Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

المادّة 222-10: الجناية المذكورة في المادّة 222-9 تعاقب بالسجن لمدّة خمس عشرة سنة إذا جرت على

1) قاصر عمره أقل من خمس عشرة سنة...

ويمكن رفع العقاب إلى السجن لمدّة عشرين سنة عندما تتم الجناية المذكورة في المادة 222-9 على قاصر عمره أقل من خمس عشرة سنة وكان الجاني هو الأب أو الأم الشرعيين، أو غير الشرعيين، أو المتبنّي أو أي شخص له سلطة على المجنى عليه...

ولكن يجب ملاحظة أن عدد القضايا التي رفعت للمحاكم الفرنسية قليل جدّاً إذا ما قارنّاه بعدد حالات ختان الإناث التي تتم في فرنسا. ونعرض هنا واحدة من تلك القضايا.

في فبراير 1999 مثلت 26 عائلة إفريقية مع ختانة أمام محكمة الجنايات في باريس للاشتراك في عنف على قاصرة عمرها أقل من خمس عشرة سنة. وقد رفعت القضيّة المجني عليها، شابّة عمرها 24 من أصل مالي تحمل الجنسيّة الفرنسيّة. وكانت قد أبلغت قاضي الأطفال في عام 1994 بختانها مع أربع أخوات عندما كان عمرها ثماني سنين. وقد أدّت التحرّيات إلى توقيف الختانة التي كانت قد أجرت الختان على 48 فتاة وحُكم عليها سابقاً بالسجن مع وقف التنفيذ في قضيّة مشابهة. كما تم توقيف أهالي الفتيات المختونات. وقد قضت المحكمة بالسجن لمدّة ثماني سنين ضد الختانة، والسجن لمدّة سنتين ضد والدة الشابّة، والسجن لمدّة خمس سنين ضد الأهالي الباقين من بينهم والدتان مع وقف التنفيذ لمدّة ثلاث سنين. كما قضت بتغريم الختانة والأهل جميعاً بمبلغ 80.000 فرنك متضامنين كتعويض لكل من الـ 48 ضحيّة. ويشار هنا إلى أن الفتيات التي أستدعيت للشهادة أمام أمّهاتهن لم تتضامن مع الشابّة المشتكية، لا بل غضبن عليها.

ج) بريطانيا

أصدرت بريطانيا في 16 يوليو 1985 قانون حظر ختان الإناث بعد نقاش حاد دار في البرلمان واقتراحات معارضة قدّمتها مجموعات الأطبّاء. وهذه ترجمتنا للقانون:

(1) باستثناء الفقرة (2) يقترف جرماً كل شخص

أ) يختن أو يرتق الشفرين الكبيرين أو الصغيرين أو البظر جزئيّاً أو كلياً لشخص آخر

ب) أو يساعد وينصح ويسهّل إجراء تلك الأعمال بواسطة شخص آخر على جسم شخص آخر.

(2) كل من يعتبر مرتكباً لتلك الأعمال ومسؤولاً عنها:

أ) يلاحق و / أو يعاقب بالسجن لمدّة لا تزيد عن خمس سنين

ب) في الحالات الخفيفة يعاقب الشخص بالسجن لمدّة لا تزيد عن تلك المذكورة في المادّة 78 من قانون العقوبات لعام 1982 و/ أو في كل حال لمدّة لا تقل عن ستة أشهر.

2) (1) لا تعتبر وفقاً للفقرة (1، أ) من المادّة 1 إجراءاً جراحيّاً مخالفاً للقانون في الحالات التالية:

أ) إذا كانت تلك العمليّة ضروريّة للصحّة الجسدية والنفسية للشخص الذي تتم عليه، وتجرى على يد طبيب مسجّل، أو

ب) إذا تمّت تلك العمليّة على شخص في مرحلة المخاض أو بعد الولادة لأسباب طبّية لها علاقة بالمخاض والولادة بواسطة

- طبيب ممارس أو قابلة مسجّلين

- أو شخص يتبع تعليماً للحصول على لقب طبيب أو قابلة مسجّلين.

(2) في إطار هذه المادّة لمعرفة ما إذا كانت العمليّة الجراحيّة ضرورية للصحّة النفسيّة لا يؤخذ بالاعتبار تأثير أي اعتقاد كان على هذا الشخص يقوده أو يقود غيره للتفكير بأن تلك العمليّة ضرورية كطقس أو عرف.

وقد سمح قانون صدر عام 1989 بالقيام بالتفتيش في حالة خرق هذا المنع وأخذ البنت من بيت أهلها عندما يكون ذلك هو الأسلوب الوحيد لتأمين سلامتها. ويمنع هذا القانون الأهل أخذ البنت خارج بريطانيا لإجراء عمليّة الختان عليها دون موافقة المحاكم.

د) الولايات المتحدة

أصدرت الحكومة الفدراليّة عام 1995 قانون حظر البتر الجنسي للإناث الفدرالي. وهذه ترجمتنا للقانون المذكر:

باستثناء الفقرة (ب) كل شخص متعمّد يختن أو يخفض أو يرتق الشفرين الكبيرين أو الصغيرين أو البظر جزئيّاً أو كلياً لشخص آخر لم يبلغ سن الثامنة عشر يعاقب بغرامة أو بالسجن لمدّة لا تزيد عن خمس سنين أو بكليهما.

ب) لا تعتبر العمليّات الجراحيّة خرقاً لهذا القانون في الحالات التالية:

(1) إذا كانت تلك العمليّة ضروريّة لصحّة الشخص الذي تتم عليه، وتجرى على يد شخص مخوّل لإجرائها في المكان الذي يجريها فيه كطبيب ممارس، أو

(2) إذا تمّت تلك العمليّة على شخص في مرحلة المخاض أو بعد الولادة وتجرى على يد شخص مخوّل لإجرائها في المكان الذي يجريها فيه كطبيب ممارس أو قابلة أو متمرّن ليصبح طبيباً أو قابلة.

ج) لتطبيق الفقرة (ب، 1) لا يؤخذ بالاعتبار تأثير أي اعتقاد كان على هذا الشخص يقوده أو يقود غيره للتفكير بأن تلك العمليّة ضرورية كطقس أو عرف.

د) يعاقب بغرامة أو بالسجن لا تزيد عن سنة أو بكليهما كل شخص يرفض متعمّداً تقديم علاج أو خدمات طبّية أو يتخذ إجراءاً تمييزيّاً ضد أي شخص في مجال العلاج أو الخدمات الطبّية لأن

ذاك الشخص تم عليه الختان أو الخفاض أو الرتك، أو

لأنه طلب إجراء الختان أو الخفاض أو الرتق على أي شخص كان.

تعريف: في إطار هذه المادّة، تعني عبارة البتر التناسلي للإناث بتر أو/ و رتق البظر والشفرين الصغيرين والكبيرين كليّاً أو جزئيّاً.

هـ) مصر

أوّل نص صدر في مصر حول ختان الإناث هو القرار الوزاري رقم 74 لعام 1959 الذي تقول المادة الثانية منه:

- يحرّم بتاتاً على غير الأطبّاء القيام بعمليّة الختان وأن يكون الختان جزئيّاً لا كلياً لمن أراد.

- منع عمليّة الختان بوحدات وزارة الصحّة لأسباب صحّية واجتماعيّة ونفسيّة.

- غير مصرّح للدايات المرخّصات بالقيام بأي عمل جراحي ومنها ختان الإناث.

- الختان بالطريقة المتبعة الآن له ضرر صحّي ونفسي على الإناث سواء قَبل الزواج أو بعده. ونظراً لأن الفقهاء استناداً إلى بعض الأحاديث الصحيحة قد اختلفوا في أن خفاض الإناث واجب أو سُنّة ومنهم من ذهب إلى أنه مَكرُمَة إلاّ أنهم قد اتفقوا جميعاً على أنه من شعائر الإسلام والشريعة الإسلاميّة تنهى عن الاستئصال الكلي.

وفي 7 سبتمبر 1994، عرضت قناة التلفزيون «سي إن إن» فيلم يصوّر ختان فتاة اسمها نجلاء على يد حلاّق صحّة في مدينة القاهرة خلال اجتماع مؤتمر السكان العالمي هناك. فأحدث الفيلم ضجّة ضخمة هزّت جميع الأوساط المصريّة والعربيّة والعالميّة. وعلى أثره أرسل وزير الصحّة تعليمات في 19/10/1994 لمديري الشئون الصحّية في المحافظات باتخاذ الإجراءات التالية:

1) منع إجراء عمليّة الختان بغير الأطبّاء وفي غير الأماكن المجهّزة لذلك بالمستشفيات العامّة والمركزيّة وتنفيذ قانون مزاولة المهن الطبّية، وأن يتم اتخاذ الإجراءات القانونيّة تجاه المخالفين لهذا القانون بكل الحسم والسرعة.

2) أن يقوم كل مستشفى تعليمي أو مركزي بتحديد يومين أسبوعياً لإجراء عمليّة ختان الذكور، ويوم آخر لاستقبال الأسر الراغبة في ختان الإناث.

3) في اليوم المخصّص لاستقبال الأسر التي ترغب في إجراء عمليّة ختان الأنثى، يتم في كل مستشفى تشكيل لجنة لاستقبال أولياء الأمور الذين يبدون الرغبة في ذلك من أخصّائي نساء وتخدير ومشرفة اجتماعية، وممرّضة عمليّات، وأحد رجال الوعظ والإرشاد. تقوم هذه اللجنة بإيضاح الأضرار الصحّية والنفسيّة الناجمة عن إجراء هذه العمليّة وموقف الدين منها، ومراجعة الأسرة أكثر من مرّة قَبل إجرائها، وعدم التسرّع في الاستجابة لهذه الرغبة قَبل اتخاذ كافة السبل للإقناع، الأمر الذي يساعد على الحد تدريجيّاً من انتشار هذه الظاهرة تمهيداً للقضاء عليها.

وقد أثار قرار الوزير ضجّة كبيرة من قِبَل معارضي ختان الإناث في مصر وفي العالم. فطالبوا الوزير منع إجراء ختان الإناث في المستشفيات. وقد هدّدت أمريكا بقطع معونتها عن مصر إن لم تفعل ذلك. وأمام الضغوط المتزايدة، أصدر هذا الوزير تعليمات في 17/10/1995 لمديري الشئون الصحّية في المحافظات جاء فيها:

يتم إيقاف إجراء عمليّات ختان الإناث في المستشفيات العامّة والمركزيّة ويقتصر دور أقسام النساء والتوليد بهذه المستشفيات وأقسام رعاية الأمومة والطفولة على التوعية والتوجيه والإرشاد للحد من هذه الظاهرة.

وقد تغيّر الوزير في 1996 وحل محله الدكتور إسماعيل سلام. فأصدر الوزير الجديد بتاريخ 8/7/1996 القرار رقم 261 لسنة 1996 الذي يقول:

«يحظر إجراء عمليّات الختان للإناث سواء بالمستشفيات أو العيادات العامّة أو الخاصّة، ولا يسمح بإجرائها إلاّ في الحالات المرضيّة فقط والتي يقرّها رئيس قسم أمراض النساء والولادة بالمستشفى وبناء على اقتراح الطبيب المعالج».

مما يعني اعتبار قيام غير الأطبّاء بهذه العمليّة جريمة يعاقب عليها طِبقاً للقوانين واللوائح. وقد أثار هذا القرار غضب مؤيّدي ختان الإناث في مصر. فرفع الدكتور منير فوزي والشيخ يوسف البدري قضيّة أمام المحكمة الإداريّة لكي تحكم بأن قرار الوزير يخالف الإسلام والدستور الذي يعتبر مبادئ الشريعة الإسلاميّة المصدر الرئيسي للتشريع. وقد قضت المحكمة لصالحهم باعتبار أن البرلمان هو وحده المختص بوضع عقاب. وقد استأنف الوزير وانضم إليه رئيس نقابة الأطبّاء ورئيس الوزراء وبعض الجمعيّات غير الحكوميّة. وقد قُبِل الاستئناف وقرّرت المحكمة الإداريّة العليا في 28 ديسمبر 1997 أن الوزير عمل ضمن صلاحيّاته. وأضافت أن قانون العقوبات ينطبق على التعدّي على جسم الإناث لأنه تعدّي لا مبرّر له على جسد الإنسان. وقد أشارت المحكمة أن «ليس في ختان الإناث حُكم شرعي قطعي الثبوت والدلالة يوجبه القرآن الكريم أو مستمدّاً من سُنّة نبيّه (ص)، ولقد اختلف أئمّة المذاهب الأربعة وأهل الفقه المحدّثين في شأنه وجوباً أو ندباً أو أقل من ذلك». ولهذا السبب رأت المحكمة أنه لا يمكن اعتبار قرار الوزير مخالفاً للدستور. و «طالما أن الختان عمل جراحي خلت أحكام الشريعة الإسلاميّة من حُكم يوجبه فالأصل ألاّ يتم بغير قصد العلاج». «فالجراحة أيّاً كانت طبيعتها وجسامتها التي تجرى دون توافر سبب الإباحة بشروطه كاملة تعتبر فعلاً محرّماً شرعاً وقانوناً التزاماً بالأصل العام الذي يقوم عليه حق الإنسان في سلامة جسمه وتجريم كل فعل لم يبحه المشرّع يؤدّي إلى المساس بهذه السلامة».

3) إدانة المنظمات غير الحكوميّة لختان الإناث والذكور

تكاد لا تخلى دولة في العالم من منظمة تدين ختان الإناث. ولكن هناك أيضاً بعض الجمعيات التي تدين كل من الختانين. وقد اخترنا تقديم واحدة من التيارين.

أ) اللجنة الإفريقيّة

الاسم الكامل لهذه المنظمة هو: «اللجنة الإفريقيّة حول الممارسات التقليديّة المؤثرة على صحّة النساء والأطفال» وتضم هذه اللجنة لجان وطنيّة في دول إفريقيّة تمارس ختان الإناث عددها اليوم 27 لجنة، يضاف إليها أربع مجموعات تعمل بين المهاجرين الأفارقة في كل من بلجيكا وفرنسا وبريطانيا والسويد.

وتقوم اللجنة الإفريقيّة بتنظيم مؤتمرات في الدول الإفريقيّة، يتم نشرها بالفرنسيّة والإنكليزيّة، كما أنها تصدر كتيّب دوري بهاتين اللغتين يتضمّن معلومات حول نشاطاتها ونشاطات اللجان الوطنيّة وأخبار متنوعة. وتتضمّن نشاطات هذه اللجنة، بالإضافة إلى ختان الإناث: الزواج والحمل في سن مبكر، وإنجاب الأطفال دون مباعدة زمنيّة بينهم، وسبل التوليد البدائيّة، والمحرّمات الغذائيّة، وعادة تسمين النساء، وتبدية الأطفال الذكور على الإناث. وتتمتع اللجنة الإفريقيّة بدور استشاري في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة منذ عام 1993، وبدور مراقب في منظمة الوحدة الإفريقيّة منذ عام 1994. وهي التي طرحت تبنّي المادّة 24 فقرة 3 في معاهدة حقوق الطفل. وقد أوكل لها مهمّات في دول إفريقيّة كثيرة لدراسة مدى انتشار ختان الإناث ولبدء الحوار مع مواطني تلك الدول لمحو هذه العادة. وقد اشتركت في اجتماعات مع منظمات مثل منظمة الصحّة العالميّة واليونيسيف ولجنة حقوق الإنسان ولجنة حالة المرأة. وهي تعمل حاليّاً مع المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة السيّدة حليمة مبارك الورزازي. كما تشارك منظمة الصحّة العالميّة ومنظمة اليونيسيف في نشاطاتها حيث لهما دور مراقب. وهناك مشروع مشترك بين هذه اللجنة وهيئة الأمم المتحدة للاجئين في مخيّمات اللاجئين في الصومال.

وقد طرحت على رئيسة هذه اللجنة، السيّدة «برهان راس ويرك»، في 12 يناير 1992، سؤالاً حول سبب سكوت لجنتها عن ختان الذكور، فكان ردّها: «إن ختان الذكور جاء في التوراة. هل تريد أن تخلق لنا مشاكل مع اليهود؟» وهو نفس الرد الذي تلقّيته من منظمة الصحّة العالميّة في نفس اليوم. وقد أعدت عليها السؤال في مؤتمر عام 1996، وكان جوابها: «إن ختان الذكور مذكور في التوراة وقد قمت بختان أولادي». وقد جاء في النشرة الإخباريّة لهذه المنظمة حول هذا المؤتمر:

«بيّنت رئيسة اللجنة الإفريقيّة في كلمتها أمام المؤتمر أنواع ختان الإناث وعواقبها الخطيرة على صحّة النساء. ثم بيّنت نشاطات اللجنة الإفريقيّة وما حقّقته. وأوضحت بأن الاعتقادات الدينيّة الخاطئة الخاصّة بختان الإناث قد تم توضيحها من قِبَل المختصّين في الدين الإسلامي والرؤساء الدينيين. أمّا فيما يخص ختان الذكور، فإن له أساس ديني لا جدل فيه. وقد يؤدّي خلق تشابه بين الممارستين بلبلة ويعيق نجاح الحملة التي تقوم بها اللجنة الإفريقيّة ضد ختان الإناث».

ب) المنظمة القوميّة لمراكز المعلومات بخصوص الختان

هذه أكبر وأنشط منظمة معارضة لختان الذكور (والإناث) في الولايات المتحدة. وقد بدأ اهتمام المؤسّسة الأولى «مارلين فاير مايلوس» بالختان بعد مشاهدتها ختان طفل خلال عملها كممرّضة. وقد غيّرت هذه الحادثة حياتها بالكامل، فأخذت تجمع المعلومات حول الختان. وفي ذاك الوقت التقت بزميلتها «شيلا كارين» التي كانت تعد فيلم تعليمي لصف كانت تديره تلك الزميلة تحت عنوان «الموافقة المستنيرة». وقد استجوبت لجنة المستشفى الممرّضتين حول أسباب إجراء هذا الفلم، بناء على شكوى من الطبيب اليهودي «بلوم». وكان جواب الممرّضتين: «حتى نفهم الأهل ونحمي الطفل من جراحة غير ضروريّة». وقد قدَّرت اللجنة عملهما ووعدتهما بعرض الفيلم على كل الأهل الذين ينتظرون طفلاً. إلاّ أن مسئولي المستشفى والأطبّاء وبعض الممرّضات منعوا ذلك. ولم يمضي وقت طويل حتى طُرِدَت «مارلين فاير مايلوس» من عملها. فقامت بتأسيس المنظمّة مع زميلتها الممرّضة عام 1985. وتعقد هذه المنظمّة مؤتمرات دوليّة حول ختان الذكور والإناث تضم نخبة من المتخصّصين في الطب والطب النفسي والقانون والدين والاجتماع: الأوّل (1989) والثاني (1991) والثالث (1994) في الولايات المتحدة، والرابع (1996) في سويسرا، والخامس (1998) في بريطانيا، والسادس (2000) في أستراليا، والسابع في الولايات المتحدة (2002). وقد صادق المؤتمر الدولي الأوّل للختان، المنعقد في مدينة «أناهايم» (كاليفورنيا) في 3 مارس 1989، على إعلان يعبّر عن فكر هذه المنظمة نقتبس منه الفقرات التالية:

- نعترف بأن لكل إنسان حق طبيعي في سلامة الجسد، ونؤكد على هذا الحق الإنساني دون تمييز ديني أو عنصري.

- نعترف بأن الغلفة والبظر والشفر أعضاء طبيعيّة ذات وظائف عضويّة.

- لا يحق لأهل الأطفال أو أوصيائهم السماح بإزالة أو تغيير أعضائهم الجنسيّة السليمة جراحيّاً.

- على الأطبّاء وموظفي الصحّة مسؤوليّة رفض إزالة أو بتر أعضاء الجسد السليمة.

- يحق السماح بإجراء عمليّات جراحيّة غير لازمة على أنفسهم فقط لمن هم في سن البلوغ، وذلك بعد إعلامهم بمخاطر وفوائد هذه العمليّات.

- إن الأطبّاء الذين يجرون عمليّات الختان بصورة روتينيّة يخالفون القاعدة الأولى للعمل الطبّي وهي «عليك أوّلاً أن لا تضر»، كما أنهم يخالفون المادّة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقول: «لا يُعَرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسيّة أو الوحشيّة أو الحاطة بالكرامة».

الفصل الثالث
الختان وحقوق الإنسان

كل من ختان الذكور والإناث تعدّ على الحقوق الفرديّة، وخاصّة الحق في سلامة الجسد والحياة، والحق في عدم التعسّف وعدم التعذيب، والحق في العرض، والحق في حرمة الميّت. ولكن المشرّع الوطني والدولي لم يتعرّض إلاّ لختان الإناث منتهكاً مبدأ عدم التمييز.

1) الختان ومبدأ عدم التمييز

أ) مبدأ عدم التمييز

إدانة ختان الإناث والسكوت عن ختان الذكور دون تقديم تبرير علمي له يعني:

- الاعتراف للنساء بحق لا يُعترف به للذكور.

- إدانة ثقافة الأفارقة التي تتبنّى ختان الإناث، والقبول بالثقافة الغربيّة التي تتبنّى ختان الذكور.

- رفض حماية أطفال اليهود الذكور خوفاً من العواقب السياسيّة.

وبهذا يقوم المشرّع الدولي والوطني، ومعه المنظمات غير الحكوميّة، بانتهاك مبدأ أساسي في حقوق الإنسان، وهو الحق في عدم التمييز، الذي تنص عليه الوثائق الدوليّة ودساتير الدول الغربيّة والإفريقيّة. ونذكر هنا على سبيل المثال مادتين من الوثيقة العالميّة لحقوق الإنسان:

المادّة 2، فقرة 1: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحرّيات المذكورة في هذا الإعلان دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.

المادّة 7: الناس جميعاً سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.

ب) عدم وجود سبب للتمييز

قد يكون لموقف المشرّع الدولي والوطني والمنظمات غير الحكوميّة تبرير في إدانة ختان الإناث والسكوت عن ختان الذكور لو كان هناك فرق جوهري بين هذين الختانين. وحقيقة الأمر أن لا خلاف بينهما. فكل منهما هو تعدّي على سلامة جسد شخص قاصر سليم دون رضاه ودون سبب طبّي يبيحه.

وقد يكون للتمييز بين ختان الذكور والإناث مبرّر لو كان هناك مصلحة مشروعة. فمن المعروف أن المشرّع قد يأخذ موقفاً متحيّزاً لفئة هضمت حقوقها في السابق إلى أن يصل بهذه الحقوق إلى مستوى حقوق طبقة أخرى. وهذا ما يسمّى بـ»التمييز الإيجابي». ولكن لا يمكن قبول هذا التمييز في مجال الختان لأن كل من الأطفال الذكور والإناث هم ضحايا.

هذا ومن الخطأ اعتبار ختان الإناث أكثر خطراً من ختان الذكور، إذ إنه يجب المقارنة بين أنواع الختانين المختلفة. فهناك أنواع ختان ذكور أكثر خطراً من بعض أنواع ختان الإناث. ولكل منهما مضاعفاته التي قد تؤدّي إلى الوفاة. وعلى كل حال، فإن حقوق الإنسان عامّة تحمي الشخص مهما كانت قساوة الخرق الذي يتعرّض له. فما هو محرّم لا يقاس بمدى قساوته. فكل تغيير للأعضاء الجنسيّة دون سبب طبّي هو خرق للحق في سلامة الجسد. وعلى سبيل المثال القتل أشد من الاغتصاب، ولكن هذا لا يعني أنه يجب أن نترك الاغتصاب ونهتم فقط بالقتل. ولا يمكن تبرير ختان الذكور في المجتمع الأمريكي بحجّة أن ختان الإناث قاص في مجتمعات أخرى.

كما أنه من الغلط القول بأن فتح معركة ضد ختان الذكور الآن قد يعرقل معركة ختان الإناث. فكلا المعركتين مرتبطتان ولا يمكن إلغاء ختان الإناث دون إلغاء ختان الذكور في المجتمعات التي تمارس الختانين. وإذا ما بدأنا بتقسيم المجتمع بين نساء لا يحق التعدّي عليهن، ورجال يحق انتهاك حقوقهم، فإننا نخلق عداءاً بين الفئتين. فإذا وجد الرجال أن النساء يرفضن الدفاع عن ضحايا العنف بين الرجال، فإن الرجال سوف يتخلون عن الدفاع عن الضحايا بين النساء.

ج) النساء ترفض التفريق بين الختانين

إن التمييز بين ختان الذكور والإناث مرفوض حتى من قِبَل كثير من النساء. فالنساء تلعب دوراً قياديّاً في حملة مكافحة ختان الذكور. وقد يكون سبب ذلك كون النساء أكثر حساسيّة من الرجل أو لشعورهن بالذنب لعدم تمكنهن من حماية أطفالهن من سطوة الرجال الذين قاموا بختانهم. كما قد يكون رد فعل على علاقة جنسيّة تعيسة مع مختون. والرجال يعلمون أن دون مساعدة النساء لن يتمكنوا من القضاء على ختان الذكور. يقول الدكتور «دينستون» بأن أحد مفاتيح إلغاء هذا الختان في الولايات المتحدة بيد نساء ذلك البلد. فإذا ما فهمت النساء أن الختان يؤدّي إلى ألم كبير وكسر رابطة الأمومة ويشوّه بصورة دائمة جسم الذكر، فإنهن سوف يقفن لحماية أطفالهن. وإذا ما تعلمت النساء أن الختان يحرم الرجل من مقدرته الجنسيّة الكاملة وبهذا يحرم المرأة من شريك كامل يتمتع بكل إمكانيّاته، فسوف يعملن لإيقاف ختان الذكور. ونشير هنا أن النساء اللاتي لا تدافع عن أولادهن ينتهكن غريزة الأمومة التي وضعتها الطبيعة فيهن.

د) أسباب سياسية لاأخلاقية

السبب الحقيقي وراء التفريق بين ختان الذكور والإناث هو سبب سياسي: الخوف من الاتهام بمعاداة السامية (أعني معاداة اليهود). وإذا كان ذلك صحيحاً فهذا يعني إن المشرّع الدولي قد وقع في فخ تسييس حقوق الإنسان مع ما يتضمنّه من مخاطر أهمّها فقد المصداقية. فبينما هو يخاف من مواجهة اليهود، يطالب حكومات الدول التي تمارس ختان الإناث مواجهة شعوبها معطياً لها الدرس بعد الآخر في الأخلاق. أضف إلى ذلك أن المشرّع الدولي يتبنّى سياسة التعالي الثقافي الغربي على حساب الثقافات الأخرى. وكان حري بهذا المشرّع الدولي والمشرّع الغربي ترك روح التعالي تلك واعتماد مبادئ يتمكن من خلالها الحُكم على تصرّفاته وعلى تصرّفات الآخرين بروح العدل. فما كان ضارّاً من العادات، يجب عليه أن يرفضها ويدينها بشدّة، مهما كان أتباعها، مسيحيّين أو يهود أو مسلمين أو قبائل بدائيّة في أعماق أدغال إفريقيا. وهذا التمييز بين الختانين قد ينظر إليه بأنه غطاء لمصالح أخرى تزرع الشك حتى عند النساء التي تكافح ضد ختان الإناث. فقد حضرت طبيبة مسلمة مصريّة اسمها «أمال شفيق» عام 1998 مؤتمراً في جنيف عقدته منظمة «اليونيسيف» التي تعمل معها. وعندما قدّمت الطبيبة نفسها قالت بأنها تعارض كل من ختان الإناث والذكور، ظانّة بأن وجودها في جنيف يسمح لها بالتعبير عن آرائها بكل حرّية. ولكن فوجئت بإحدى السيّدات السويسريات المسيحيّات تقول لها: إن منظمة «اليونيسيف» لا تتبنّى قضيّة ختان الذكور، ولذا عليها التخلي عن هذه القضيّة. فصدمت الطبيبة المصريّة التي كانت جالسة بقرب يهوديّة من إسرائيل لم تعترض على كلامها. وقد سألتني الطبيبة المسلمة: لماذا تدافع مسيحيّة عن ختان الذكور بينما اليهوديّة تسكت؟ هل الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في سويسرا؟ وأجبتها لتعزيتها بأن المسيحيين في هذا البلد باعوا أنفسهم للشيطان.

2) ختان الذكور والإناث والحقوق الدينيّة والثقافيّة

أ) مطالب الطوائف

الحق في الحرّية الدينيّة وفي ممارسة العادات الثقافيّة هما حقان تعترف بها المواثيق الدوليّة والقوانين الوطنيّة. فالمادة 18 من الوثيقة العالميّة لحقوق الإنسان تقول

لكل شخص حق في حرّية الفكر والوجدان والدين. ويشمل هذا الحق حرّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.

وتضيف المادّة 27، فقرة 1: «لكل شخص حق المشاركة الحرّة في حياة المجتمع الثقافيّة... »

والفقرة الأولى من المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيّة والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسيّة تقول:

لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرّة في تقرير مركزها السياسي وحرّة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

ويرى «فريمان»، وهو أستاذ قانون يهودي في جامعة لندن، أن للطفل حق في الختان. فحرمان الطفل اليهودي والمسلم من هذا الحق هو «نسف لحقّه في الانتماء الثقافي وإلى هويّة». وهو يبني هذا الحق على حق الشعوب في تقرير مصيرها كما جاء في الفقرة الأولى من المادّة الأولى من العهدين الدوليين السابقة الذكر. ويضيف هذا الأستاذ بأن للأهل الموافقة على ختان ابنهم القاصر إذا كان ذلك في «المصلحة الفضلى» للطفل التي تقاس ضمن محيطه الديني. وعلى القاضي الأخذ بالاعتبار فلسفة القانون المتعلق بالأطفال والتي تؤكد على سلامة واستقلال العائلة كبنية أساسيّة للمجتمع الحر والديمقراطي. ولكنّه يستدرك قائلاً بأن ليس كل ممارسة دينيّة يمكن السماح بها باسم التعدّد الثقافي. فهو يرفض ختان الإناث بسبب أضراره الكبيرة، بينما يؤيّد ختان الذكور لأن أضراره لا تذكر. وهذا القول يبرهن على جهل كبير.

ولكن إذا ما أردنا أن نعطي أهمّية للاعتبارات الدينيّة والثقافيّة في قرار ختان الذكور، فإنه سيكون من واجبنا أيضاً، أخذاً بمبدأ عدم التمييز، أن نعطي أهمّية لمثل تلك الاعتبارات في قرار ختان الإناث. فرئيس كينيا«جومو كينياتا» (توفى عام 1978) يرى أن «عمليّة بتر البظر، مثلها مثل عمليّة الختان عند اليهود، هي عمليّة بتر جسديّة تمثل شرطاً لا بد منه للحصول على تربية دينيّة وأخلاقيّة كاملة» في قبيلته.

ب) الحقوق الفرديّة والحقوق الطائفية

لا شك في أن من يقوم بختان الذكور والإناث يعتبر هذه الممارسة جزءاً من الاعتقاد الديني والهويّة الثقافيّة، وهما أمران يصعب عامّة الفصل بينهما. ورفض هذا الاعتقاد الديني والهويّة الثقافيّة له عواقبه الاجتماعية الخطيرة. ولكن هذه الممارسة تصطدم بحق فردي وهو الحق في سلامة الجسد والحق في الحريّة الدينية. فكيف يمكن التوفيق بينهما؟

القاعدة الأساسية هي أن الحقوق الفردية الأساسية تبدّى على الحقوق الطائفية. ونشير هنا إلى إعلان المبادئ الخاص بالتسامح التي تبنّتها الدول الأعضاء في «اليونيسكو» في 16 نوفمبر 1995 والتي تقول في مادتها الأولى، الفقرة الثانية: «لا يحق في أي حال التذرّع بالتسامح لتبرير انتهاكات قيم أساسيّة». وقد اعتبرت لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 1996/49 ختان الإناث عنفاً واقعاً على النساء وطالبت الدول بإدانة العنف ضد النساء وعدم التذرّع بالعادات والتقاليد أو الممارسات باسم الدين لعدم الوفاء بالتزاماتها للقضاء على مثل هذا العنف.

وعليه فإنه في حالة تصادم معتقدات الأهل أو الجماعة مع مصلحة الطفل، يجب أن تعطى الأوّليّة لمصلحة الطفل. فليس كل ما تنص عليه الأديان أو الثقافات يتفق مع مفهومنا اليوم لحقوق الإنسان. والمشكلة الخطيرة في هذا الموضوع تكمن في رفض المشرّع الدولي والوطني والمنظمات غير الحكوميّة تطبيق هذا المبدأ على ختان الذكور كما على ختان الإناث، دون تبرير لهذا التمييز بينهما.

هناك من يقول بأن الأهل يفرضون التعليم المدرسي على أطفالهم. فلماذا لا يمكنهم أيضاً فرض الختان عليهم؟ ولكن هناك فرق بين فرض التعليم، الذي سيساعدهم في المستقبل حتى يكونوا أعضاءاً مساهمين في المجتمع. وعدم فرض التعليم على الأطفال سوف يؤدّي إلى كارثة جماعيّة. بينما تأخير الختان ليس فيه مثل تلك المضرّة على المجتمع، لا بل إن المضرّة في ممارسته في صغره إذ يعرّض الطفل لمخاطر صحّية. صحيح أن بعض المجتمعات تنظر لغير المختون نظرة سيئّة وأن هذا هو السبب وراء خضوع الأهل لختان أولادهم وبناتهم. ولكن هنا يجب التدخّل لفضح وتغيير عادات المجتمع وليس لبتر الأفراد.

3) الحق في سلامة الجسد والحياة

ختان الذكور والإناث هو تعدّ على سلامة الجسد ينتقص من وظائفه الطبيعيّة ويؤدّي إلى مضاعفات صحّية وفي بعض الأحيان إلى الموت، وله مضار نفسيّة وجنسيّة. وبهذا يكون مخالفاً للحق في سلامة الجسد والحياة.

الحق في سلامة الجسد والحياة هما من أهم حقوق الإنسان. وقوانين كل دول العالم تعاقب التعدّي على هذين الحقين. وكان من البديهي أن يعترف المشرّع الدولي بهما. إلاّ أن الحق في سلامة الجسد لم يُذكر إلاّ في نصّين دوليين، هما المعاهدة الأمريكيّة لحقوق الإنسان، والعهد الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدان الدوليان لحقوق الإنسان، ومعاهدة حقوق الطفل، والمعاهدة الأوروبيّة لحقوق الإنسان خالية من هذا الحق. والغريب في الأمر أن هذا النقص الخطير يجهله حتى أساتذة القانون ولا يعرفون له تفسيراً.

وتبيّن الأعمال التحضيريّة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنه تم اقتراح نص يتضمّن هذا الحق، ولكنّه أستبعد بحجّة أنه يدخل ضمن المادّة الثالثة التي تقول: «لكل فرد حق في الحياة وفي الأمان الشخصي». ويشار هنا إلى أن أهم شخصيّة لعبت دوراً في تحرير هذا الإعلان هو الأستاذ اليهودي «ريني كاسان»، ممثل فرنسا. ونحن لا نستبعد أن يكون سبب سكوت الإعلان (والوثائق الأخرى) عن هذا الحق هو عدم الرغبة في المس بمعتقدات اليهود، خاصّة وأن هذا الإعلان قد جاء كرد فعل على الجرائم التي اقتُرفت في الحرب العالميّة الثانية ضدّهم. وقد رأينا أن سكوت المشرّع الدولي والمنظمات غير الحكوميّة عن ختان الذكور تحكمه اعتبارات سياسيّة أهمّها الخوف من الاتهام بمعاداة الساميّة.

4) الحق في عدم التعسّف وعدم التعذيب

تمنع نصوص دوليّة كثيرة التعسّف والتعذيب. فالوثيقة العالمية لحقوق الإنسان تقول في المادة 5: «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو الحاطة بالكرامة». وتكلف المدة 37 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الدول الأعضاء «ألاّ يتعرّض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسيّة أو اللاإنسانيّة أو المهينة [...]».

وقد اعتبرت لجنة حقوق الإنسان في قرارها رقم 1996/49 ختان الإناث عنفاً واقعاً على النساء وطالبت الدول بما يلي:

- إدانة العنف ضد النساء وعدم التذرّع بالعادات والتقاليد أو الممارسات باسم الدين لعدم الوفاء بالتزاماتها للقضاء على مثل هذا العنف.

- سن القوانين وتطبيقها لحماية الفتيات من جميع أنواع العنف، بما في ذلك قتل الفتيات واختيار الجنس قَبل الولادة وختان الإناث والعلاقة الجنسيّة بين المحارم والانتهاك الجنسي والاستغلال الجنسي واستعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة.

ووضع الفقرة الأخيرة ختان الإناث سويّة مع استعمال الأطفال في الدعارة والخلاعة يعطي فكرة واضحة عن الإدانة القطعيّة لختان الإناث من قِبَل المشرّع الدولي.

كما أصدرت اللجنة الفرعيّة الخاصّة بالوقاية ضد التمييز وحماية الأقليّات القرار رقم 1997/8 حول العادات التقليديّة الضارّة بصحّة النساء والأطفال. وقد أشار هذا القرار في ديباجته أن ختان الإناث هو ممارسة ثقافيّة ذات أثر سلبي عميق على الصحّة العقليّة والنفسيّة للفتيات والنساء. ويذكر في هذا المجال المادّة 5 من وثيقة حقوق الإنسان السابقة الذكر لتطلب من الدول اتخاذ الإجراءات الضروريّة للقضاء على هذه الممارسة.

ويسكت المشرّع الدولي تماماً عن ختان الذكور، ممّا يعني أنهما لا يعتبرانه تعسّفاً وتعذيباً كما هو الأمر مع ختان الإناث. وهذا ما يثير غضب معارضي ختان الذكور الذين يرون في سكوت المشرّع الدولي تمييزاً لا مبرّر له ضد الذكور. فهم يعتبرون ختان الذكور أيضاً عمليّة تعذيب. فمثلاً يقول «سفوبودا» بأنه من غير الممكن لأحد شَهِد عمليّة ختان أن ينكر بأنها عمليّة تعذيب. وهو يرى أن الدول التي تسمح بالختان وتدفع لإجرائه ولا تعاقب عليه تخرق المعاهدة التي تمنع التعذيب.

5) الحق في العرض

كل قوانين العالم تمنع التعدّي على العرض. وقد جاء منع التعدّي على العرض في النصوص الدوليّة. فالمادّة 34 من معاهدة الطفل على سبيل المثال تقول:

تتعهّد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والانتهاك الجنسي. ولهذه الأغراض تتخذ الدول الأطراف، بوجه خاص، جميع التدابير الملائمة الوطنيّة والثنائيّة والمتعدّدة الأطراف لمنع:

أ) حمل أو إكراه الطفل على تعاطي أي نشاط جنسي غير مشروع؛

ب) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسيّة غير المشروعة؛

ج) الاستخدام الاستغلالي للأطفال في العروض والمواد الداعرة.

وفي عملية ختان الذكور والإناث يقوم رجل الدين أو الطبيب أو الحلاّق أو الداية ليس فقط بملامسة الأعضاء الجنسيّة للطفل، ذكراً كان أو أنثى، بل أيضاً ببترها. وعند اليهود تطلب القواعد الدينيّة من الخاتن مص قضيب الطفل عدّة مرّات. كل هذا تحت غطاء الطب أو الدين، دون سبب طبّي لمثل هذه العمليّة. ولا شك في أن مثل هذه التصرّفات تدخل ضمن التعدّي على عرض الأطفال. وقد أخذ القضاء المصري قرارات في هذا المعنى بخصوص كل من ختان الذكور والإناث.

6) الحق في حرمة الميّت

قام المشرّع في جميع دول العالم بمعاقبة التعدّي على جثة الميّت أو قبره. ولكن لا نجد في النصوص الدولية ما يبين اهتمامها بحقوق الإنسان بعد الوفاة إلاّ إذا اعتبرنا التعدّي على الميت هو نوع من التعدّي على كرامة الإنسان.

وقد رأينا أن رجال الدين اليهود يقومون بختان من يتوفى غير مختوناً في طائفتهم، قَبل دفنهم. وقد أحدث هذا ضجّة في إسرائيل، حتى داخل الكنيست. إلاّ أن رجال الدين يمعنون في إجرائهم مهدّدين من لا يُختن بعدم دفنه في مقابر اليهود. وهناك بعض الفقهاء المسلمين الذين يرون أيضاً ختان المسلم الذي يموت غير مختوناً، وقد يكون ذلك نقلاً عن اليهود. ومثل هذا التصرّف في حقيقته هو انتهاك لحرمة الأموات. فحتى وإن تسكت القوانين الوضعيّة عنه، فإن مثل هذه الأفعال تدينها مكارم الأخلاق، وعلى أصحاب النخوة من المفكرين التصدّي لها وتأليب الرأي العام ضدّها.

الفصل الرابع
ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية

لإباحة عملية تمس بسلامة الجسد وتعرض الشخص لمخاطر يجب وجود ضرورة طبّية، وموافقة المريض أو وليّه في حدود القانون، وإذن ممارسة المهنة الطبّية ضمن أصولها. وهذه الشروط لا تجتمع في ختان الذكور أو الإناث إلاّ نادراً.

1) الضرورة الطبّية

حتى تعتبر العمليّات الجراحيّة ضروريّة، ومن ثم مباحة، يجب

- أن يكون هناك حاجة لهذه العمليّة، إمّا وقائيّة أو علاجيّة.

- أن تكون فائدتها تربو على ضررها.

- أن لا يكون هناك بديل أخف من العمليّة الجراحيّة.

- أن يكون الهدف من العمليّة علاج المرض أو الوقاية منه. فلا يحق للطبيب التدخّل بهدف انتهاك عرض المريض.

وحقيقة الأمر أن الأكثريّة الساحقة من عمليّات ختان الذكور والإناث تجرى لأسباب دينيّة وثقافيّة، دون سبب طبّي. فهي تتم على عضو سليم، وليس فيها أيّة فائدة علاجيّة أو وقائيّة، وحتى في حالات الإصابة بمرض ما، مثل ضيق الغلفة، فإنه يمكن علاج هذا الداء بدواء أخف من العمليّة. ولهذه العمليّة مخاطر تعلوا على فوائدها التي يتذرّع بها كثير من رجال الطب لتبرير تدخّلهم. ولهذا كل من يمارسها يقترف تعدّي على سلامة الجسد وعلى العرض.

ما زال مؤيّدو ختان الذكور والإناث يدعون بأن للختان فوائد أخلاقيّة مثل الحماية من العادة السرّية والانزلاق في الرذيلة التي تؤدّي بدورها إلى مضار على الصحّة الجسديّة والنفسيّة وعلى العلاقة العائليّة والمجتمع. فيدخل ختان الذكور والإناث، في نظرهم، ضمن حق التأديب الذي يملكه الأب على أولاده بصفته صاحب الولاية عليهم. ويرد صلاح محمود عويس، نائب رئيس محكمة النقض المصريّة:

«إن ولاية الولي سواء كان أبا أو أمّاً أو جدّاً أو وصيّاً على الصغير تتحدّد في أموال له. فهو يتصرّف فيها طِبقاً لضوابط معيّنة. أمّا بالنسبة لنفس الصغير أو الصغيرة فإن ولايته هي حقّه في التأديب والتعليم. وحق التأديب ومصدره الشريعة الإسلاميّة ينحصر في توجيه سلوك الصغير أو الصغيرة إلى السلوك القويم وتعليمها العادات الحسنة. وحقّه أيضاً الترغيب بالضرب الغير مبرح للعادات السيّئة. فهل من المنطق والعقل يعتبر حرمان الصغيرة من جزء من عضو فطري خلقه الله بجسدها من باب التهذيب والتأديب؟ وقد يقال إنه تهذيب نفسي لأن هذا الاستئصال من شأنه أن يقلل من رغبة الأنثى في العلاقة الجنسيّة. والرد على ذلك أنه ثابت علميّاً وطِبقاً لما أجمع عليه علماء النفس أن الشذوذ الجنسي يبدأ من العقل والنفس وليس من الجسد. فلو أنه انصرف إلى تهذيب نفس وعقل الصغيرة لكان ذلك - في حدود قدرته البشريّة - عاملاً هامّاً في ابتعادها عن ذلك الشذوذ. وقد ثبت من الأبحاث العلميّة أن أكثر النساء اللاتي يمتهن الدعارة مختنات. وحق التعليم بالنسبة للولي ينحصر في زيادة القدرة العلميّة للصغير أو الصغيرة ولا يمكن عقلاً إدراج تلك العمليّة السيّئة تحت نطاق هذا الحق».

ويشير البعض أنه يمكن اعتبار الختان عمليّة تجميليّة. فالدكتور «نيجل زولتي»، وهو خاتن يهودي وعضو في جمعيّة تدريب الخاتنين، يقول:

«يستعمل منتقدو عمليّة الختان كلاماً انفعالياً مثل البتر، ويتحجّجون بمضاعفات الختان. غير أن البتر هو في نظر من يقول ذلك. فما يعتبره البعض بتراً هو عمليّة تجميل حسب الغير، مثل عمليّة ثقب أعضاء الجسم. فهل الأهل الذين يثقبون أذن أطفالهم يلقون مثل هذا الهجوم الشديد ضد الختان؟ إن عمليّة الختان في أساسها عمليّة تجميليّة ولا يحق للمجتمع إيقاف الناس عن إجراء عمليّات التجميل».

ونجد مثل هذه الأقوال عند مؤيدي ختان الإناث. ويرد عليهم القاضي صلاح محمود عويس:

«عمليّات التجميل التي أصبحت ضمن الجراحات الطبّية يقصد بها إصلاح عضو أو تقويمه أو إزالة زائد فيه، أو بمعنى آخر محاولة إعطاء عضو من أعضاء الجسم أو جزء منه الشكل الطبيعي الفطري. وهذه هي الغاية من عمليّة التجميل. فهل يتفق ذلك مع عمليّة الختان وهي في كل صورها تعتبر تغييراً للشكل الطبيعي للعضو التناسلي للأنثى حسب فطرته التي خلقه الله عليها. بالطبع لا. ومن ثم فلا تكون هذه العمليّة بمثابة تجميل بل هي في حقيقتها انتهاك لجسد الأنثى».

2) الموافقة المستنيرة للمريض أو وليّه

الشرط الثاني للإباحة الطبّية هو حصول الطبيب، قَبل إجراء العمليّة، على موافقة المريض، أو وليّه إذا كان قاصراً. ولا تستثنى من ذلك إلاّ حالة الضرورة القصوى والخطيرة التي لا يمكن معها الانتظار. ومثل هذه الحالة لا تتحقّق مع الختان.

وحتى تكون الموافقة على عمليّة الختان صحيحة يجب أن تكون حرّة، دون غش أو إكراه، ودون أن يشوبها الغلط. ولذلك يجب أن تكون مبنيّة على علم بفوائد ومخاطر العمليّة، وما إذا كان هناك بدائل لها، وأن يكون هناك متسع لطرح أسئلة واستفسارات من قِبَل المريض أو أوليائه. وهذا يفترض أن يقوم الطبيب بتقديم شرح يمكن فهمه. وهذا بدوره يفترض أن يكون الطبيب ذاته عالماً بما يقول. فالمثل يقول: «فاقد الشيء لا يعطيه». وحقيقة الأمر أن الختان من المحرّمات التي قليلاً ما يخوض فيها الأطبّاء، وليس هناك إحصائيّات حول مخاطر هذه العمليّة، وما يُعلم في كليات الطب ليس بالكافي. كما أنه يُفتَرض أن يكون الطبيب حراً في إعطاء المعلومات. وهذا لا يتحقّق دائماً، خاصّة إذا كان الطبيب متدرّباً تحت إشراف طبيب أو يعمل في مستشفى يؤيّدان الختان.

يجب أن تُعطى الموافقة قَبل العمليّة وفي وقت مناسب يسمح فيه للذي يعطي الموافقة التفكير فيما يوافق عليه. يبيّن طبيب أمريكي بأن سبب ختان 90% من الأطفال في الولايات المتحدة هو أن موظف الاستقبال أو الممرّضة كانت تطلب من الأم أن تمضي على موافقة الختان عند قبولها في المستشفى حتى قَبل معرفة جنس الطفل. وكان الطبيب يقوم بالختان في غرفة الولادة بعد الولادة مباشرة أو في غرفة حضانة الطفل. وكان لدى الأطبّاء تعليمات بالقيام بتلك العمليّات خلال 24 ساعة بعد الولادة عند مرورهم في غرف الحضانة إذا لم يكونوا مختونين. فكانت الممرّضة تضع الأطفال بالصف فيختنون بالجملة. ولم يكونوا يعطون أهمّية ما إذا كان هناك موافقة من الأهل أم لا. وإذا ما نُسي إمضاء الأم، فإنه يُطلب منها بعد الختان.

وإن تم الحصول على موافقة المريض تبقى مشكلة شرعية مثل هذه الموافقة ما دام أن الختان يتم على عضو سليم. فلا يحق لطبيب أن يقطع يد سليمة وافق صاحبها أو وليّه على قطعها. ففي السويد لا تكفي موافقة الفتاة البالغة لإباحة ختانها في حالة عدم وجود سبب طبّي. أما المشرع الأمريكي فإنّه يقبل موافقتها دون حاجة لسبب طبّي إذا كانت بالغة. وتفريق المشرّع الأمريكي بين البالغ والقاصر نابع من افتراضه في أن للبالغ إمكانيّة التفكير وحرّية الإرادة. إلاّ أن هذا الافتراض لا يتحقّق في جميع الأحوال، خاصّة عند الشابّات التي لا تملك استقلالاً ماليّاً عن عائلاتها وليس في يدها تقرير مصيرها. كما إنه لا يمكن اعتبار اليهود الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي إلى إسرائيل أحراراً في قرارهم حتى وإن كانوا بالغين إذا ما اعتبرنا أن رفضهم الختان له عواقب وخيمة في حياتهم ومماتهم كما ذكرنا سابقاً.

ووضع ختان الذكور أخطر من وضع ختان الإناث لأنه يتم على قاصرين دون سبب طبّي. فالأولياء هم الذين يقرّرونه. ويطرح هنا مدى سلطة الأولياء على القاصرين.

تقول الفقرة الأولى من المادّة 18 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل:

«تبذل الدول الأطراف قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل إن كلا الوالدين يتحمّلان مسؤوليات مشتركة في تربية الطفل ونموّه. وتقع على عاتق الوالدين أو الأوصياء القانونيين حسب الحالة، المسؤوليّة الأولى عن تربية الطفل ونموّه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسي».

وهذا يعني أن مصلحة الطفل العليا تعلو على سلطة الأهل وتحد منها. وما هو من مصلحة الأهل ليس دائماً من مصلحة الطفل. فإذا لم يكن للعمليّة فائدة مباشرة وضرورة طبّية، فإنه يجب تأخير إجراء تلك العمليّة حتى يتمكن هو ذاته أن يعطي الموافقة عليها.

وإن كان المشرع الوطني والدولي قد رفضا ختان الإناث على القاصرين مع أو بدون موافقة الأهل، فإنّه تغاضى عن ختان الذكور. وقد قامت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال عام 1995 بوضع قواعد فيما يخص الموافقة المستنيرة عندما يتعلق الأمر بالأطفال. فموافقة الأهل المستنيرة يمكنها أن تحل محل موافقة الطفل فقط للتدخّل الطبّي في الحالات الواضحة والعاجلة مثل حالة خطر الإصابة بمرض أو التعرّض لصدمة أو تشويه. أمّا فيما يخص العلاج الغير ضروري الذي يمكن تأجيله دون خطر، فإنه يجب الانتظار حتى يكبر الطفل ليعطي موافقته بذاته. وعلى الطبيب أن يحمي الطفل من رغبات الأهل التي قد تضر به. والمشكلة مع هذه الأكاديميّة أنها تسمح للأهل اختيار إجراء ختان الذكور مع علمها بأنه لا ضرورة طبّية لإجرائه. وهذا مخالف لإعلان جنيف الصادر عن الرابطة الطبّية العالميّة الذي يقول في إحدى فقراته: «لن أسمح أن تؤثر على واجبي تجاه المريض اعتبارات العمر أو المرض أو الإعاقة أو المعتقد أو الأصل العرقي أو الجنس أو الجنسيّة أو التحزّب السياسي أو المستوى الاجتماعي». مما يعني بأنه لا يحق للطبيب إجراء ختان إلاّ إذا كان هناك سبب طبّي، مستثنياً الأسباب الثقافيّة والدينيّة.

وهناك من يدّعي بأن الأهل يقومون بإعطاء موافقة عن أطفالهم كان الأطفال سيأخذونها لو أنهم كانوا بالغين. وحقيقة الأمر أنه من المشكوك في أن يقوم هؤلاء الأطفال عند بلوغهم باتخاذ قرار بختانهم في هذه النسبة الكبيرة. فمن المعروف أن فقط 0.3% من الأمريكيّين الذين تركوا غير مختونين طلبوا ختانهم كباراً. وهذا يعني أن الأهل الذين يقرّروا بدلاً عن أطفالهم إنّما ينتهكون مبدأ الوكالة في الأكثريّة الساحقة من عمليّات الختان.

تقول الفقرة الأولى من المادّة 18 من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل السابقة الذكر أن «كلا الوالدين يتحمّلان مسؤوليات مشتركة في تربية الطفل ونموّه». وهذا يعني أنه يجب أخذ قرار من الأب والأم معاً في إجراء الختان على الطفل. وإذا لم يتفق الأب والأم على عمليّة الختان، يجب على الطبيب رفض إجراء تلك العمليّة دون موافقة المحكمة. وبما أن الختان ليس ذو طابع طبّي ضروري، لذلك على المحكمة تأجيل عمليّة الختان إلى أن يكبر الطفل فيتخذ القرار بنفسه. وهذا هو الاتجاه الذي أخذت به المحاكم الغربية.

وإذا رفض الأهل ختان ابنهم، هل يحق لطائفتهم فرضه عليهم؟ وهذا الأمر له أهمّيته لأن الطوائف الدينية تفرض الانتماء الديني على أفرادها ولا تترك لهم ولا لأهلهم حرّية الاختيار. ونشير هنا إلى أن الدول العربيّة والإسلاميّة تحفظت على نصوص المعاهدات الدوليّة التي تمنح الفرد حرّية تغيير العقيدة، والتي تمنح الأهل حرّية اختيار ديانة أطفالهم. فالشريعة الإسلاميّة تفرض الدين الإسلامي على الأطفال إذا كان أحد أبويهما مسلماً. وبما أن الختان هو علامة انتماء ديني، فإن على الأهل ختان أطفالهم المسلمين. وقد جاء في فتوى الشيخ جاد الحق «لو اجتمع أهل البلد على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه إذ مقتضى هذا لزوم الختان للذكر والأنثى» (انظر الملحقين 5 و 6).

ونجد موقفاً متشدّداً مماثلاً عند اليهود. فتذكر التوراة أنه بعد ترك بعض اليهود ختان أطفالهم، قام رجال الدين «الحسيديون» بحملة معادية ضدّهم، فختنوا «بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف» (1 المكابيين 45:2). وبعدما أصدرت إحدى المقاطعات الألمانيّة قراراً في القرن التاسع عشر يترك للأهل اختيار ختان أطفالهم، ثارت ثائرة رجال الدين اليهود وطالبوا من السلطات إلغاء هذا القرار. وقد رفض طبيب يهودي من «فينا» في القرن التاسع عشر ختان ابنه لأنه اعتبر الختان عمليّة ذات مخاطر ووصفها بالعمل الإجرامي. فقام حاخام برفع دعوى إلى «محكمة طبّية» معتمداً على معطيات طبّية طالباً منها إعطاء الطائفة اليهوديّة الحق في ختان الطفل دون موافقة أبيه. وقد نشر الحاخام مقالاً في هذا المعنى عام 1857. وفي فيلم «فيكتور شونفيلد» المعنون «إنه صبي»، حول ختان صبي انتهى في غرفة العلاج المكثف، قال الخاتن: «على الأب أن يقرّر ختان الصبي. وإذا لسبب ما لم يقم بذلك، فإن لبيت الدين، أي المحكمة الدينيّة اليهوديّة، الحرص على إتمام الختان. واليوم، بما أن الأب غير يهودي، فإني أتصرّف كممثل عن بيت الدين». وقد نشرت صحيفة «معاريف» بتاريخ 24/9/1993 خبراً يقول إن خاتنين قاما بخطف طفل من أمّه وختناه دون موافقتها. هذا وقد أشرنا سابقاً إلى أن رجال الدين اليهود يختنون من يموت غير مختوناً قَبل دفنه، وذلك دون طلب موافقة أهله. وقد أثار ذلك ضجّة في الكنيست الإسرائيلي.

وهذا يبيّن أنه بالإضافة إلى رفض إبقاء الطفل غير مختوناً حتى يبلغ فيقرّر بذاته، يرفض رجال الدين اليهود والمسلمين ترك الأهل أحراراً في ختان أطفالهم أو عدمه. وهذا لا يختلف عمّا يتم في القبائل البدائيّة في أدغال إفريقيا. ففي قبيلة «كسهوسا» في جنوب إفريقيا، إذا ما مضى الوقت الذي يجب فيه الختان، تقوم مجموعة من الرجال بالسيطرة على غير المختون بالقوّة وتختنه غصباً عنه. وهذا يحدث ليس فقط مع أعضاء تلك القبيلة، بل أيضاً مع من ينتمون للقبائل الأخرى. فقد أمسكوا بمديري المدارس والمفتشين وغيرهم في مدينة «ليبوا» وختنوهم بهذه الصورة.

3) إذن ممارسة العمل الطبّي ضمن أصول القواعد والأخلاق الطبّية

حتى تكون عملية الختان مباحة يجب أن يقوم بها طبيب مرخص من قِبل الدولة ومسجل في نقابة الأطبّاء. إلاّ أن عمليّة الختان بقيت مشاعاً. وما زال رجال الدين اليهود يرفضون تدخّل السلطات المدنيّة في تنظيم مهنة الخاتن حتى لتفادي حدوث وباء طبّي بسبب مص قضيب الطفل بفم الخاتن. فهم يخافون بأن يكون التدخّل الحكومي خطوة أولى لإلغاء الختان.

ولهذا السبب، ليس هناك تشريع يقنّن الختان في إسرائيل رغم المحاولات الكثيرة خلال السنين العشرة الأخيرة بسن مثل هذا التشريع. وفي هذا البلد لجنة مشتركة لمراقبة الخاتنين مكوّنة من وزارة الصحّة ووزارة الأديان ورئاسة الحاخامات. وهذه اللجنة تضم رجال دين وأطبّاء، وتقدّم شهادات للخاتنين ونصائح فنّية للعمليّة ولكنّها لا تستطيع أن تمنع غير المصرّح لهم من ممارسة الختان ولا تستطيع فرض نصائحها الفنّية. ولكل خاتن طريقته للختان التي لا يعرفها إلاّ هو، ومنهم من يعرّض الأطفال إلى خطر باستعماله مواد خطرة، مثل مادّة الأدرينالين الممنوعة. وقد نشرت مجلة يهودية أمريكيّة عام 1995 خبر إجراء الختان في إسرائيل من قِبل ولد عمره 13 سنة وهو ابن لخاتن. وردّاً على احتجاج المجلس الوطني لرعاية الطفل أجابت وزارة الشؤون الدينيّة بأن الابن يرث مهنة الخاتن عن أبيه وليس هناك أية دراسة لمثل هذه المهنة. وإن كان من الضروري الحصول على إذن السلطة الحاخامية إلاّ أن للأب الحق في السماح لأبنه ممارسة الختان. وأضافت بأن من يتضرّر له الحق الاشتكاء للشرطة. وجاء في خبر آخر عام 2000 بأنه تم إجراء عملية في مستشفى العفولة لطفل قطعت حشفته أثناء ختانه على يد خاتن. ورفض الأهل إعطاء اسمه أو رفع قضيّة عليه. وتقول كاتبة المقال بأن ليس هناك ما يمنع في إسرائيل بأن يشتري أي شخص مشرطاً ويعلن عن نفسه خاتن وليس هناك من يجبره للاستقالة من عمله حتى ولو كان عجوزاً ويداه ترتجفان ونظره ضعيف.

ونفس الإهمال نجده عند المشرّع الغربي. فهو لم يخضع الختان لنفس النظام الذي تخضع له باقي العمليّات الجراحيّة. لا بل استثنت بعض المقاطعات الأمريكيّة عمليّة الختان من الشروط العامّة التي تفرض على ممارسة العمل الطبّي. والمقاطعات الأخرى التي لم تشرّع في هذا المجال تعتبر ممارسة الخاتن ختان الذكور خاضعاً لسماح ضمني. وتضم بعض المستشفيات الأمريكيّة إلى طاقمها رجال دين يهود يوكل لهم إجراء عمليّة الختان رغم أنهم لا يحملون شهادة طبّية وليس لديهم إذن بممارسة الطب أو الجراحة والتخدير. وكثيراً ما يضطر الأطبّاء إلى إصلاح ما عبث به الخاتن اليهودي دون كشف الأمر لتفادي الملاحقات القضائيّة ضدّهم. ويحاول مؤيّدو ختان الذكور الغربيّون تبرير إجراء عمليّة الختان على يد غير طبيب باعتبارها عمليّة صغيرة. وقد رفض هذا الإدّعاء معارضو الختان لأنه مبني على جهل في حقيقة عمليّة الختان وأخطارها. وهم يرون أن الختان دون سبب طبّي يعتبر تعذيباً. والتعذيب ممنوع في الوثائق الدوليّة.

وفي تطوّر جديد تم تبنّي قانون دخل حيّز التنفيذ في السويد في 1 أكتوبر 2001 بعد أن توفى طفل مسلم بسبب ختانه. ويطلب هذا القانون من الخاتن اليهودي أو أي ختان غير طبيب بأن يسانده طبيب أو ممرّضة عند إعطاء المخدّر. وقد قامت ضجّة حول هذا القانون في الأوساط اليهودية في السويد وخارجها معتبرة هذا القانون حد غير مبرّر لديانتهم. وقد قارنت هذه الأوساط هذا القانون بالقوانين النازية المعادية لليهود. وهذا يُظهر أن القواعد اليهودية في نظر هذه الأوساط أهم من مصلحة الطفل. وللعلم فإن السويد تمنع ختان الإناث مع أو بدون مخدّر بينما تسمح بختان الذكور مطالبة فقط بإعطاء مخدّر. وهذا تمييز ضد الأطفال الذكور.

وفي مصر يمنع القانون 415 لعام 1954 في مادّته الأولى مزاولة الأعمال الطبّية بما في ذلك العمليّات الجراحيّة إلاّ لمن كان اسمه مقيّداً بسجل الأطبّاء بوزارة الصحّة العموميّة وبجدول نقابة الأطبّاء.

يقول القاضي صلاح محمود عويس في كلامه عن ختان الإناث:

«إذا قام بهذه العمليّة غير الطبيب سواء كانت داية أو حكيمة أو تومرجي أو غير ذلك فقد توافرت بذلك جريمتان: جرح عمدي، وممارسة مهنة الطب بدون ترخيص. ويعاقب بأشد العقوبتين في هذه الحالة».

وقد قضت محكمة النقض المصريّة بمسؤوليّة القابلة جنائيّاً لإجرائها الختان لإحدى الفتيات. وقد جاء في الحُكم:

«أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطبيب يسأل عمّا يحدثه بالغير من جروح وما إليها باعتباره معتدياً - أي على أساس العمد، ولا يعفى من العقاب إلاّ عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونيّة».

هذا ونجد تناقضاً بين القوانين والواقع. فحلاّق الصحّة أو الداية يضعان فوق محلهما إعلاناً بالخط العريض بأنهما يمارسان الختان. ولكن عندما تحدث مضاعفات بسبب عمليّة الختان، يتذكر القضاء والفقه أن الحلاّق والداية قد خالفا القواعد العامّة الخاصّة بممارسة الطب. فيعاب عليهما إجراء عمل طبّي غير مرخّص به.

ونشير هنا إلى أن مؤيدي ختان الإناث يرون أن للطبيب الحق في إجرائه دون سبب طبّي معتبرين الشريعة الإسلامية فوق القانون الوضعي. وهذا هو السبب الرئيسي للتناقض بين الواقع والقوانين.

الفصل الخامس
منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات

إن كنّا نريد أن نسير وفقاً للقانون ونحترم حقوق الإنسان، فإنه يجب معاملة الختان كأي عمليّة جراحيّة، دون تمييز بين ختان الذكور والإناث. ممّا يعني منع إجرائها والمعاقبة عليها إذا لم تتوفر فيها شروط الإباحة الثلاثة: وجود ضرورة طبّية، وموافقة المريض أو وليّه، وممارسة العمليّة من قِبَل شخص مرخّص له ضمن أصول القواعد والأخلاق الطبّية. وحقيقة الأمر أن هناك تسيّب واضح من قِبَل السلطات التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذية والهيئات الطبّية في مجال الختان، وخاصّة ختان الذكور. فالختان يتم يومياً دون أن تتوفر فيه شروط الإباحة. ونادراً ما يلاحق من يقومون به. وهنا تطرح مشكلة لماذا لا يتفق الواقع مع القواعد المثاليّة، وكيف يمكن الوصول إلى ذلك.

1) القانون والعادات الواسعة الانتشار

تقول محامية مصريّة دافعت في قضايا ضد ختان الإناث أنه رغم وجود قانون في مصر، فإن هذا القانون لا يطبّق

«لأنه لا يتصوّر أن يتم إدانة وعقاب معظم أفراد المجتمع، الذين يحرصون على هذا الفعل ويمارسونه على سند من مرجعيّات مختلفة! ولأن القانون لا يطبّق جبراً على كل الخاضعين له، بل هو يطبّق جبراً فقط على قلة قليلة لا تحترم القانون ولا تخضع له طوعاً. لكن يساعد الناس على الخضوع الطوعي للقانون، تنقية وعي الناس من الزيف والخرافات التي تسيطر على طرق تفكيرهم، وتوهّمهم وتدفعهم إلى ممارسة ما هو بالضبط عكس مصالحهم. توعية الناس بأن القانون في تجريمه لمثل هذا الفعل يعبّر عن مصالحهم ويدافع عنها، بأن يوضّح لهم الآثار السلبيّة التي تعاني منها الزوجة وبالتبعيّة الزوج نتيجة لهذا الفعل. وهذا واجب ضخم ملقى على أكتافنا جميعاً».

2) العادات الاجتماعية لا تلغى بجرّة قلم

إن كنّا نفهم أنه من الصعب تنفيذ قانون يحرّم عادة تتبنّاها أغلبيّة السكان، إلاّ أننا نلاحظ أن القانون لا ينفذ حتى في الدول الغربيّة حيث تمارس أقلية ختان الإناث. فالعادات الاجتماعية لا تلغى بجرّة قلم. فهناك عوامل تمنع صدور القوانين. وإن صدرت، فإنها تمنع تنفيذها.

فالمشرّع الدولي ترك ختان الذكور مشاعاً بين يدي رجال الدين ورجال الطب خوفاً من اتهامه بمعاداة اليهود والمسلمين. أمّا فيما يخص ختان الإناث فقد تبدّل موقفه. ففي المرحلة الأولى، تغاضى عن ختان الإناث معتبراً ذلك من الأمور الثقافيّة الخاصّة بمن يمارسونه. ثم بعد ذلك قرّر منع جميع أنواع ختان الإناث وطالب الدول التي تمارسه بسن قوانين ضدّه ومعاقبة أصحاب المهن الطبّية إذا ما اشتركوا به. وبهذا ميّز بين ختان الذكور وختان الإناث دون وجه حق. إلاّ أن الغرب ذاته لم يتمكن من إلغاء ختان الإناث على أرضه لأسباب مختلفة.

تتم عمليّة الختان في محيط العائلة على قاصرين، وأفراد العائلة يعتقدون بأن ما يقومون به هو لمصلحة الطفل أو الطفلة. ولذلك ليس هناك شعور بالجريمة في تلك العائلة، وليس هناك من يشتكي. وعندما يكبر الطفل، فإنه قد ينسى ما جرى عليه، وقد ينسجم مع مجتمعه فيمارس الختان بدوره على غيره. وعلى كل حال، من الصعب عليه أن يرفع دعوى على أهله إذا ما اعتبر أن أهله لم يفعلوا إلاّ الخضوع لعادة متوارثة ولم يقصدوا الضرر به. وقد يكون الذي أجرى عمليّة الختان قد توفى أو ضاع أثره. وهناك مشكلة التقادم. فبعد مرور وقت طويل على ارتكاب جريمة، لا يحق