Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

الموضوع (انظر الملحق 22). وقد سبق أن ذكرنا رأيه في عرضنا لتصادم الختان مع فلسفة القرآن.

وهناك مجموعة مسلمة أسّسها عام 1986 في الولايات المتحدة الدكتور رشاد خليفة، مصري الأصل، الذي اشتهر بنظريّته حول الإعجاز العددي للقرآن، مرتكزا على العدد 19 الذي جاء في القرآن الكريم (المدثر 30:74). ولهذه المجموعة عدد من المراكز في العالم ويبلغ عدد أعضائها قرابة 10.000 شخص أكثريّتهم يحملون الجنسيّة الأمريكيّة وينتمون إلى أجناس مختلفة: مصريّون، وإيرانيون، وأتراك، وأوروبيون، وليبيون، وإندونيسيون، وماليزيون، وغيرهم.

ترفض هذه المجموعة السُنّة ولا تعتمد في تعاليمها إلاّ على القرآن الذي تعتبره كلام الله. وقد شرح رشاد خليفة موقفه الرافض للسُنّة في كتاب صغير، معتبراً الحديث من كلام البشر، لا بل من عمل الشيطان. وعلى أثر إعلانه عن هذا الموقف، سقطت شهرته وصدر ضدّه عدد من الفتاوى تعتبره مرتدّاً. وقد تم اغتياله على يدي أحد المسلمين في عام 1990. وإن لم يتخذ رشاد خليفة نفسه موقفاً محدّداً من ختان الذكور والإناث، إلاّ أن نظريّته قد مهّدت الطريق لذلك. ويجد القارئ صفحة في شبكة الانترنيت كتبها «أديب يوكسل» أحد ممثلي هذه المجموعة حول الختان. ومن بين ما يقوله:

«منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا توجد في العالم الإسلامي ممارسة تدعى ختان الذكور والإناث. وختان الذكور ما هو إلاّ عادة يهوديّة وجدت مثل غيرها من العادات اليهوديّة ضيافة طيّبة في العالم الإسلامي بعد محمّد. هذا الاختراع وهذا التحديث من صنع البشر الذي ليس له وجود في آخر كتب الله، القرآن الكريم، كان لعنة لملايين من أطفالنا الذكور والإناث في العالم الإسلامي.... إن كل دارسي القرآن الصادقين يعرفون الجواب الواضح. إن الله برحمته اللامتناهية لم يغفر ولن يغفر مثل تلك العادة الوحشيّة. فهي عادة ليس لها أي ذكر في القرآن. هذه القوانين والعادات الوحشيّة لا توجد إلاّ في الاختراعات من صنع البشر التي هي الحديث والسُنّة. إن مؤلفي مثل هذا التجديف على الله هم المسؤولون عن هذه الجرائم التي تمارس منذ قرون باسم الله. فمن خلال التاريخ، تصوّرت وسنّت المجتمعات التي يسيطر عليها الذكور قوانين وعادات لكبت الضعفاء والنساء والأطفال... دعونا ننهي هذه الجريمة التي تمارس عبر القرون منذ القديم ضد أولادنا».

3) الختان وشرع من قَبلنا

بالإضافة إلى القرآن والسُنّة، يرى الفقهاء المسلمون قديماً وحديثاً أن شرائع الأنبياء الذين سبقوا رسالة النبي محمّد باقية ويجب على المسلمين إتباعها ما دام أنها لا تخالف نص صريح في القرآن والسُنّة. وهذا ما عبّروا عنه بقولهم: «شرع من قَبلنا شرعنا». ويعتمد مؤيدو ختان الذكور على نص من «إنجيل برنابا». كما أن الفقهاء القدامى وبعض المعاصرين يذكرون رواية ختان هاجر لتأييد ختان الإناث.

أ) إنجيل برنابا

يرجع تأليف هذا الإنجيل إلى القرن الرابع عشر من قبل يهودي أصبح مسيحياً ثم أسلم. ولا تعترف الكنيسة بهذا الإنجيل. وليس له ذكر في كتب الفقهاء المسلمين القدامى الذين كانوا يجهلون وجوده. فقد تعرّف عليه المسلمون بعد نشر نسخته الإيطاليّة مع الترجمة الإنكليزيّة في أوروبا عام 1907 وترجمته من الإنكليزيّة إلى العربيّة التي نشرت في القاهرة عام 1908. ويرى المسلمون أن هذا هو الإنجيل الحقيقي لأنه يذكر نبوّة محمّد. وكثيراً ما يلجأون إليه في كتبهم وفي دعايتهم الدينيّة في الراديو والتلفزيون رغم أن هذا الإنجيل يتناقض مع تعاليمهم خاصّة في الفصل 42 الذي يعتبر محمّداً المسيح الآتي. ويعتمد المؤلفون المسلمون المعاصرون على إنجيل برنابا لتأييد ختان الذكور.

في الفصل 22 من هذا الإنجيل سأل التلاميذ يسوع: «يا معلم لماذا أجبت المرأة (الكنعانية) بهذا الجواب قائلاً إنهم كلاب؟» فرد يسوع: «الحق أقول لكم إن الكلب أفضل من رجل غير مختون». وفي الفصل 23 تفصيل لموقف يسوع جاء فيه:

(1) ولمّا قال ذلك يسوع جلس قريباً من الجبل الذي كانوا يشرفون عليه (2) فجاء تلاميذه إلى جانبه ليصغوا إلى كلامه (3) حينئذ قال يسوع: «إنه لمّا أكل آدم الإنسان الأوّل الطعام الذي نهاه الله عنه في الفردوس مخدوعاً من الشيطان عصى جسده الروح (4) فأقسم قائلاً: تالله لأقطعنك (5) فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحد الشظية (6) فوبّخه الملاك جبريل على ذلك (7) فأجاب: «لقد أقسمت بالله أن أقطعه فلا أكون حانثاً» (8) حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها (9) فكما أن جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه أن يراعي كل عهد أقسم آدم ليقومن به (10) وحافظ آدم على فعل ذلك في أولاده (11) فتسلسلت سُنّة الختان من جيل إلى جيل (12) إلاّ أنه لم يكن في زمن إبراهيم سوى النزر القليل من المختونين على الأرض (13) لأن عبادة الأوثان تكاثرت على الأرض (14) وعليه فقد أخبر الله إبراهيم بحقيقة الختان (15) وأثبت هذا العهد قائلاً: النفس التي لا تختن جسدها إيّاها أبدّد من بين شعبي إلى الأبد. (16) فارتجف التلاميذ خوفاً من كلمات يسوع لأنه تكلم باحتدام الروح (17) ثم قال يسوع: «دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من الفردوس».

ب) رواية ختان هاجر

نقرأ في كتاب الحيوان للجاحظ (توفى عام 868): «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا». وهذه الرواية جاء ذكرها في عديد من كتب التراث. فعلى سبيل المثال يقول ابن قيم الجوزيّة في كتابه «تحفة المودود بأحكام المولود»:

«وقد ذكر في حِكمة خفض النساء أن سارة لمّا وهبت هاجر لإبراهيم أصابها فحملت منه فغارت سارة فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء. فخاف إبراهيم أن تجدع أنفها وتقطع أذنها. فأمرها بثقب أذنيها وختانها. وصار ذلك سُنّة في النساء بعد. ولا ينكر هذا كما كان مبدأ السعي سعي هاجر بين جبلين تبغي لابنها الغوث، وكما كان مبدأ الجمار حصب إسماعيل للشيطان لما ذهب مع أبيه، فشرّع الله سبحانه لعباده تذكرة وإحياء لسُنّة خليله وإقامة لذكره وإعظاماً لعبوديّته» (انظر الملحق 1).

واضح من المصادر العربية أن هذه الرواية من أصل يهودي. ولكن مهما كان أصلها فإن الفقهاء المسلمين القدامى استعملوها لتبرير ختان الإناث وربطه بهاجر كما تم ربط ختان الذكور بإبراهيم. وبعض مؤيّدي ختان الإناث في أيّامنا ما زالوا يستعملون هذه الرواية في تبرير ختان الإناث.

4) الختان في سُنّة السلف

بالإضافة إلى المصادر الثلاثة السابقة، يرجع المسلمون إلى سُنّة السلف، وخاصّة صحابة النبي، ليروا ما إذا كانوا قد مارسوا ختان الذكور والإناث. ورجوعهم هذا نابع من اقتناعهم أن السلف أقرب إلى منابع النبوّة وأبعد عن تأثير التيّارات الغريبة على الإسلام، خاصّة التيّارات الغربيّة. وهم يعتمدون على القرآن لتبرير موقفهم هذا: «والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه» (التوبة 100:9). كما يعتمدون على قول للنبي: «أنا أمان لأصحابي، وأصحابي أمان لأمتي». فما موقف السلف من ختان الذكور والإناث قولاً وعملاً؟ هذا ما سنراه الآن.

أ) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الذكور

قَبل أن نذكر موقف السلف من ختان الذكر علينا أن نرى ما إذا كان الختان عادة متعارف عليها بين العرب أم لا في زمن النبي.

في رواية البخاري (توفى عام 870) من حديث أبي سفيان عن هرقل (توفى عام 610):

«إن هرقل حين قدم إيلياء (القدس) أصبح خبيث النفس، فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك [...] وكان هرقل جزّاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمّة؟ قالوا: ليس يختتن إلاّ اليهود. فلا يهمّنك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أُتِي هرقل برجل أرسل به ملك غسّان يخبر عن خبر رسول الله (ص). فلمّا استخبره هرقل قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه. فحدّثوه أنه مختتن. وسأله عن العرب فقال: هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمّة قد ظهر».

ويذكر أن أمرؤ االقيس (توفى تقريباً عام 540) استهجن قيصر، وسخر منه حين دخل معه الحمّام، فرآه أغلف. حيث قال:

إني حلفت يميناً غير كاذبة لأنت أغلف إلاّ ما جنى القمر

وقد ذكرنا سابقاً قول الجاحظ: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا».

يعتمد مؤيدو ختان الذكور على هذه الشواهد ليثبتوا أن العرب كانوا يمارسونه. والواقع أنه لا يمكن تعميم الختان على جميع العرب. فسكان الجزيرة العربيّة قَبل محمّد وفي زمنه كانوا ينتمون إلى ثلاث مجموعات دينيّة رئيسيّة: الوثنيّة واليهوديّة والمسيحيّة. ولم يصلنا أي نص عربي مكتوب قَبل القرآن الكريم يمكن الاعتماد عليه لمعرفة إذا كان العرب يمارسون الختان على مختلف دياناتهم أم لا. ولكن من المؤكد أن يهود الجزيرة العربيّة كانوا يمارسون عادة الختان إتباعاً لتعاليم التوراة. أمّا فيما يخص المسيحيّين، فمن غير المؤكد أن يكونوا قد مارسوه. فقد رأينا كيف أفرِغ الختان من معناه الديني عندهم ولم يعد شرطاً لدخول المسيحيّة إلاّ عند من كان من أصل يهودي وبقي متمسّكاً به. والدكتور المرصفي ذاته يذكر أن الشاعر المسلم جرير (توفى عام 733) قد ذم الشاعر المسيحي الأخطل (توفى عام 710) معيّراً إيّاه بأنه أغلف:

في فتية جعلوا الصليب إلههم حاشاي إني مسلم معذور

والمعذور هو المختون. وقد كتب الأب لويس شيخو (توفى عام 1927):

«الشائع بين الكتبة المحدثين أن العرب قَبل الإسلام كانوا يختتنون. وفي زعمهم هذا نظر فإنَّ لنا عدّة شواهد تثبت أن كثيرين من العرب لم يألفوا الختانة ومن المحتمل أن النصرانيّة أبطلتها بينهم.

أمّا بخصوص العرب الذين كانوا ينتمون إلى الوثنيّة، فمن غير المؤكد بتاتاً أنهم مارسوا الختان. فالتوراة تعتبر العرب شعب غير مختون (أنظر أرميا 25:9). وكذلك الأمر بخصوص الفلسطينيين في نصوص توراتيّة كثيرة. وأمّا شعر أمرؤ القيس الذي استشهد به الدكتور المرصفي فلا يمكن الاعتماد عليه كمصدر تاريخي أكيد. وقصّة هرقل من الملاحم التي لا يمكن الاعتماد عليها. فالتاريخ يبنى على ما هو راجح وما هو في طبيعة الأمور وليس على ما هو خارق للطبيعة. ومن جهة أخرى، رأينا أن ختان النبي محمّد موضع شك بين المؤلفين المسلمين القدامى أنفسهم. وما كان لهم أن يختلفوا في حدث كهذا لو أن العرب كانوا يختنون. وهناك شواهد تبين أن الختان لم يكن يعمل به بصورة عامّة في العصور الأولى للإسلام، نذكر منها:

«إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله»

في مسند أحمد ابن حنبل نقرأ ما يلي: «دعي عثمان بن أبي العاص (توفى عام 671) إلى ختان فأبى أن يجيب. فقيل له، فقال: إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله، ولا ندعى إليه».

«ليس لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع»

هناك سؤال وجّه إلى الإمام حسن بن علي يقول:

«إنه روي عن الصادقين عليهم السلام أن أختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف، وليس جعلني الله فداك لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، وعندنا حجّامو اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا إن شاء الله؟» فوقع عليه السلام: «السُنّة يوم السابع، فلا تخالفوا السُنَن إن شاء الله».

ومن هذا السؤال نستنتج أن اليهود هم الذين كانوا يختنون، وأن العرب غير اليهود لم يكن عندهم من يحذق الختان ممّا يعني أنهم لم يكونوا يمارسونه فلا خبرة لهم فيه. وذكر اليوم السابع للختان علامة واضحة لتأثير اليهود.

«أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا»

يقول ابن قيّم الجوزيّة:

«قال الحسن البصري (توفى عام 728): قد أسلم مع رسول الله (ص) الناس: الأسود والأبيض، الرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحداً منهم، وقال الإمام أحمد، حدّثنا المعتمر عن سلم بن أبي الذيال قال: سمعت الحسن (البصري) يقول: يا عجباً لهذا الرجل، يعني أمير البصرة لقي أشياخاً من أهل كيكر فقال: ما دينكم؟ قالوا: مسلمين. فأمر بهم ففتشوا فوجدوا غير مختونين فختنوا في هذا الشتاء، قد بلغني أن بعضهم مات. وقد أسلم مع النبي (ص) الرومي والفارسي والحبشي فما فتش أحداً منهم» (انظر الملحق 1).

ويذكر ابن قدامة (توفى عام 1223) عن الحسن البصري «أنه يرخّص في ختان [الذكور]، فهو يقول إذا أسلم لا يبالي أن لا يختتن ويقول: أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا».

«ليس في باب الختان... سُنّة تتبع»

ناقش ابن قيّم الجوزيّة السن الذي يجب أن يختن فيه الصبي. وقد ذكر في هذا المجال قولاً لابن المنذر: «ليس في هذا الباب نهي يثبت وليس لوقوع الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تستعمل» (انظر الملحق 1). والنووي (توفى عام 1277) ينقل عن ابن المنذر قولاً آخر: «ليس في باب الختان نهي يثبت ولا لوقته حد يرجع إليه ولا سُنّة تتبع والأشياء على الإباحة ولا يجوز حظر شيء منها إلاّ بحجّة ولا نعلم مع من منع أن يختن الصبي لسبعة أيّام حجّة».

«إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً»

نقرأ في تاريخ الطبري أن الخليفة عمر بن عبد العزيز (توفى عام 720) كتب إلى الجرّاح بن عبد الله (توفى عام 730) بعدما احتل خراسان: «أنظر من صلى قِبَلك إلى القبلة فضع عنه الجزية. فسارع الناس إلى الإسلام. فقيل للجرّاح: إن الناس قد أسرعوا إلى الإسلام، وإنّما ذلك نفوراً من الجزية، فامتحنهم بالختان. فكتب الجرّاح بذلك إلى عمر. فكتب إليه عمر: إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً».

وعليه يمكننا أن نقول بأن المجموعة الوحيدة التي مارست ختان الذكور بصورة أكيدة باعتباره واجباً دينيّاً في الجزيرة العربيّة هي الطائفة اليهوديّة، وأن الختان بين المسلمين لم يكن يعتبر واجباً. وقد رأينا سابقاً أن الأحاديث النبويّة حول ختان الذكور هي موضع شك بين الفقهاء المسلمين أنفسهم وقد تكون من الإسرائيليّات التي أدخلها اليهود ومن أسلم منهم في المجتمع الإسلامي أمثال كعب الأحبار.

ب) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الإناث

رأينا سابقاً حديث «خاتنة الجواري» الذي يستدل به مؤيّدو ختان الإناث على ضرورته. وهم يردّون على من ضعّف هذا الحديث أن ختان الإناث كان معمولاً به عند السلف. فيذكرون قول الجاحظ في كتابه «الحيوان»: «الختان في العرب في النساء والرجال من لدن إبراهيم وهاجر إلى يومنا هذا». والجاحظ يضيف: «والهند توافق العرب في كل شيء إلاّ في ختان النساء والرجال، ودعاهم إلى ذلك تعمّقهم في توفير حظ الباء». ويذكر أيضاً: «وقد كان رجل من كبار الأشراف عندنا يقول للخاتنة: لا تقرضي إلاّ ما يظهر فقط».

وإن كان واضحاً أن ختان الإناث كان يعمل به في زمن النبي، إلاّ أن كتب التراث لم تذكر لنا أن النبي ختن بناته. فهذه العادة لم تكن عامّة. وابن الحاج يقول: «واختلف في حقّهن هل يخفضن مطلقاً أو يفرّق بين أهل المشرق وأهل المغرب. فأهل المشرق يؤمرون به لوجود الفضلة عندهن من أصل الخلقة وأهل المغرب لا يؤمرون به لعدمها عندهن». وقول ابن الحاج هذا يعني عدم انتشار ختان الإناث بصورة متساوية بين المسلمين، بل هي عادة محلية محصورة جغرافياً. وحتى يومنا هذا نجد اختلاف في هذا الانتشار فأهل المغرب (المغرب وتونس وليبيا) ودول إسلاميّة أخرى لا تمارس ختان الإناث في عصرنا.

ومن جهة أخرى يظهر أن ختان الإناث لم يكن يمارس على جميع الطبقات بالسواء. فإن كان صحيحاً أن بعض النصوص تتكلم عن «ختان النساء»، إلاّ أن هناك نصوص أخرى تحدّد الختان بالجواري. فالحديث المشهور الخاص بأم عطيّة يقول بأنها «عرفت بختان الجواري»، وفي رواية أخرى بأنها «خفاضة تخفض الجواري». والشيعة تنقل عن جعفر الصادق: «ختان الغلام من السُنّة وخفض الجواري ليس من السُنّة». وفي حديث آخر لجعفر الصادق: «خفض الجارية مَكرُمَة وليس من السُنّة». والباجي (توفى عام 1081) ينقل عن مالك (توفى عام 795): «من ابتاع أمة فليخفضها إن أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه». وكلمتا «الجارية» و «الأمة» تنطبقان عادة على طبقة معيّنة من النساء وليس على جميع النساء.

5) آراء الفقهاء القدامى في الختان

دخلت شعوب مختلفة في الإسلام وكان لا بد من تلقينها التعاليم الدينيّة. فأخذ المهتمّون بالدين صياغة قواعد شرعيّة تحكم تصرّفات البشر في علاقتهم مع الله وفي علاقتهم بين بعضهم البعض. فألفوا في ذلك المجموعات الفقهيّة الضخمة معتمدين في ذلك على المصادر الشرعيّة التي ذكرناها سابقاً. وعندما لم يجدوا حُكماً صريحاً اعتمدوا على القياس كوسيلة لاستنباط الأحكام. وآراء الفقهاء لها أهمّية في الشريعة الإسلاميّة. فإجماعهم يعتبر أحد مصادر الشريعة الإسلاميّة. والذي يهمّنا هو معرفة ما إذا توصّل الفقهاء القدامى إلى رأي موحّد في مجال الختان أم اختلفوا فيما بينهم.

أ) قلة اهتمام الفقهاء القدامى بموضوع الختان وتناقض مواقفهم

المتبحّر في الموسوعات الفقهيّة الضخمة لا بد أن يستغرب قلة تعرّضها لختان الذكور والإناث. حتى أنك لتبحث عن كلمة الختان فتكاد لا تجدها فيها. وإن وجدتها فبصورة عرضيّة وهامشيّة، ضمن موضوعات أخرى مثل السواك أو العقيقة أو ضمان المستأجر لما يقوم به. وتعجب عندما ترى أن السواك والعقيقة تحتل مكاناً أكبر من الختان في تلك الكتب. وعلى سبيل المثال، يكرّس الغزالي (توفى عام 1111) في موسوعته الضخمة «إحياء علوم الدين» خمسة أسطر عن الختان. والفتاوى الهنديّة (ألفت بين 1664-1672) سبعة عشر سطراً. والكتاب الوحيد الذي توسّع في موضوع الختان هو كتاب «تحفة المودود بأحكام المولود» للفقيه الحنبلي ابن قيّم الجوزيّة الذي كرّس فصلاً كبيراً لهذا الموضوع نقلناه في الملحق الأوّل من كتابنا هذا. وابن قيّم الجوزيّة يجمل لنا المواقف المتضاربة للفقهاء الذين سبقوه وعاصروه حول الختان.

وإذا نظرت في كتب تفسير القرآن مثل «تفسير الطبري» و «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي وشروحات السُنّة مثل «فتح الباري بشرح صحيح الإمام أبي عبد الله محمّد بن إسماعيل البخاري» لابن حجر و «نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار» للشوكاني، ترى أن هذه الكتب تعطينا صورة لا تختلف عن موقف الفقهاء. فهي تنقل لنا مواقف متباينة حول موضوع الختان ممّا يجعل المرء في حيرة فيما يختار منها. وقد رأينا في الفصول السابقة كيف أن الفقهاء المسلمين اختلفوا وما زالوا يختلفون في فهمهم لنصوص القرآن والسُنّة.

ولا عجب في وجود تناقض حول موضع الختان بين الفقهاء ومفسّري القرآن والحديث ما دام القرآن والسُنّة، المصدران الأساسيان للشريعة، لم يوجّها خطاباً واضحاً يمكن الاستناد عليه. فإذا اضطرب الأساس، فالفروع تأتي على شاكلته.

ب) نبذات من آراء الفقهاء القدامى

سوف نعطي هنا بعض الأمثلة من مواقف الفقهاء مع ذكر مذاهبهم، مرتبين حسب سنة وفاتهم. وسنعود إلى هؤلاء الفقهاء عند تكلمنا عن حجج المؤيّدين والمعارضين والنتائج المترتبة على ترك الختان وعلى كيفيّة إجراء عمليّة الختان.

ابن الجلاب (توفى عام 988، مالكي)

«قال مالك رحمه الله: وعشر خصال من الفطرة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: فاللواتي في الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وقص إطار الشعر والشارب وإعفاء اللحية، والتي في الجسد حلق العانة ونتف الإبطين وتقليم الأظافر والاستنجاء والختان وهو سُنّة في الرجال والنساء».

الطوسي (توفى عام 1067، شيعي)

«يستحب أن يختن الصبي اليوم السابع، ولا يؤخّر. فإن أخّر لم يكن فيه حرج إلى وقت بلوغه. فإذا بلغ، وجب ختانه ولا يجوز تركه على حال. وأمّا خفض الجواري، فإن فُعِل، كان فيه فضل كبير وثواب جزيل، وإن لم يفعل، لم يكن بذلك بأس. ومتى أسلم الرجل وهو غير مختون ختن وإن كان شيخاً كبيراً».

النزوي (توفى عام 1162، اباضي)

«إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله بن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان ابن ثمانين سنة، ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه. للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتى يبالغ في التأنّي به. وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة».

ابن قدامة (توفى عام 1223، حنبلي)

«أمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء وليس بواجب عليهن».

النووي ((توفى عام 1277، شافعي)

«الختان واجب على الرجال والنساء عندنا».

ابن مودود الموصلي (توفى عام 1284، حنفي)

«الختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه».

ابن جزي (توفى عام 1340، مالكي)

«أمّا ختان الرجل فسُنّة مؤكدة عند مالك وأبي حنيفة (توفّى عام 767) كسائر خصال الفطرة التي ذكر معها وهي غير واجبة اتفاقاً. وقال الشافعي هو فرض ويظهر ذلك من كلام سحنون (توفّى عام 854) لأنه علم على الإسلام لقوله تعالى «أن اتبع مِلة إبراهيم حنيفاً» (النحل 113:16) وجاء في الحديث «إن إبراهيم عليه السلام اختتن بالقدوم وهو ابن ثمانين سنة، وروي ابن مائة وعشرين سنة».

نلاحظ ممّا سبق أن ختان الذكور أعتُبر أكثر أهمّية من ختان الإناث. فأكثر الفقهاء المسلمين أخذوا موقفاً متزمّتا من ختان الذكور فاعتبروه واجباً.

6) الحجج الدينيّة الفرعيّة التي يرتكز عليها الفقهاء والمفكرون

بالإضافة إلى الحجج الأساسيّة التي ذكرناها في الفصول السابقة، يعتمد مؤيّدو ومعارضو ختان الذكور والإناث على حجج فرعيّة نذكر منها.

أ) التطهير من النجاسة

تنقل الشيعة أحاديثاً عن النبي تعتبر بول الأغلف نجساً ذكرناها سابقاً. وفي هذا المعنى يقول الصادق: «أختنوا أولادكم لسبعة أيّام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وأن الأرض لتكره بول الأغلف». ويقول ابن جزي:

«الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لأنها قطعت من حي فلا يجوز أن يحملها المصلي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلاً منهم».

ويرى ابن قيّم الجوزيّة أن الشيطان يختبئ في غرلة الرجل. وقطعها تطهير له. فهو يقول:

«أي زينة أحسن من أخذ ما طال وجاوز الحد من جلدة الغلفة وشعر العانة وشعر الإبط وشعر الشارب وما طال من الظفر. فإن الشيطان يختبئ تحت ذلك كله ويألفه ويقطن فيه» (انظر الملحق 1).

واعتماداً على هذا الاعتقاد، يرى الفقهاء أن ختان الذكور ضروري لإتمام الطهارة التي بدونها لا تصح الصلاة. وهم بذلك يطبّقون القاعدة التي تقول «ما أدّى إلى الواجب فهو واجب». وما زال الكتاب المسلمون المعاصرون يعيدون علينا ذلك. وترى الدكتورة نور السيّد رشاد ضرورة ختان الإناث أيضاً لنفس السبب (انظر الملحق 13)، وهو ما لم يقل به أحد من الفقهاء القدامى. وبالإضافة إلى كون غسل الغلفة ليس بالصعوبة التي يتصوّرها الكتاب المسلمون، نشير هنا إلى أن بعض الفقهاء القدامى رفضوا التعلل بحجّة ضرورة الختان للطهارة والصلاة. ينقل ابن قيّم الجوزيّة:

«إنّما يلام عليه إذا كان باختياره. وما خرج عن اختياره وقدرته لم يلم عليه ولم تفسد طهارته، كسلس البول والرعاف وسلس المذي. فإذا فعل ما يقدر عليه من الاستجمار والاستنجاء لم يؤاخذ بما عجز عنه» (انظر الملحق 1).

هذا ويقول العبّودي أنه «لا يمكن أن يبقى (الطفل في الإمارات) بعد سن السادسة أو السابعة من العمر بدون ختان لأسباب كثيرة، أهمّها أسباب دينيّة، إذ يعتبر في نظر المسلمين غير طاهر ولا يجوز له دخول المسجد ولا تُقبل صلاته». ويضيف أن من جاوز هذا العمر «يصبح عرضة للنقد بين الرجال والنساء وأيضاً الصبيان. فكثيراً ما يسمع كلمات نابية، حيث يطلق عليه في بعض الأحيان لقب «بانيان» ويقصد بالبانيان من هم على ديانة البوذية.

ب) شعار المسلمين ومخالفة لشعارات الكفر

يرى مؤيّدو الختان أنه من شعار الدين، وبه يعرف المسلم من الكافر، حتى لو وجد مختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلي عليه ودفن في مقابر المسلمين. وقد رُد عليه إن ما أدّعي في المقتول مردود لأن اليهود وكثيراً من النصارى يختنون. ورغم ضعف هذه الحجّة التي نجدها أيضاً عند اليهود، ما زال الكتاب المسلمون في أيّامنا يعيدونها علينا. وهناك من يعتبر ليس فقط ختان الذكور، بل أيضاً ختان الإناث من علامات الإسلام. وهذه الفكرة تتناقلها العامّة في مصر رغم أن المسلمين والمسيحيّين هناك يختنون ذكورهم وإناثهم.

ج) العُرف

العرف أحد مصادر الشريعة الإسلاميّة. فما يبيحه العرف يعتبر مباحاً في الشريعة الإسلاميّة في حدود معيّنة. يقول السكري دفاعاً عن ختان الذكور والإناث:

«لقد كان ختان الذكور والبنات ولا يزال عرفاً جرت به العادة بين البشر منذ زمن بعيد. فأصبح مألوفاً بينهم سائغاً في مجرى حياتهم. ودليل هذا أن أمّهاتنا وجدّاتنا وجدّاتهن وهكذا كن يختتن على مدى عشرات السنين ولم يحدث من الأضرار المدّعاة شيئاً. ومن ثم كان هذا العرف سائغاً لديهم. وقد بنت الشريعة الإسلاميّة كثيراً من أحكامها على العرف الصحيح وهو الذي استوفى شرائطه الثلاثة فيكون عرفاً صحيحاً وهو ما لا يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً. فالإمام مالك بنى كثيراً من أحكامه على عرف أهل المدينة. والإمام الشافعي بنى كثيراً من أحكام مذهبه الجديد على عرف أهل مصر. وهذا النوع تجب مراعاته في الإفتاء والقضاء».

ويرد العوّا على دعوى العُرف قائلاً: هذا منهج شديد الخطر بالغ الخطأ.

«فهو شديد الخطر لأن الأعراف الإنسانيّة ليست كلها- في أي بلد كان - موافقة للشرع، بل إن فتاوى العلماء فيها ما يوافق النصوص، وفيها ما يحتاج إلى نظر، وليس فتاوى علماء البلدان الإسلاميّة الأخرى أولى بالإتباع من فتاوى علمائنا، والعرف الذي لا يخالف الشرع دليل محلي لا ينقل عمله من موطنه إلى موطن آخر. ولا حجّة على كل حال في عرف لا يتفق مع الشرع إذا وجد في بلادنا أو في غيرها من البلاد. فهو عرف فاسد بتعبير الفقهاء. والذي يُعوّل عليه هو العرف الصحيح الذي لا يصادم نصّاً أو إجماعاً دون سواه» (انظر الملحق 12).

7) النتائج المترتبة على عدم الختان في الشريعة

كما هو الأمر عند اليهود، يرى رجال الدين المسلمون أن الله هو المشرّع الذي يسن ما يجب على المرء عمله أو تفاديه. وكما عند اليهود، مخالفة الشريعة لها عواقبها. فالشيخ الشعراوي (توفى عام 1998) يقول فيمن يرفض تطبيق الشريعة الإسلاميّة:

«وأنا لو لي من الأمر شيء، أو لي من حُكم تطبيق منهج الله شيء لأعطيت سنة حرّية فيمن يريد أن يرجع عن إعلان إسلامه أن يقول: أنا غير مسلم. وأعفيه من حُكم الدين في أن أقتله قتل المرتد».

وقد تم فعلاً قتل المفكر المصري فرج فودا في 7 يونيو 1992 على يد شخص ينتمي إلى جماعات إسلاميّة بسبب موقفه الرافض من تطبيق الشريعة الإسلاميّة. وقد برّر الشيخ محمّد الغزالي (توفى عام 1996) هذا القتل في شهادته أمام محكمة أمن الدولة المصريّة.

وكما هو الأمر بالنسبة للأوامر الدينيّة الأخرى، للختان نتائج تختلف حسب تصنيفه الفقهي. فالذين يعتبرون الختان أمراً مباحاً، لا يرتبون على تركه أيّة نتيجة. والذين يعتبرونه مستحبّاً (أو مندوباً)، يأثمون من يتركه. والذين يعتبرونه واجباً، يبنون على ذلك عواقب وخيمة تصل إلى قتل من يتركه، كما أنهم يقدحون في صلاته وإمامته للصلاة وشهادته وذبيحته وزواجه ويرفضون دفنه في مقابر المسلمين. أمّا الذين يحرّمون الختان، خاصّة ختان الإناث، فإنهم يرون ضرورة معاقبة من يقوم به.

أ) الختان بين المباح والمستحب

إن الذين يقولون أن الختان مباح أو مستحب، (أو مندوب) يعنون فقط ختان الإناث الذي يدور الجدل حوله. أمّا ختان الذكور، فهو في نظرهم من المسلمات. والذين يبيحون أو يستحبّون ختان الإناث قديماً أو حديثاً، يرون أن القرار ليس بيد من تمارس هذه العمليّة عليها، بل بيد وليّها الذي قد يكون والدها عندما تكون قاصرة، أو زوجها بعد بلوغها. فإذا قرّر الولي ذلك، فهو يفرضه عليها فرضاً.

يقول الدكتور زكريّا البرّي:

«إن عدم ختان المرأة لا يترتب عليه إثم ديني، إذا كان بناء على ما يرجّحه المسلم أو يطمئن إليه على ضوء النصوص الدينيّة، ونصيحة الطبيبات والأطبّاء والأمناء المختصّين».

ويقول الدكتور محمّد رمضان:

«ليس هناك دليل شرعي قوي يوجب أو يؤكد على ممارسة هذه العمليّة - ختان أو خفض البنات - بل لا يوجد ما يدل على أنه سُنّة. حتى لو أخذنا بالروايات الضعيفة الواردة، فكل ما تؤدّي إليه أنه مباح. وتارك المباح أو المندوب في رأي الفقهاء ليس عليه إثم».

ب) الختان واجب يجبر ويقتل تاركه

التيّار الذي يرى وجوب الختان يقول بإمكانيّة تنفيذه جبراً على البالغ الذي يرفض ذلك. وإذا أمعن في رفضه دون عذر مقبول، يحق قتله. وهذا ينطبق على ختان الذكور، وعند بعضهم أيضاً على ختان الإناث. يقول النزوي (توفى عام 1162):

«إن الختان واجب على كل مسلم لقول النبي (ص) لعبد الله بن عبّاس حين أسلم، ألق عنك شعر الكفر واختتن. قال قتادة وسمعته يأمر من أسلم أن يختتن ولو كان ابن ثمانين سنة [...]. ومن أمر بالختان فلم يفعل قتل، ولا يقتل حتى يبالغ في التأنّي به، وأمّا النساء فليس عليهن واجباً ويؤمرن بذلك إكراماً لأزواجهن وليس هن كالرجال فالختان للنساء مَكرُمَة وللرجال سُنّة وقيل فريضة».

يذكر ابن مودود الموصلي (توفى عام 1284) عن الطحاوي (توفى عام 933) قوله:

«والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو اجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه».

وفي عصرنا، أعاد شيخ الأزهر جاد الحق هذه العبارة في فتواه الأولى مرّتين وأمّا في فتواه الثانية، فقد أعادها ثلاث مرّات (انظر الملحقين 5 و 6). وهذا الأمر ينطبق حسب هذه الفتوى على ختان الذكور وختان الإناث. أمّا القرضاوي، فيسن القتال فقط على من يرفض ختان الذكور:

«أمّا الختان للذكور فهو من شعائر الإسلام، حتى قرّر العلماء أن الإمام لو رأى أهل بلد تركه لوجب عليه أن يقاتلهم حتى يعودوا إلى هذه السُنّة المميّزة لأمّة الإسلام» (انظر الملحق 11).

ج) القدح في صلاة وإمامة وحج وشهادة وذبيحة الأغلف

يقدح الفقهاء في صلاة وإمامة وشهادة وحج وذبيحة الأغلف إذا كان راغباً عن الختان. يروى الشيخ الصدوق (توفى عام 991) حديث لأبي الجوزاء:

«الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه ضيّع من السُنّة أعظمها ولا تُقبل له شهادة ولا يُصلي عليه إذا مات إلاّ أن يكون ترك ذلك خوفاً على نفسه».

وينقل ابن قدامة قول ابن عبّاس (توفى عام 687): «لا تؤكل ذبيحة الأغلف، وعن أحمد مثله» ولكنّه يضيف:

«والصحيح إباحته فإنه مسلم فأشبه سائر المسلمين. وإذا أبيحت ذبيحة القاذف والزاني وشارب الخمر مع تحقيق فسقه، وذبيحة النصراني وهو كافر أغلف، فالمسلم أولى».

ويرى الرستاقي (القرن 17) ضرورة إعادة صلاة الأغلف:

«سئل عبد الله عن الرجل يبقى من ختانه شيء لم يكن أوتي عليه أيكون أغلف أم لا. قال إن كانت الحشفة ظاهرة أو شيء منها فليس هو أغلف. وإن لزمه إعادة الختان لزمه بدل الصلوات التي صلاّها وهو أغلف مذ بلغ رجلاً. وأمّا شهر رمضان فلا نرى عليه فيه إعادة».

وما زال الكتاب المسلمون يكرّرون علينا في أيّامنا ضرورة الختان للصلاة. ومنهم من يضيف لختان الذكور ختان الإناث.

د) القدح في زواج الأغلف

توسّع الرستاقي في هذا الموضوع. فهو يقول إنه إذا تزوّج أغلف بامرأة ودخل بها قَبل أن يختتن، فرّق بينهما. وإذا اختتن بعد زواجه ولكن قَبل أن يدخل بها، فهناك رأيين: رأي لا يفرّق بينهما، ورأي يفرّق بينهما ويفرض عليه أن يتزوّجها بعد الختان بنكاح جديد. وإذا كان للزوج عذر لعدم الختان كالمشرك الذي يسلم في الشتاء فخاف على نفسه إذا اختتن من البرد، هناك من يقبل عذره وهناك من لا يقبله. والمسلم الأغلف لا يحق له الزواج لا من مسلمة ولا من ذمّية «لأنه ما لم يختتن فيشبه [...] المجوسي من المشركين لا بأهل الكتاب. قال النبي: من تشبّه بقوم فهو منهم». ويذكر الرستاقي هنا قول ابن عبّاس أن الأغلف لا يزوّج. ويضيف الرستاقي أن الأغلف المسلم لا ولاية له، لا بتزويج نفسه ولا بتزويج أحد من نسائه. فإن زوَّج الأغلف امرأة فُرّق بينها وبين زوجها إلاّ إذا دخل فيها. وإن كان الأغلف أحد الشاهدين على النكاح لم يجز النكاح.

وفيما يخص ختان الإناث، يقول البهوتي (توفى عام 1641) إن للزوج الحق في إجبار زوجته المسلمة عليه كإجبارها على الصلاة. وقد أيّد السكري هذا الرأي في أيامنا. وقد ذكر بوحديبة: «وقد تقبّلت تونس في السنوات الأخيرة احتمال زواج المسلمة بغير المسلم، والغريب أن ما استهجنه البعض انحصر في كيفيّة مضاجعة رجل غير مختن لامرأة مسلمة».

هـ) حالات تجريم الختان

ختان الذكور والإناث عمليّة مؤلمة تؤدّي إلى قطع عضو سليم. وهذا بحد ذاته لم يعتبره الفقهاء القدامى محل تأثيم أو عقاب إذ يدخل فيما تأمر به الشريعة أو تبيحه في حدود تعارف عليها الفقهاء، وهي عند الذكر قطع الغلفة، وعند الأنثى قطع جزء من الجلدة التي تكون في أعلي الفرج دون استئصال عملاً بالحديث «أشمّي ولا تُنهِكي». ولكن عمليّة الختان قد تؤدّي إلى الخروج عن هذه الحدود. فبدلاً من قطع الغلفة قد يتم قطع الحشفة. كما أنها قد تؤدّي إلى الوفاة. وقد تعرّض الفقهاء لهذه الحالات لتحديد «الضمان»، أي مدى مسؤوليّة الخاتن وولي الأمر في حال تعدّي الحدود. وهم يعيرون اهتماماً أكبر بختان الذكور من ختان الإناث. وحديثاً أخذ التيّار المعادي لختان الإناث يطالب في تجريم جميع أنواع ختان الإناث. ولكن مؤيّدو ختان الإناث يرفضون فكرة تجريمه والرضوخ للقانون الوضعي. يقول السيّد:

«يقول قائلهم: ختان الإناث جريمة يعاقب عليها القانون. ويحق للمرء أن يسأل أي قانون هذا يقصد؟ أمّا قانون السماء فقد عرفنا وتعلمنا أنه يستحب ختان النساء، ويجعله مَكرُمَة لهن وطهرة. ولم يبقى إلاّ قانون الأرض. والمؤمن لا يعتد إلاّ بحُكم الله ورسوله (ص). ومتى كان الاستدلال بالقانون الأرضي في وجود حُكم السماء، على لسان رسول الله (ص)؟»

8) عمليّة ختان الذكور والإناث

أ) الشخص الذي يتم الختان عليه

قلنا سابقاً أن الختان لم يكن معمولاً به بصورة شاملة في العصور الأولى. ولكن سرعان ما أعتبر الختان علامة للإسلام. وهناك من اعتبره واجباً على كل من يولد مسلماً أو يتحوّل إلى الإسلام. ومنهم من تسامح فيه فرفعه في حالة الخوف من الهلاك ومنهم من تشدّد وفرضه حتى في هذه الحالة. وقد رأينا أن موقف الفقهاء من ختان الإناث كان أكثر تسامحاً من ختان الذكور. ونحن نعطي هنا الاعتبارات المختلفة التي أخذ بها الفقهاء.

كل مولود مسلم؛ سن الختان

كل مولود مسلم يجب ختانه. والمسلم هو كل من كان أحد أبويه مسلماً. ونشير هنا إلى أن بعض الفقهاء يستثنون المجنون من وجوب الختان لأنه ليس من «أهل الوجوب». وبعضهم الآخر قال بأن على ولي المجنون ختنه.

وإذا كان اليهود يفرضون الختان في ميعاد محدّد، فإن المسلمين اختلفوا في سن الختان. وفي أكثر الأحيان يذكر الفقهاء القدامى ميعاد الختان دون تحديد ما إذا كانوا يعنون بذلك ختان الذكور أم الإناث.

بعد أن استعرض آراء الفقهاء المتناقضة من الختان وشكك في وجوبه، يقول الباجي:

«إذا ثبت ذلك [أي وجوب الختان] فإن وقت الاختتان الصبا على ما اختاره مالك وقت الاثغار. وقيل عن مالك من سبعة سنين إلى العشرة. قال ولا بأس أن يعجّل قَبل الاثغار أو يؤخّره وكل ما عجّل بعد الاثغار فهو أحب إلي. وكره أن يختن الصبي ابن سبعة أيّام وقال هذا من فعل اليهود».

وفيما يخص سن الختان عند الشيعة، نقرأ عند العاملي (توفى عام 1692): «سألت أب الحسن عن ختان الصبي لسبعة أيّام من السُنّة هو، أو يؤخّر فأيهما أفضل؟ قال: لسبعة أيّام من السُنّة، وإن أخّر فلا بأس». ويذكر حديثاً للنبي: «أختنوا أولادكم يوم السابع فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم».

وفيما يخص سن الختان في عصرنا يقول المرصفي بعد استعراض آراء الفقهاء القدامى بأن الختان واجب بعد البلوغ حتماً. أمّا قَبل البلوغ فليس له وقت محدّد وأنه لا مانع من ختانه في أي وقت من حين ولادته إلى البلوغ ولكن الوقت المفضّل هو الأيّام السبعة الأولى لأن الوليد يكون قليل الشعور بالألم والجراح تكون أسرع التئاماً.

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكري أنه يجب أن لا يقل سن البنت عن سبع سنوات إذا كانت بصحّة جيّدة وإلاّ فعشر حتى تستطيع أن تتحمّل إجراء هذه العمليّة بخلاف الذكر فإنه يجوز يوم السابع من ولادته.

وقد جاء في إحدى الدراسات أن في مصر يتم ختان الذكور بين 7 و 40 يوماً، أو بين سنة وسنتين. أمّا ختان الإناث فيتم بين خمسة سنين إلى اثنا عشرة سنة. ويفسّر العامّة هذا الاختلاف بأن ختان الإناث أكثر ألماً ولذا يؤخّر ختانها حتى تتحمّل الألم. ولهم أيضاً تفسير آخر يقول إن البظر يظهر في زمن البلوغ وأنه يكبر إذا قطع قُبل ذلك في الصغر. ولا يترك البظر لبعد سن العاشرة لأنه يحتك بالملابس. وبعض النساء أوضحت أنه تم ختانهن مرّتين وأن أمّها ختنت ثلاث مرّات. ونشير إلى أن هناك من يختن أولاده جميعاً في يوم واحد اقتصاداً لمصاريف الحفلة. فيكون بين الأولاد الكبير والصغير.

وقد سمعت عن عادة من أستاذ في جامعة عدن أنه في بعض المناطق اليمنيّة تجرى عمليّة الختان قَبل الزواج بقليل. وعلى الرجل أن يتحمّل هذه العمليّة بشجاعة حتى يثبت رجولته للفتاة التي يريد أن يقترن بها. وقد فسّر الأستاذ المذكور سبب التأخير في إجراء هذه العمليّة بأن الشباب والشابّات قليلاً ما يتلاقون قَبل الزواج. ويكونوا في حالة هياج عند لقائهم لأوّل مرّة بعد عقد الزواج وقد يكون دخول العريس بزوجته في ليلته الأولى أشبه بالاغتصاب. لذا فإن عمليّة الختان التي تجرى قَبل الزواج تجبر الزوجين في أوّل أيّامهما الزوجيّة على التعارف والتلاطف حتى يشفى جرح الختان قبل أن يمارسا العلاقات الجنسيّة.

وكتب الأستاذ أحمد محمّد جمال في كتابه «يسألونك» أن أحد الحضور في نادي جيزان الأدبي (في السعوديّة) قد ذكر له أن عمليّة الختان في هذه المدينة تجرى على الشاب بعد أن يبلغ الخامسة عشرة من عمره، وتقام له حفلة أو مأدبة وتدّق له الطبول كأنه احتفال بزواج. فاستنكر الأستاذ هذا التأخير في إجراء الختان ورأى أنه يجب أن يتم «كما هو مطلوب عند العلماء - في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين من عمر المولود، فذلك أفضل وأخف إيلاماً للطفل، وأسرع شفاءاً للجراحة الحاصلة بسببه» (انظر الملحق 15).

تأخير الختان في حالة المرض وخوف الموت

يذكر ابن قيّم الجوزيّة أن الختان يمنع في حالة خوف التلف:

«ظاهر كلام أصحابنا أنه يسقط وجوبه فقط عند خوف التلف. والذي ينبغي أن يمنع من فعله ولا يجوز له. وصرّح به في شرح الهداية: فقال يمنع منه. ولهذا نظائر كثيرة، منها الاغتسال بالماء البارد في حال قوّة البرد والمرض، وصوم المريض الذي يخشى تلفه بصومه وإقامة الحد على المريض والحامل وغير ذلك. فإن هذه الاعذار كلها تمنع إباحة الفعل كما تسقط وجوبه» (انظر الملحق 1).

ويقول النزوي (توفى عام 1162): «إذا كان عادة قوم أنهم إذا اختتنوا ماتوا، معروفين بذلك، فإنهم لا يختتنون ويتركون. وإن ماتوا صلي عليهم، وحُكمهم الطهارة لأن هذا عذر».

ويرى الدكتور عبد الرحمن القادري عدم الختان في الحالات التالية:

1) يمنع ختان الطفل عندما يكون مصاباً بالتهاب الكبد الانتاني الذي يكون اليرقان أحد تظاهراته.

2) يمنع ختان الطفل عندما يكون مصاباً بأحد الأدواء النزفيّة كنقص فيتامين أو عندما يكون مصاباً بالناعور حتى تصلح تلك الأدواء ونقوم بإعطاء الطفل المواد الناقصة لديه والتي لها دور في إحداث التخثر.

3) عندما يكون المختتن مصاباً بأحد الأمراض المنتقلة بالجنس. ففي حالة إصابته بأحد الأمراض التي يمكن معالجتها مثل الإفرنجي الخلقي أو الكسبي علينا المعالجة أوّلاً وبعدها الختان. أمّا في حال إصابته بالإيدز فلا نرى فائدة من القيام بختانه.

الذي يعتنق الإسلام

يستعرض الباجي أقوال الفقهاء فيمن يعتنق الإسلام فيقول:

«أختلف في الشيخ الكبير يسلم فيخاف على نفسه من الاختتان. فقال محمّد بن الحكم له تركه وبه قال الحسن بن أبي الحسن البصري. وقال سحنون لا يتركه وإن خاف على نفسه كالذي يجب عليه القطع في السرقة أنه لا يترك قطعه من أجل أنه يخاف على نفسه. وهذا من سحنون يقتضي كونه واجباً متأكد الوجوب والله أعلم. وروى ابن حبيب عن مالك من تركه من غير عذر ولا عِلة لم تجز إمامته ولا شهادته ووجه ذلك عندي أن ترك المروءة مؤثر في رد الشهادة ومن ترك الختان من غير عذر فقد ترك المروءة فلم تُقبل شهادته».

وفيما يخص الشيعة، يذكر العاملي حديثاً لعلي: «إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين سنة». كما يذكر عن المرادي أنه قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تسبى من أرض الشرك فتسلم فيطلب لها من يخفضها فلا يقدر على امرأة. فقال: أمّا السُنّة فالختان على الرجال، وليس على النساء». ويقول المحقّق الحلي (توفى عام 1227): ولو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن ولو كان مسنّاً. ولو أسلمت امرأة لم يجب ختانها واستُحب. ويقول زين الدين الجبعي العاملي: «يستحب خفض النساء وإن بلغن. قال الصادق: خفض النساء مَكرُمَة وأي شيء أفضل من المَكرُمَة».

وفي عصرنا، نجد نوعاً من التشدّد في الختان. يقول أحمد أمين (توفى عام 1954) في قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة الذي كتبه عام 1950:

«يولي المصريّون الختان أهمّية كبرى، حتى لقد بلغني أن قبيلة سودانيّة أرادت الدخول في الإسلام فكتب رئيسها إلى بعض علماء الأزهر يستوضحه الإسلام وما يفعله أفراد قبيلته لدخولهم في الإسلام. فكتب إليه العالم الأزهري قائمة بما يجب أن يعملوه. فكان أوّلها الختان، فرفضت القبيلة أن تسلم، وقد كانت هذه المسألة قلة ذوق».

وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء السعوديّة بأن نصرانياً وزوجته أرادا الدخول في الإسلام فأمرهما مقدّم الاستفتاء بغسل البدن وبالنطق بالشهادتين عن طوع ورضا واستسلام والختان. فهل هذا صحيح أو لا؟ وكان رد اللجنة عن الختان ما يلي:

«[...] وأمّا الختان فواجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء لكن لو أخّرت دعوة من رغب في الإسلام إلى الختان بعض الوقت حتى يستقر الإسلام في قلبه ويطمئن إليه لكان حسناً خشية أن تكون المبادرة بدعوته إلى الختان منفرة له من الإسلام» (انظر الملحق 14).

من ولد أو أسلم مختوناً

يقول النزوي: «وإذا خلق الله احليل إنسان مكشوف الحشفة كالختان لم يجب عليه الختان لأن القصد بالختان إظهار الحشفة فإذا ظهرت فقد وجدت البغية».

ويقول ابن الحاج: «واختلف إن ولد مختوناً هل يختن أم لا على قولين: فمنهم من قال هذه مؤنة كفانا الله إيّاها فلا حاجة تدعو إلى فعلها ولأن كشف العورة من كبير وصغير لا يباح إلاّ لضرورة شرعيّة والضرورة معدومة والحالة هذه. وقال بعضهم لا بد من إجراء الموسى عليه ليقع الامتثال».

وبعد أن ذكر الجدل حول ختان من ولد مختوناً يضيف الحطاب (توفى عام 1547): «يجري على الأقرع في الحج». أي أنه يريد معاملته معاملة الأقرع الذي يمر الموسى على رأسه في الحج مع أنه لا شعر له.

وامرار الموسى على من يولد مختوناً أمر متفق عليه في المصادر الشيعة. يروي العاملي عن موسى بن جعفر أنه قال لمّا ولد ابنه الرضا: «إن ابني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهّراً. وليس من الأئمّة أحد يولد إلاّ مختوناً طاهراً مطهّراً، ولكنا سنمر الموسى عليه لإصابة السُنّة واتباع الحنيفيّة». ويذكر حديث «إن صاحب الزمان ولد مختوناً وأن أبا محمّد قال: هكذا ولد، وهكذا ولدنا، ولكنا سنمر عليه الموسى لإصابة السُنّة».

وفي عصرنا يقول المرصفي «والذي نراه ونرجّحه سقوط الختان وعدم وجوبه على من ولد مختوناً كما نرى كراهة امرار الموسى على موضع الختان منه لأن ذلك عبث لا فائدة فيه ويجب أن تنزه الشريعة عنه».

ختان الخنثى ومن له ذكران

الخنثى هو الذي يكون له جهازان تناسليان، خلق بهما كذلك، لكن العضوين لا يكونان في مستوى واحد. فما هو حُكم الختان في الخنثى؟

يقول النووي: «أمّا الخنثى المشكل فقال في البيان قال القاضي أبو الفتوح يجب ختانه في فرجيه جميعاً لأن أحدهما واجب ولا يتوصّل إليه إلاّ بختانهما». ويذكر النووي رأياً آخراً بأنه لا يختن الخنثى المشكل لأن الجرح على الإشكال لا يجوز. وهذا حسب النووي هو الأظهر المختار. وبعد عرض هذه الآراء يقول السكري في عصرنا أنه يختار الرأي الأوّل

«لأنه إن كان مائلاً إلى الذكورة فهو واجب لضرورة هذا الختان بالنسبة له. وإن كان مائلاً للأنوثة فختنه سُنّة وفيها أيضاً امتثال أمر رسول الله (ص). والبناء على اليقين خير وأولى من البناء على الشك. ومن ثم يجب تغليباً لحال الخنثى ختانه في فرجيه».

وقد تعرّض الفقهاء أيضاً لحالة شاذّة وهي وجود ذكرين لشخص. يقول النووي: «لو كان لرجل ذكران قال صاحب البيان إن عرف الأصلي منهما ختن وحده. قال صاحب الإبانة يعرف الأصل بالبول وقال غيره بالعمل. فإن كانا عاملين أو يبول منهما وكانا على منبت الذكر على السواء وجب ختانهما». ويقول الأنصاري (توفى عام 1596): من له ذكران عاملان يختتنان. فإن تميّز الأصلي منهما ختن فقط. فإن شك فكالخنثى، أي لا يختتن.

ختان الميّت

دار جدل بين الفقهاء حول إمكانيّة ختان من مات غير مختون وله عذر. يقول النووي:

«أمّا ختان من مات قبل أن يختن ففيه ثلاث طرق. (المذهب) وبه قطع المصنّف والجمهور لا يختن. (والطريق الثاني) فيه قولان: كالشعر والظفر حكاه الدوامي، (والثالث): فيه ثلاثة أوجه حكاه صاحب البيان (الصحيح) لا يختن (والثاني) يختن (والثالث) يختن البالغ دون الصبي لأنه واجب على البالغ دون الصبي. (والصحيح) الجزم بأنه لا يختن مطلقاً لأنه جزء فلا يقطع كيده المستحقّة في قطع سرقة أو قصاص. فقد أجمعوا أنها لا تقطع. ويخالف الشعر والظفر فإنهما يزالان في الحياة للزينة والميّت يشارك الحي في ذلك. والختان يفعل للتكليف به وقد زال التكليف بالموت».

وقد سئل ابن تيميّة: «إذا مات الصبي وهو غير مختون: هل يختن بعد موته؟ أجاب: لا يختن أحد بعد الموت».

وفي عصرنا يقول الجمل:

«وأمّا الختان وهو قطع عضو من أعضائه، والمعنى الذي من أجله شرّع في الحياة قد زال بالموت، فلا مصلحة في ختانه. وقد أخبر النبي «أنه يبعث يوم القيامة بغرلته غير مختون». فما الفائدة أن يقطع منه عند الموت عضو يبعث به يوم القيامة وهو من تمام خلقه في النشأة الأخرى».

وفي شمال فلسطين، ذكر «سونين» أن البدو قرب بحيرة الحولة في فلسطين يختنون الطفل قَبل دفنه إذا مات غير مختون. ويقوم بهذا الختان الخطيب، حتى وإن كان عمر الطفل يوماً واحداً.

ب) القائمون بالختان

هناك نقاش حول النظر إلى عورة الرجل والمرأة. فالشريعة الإسلاميّة تتشدّد في هذا الموضوع. ونجد تطبيقاً لتحريم النظر إلى العورة واستثناءاتها ضمن عمليّة الختان. فالأصل الذي ذكره الفقهاء بالنسبة للختان أن يختن الرجل نفسه إن كان يحسن ذلك ولا يخشى عليه التلف. فإن كان لا يحسن الختان ختنه رجل مثله والأنثى تخفضها أنثى مثلها. أمّا إذا تم الختان في الصغر والطفل لم يبلغ السابعة، فلا حرمة في النظر إلى عورته.

يذكر الباجي قولاً لمالك: «والنساء يخفضن الجواري».

ويقول النزوي: «ولمن أسلم أن يظهر فرجه لرجل أن يختنه، للرجل ذلك، لأنه ضرورة، إلاّ أنه يستر فرجه إلاّ موضع الختان».

ويقول النووي عن ختان الخنثى: إن كان الخنثى صغيراً ختنه الرجال والنساء. أمّا إذا قلنا إن ختان الصغير غير واجب، فيجب أن يختن نفسه عندما يكون كبيراً إذا هو يحسن الختان. وإلاّ اشترى له جارية تختنه فإن كان لا توجد جارية تحسن ذلك ختنه الرجال والنساء للضرورة كالتطبّب.

ويقول المحقّق الحلي (توفى عام 1277) إن الختان «مستحب يوم السابع ولو أخّر جاز. ولو بلغ ولم يختن، وجب أن يختن نفسه».

وتقول الفتاوى الهنديّة (كتبت بين 1664-1672): «قيل في ختان الكبير إذا أمكن أن يختن نفسه فعل وإلاّ لم يفعل، إلاّ أن يمكنه أن يتزوّج أو يشتري ختانة فتختنه».

ويقول الصاوي: «لا يجوز للبالغ أن يكشف عورته لغيره لأجل الختان، بل إن لم يمكنه الفعل بنفسه سقطت السُنّة، وسقوطها عن الأنثى أولى بذلك».

وقد طرح أيضاً موضوع شرعيّة إجراء الختان من قِبَل شخص غير مسلم. فهناك سؤال وجّه إلى الإمام حسن بن علي يقول:

«إنه روي عن الصادقين عليهم السلام أن أختنوا أولادكم يوم السابع يطهّروا، فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف، وليس جعلني الله فداك لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع، وعندنا حجّامو اليهود فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا إن شاء الله؟» فوقع عليه السلام: «السُنّة يوم السابع، فلا تخالفوا السُنَن إن شاء الله».

ونلاحظ هنا أنه لم يرد على السؤال بصورة مباشرة. مما يعني أن لا مانع من ختان المسلم على يد غير مسلم.

وهذا يبيّن أنه ليس للخاتن في الشريعة الإسلاميّة الأهمّية الدينيّة التي نجدها في الشريعة اليهوديّة. ولكن هناك في أيّامنا من يتشدّد في أن يكون الخاتن طبيب مسلم. يقول المرصفي إن ختان الإناث يسند إلى طبيبات مسلمات، وختان الذكور إلى أطبّاء مسلمين حتى يقوموا بهذه العمليّة حسب الشرع. والطبيب المسلم هو الذي يقرّر ما إذا كان الكبير يحتمل الختان أم لا. إلا أن الواقع يثبت أن عدداً كبيراً من هذه العمليّات كان وما زال يجريها القابلة أو الداية أو الغجريّة أو حلاّق الصحّة.

ج) تنفيذ الختان

يقول ابن الحاج: «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه». ويقول ابن جزي: «تستحب الدعوة لطعام الختان وهو الاعذار، ولا يفعل ذلك في خفاض النساء للستر». وعادات الختان تختلف من مكان إلى آخر وتصاحبها عامّة احتفالات. يقول أحمد أمين في قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصريّة الذي كتبه عام 1950 عن عادة الختان في مصر:

«جرت العادة أن يكون الختان نحو السابعة من العمر، وهم يحتفلون به ويؤلفون لهذا الغرض موكباً يجتمع فيه الأصدقاء والمحبّون، ويركبون الغلام جواداً أو عربة بعد أن يلبسوه لباساً فخماً وأمامه الموسيقى أو الطبل والمزمار. وقد يزيّنون الولد بزي الفتاة الصغيرة، ويطوفون به في الشوارع القريبة من بيتهم على هذه الحال، وتقام مأدبة كبيرة. والعادة أن يختن الطفل عقب هذه الحفلة [...]. وكثير من الناس ينتهز فرصة زواج بنت أو شاب في البيت فيختن أولاده اختصاراً لكثرة الحفلات، فيكون الموكب مكوّناً عادة من عربة للعروس وعربة للطفل المراد ختانه. وبعضهم يُزوّر المختتن شيخاً من الأولياء كالإمام الشافعي. وعادة تجرى حفلة كبيرة في ساحة الإمام للختان العام الذي يشترك فيه عدد كبير، خصوصاً من أولاد الفقراء».

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكري في عصرنا أن تتم عمليّة خفاض البنت في سرّية تامّة ولا يحضرها إلاّ ولي البنت أو أمّها أو من هو أكثر شفقة عليها، لأن حال النساء مبني على الستر في التشريع الإسلامي. وينبغي أن تتم عمليّة خفاض البنات بالذات نهاراً بحيث يستطيع الطبيب إجراءها بطريقة صحيحة على ضوء النهار.

وختان الإناث يتم عامّة دون إبلاغ البنت بذلك. فهناك من تؤخذ من فراشها ليلاً إلى الداية التي تقوم بختانها. ولكن يحدث أن تبلغ البنت بزمن ختانها. وبعض البنات تنظر هذا الحدث بسرور ثم تنقلب سعادتها إلى تعاسة (أو كما قالت إحدى السيّدات: «كانت فرحة مُنَيِّلة» أو «كان يوم أسود»).

هذا وليس عند المسلمين تعليمات دينيّة بخصوص المكان الذي يجري فيه الختان. فختان الذكور قد يتم في المنزل أو في دكان حلاّق الصحّة أو في المستشفى أو العيادة الخاصّة للطبيب أو في ساحة المسجد. وكذلك الأمر فيما يخص ختان الأنثى ولكن ليس في ساحة المسجد. وبسبب حملة مكافحة ختان الإناث في مصر، أصبح ممنوعاً القيام بهذه العمليّة في المستشفيات أو العيادات الخاصّة.

ويجادل الفقهاء المسلمون القدامى حول الكمّية التي يجب أن تؤخذ من جلد الذكر. يقول النووي إن الواجب في ختان الرجل قطع الجلدة التي تغطي الحشفة كلها فإن قطع بعضها وجب قطع الباقي ثانياً. ويذكر قولاً لابن كج إنه قال عندي أنه يكفي قطع شيء من الغلفة وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها. وهذا الرأي يراه النووي شاذ ضعيف.

ويقول الجمل توفى عام 1790): «لا بد من كشف جميع الحشفة في الختان للرجل بقطع الجلدة التي تغطيها فلا يكفي قطع بعضها».

وفي عصرنا يقول السكري: «المستحب أن تستوعب [الغلفة] من أصلها عند أوّل الحشفة. وأقل ما يكفي في ذلك ألاّ يبقى منها ما يتغشّى به أو ما يتدلى منه بحيث تنكشف جميع الحشفة».

وما العمل لو أن الغلفة نبتت بعد قطعها؟ نقرأ في كتاب وسائل الشيعة جواب لصاحب الزمان قال: «وأمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت غلفته بعد ما يختتن هل يختتن مرّة أخرى فإنه يجب أن تقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف أربعين صباحاً». ولكن الجمل (توفى عام 1790) يقول غير ذلك: «إذا عادت الغلفة بعد ذلك لا تجب إزالتها لحصول الغرض بما فعل أوّلاً».

وفيما يخص الأنثى يقول ابن حجر نقلاً عن الماوردي: «ختانها قطع جلدة تكون في أعلى فرجها مدخل الذكر كالنواة أو كعرف الديك. والواجب قطع الجلدة المستعلية منه دون استئصاله».

وهناك رأي لطبيب مصري يقول فيه أن ختان البنات يكمن في قطع الشفرين الصغيرين وقطع جزء من البظر. ويقول الدكتور يحيى عبد السلام وفا، أستاذ مساعد النساء والتوليد بطب الأزهر: «من الناحية النظريّة ترك الجزء البارز بالشفرين الصغيرين للأنثى يؤدّي إلى زيادة الغريزة. ولكن لا بد أن يكون القطع - إذا حدث - لجزء صغير. أي يمكن قطع الثلث وترك الثلثين من الشفرين الصغيرين، وهذا لا يمثل جوراً وانتهاكاً». وفي فتواه الثانية: يقول الشيخ جاد الحق أن «الواجب الإتباع» هو «قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر»، «ولا يُستأصل البظر نهائيّاً» (انظر الملحق 6).

هذا وأكثر حالات الختان تمس بغلاف البظر والبظر والشفرين الصغيرين وأن هناك قرابة 15% إلى 20% من ختان الإناث يتم بالطريقة الفرعونيّة. وأكثر حالات الختان في السودان والصومال وجيبوتي تتم حسب الختان الفرعوني. وهناك اعتقاد في مصر أن من تختن صغيرة قد يكبر بظرها فيتوجّب إعادة ختانها من جديد. وهناك من تختن مرّتين أو ثلاث مرّات. وفيما يخص الختان الفرعوني فإنه قد يتم عدّة مرّات. فعند الزواج تفتح الفتاة بالموسى أو المشرط حتى يمكن لعضو الزوج أن يدخل في المهبل. وأمّا المرأة السودانيّة المطلقة فإنهم يغلقونها مرّة أخرى حتى لا يمكنها ممارسة الجنس. فإذا تزوّجت مرّة ثانية عادوا وفتحوها بالموسى أو المشرط. وعندما تضع طفلاً يعاد إغلاقها لتضييق فتحة الفرج بقصد زيادة لذّة الرجل.

د) مصير الغلفة في الحياة وبعد الموت

يروي القرطبي حديثاً للنبي يقول فيه: «أدفنوا قلاماتكم». ويضيف: «إن جسد المؤمن ذو حرمة. فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم، فيحق عليه أن يدفنه، كما أنه لو مات دفن، فإذا مات بعضه فكذلك أيضاً تقام حرمته بدفنه، كي لا يتفرّق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة». كما يروي حديثاً عن عائشة تقول فيه: «كان رسول الله (ص) يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر، والظفر، والدم، والحيضة، والسن، والغلفة، والبشيمة».

ويقول النووي فيما يؤخذ من الميّت:

«في الشعور المأخوذة من شاربه وإبطه وعانته وأظفاره وما انتتف من تسريح رأسه ولحيته وجلدة الختان إذا قلنا يختن وجهان: (أحدهما) يستحب أن يصر كل ذلك معه في كفنه ويدفن [...] (والثاني) يستحب أن لا يدفن معه بل يوارى في الأرض غير القبر [...]. والاختيار عندنا أنها لا تدفن معه لأنه لم يرد فيه خبر ولا أثر».

ويقول ابن جزي: «الغرلة وهي ما يقطع في الختان نجسة لأنها قطعت من حي فلا يجوز أن يحملها المصلي ولا أن تدخل المسجد ولا أن تدفن فيه وقد يفعله بعض الناس جهلاً منهم».

ويقول أحمد أمين أنه «قد جرت الطبقة الكبيرة والوسطى على أن تلف القطعة التي فصلت من الولد في منديل وتضع عليها ملحاً حتى لا تتعفن ويربط المنديل في عنق الولد على شكل عقد حتى إذا شفي من هذه العمليّة رماها في النيل أو في الخليج».

وتقول الدكتورة سهام عبد السلام أنه في مصر يتم ربط القطعة التي تقطع من الأنثى حول ذراعها أو في عنقها. وبعد شفائها ترمى أمام دكان جواهري أو في النيل حتى لا يسير عليها شخص غير طاهر قد يؤدّي إلى عقم البنت. وتقول نعمت أبو السعود كان الاعتقاد سائداً بأن تتم عمليّة ختان الإناث في موسم فيضان النيل وكان الجزء المستأصل من البنت يوضع في قطعة قماش تعلق في عنق الطفلة ثم تلقى في ماء النيل الجاري. وكانوا يعتقدون أن ارتفاع ماء النيل في موسم الفيضان يساعد على تحسن صحّة الطفلة وامتلاء جسمها. وقد سألت الأهل على سبب تعليق الجزء المستأصل حول الرقبة، فكانت الإجابة إن هذا يمنع من إصابتها بالعقم (المشاهرة).