلامي الأصولي في مصر أو الباكستان.

تأتي أهمّية هذا الكتاب من الدراسة المقارنة بين الأديان الثلاثة. وهي تكشف عن الصراعات السياسيّة والاقتصادية بين الفرق المختلفة تحت اسم الله.

يقول المؤلف عن العهد القديم بين الله والنبي إبراهيم، إنه «تسييس عمليّة جراحيّة». وهذا صحيح. وإلاّ فلماذا وعد الله شعبه المختار بأرض كنعان، وما علاقة الاستيلاء على أرض الغير بختان الذكور؟

في مقال لي بمجلة روز اليوسف في 21/12/1998 تحت عنوان: «أوقفوا ختان الذكور»، تساءلت عن سر العلاقة بين الاستيلاء بالقوّة عن أرض فلسطين وبين قطع غرلة الأطفال الذكور؟! الغريب أن غضب بعض الرجال المسلمين عليّ لم يكن أقل من غضب النساء اليهوديّات في مؤتمر مونتريال منذ خمسة عشر عاماً. ممّا يدل على أن الإسرائيليّات قد تسرّبت إلى الإسلام فيما يخص ختان الذكور، كما وضّح لنا هذا الكتاب.

لقد تم استخدام القوّة لإخفاء الحق منذ نشوء العبوديّة أو النظام الطبقي الأبوي في التاريخ البشري، ولإخفاء السلطة السياسيّة تحت غطاء السلطة الدينيّة. كان الإله الحاكم يجلس على عرش الأرض والسماء ويقدّم له العبيد القرابين من الفراخ والحمام واللحم البشري فيأكل ويشرب ويغسل قدميه ويطالب عبيده بأن يبنوا له بيتاً يعيش فيه يسمّونه المعبد المقدّس.

رغم مرور آلاف السنين منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي لم تنفصل السلطة السياسيّة عن السلطة الدينيّة حتى يومنا، في الشرق والغرب والشمال والجنوب. إن الرأسماليّة العالميّة أو النظام الطبقي الأبوي الدولي لا يمكن أن يستمر في الوجود دون الارتكاز على قوّة غامضة غير مرئيّة، يستطيع باسمها أن يخدع الناس ويقهرهم ويحتل أراضيهم ويقطع في أجسادهم وعقولهم كما يشاء تحت اسم المقدّس.

يكشف هذا الكتاب عن دور السياسة في موضوع الختان. حدثت عام 1871 قفزة إلى الأمام بسبب ما كان ينتج عن الختان من وفيّات ونزيف وقرّر المجمع اليهودي أن ختان الذكور ليس واجباً مفروضاً على اليهود. إلاّ أن الردّة السياسيّة والثقافيّة حدثت مع تزايد قوّة الاستعمار وبعد إنشاء دولة إسرائيل. تضاعفت القوى السياسيّة والدينيّة المحافظة، إلى أن جاء قرار الجمعيّة العموميّة لحاخامات اليهود عام 1979 بفرض ختان الذكور.

يوضّح الكتاب أن الختان عمليّة عبوديّة أو علامة العبيد كما يقول المؤلف. هناك آية في الدين اليهودي تؤكد ذلك، وهي: (يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك) كما يوضّح الصراع الذي دار على الدوام حتى عصرنا هذا بين الذين يتمسّكون بحرفيّة كتاب الله (من أجل مصالح مادّية في الدنيا) وبين الذين ينشدون جوهر الدين الصحيح وهو العدل واحترام كرامة الإنسان وجسده. كما يوضّح التشابه بين عمليّات الختان وعمليّات اخصاء العبيد، حتى يتفرغوا للخدمة في البيوت أو للغناء في الملاهي مثل النساء.

لا تختلف عمليّات الختان عن عمليّات القتل الجماعي في حروب الاستعمار القديم والجديد، ولا تكف الآلة العسكريّة الرأسماليّة الاستعمارية عن قتل الآلاف والملايين من الشعوب البريئة حتى يومنا هذا، دون رحمة أو شفقة. بل إنهم يقتلون تحت اسم الله أو العدل أو الحرّية أو الديموقراطيّة أو السلام، كما يختنون الملايين ويقطعون في أجسامهم باسم الله.

الدول، وإن أعلنت أنها علمانيّة (تفصل بين الدين والسياسة)، إلاّ أنها لا تستطيع أبداً التخلي عن الدين، لأنها لا تستطيع تحمّل مسؤوليّة القتل أو الختان، ولا بد لها من إلقاء المسؤوليّة على الله. ويكشف الكتاب عن ختان الذكور. هو بقايا الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ولا بد من إسالة نقطة دم وإن أصبح الختان رمزياً فقط (دون قطع الغرلة)، لأن الدم علامة العبوديّة (دم العهد) وتصاحب عمليّة الختان صلوات رجال الدين لإدخال الله رمزياً في العمليّة، وإذا تم بعيداً عن رجال الدين لا يعترفون به، ولا بد من وجودهم ليكون ختاناً شرعيّاً.

ألا يشبه ذلك عقد الزواج؟ إن الزواج لا يكون شرعيّاً إلاّ بحضور المأذون أو رجل الدين. وهذا يؤكد سلطة رجال الدين الاجتماعية، رغم اضمحلال قوّتهم في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. لقد أصبحت جميع القوانين في بلادنا مدنيّة ما عدا قانون الزواج والطلاق فهو لا يزال قانوناً دينيّاً يسيطر عليه رجال الدين، يمسكونه بالمخالب والأنياب كأنما هو آخر قلاعهم أو معاقلهم، ولأن قانون الزواج مثل الختان يمس حياة الشرائح الأضعف في المجتمع، وهم الأطفال والنساء.

ويكشف الكتاب كيف يتنصّل كثير من اليهود اليوم من عمليّات ختان الذكور، يحاولون إلصاقها بالمصريّين القدماء، كما حاولوا إلصاق عمليّات ختان الإناث بالعرب والإسلام لأسباب سياسيّة، ولإثبات أن العرب أمّة بربريّة متخلفة تقطع بظور النساء.

دهشت عندما سمعت وزير الصحّة في مصر يردّد أن ختان الإناث عادة أفريقيّة. وسمعت بعض الأطبّاء يردّدون هذه العبارة ذاتها، في محاولة لإبعاد العار عن مصر وإلصاقه بالأفارقة السود. لكن هذا الكتاب يوضّح هذه النظرة الخاطئة، ويشرح كيف انتشرت عمليّات ختان الذكور والإناث في المجتمعات المختلفة منها: اليهود والمسيحيّين والمسلمين والسود والبيض في الشرق والغرب.

إن تقدّم البشريّة وتخلصها من هذه العادات العبوديّة يرتبطان بالنظم السياسيّة والاقتصادية. أمّا الأديان فهي خادمة لهذه النظم، ويمكن للدين أن يتطوّر ويتقدّم مع التقدّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للنساء والرجال والشاب والأطفال.

يتخفى الحكام في عصرنا هذا تحت اسم الله كما يتخفى الكهنة في الأزمنة القديمة. تذكرت وأنا أقرأ في هذا الكتاب عن بطرس وكيف برّر قبوله لدعوة قرنيليوس برؤيا رآها قبل أن يصله المبعوث بالدعوة، وأصبح ذهاب بطرس إلى قرنيليوس (الأغلف. النجس. العدو) ليس خيانة لعهد الله بل طاعة للروح القدس التي جاءته في الرؤيا. تذكرت كيف برّر الرئيس المصري أنور السادات (توفى عام 1981) ذهابه إلى إسرائيل عام 1979 بأنه رأى الله في المنام وأن الله قال له اذهب إلى إسرائيل. هكذا أصبحت رحلة السادات إلى تل أبيب شرعيّة.

كذلك وجدت تشابهاً كبيراً بين أقوال «إتيوس» الطبيب في البلاط البيزنطي (في القرن السادس الميلادي) بأقوال الشيخ متولي الشعراوي (توفى عام 1998) في مصر عام 1977. كلاهما كان يؤيّد ختان الإناث لأن «بظر المرأة يحتك بملابسها ويثير شهوتها».

ومن أطرف الحكايات في هذا الكتاب قصّة البعثة الطبّية الكاثوليكيّة إلى مصر في القرن الثامن عشر التي عادت إلى روما وفي جعبتها تقرير عن بظر المرأة المصريّة، فحواه أن هذا البظر أكبر من بظور النساء في العالم أجمع ولا بد من قطعه لأنه يمنع ما لأجله شرّع الزواج.

لعّل أهم ما في الكتاب هو النظرة العلميّة المحايدة التي لا تتعصّب لدين دون الدين الآخر، وتعرض الآراء على نحو عادل. يترك للقراء والقارئات أن يحكموا بأنفسهم على الأمور. رأينا كيف أن الأديان تتشابه خاصّة في نظرتها إلى الأعضاء الجنسيّة وفرض الطاعة على العبيد والجواري، ونجاسة المرأة التي تظهر في التوراة أكثر من أي كتاب آخر، وكيف مُنعت المرأة في المسيحيّة من الترانيم الروحيّة بالكنيسة بمثل ما منعت في الإسلام من الأذان للصلاة. وهناك كثير من المشايخ في الإسلام في يومنا هذا يردّدون عبارة بولس الشهيرة: «ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القدّيسين فإنه لا يؤذن لهن بالتكلم». أصبح صوت المرأة عورة عند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين، بمثل ما أصبح شعر المرأة عورة منذ أن جاءت هذه العبارة الشهيرة في التلمود: «شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري». وتشمل صلاة اليهودي كل يوم هذه العبارة الشهيرة: «أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة».

ومن أهم الأجزاء في الكتاب تلك التي تكشف عن صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرّمت ختان الإناث، بسبب الخوف من اللوبي اليهودي السياسي في أمريكا وأوروبا.

أتفق تماماً مع الدكتور سامي أبو ساحلية مؤلف هذا الكتاب في أن الحملة ضد الختان يجب أن تشمل الذكور والإناث ولا تقتصر فقط على الإناث، ذلك أن الجريمة واحدة وإن اختلفت درجتها أو شكلها.

المقدّمة

من خلف جدار دار الجيران يرتفع صريخ أطفال يتألمون ممزوج بزغاريد النساء مع أغاني فرح ما زلت أحفظ منها جملة تقول: «زَينُه يا شلبي وسلمُه لامُه».

كان الجيران يحتفلون بختان أطفالهم وبهذه المناسبة اجتمعوا مع الأقارب في ساحة البيت وفي الشارع المجاور ووزّعوا الحلوى على المارة. وكانت عمليّة الختان تتم داخل البيت، يقوم بها «الشلبي». ولصغر سني حين ذاك ولكوني من عائلة مسيحيّة لا تمارس الختان لم أستوعب ما هو الختان ولماذا يصيح الأطفال من الألم بينما الجمع من حولهم يفرحون ويمرحون. لقد بقي هذا الحدث الغريب المتناقض عالقاً بذاكرتي بعد أكثر من أربعين عاماً من انقضائه ورغم المسافة التي تفصلني عن مكان حدوثه

في عام 1993، أعطيت أول محاضرة عن ختان الذكور والإناث بناء على طلب المنظمة الليبية (شمال جنوب 21) ضمن مؤتمر عن حقوق الطفل عقدته في جامعة جنيف يومي 30 و31 يناير عام 1993. وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة حتى انهالت علي الانتقادات من منظمي المؤتمر، وكان بينهم مسلمون وصفوني بالإلحاد. أمّا الحاضرون فقد صفقوا لي واستغربوا الاتهام. فدافعت عن نفسي موضّحاً أن ما جاء في محاضرتي ليس تهجّماً على الديانات بل دفاعاً عن الأطفال الأبرياء.

في 7 سبتمبر 1994، عندما كانت تنعقد في القاهرة أعمال المؤتمر العالمي للسكان والتنمية، عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» فيلماً وثائقياً عن ختان طفلة مصريّة اسمها نجلا في العاشرة من عمرها في العاصمة المصريّة بيد حلاّق. وكانت الطفلة تصرخ من الألم. فاهتزت على أثر هذا الفيلم كل الأوساط المصريّة، الرسميّة والشعبيّة. هناك من اعتبر الفيلم إهانة لمصر وللإسلام وهناك من اغتنم هذا الفيلم للتصدّي لعادة ختان البنات في مصر. وتدخّل رجال الدين الإسلامي فأعلنوا رأيهم في هذا الخصوص، فتعارضت الآراء بين مفتي الجمهوريّة وشيخ الأزهر، ولكل منهما سنده وحجّته وأتباعه. وهذا التباين جعلني أتساءل ما هي الأسباب التي من أجلها عرضت الشبكة المذكورة فلمها؟ هل كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان أم تشهيراً بمصر وبالإسلام؟ وإن كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان، فلماذا تسكت هذه الشبكة عمّا يجري في الولايات المتحدة حيث يختن يومياً ما يناهز 3300 طفل أمريكي في المستشفيات الأمريكيّة يصيحون من الألم؟ ولماذا ينتقد الغرب ختان البنات ويُصدر ضد فاعليه الأحكام القضائيّة القاسيّة بينما ختان الصبيان يمر مرور الكرام دون سؤال أو استفسار؟ وقد توصّلت إلى أن أحد الأسباب، إن لم يكن أهمّها، هو الخوف من اليهود الذين يمارسون ختان الذكور.

في شهر يوليو 2002 زرت جامعة بريسبان في أستراليا في يوليو 2002 واجتمعت مع رئيس قسم الدراسات الخاصّة بأهل أستراليا الأصليين، ميكائيل ويليمز، وسألته عن الختان عند الأستراليين الأصليين وكان رده بأنه لا يحق له التكلم في هذا الموضوع لأنه يخاف أن يصاب بالمرض. وعندما سألته عن معنى الحرّية العلميّة إذا كان يرفض الإجابة فرد بأن القانون الديني يعلو على القانون العلمي. وفي ردّه على سؤال حول ختان الإناث قال لي بأنه لا يحق للرجال التكلم عن مواضيع النساء واقترح علي مناقشة الأمر مع نائبته الأستاذة جاكي هيجنز. وقد أرسلت رسالة إليكترونية لها مع بعض الأسئلة عن ختان الذكور والإناث فردّت عليها جميعاً بجملة واحدة تقول فيها بأنها تأسف لعدم الإجابة على أسئلتي لأنها لا تملك إذناً بالبوح بما تعرف.

في 28 و 29 أكتوبر 2002 قمت بإلقاء محاضرتين عن ختان الذكور والإناث في باريس. وفي اليوم الأول انسحبت ثلاث يهوديات من القاعة احتجاجاً على عرضي ممارسة الختان في الطائفة اليهودية. وفي اليوم الثاني حضرت مع رجلين نبهاني بأنهما جاءا لمراقبتي.

في كل مكان من العالم هناك قانون الصمت الذي يخيم على ممارسات ختان الذكور والإناث التي يروح ضحيتها سنوياً ما لا يقل عن 13 مليون صبي ومليوني صبية. وما زلت منذ عام 1993 أحاول كسر هذا القانون من خلال كتاباتي ومحاضراتي ومداخلاتي في الراديو والتلفزيون. وها أنا اليوم أقدم هذا الكتاب لتأليب الرأي العام ضد هذه الممارسات البدائية والهمجية.

وبعد شكري للمولى على فضله، أود أن أشكر كل من شجّعني لكتابة هذه الدراسة. كما أشكر كل من قام بمراجعتها وأبدى ملاحظاته على الشكل والمحتوى. ولكني وحدي الذي أتحمّل تبعة ما يحتويه هذا الكتاب من آراء أو أغلاط.

هذا أرجو القارئ الكتابة لي على عنواني التالي لإبداء آرائه وملاحظاته البنّاءة:

Dr. Sami Aldeeb

Ochettaz 17

1025 St-Sulpice, Switzerland

عنواني الإلكتروني saldeeb@bluewin.ch

تنبيه

ارتكزنا في كتابنا هذا على «الكتاب المقدّس»، الطبعة الثالثة للترجمة العربيّة الصادرة عن دار المشرق في بيروت عام 1986. وإذا جاء نص من هذه الكتب المقدّسة ضمن فقرة نقلناها عن مؤلف بالعربيّة بترجمة غير التي بين أيدينا أو مرقمة بغير أرقامنا الحاليّة، استبدلنا تلك الترجمة والأرقام بالترجمة والأرقام الحاليّة. وقد وضعنا أرقام الآيات في بدايتها بين قوسين (...) لتسهيل عمليّة الرجوع لهذه النصوص. وعند ترك آية داخل النص لا علاقة لها بموضوعنا نشير إلى ذلك بعلامة [...]. كما أننا نستعمل نفس الإشارة عندما نضيف كلمة لتوضيح النص.

حتى لا نثقل على القارئ قرّرنا حذف جميع هوامش ومراجع الكتاب إلا ما جاء في داخل النص ونحيل القارئ للكتاب العربي المطول على الانترنيت لمن تهمه تلك الهوامش والمراجع. هذا وقد أشرنا إلى تاريخ وفاة المؤلفين، خاصّة القدامى منهم، بعد ذكر اسمهم لأوّل مرّة. والتواريخ المذكورة هنا كما في الكتاب هي حسب التقويم الميلادي (م = بعد المسيح؛ ق.م = قَبل المسيح). وقد أخذنا بالاختصارات الآتية فيما يخص أسفار الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة:

الكتب المقدّسة اليهوديّة

التكوين: سفر التكوين

الخروج: سفر الخروج

الأحبار: سفر الأحبار

العدد: سفر العدد

تثنية: سفر تثنية الإشتراع

يشوع: سفر يشوع

القضاة: سفر القضاة

1 صموئيل: سفر صموئيل الأوّل

2 صموئيل: سفر صموئيل الثاني

1 ملوك: سفر الملوك الأوّل

2 ملوك: سفر الملوك الثاني

عزرا: سفر عزرا

أستير: سفر أستير

1 المكابيين: سفر المكابيين الأوّل

2 المكابيين: سفر المكابيين الثاني

المزامير: سفر المزامير

الأمثال: سفر الأمثال

أشعيا: سفر أشعيا

أرميا: سفر أرميا

حزقيال: سفر حزقيال

ملاخي: سفر ملاخي


الكتب المقدّسة المسيحيّة

متى: الإنجيل كما رواه متى

مرقس: الإنجيل كما رواه مرقس

لوقا: الإنجيل كما رواه لوقا

يوحنّا: الإنجيل كما رواه يوحنّا

أعمال: سفر أعمال الرسل

رومية: رسالة بولس إلى أهل رومية

1 قورنتس: رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنتس

2 قورنتس: رسالة بولس الثانية إلى أهل قورنتس

غلاطية: رسالة بولس إلى أهل غلاطية

فيليبي: رسالة بولس إلى أهل فيليبي

قولسي: رسالة بولس إلى أهل قولسي

طيطوس: رسالة بولس إلى طيطوس

الجزء الأوّل
تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه

الفصل الأوّل
تعريف الختان

1) الختان أحد أساليب التصرّف بالجسد

منذ قديم العصور حتى يومنا هذا، حاول ويحاول الإنسان التصرّف بأعضاء جسده وجسد غيره، من أعلى رأسه حتى أصابع رجليه مروراً بأعضائه الجنسيّة، مدّاً أو ضغطاً أو وشماً أو كيّاً أو شقّاً أو ثقباً أو بتراً. ولم يستطع تقدم المجتمع التخلص من هذه التصرفات التي قد تصيب الفقير والغني. ومن بين الحالات المشهورة الأميرة «ديانا» (توفت عام 1997). ففي إحدى مناقشاتها الحادّة مع الأمير «شارلز» التقطت سكين جيب وجرّحت صدرها وفخذيها.

وقد حظيت الأعضاء الجنسيّة بنصيب كبير من نكد الإنسان على نفسه. فقد مثل بها كيفما شاء خصياً أو جبّاً أو شقّاً أو ثقباً. وفي كتابنا هذا سوف نتوقّف عند نوع واحد من أنواع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة وهو ختان الذكور والإناث الذي يعتبر من ظواهر المساس بسلامة الجسد الأكثر غموضاً والأوسع انتشاراً. وكان من ضحايا هذه الظاهرة أبو الأنبياء إبراهيم الذي ختن نفسه عندما كان عمره 99 سنة حسب التوراة، أو 80 أو 120 سنة حسب المصادر الإسلامية. واتباعاً لمثاله ملايين الأطفال ختنوا وما زالوا يختنون.

2) الكلمة ومدلولها الاجتماعي والسياسي

أصل الختان عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين هو التوراة. ويستعمل اليهود في العبريّة كلمة «ميلا» التي تعني القطع. وهذه الكلمة تستعمل ضمن عبارة «بريت ميلا» أي «عهد القطع» التي تُذَكرنا بالعبارة العربيّة «قطع عهداً». وهذه العبارة كما سنرى لاحقاً إشارة للفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يَدَّعِي أن الله قطع عهداً لإبراهيم بأن يعطيه ونسله الأرض الموعودة، أي «أرض كنعان». ومقابل ذلك العهد، أمر الله إبراهيم بأن يقطع غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده. هناك إذاً تلاعب بالكلمات وتسييس لعمليّة جراحيّة. وتستعمل التوراة أيضاً كلمة «تبر» (الخروج 4:25)، ونفس الكلمة في العربيّة تعني هلك أو أهلك، وتُذَكرنا بكلمة «بتر» مع قلب الأحرف التي تعني قطع. والجزء الذي يقطع يسمّى في العبريّة «غرلة». وغير المختون يسمّى بالعبريّة «أغرل». ولا يوجد في التوراة ذكر لختان الإناث.

يستعمل علماء اللغة العربيّة كلمات عدّة للإشارة إلى الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار. والعامّة هي كلمة ختان أو طهور أو طهار أو طهارة للذكر والأنثى. وهذه الكلمة الأخيرة تبيّن أن الختان في فكر الناس يُطهِّر من تُمارَس عليه هذه العادة. والقطعة التي تقطع عند الذكر تسمّى «الغرلة» كما في العبريّة، أو «الغلفة» أو «القلفة». وغير المختون يسمّى «أغرل» أو «أغلف» أو «أقلف».

وكلمة «الختان» التي تشير إلى عمليّة القطع لها معان ذات صلة بالزواج. يقول ابن منظور (توفى عام 1131): «الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل من كان من قِبَل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجلُ الرجلَ إذا تزوّج إليه. وفي الحديث: علي ختن رسول الله (ص) أي زوج ابنته. والاسم الختونة [...] والختن: زوج فتاة القوم، ومن كان من قِبَله من رجل أو امرأة فهم كلهم أختان لأهل المرأة. وأم المرأة وأبوها: ختنان للزوج». وسوف نرى لاحقاً كيف أن الختان كان يسبق الزواج وشرطاً له في بعض المجتمعات. وقد يكون لكلمة «ختن» صلة بكلمة «ختم» مع انقلاب الميم نوناً كما هو معرف في اللغات الساميّة. فيكون معناها وضع علامة للتعرّف على العبد الآبق.

وفي اللغات الأوروبيّة يمكن استعمال كلمة واحدة للدلالة على ختان الذكور والإناث وهي بالإنكليزيّة circumcision. وهذه الكلمة من أصل لاتيني وتعني «القطع دائرياً». ولكن بعض الكتاب يستعمل هذه الكلمة فقط لختان الذكور. وأمّا ختان الإناث فإنهم يستعملون لها كلمة excision وهي كلمة أيضاً من أصل لاتيني وتعني «استئصال».

ومنذ عام 1990 قررت منظمة الصحّة العالميّة استخدام تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» والاحتفاظ بكلمة الختان فقط للعملية التي تتم على الذكور والهدف من ذلك تفادي الخلط بين الختانين. فهذا الخلط يعتبره اليهود إهانة لهم. ففي نظرهم ختان الذكور كما تأمر به التوراة جزء هام جدّاً من اعتقادهم الديني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بختان الإناث. وقد أخذ معارضو ختان الذكور مصطلح منظمة الصحّة العالميّة وحوّروه لصالحهم فسمّوا ختان الذكور «البتر الجنسي للذكور».

وسوف نستعمل في كتابنا هذا مصطلح «الختان» لكل من ختان الذكور وختان الإناث. فهو المصطلح الأكثر شيوعاً عند الفقهاء المسلمين وفي اللغة العاميّة. وهذا المصطلح «الختان» يعني في كل الأحوال بتر جزء من العضو التناسلي للذكر أو الأنثى.

3) أنواع عمليّة ختان الذكور

يمكن تصنيف أنواع ختان الذكور كما يلي:

الدرجة الأولى: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب، جزئيّاً أو كلياً. وقد تصل نسبة الجلدة المقطوعة من ربع إلى أكثر من نصف جلد الذكر حسب مهارة الخاتن وعادات الختان.

الدرجة الثانية: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب وسلخ بطانتها وهي تجرى عند اليهود. ويطلق على المرحلة الأولى اسم «ميلا» وعلى المرحلة الثانية اسم «بيريا». ويتبع هذه المرحلة، حسب التعاليم اليهوديّة التقليديّة، مص الخاتن قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا).

الدرجة الثالثة: يتم في هذه العمليّة سلخ جلد الذكر حتى كيس الصفن أو حتى الساق. وتتم هذه العملية عند قبائل «النمشي» شمال الكمرون وعند بعض قبائل الجزيرة العربية. وقد تعرّضت لهذا النوع فتوى سعوديّة لابن باز (توفى عام 1999) اعتبرته من تشريع الشيطان.

الدرجة الرابعة: شق مجرى البول الخلفي لجعله يشبه فرج المرأة، كما يتم عند القبائل البدائيّة في أستراليا.

أسلوب الختان عند بعض القبائل البدائيّة في أستراليا

المصدرBryk, Circumcision in man and woman, 1934, p. 129


سوف نقتصر في كتابنا على الدرجتين الأوليتين من الختان لأنهما الأوسع انتشاراً بين اليهود والمسيحيين والمسلمين.

والختان قد يتم بوسائل بدائيّة. وسوف نرى أن صفورة، زوجة موسى، ختنت أبنها بصوّان، وكذلك ختن يشوع اليهود بصوّان. ويذكر حديث منسوب للنبي محمد (توفى عام 632) أن إبراهيم قد ختن نفسه «بقدوم»، أي بآلة النجارة. وفي الروايات اليهوديّة، تم ختان إبراهيم بسيفه أو بقرصة عقرب. وقد تفنّن المخترعون في تصميم آلات عدّة لإجراء عمليّة الختان.

4) أنواع عمليّة ختان الإناث

يمكن تصنيف أنواع ختان الإناث كما يلي:

الدرجة الأولى: في هذه العلميّة يتم إزالة غلفة البظر أو جزء منها.

الدرجة الثانية: تشمل قطع البظر وغلفته، مع الشفرين الصغيرين أو جزء منهما.

الدرجة الثالثة: في هذه العمليّة يتم قطع البظر وغلفته والشفرين الصغيرين. ثم يلي ذلك شق الشفرين الكبيرين ويتم إخاطتهما معاً أو ابقائهما متماسين عن طريق ربط الرجلين معاً حتى يلتئما مكوّنين غطاء من الجلد يغطي فتحة البول والجانب الأكبر من المهبل. وتترك فتحة صغيرة في حجم رأس عود الثقاب أو طرف إصبع اليد الصغير لتسمح بنزول البول ودم الحيض. ويطلق على هذه العملية في مصر اسم «الطهارة السودانيّة»، وفي السودان، اسم «الطهارة الفرعونيّة» أو «الخفاض الفرعوني». وللجماع يتم عادة فتح المرأة بخنجر. كما أنه يتم توسيع الفتحة للولادة. وقد يعاد إخاطتها بعد الولادة أو في حالة سفر الزوج أو الطلاق.

الدرجة الرابعة: تضم أصناف مختلفة من التشويه الجنسي مثل شق الجدار الخلفي للمهبل؛ كي البظر والأنسجة المحيطة به بواسطة أداة صلبة محماة؛ وخز البظر أو الشفرين الصغيرين أو شقّهما؛ كحت بطانة المهبل أو عمل شقوق بها؛ مط البظر أو الشفرين الصغيرين؛ وضع مواد أو أعشاب كاوية في المهبل؛ فض بكارة العروس ليلة الزفاف بإصبع داية تطيل ظفرها من أجل هذه المناسبة. وهذه العادة معروفة خاصّة في الريف المصري.

هناك عدّة وسائل لإجراء ختان الإناث، منها البدائيّة ومنها المتقدّمة. وقد ابتكر طبيب أمريكي يهودي اسمه «راثمان» عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة.

الفصل الثاني
الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي

1) إحصائيّات ختان الذكور

لا توجد إحصائيّات أكيدة تبيّن مدى انتشار ختان الذكور. ويشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 13.300.000 طفل سنوياً، أي بمعدّل 25 طفل كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونين من الذكور في العالم تبلغ 23%، أي بمجموع 650 مليون ذكر.

يُمارس ختان الذكور عادة في أيّامنا على جميع ذكور اليهود والمسلمين مع بعض الاستثناءات القليلة. وهناك عدد من المسيحيّين الذين يختنون أطفالهم. فالمسيحيون في مصر والسودان والحبشة مثلاً يمارسون ختان الذكور بصورة تكاد تكون شاملة، على خلاف اخوتهم المسيحيّين في دول المشرق العربي حيث ختان الذكور نادر. وهناك مؤشرات تفيد بأن ختان الذكور في تزايد في تلك الدول. وقد يكون السبب هو انتشار الثقافة الطبّية الأمريكيّة وزيادة عدد الولادات في المستشفيات حيث يمارس الأطبّاء سلطتهم في إقناع الأهل لإجراء تلك العمليّة.

وهناك ظاهرة غريبة وهي انتشار ختان الذكور في الدول الغربيّة الناطقة بالإنكليزيّة: إنكلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وهناك صعوبة كبيرة للحصول على إحصائيّات في هذا الخصوص ولكن تقدر نسبة الختان قبل الحرب العالمية الثانية في إنكلترا بـ 50% وقد هبطت هذه النسبة إلى قرابة الصفر بعد تعديل نظام التأمين الاجتماعي. وكانت نسبة الختان في الولايات المتحدة 85% عام 1979 ولكنها انخفضت في العقدين الأخيرين حتى أصبحت توازي اليوم 60% بسبب تزايد معارضي الختان. ولكن هذه النسبة تصل إلى 95% في بعض المستشفيات الأمريكيّة. واليوم نسبة الختان في أستراليا تقدّر بـ 10% وفي كندا بـ 25%. أمّا في الدول الغربيّة الأوروبيّة الأخرى، فنسبة ختان الذكور ضئيلة قد لا تزيد عن 2%. وهنا تنقصنا الإحصائيّات الموثوقة. ويشار هنا إلى أن نسبة الختان في كوريا الجنوبية تصل إلى 90% بسبب تأثير الجيش الأمريكي.

2) إحصائيّات ختان الإناث

يقول الفقيه ابن الحاج (توفى عام 1336): «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه». هذا القول يصوّر الواقع حتى في أيّامنا. لذلك لم تنكشف حقيقة ممارسة ختان الإناث إلاّ في العقدين الأخيرين. وحتى الآن ما زال الكثير من الناس يجهل حتى معنى ختان الإناث ويستغربون وجوده في دولة إسلاميّة مثل مصر. والإحصائيّات المتوفرة في هذا الخصوص غير وافية ولا تُعرف بصورة مؤكدة الدول التي تنتشر بها هذه العادة. والحملة الحاليّة ضد ختان الإناث قد يساعد على كشف هذه الدول، ولكن قد يكون أيضاً عائقاً خوفاً من الدعاية السيّئة التي تنتج عن ذلك.

يشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 2.000.000 طفلة سنوياً. أي بمعدّل 3.8 طفلة كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونات من الإناث في العالم تبلغ 5%، أي بمجموع 100 مليون أنثى.

وقد نشرت منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 و1996 و1998 أرقاماً بخصوص النساء المختونات في 28 دولة أفريقية تمارس ختان الإناث، من بينها 17 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويتبين من هذه الأرقام أن عدد المختونات هو كما يلي:

1994 114296900

1996 132490000

1998 136797440

ويشير هذا المصدر أن 15% إلى 20% من عدد النساء المختونات ختن حسب الدرجة الثالثة (الختان الفرعوني). وأن كل سنة يتم ختان مليوني فتاة. وفيما يخص مصر، ذكرت الإحصائيّات التي أصدرتها منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن نسبة المختونات هناك تبلغ 50% أي ما يوازي 13.625.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1996 بـ 80% أي ما يوازي 24.710.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1998 بـ 97% أي ما يوازي 27.905.930 امرأة. هذا الاختلاف بين الإحصاء الأوّل والثالث لا يعني أن ختان الإناث قد ارتفع في مصر خلال السنين الأربعة الأخيرة بمعدّل 47%، بل إن المعلومات أصبحت أكثر دقّة بخصوصه. وهذا يبيّن مدى التعتيم الذي يسيطر على موضوع ختان الإناث وصعوبة الحصول على معلومات أكيدة بخصوصه. ونشير إلى أن منظمة الصحة العالمية لا تهتم بدول غير أفريقية تمارس ختان الإناث مثل إندونيسيا واليمن والإمارات وعُمان والسعودية.

الجزء الثاني
الختان والجدل الديني

كل جدل حول الختان يبدأ بالدين. فاليهود والمسيحيّون والمسلمون يعتقدون أن الله أنزل للبشريّة شرائع تنظم علاقة الإنسان بأخيه وبالله، وأن هذه الشرائع جاءت ضمن رسالات أؤتمن عليها الأنبياء والمرسلون وتم توثيقها في «الكتب المقدّسة» أو «الكتب السماويّة». وهذه الشرائع نهائيّة لا تقبل التبديل، وإن أمكن تفسيرها في بعض الأحيان. وأول سؤال يدور حول ما إذا كانت تلك الشرائع قد سنّت على الختان أم لا. وتفادياً للتكرار، نشير هنا إلى أن الكتب المقدّسة للطوائف الثلاث لم تذكر بتاتاً ختان الإناث، فكل ما جاء فيها يخص ختان الذكور.

الفصل الأوّل
الختان في الفكر الديني اليهودي

1) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان

تضم التوراة عدة نصوص عن ختان الذكور أهما نصّان في سفر التكوين وسفر الأحبار هما:

التكوين: الفصل 17

(1) ولمّا كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة، تراءى له الرب وقال له: أنا الله القدير، فسِر أمامي وكن كاملاً. (2) سأجعل عهدي بيني وبينك وسأكثرك جدّاً جدّاً. (3) فسقط أبرام على وجهه. وخاطبه الله قائلاً: (4) ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم (5) ولا يكون اسمك أبرام بعد اليوم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني جعلتك أبا عدد كبير من الأمم. (6) وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون. (7) وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك مدى أجيالهم، عهداً أبديّاً، لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك. (8) وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً، وأكون لهم إلهاً. (9) وقال الله لإبراهيم: وأنت فاحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. (10) هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم. (11) فتختنون في لحم