Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

أعيد طبعه عام 1925 يقول فيه إن ختان الإناث ضرورة كما هو الأمر في ختان الذكور. وكانت تلك الجمعيّة تصدر مجلة متخصّصة وتضم مئات من الجرّاحين وأخصّائي العظام وخبراء تقويم العمود الظهري، وقد أجروا عمليّات على آلاف المرضى. ونجد في مجلة تلك الجمعيّة مقالات حول عمليّات ختان الذكور والإناث أجريت للشفاء من أمراض مثل الصداع وانحناء الناتئ العظمي ومرض المفاصل والاستسقاء الدماغي. وقد علق بعضهم على أن 60% من الجنون صادر عن وضع غير طبيعي للأعضاء الجنسيّة. وفي أحد تلك المقالات نقرأ أن اليهود قليلاً ما يصابون بمرض المفاصل وسبب ذلك أنهم يختنون.

ولم يكتف الغرب باللجوء إلى الختان للوقاية من أمراض يجهلون سببها، بل اقترحوا إجراء ختان الأطفال في الصغر للوقاية من الختان الذي قد يضطر لإجرائه في الكبر لعلاج أمراض قد تصيبه. فبما أنه لا بد من إجراء العمليّة يوماً ما، من المفضّل إجراؤها بأسرع وقت ممكن باعتبار أن الأطفال أقل إحساساً للألم. وهذه الحجّة ما زالت تردّدها الكتب والمقالات الطبّية والشعبيّة.

ج) الختان والوقاية في الكتابات العربيّة والإفريقيّة

لقد أثر الفكر الغربي على الأطبّاء العرب منذ القرن الماضي. فقد أعاد علينا الطبيب المصري صالح صبحي التبريرات الغربيّة بخصوص ختان الإناث في كتابه الذي ألفه بالفرنسيّة عام 1894 عن رحلة الحج التي كان مشرفاً طبّياً عليها في ذاك الوقت:

«إن ختان الإناث هو قطع البظر. والهدف الرئيسي والوحيد هو الوقاية من الهستيريّة. وهذا المرض نادر في الدول التي تمارس هذا الختان، كما تبيّنه لنا التجربة كل يوم. فالحساسيّة الشديدة للبظر، بإشعاعها من خلال نظام الشرايين، يمكن أن تسبّب أمراضاً مختلفة خطيرة قد تصيب المبيضين وتجعل المرأة عاقراً. وقد تصيب الرئتين والقلب. وإذا ما انتقلت إلى المعدة فإنها تسبّب لها الاضطرابات كالمغص وفقدان الشهيّة والتقيؤ. وإذا ما أصابت الأمعاء، فقد تسبّب الإسهال أو الإمساك. وفي بعض الحالات تنتقل إلى المخ وتؤدّي إلى اضطرابات عصبيّة والجنون. وإذا أصابت العصب السمبتاوي، فإنه يؤدّي إلى اضطرابات في حيويّة الأنسجة والى تعب عام ينتهي بموت بطيء».

وهذا الطبيب يوصي بممارسة ختان البنات في جميع المجتمعات مهما كانت ديانتها، وخاصّة في العائلات المصابة بأمراض وراثية مثل الصرع، والهستيريا، والجنون، لتقليل احتمالات الإصابة بهذه الأمراض أو القضاء عليها. وأمّا بخصوص الآلام التي تسبّبها هذه العمليّة، فهو يؤكد بأنها ليست بالدرجة التي تظن. فالبنت المختونة تعود إلى حالتها المعتادة بعد ستة وثلاثين ساعة.

والخرافات الطبّية الغربيّة حول ختان لا تختلف عن الخرافات الأفريقية التي تعتقد بأن ختان الإناث يقي المرأة من أمراض صحّية وعقليّة كثيرة. وإذا ما كانت الفتاة ضعيفة، فإنه يُظن أنها مصابة بـ»مرض الدودة» وأن ختانها يشفي من هذا المرض.

هذا ويمكن القول بأن قليلاً من الأمراض لم تنسب في وقت أو آخر إلى عدم ختان الذكور والإناث، أو أعتُبِر الختان وسيلة للوقاية منها. ولكن تم في كل عصر التركيز على الأمراض التي تبث الرعب في النفوس، فأنتقل مؤيّدو الختان من الاستمناء وعواقبه التي ذكرناها إلى الأمراض الجنسية، فالسرطان، فالإيدز.

4) ختان الذكور والإناث للوقاية من الأمراض الجنسيّة

أ) المصادر العربيّة

بين يدينا كتابان للطبيبين العربيين المسلمين حسّان شمسي باشا ومحمّد علي البار تعرّضاً للختان كوسيلة للوقاية من الأمراض الجنسيّة. وهذان الطبيبان يعتمدان كلياً على الكتابات الغربيّة المؤيّدة لختان الذكور، وليس فيهما أيّة إشارة إلى الآراء المعارضة. ونكتفي هنا بذكر فقرة من كتاب الدكتور حسّان شمسي باشا:

«لا شك في أن كل الأمراض الجنسيّة أكثر شيوعاً عند غير المختونين منها في المختونين. فقد عدّد الدكتور «فينك» الذي ألف كتاباً عن الختان وطبع عام 1988 في كاليفورنيا في الولايات المتحدة أكثر من 60 دراسة علميّة أثبتت جميعها ازدياد حدوث الأمراض الجنسيّة عند غير المختونين».

ب) المصادر الغربيّة

زرعت الأمراض الجنسيّة في القرن التاسع عشر قَبل اكتشاف الجراثيم الرعب في الغرب. وكانت تعتبر جزاءاً إلهياً ضد الأعمال السيّئة، حتى أن بعض الأطبّاء رفضوا مداواتها.

وقد نُشرت عنها الكثير من الدراسات، من بينها تلك التي صدرت عام 1855 وعنوانها «تأثير الختان على الوقاية من الزهري». وقد بيّنت هذه الدراسة التي تمّت على مستشفى في لندن أن اليهود، بين جميع الطوائف الدينيّة، أقل تعرّضاً لتلك الأمراض التناسليّة كالزهري والتقرّح. وبما أن اليهود كانت المجموعة الوحيدة التي تمارس الختان بصورة واسعة، استنتجت تلك الدراسة أن الختان يقي من الأمراض الجنسيّة. وقد تم نشر هذه الدراسة في المجلاّت الطبّية خارج إنكلترا كما أستعملت أمام المحاكم كإثبات على ضرورة الختان. فقد رفض طبيب يهودي من فينا ممارسة الختان على ابنه عام 1857. فتدخّل الحاخام «جوزيف هيرشفيلد» مقدّماً الدراسة المذكورة ليبيّن أنه يحق حرمان الأب من ولايته على ابنه وتسليمه لرجال الدين اليهود. وهكذا تم ختان الولد رغماً عن والده. وقد توصّلت دراسة أمريكيّة في عام 1884 إلى نتيجة مماثلة بينما كان المرض يتفشى هناك.

ولم يفكر أحداً حين ذاك في أسباب أخرى تفسّر عدم انتشار مثل هذا الوباء بين اليهود. ومن بين هذه الأسباب نذكر انعزال اليهود عن المحيط العام في «الجيتو» اليهودي الذي كان بمثابة حجر صحّي (كرنتينا) تحميهم من سريان تلك الأوبئة، والعلاقات العائليّة اليهوديّة المنغلقة. ويشار إلى أن القانون في القرون الوسطى كان يمنع العاهرات المسيحيّات من ممارسة الجنس مع اليهود ويعاقب بالموت كل من العاهرة واليهودي.

أدّى عدم النظر في هذه المعطيات وجهل الأطبّاء لأسباب الأمراض الجنسيّة إلى تبنّي خرافة أن الختان يقي من تلك الأمراض. وما زالت الكتابات الغربيّة تتناقل هذه الخرافة. وقام مؤيّدو الختان بإضافة تفسيرات طبّية لتثبيتها إذ اعتبروا أن الغلفة تخبئ المادّة المرطبة التي تصبح مرتعاً للجراثيم. وبإزالة الغلفة يسهل تنظيف القضيب وتُقوَّى الحشفة ممّا يجعل انتقال الجراثيم داخلها صعباً. وقد روّج لمثل هذه النظريّة الدكتور «ايجين هاند» من البحرّية الأمريكيّة في محاضرة ألقاها عام 1947 أمام «الجمعيّة الطبّية الأمريكيّة» آخذاً بالإعتبار الجنود في الحرب العالميّة الثانية، قال فيها إن الأمراض التناسليّة والسرطان عند اليهود أقل بكثير ممّا عند الزنوج والبيض غير المختونين.

وقد اغتنم الطبيب اليهودي «ابراهام رافيتش» هذه النظريّة فأصدر كتاباً عام 1973 عنونه «الوقاية من الأمراض التناسليّة والسرطان بواسطة الختان». وهذا الطبيب يرى ضرورة أن يفرض الختان على الجميع كما تُفرض اللقاحات. وهو يدافع عن تمزيق الغلفة بالإظفر كما تجرى عند اليهود لأن ذلك حسب رأيه يؤدّي إلى نزيف أقل من القطع. وهناك أغلاط كثيرة في هذا الكتاب قليلاً ما تعرّض لها المؤلفون، لا بل إن كثيراً من الأطبّاء ما زالوا يستعملون هذا الكتاب كمرجع في موضوع الختان.

وبعد استعراض المقالات التي كتبت في هذا المجال منذ عام 1855 حتى عام 1997، يقول طبيب أمريكي بأنه لا توجد أيّة دراسة لبحث أثر الختان على الأمراض الجنسيّة. وبدلاً من أن يكون وسيلة للوقاية من تلك الأمراض، قد يكون الختان وسيلة لتفشّيها. ويأخذ هذا الطبيب في الاعتبار أن الختان الروتيني في الولايات المتحدة قد تم تنفيذه بصورة واسعة هناك، ولكن معدّل الأمراض االمنتقلة جنسيّاً في تزايد بدلاً من النقصان.

ويشار هنا إلى أن ما يكتب في الغرب حول علاقة الختان بالأمراض التناسليّة يدور حول ختان الذكور رغم أن تلك الأمراض تصيب الإناث أيضاً. وهي أشد سطوة عندهن ممّا عند الذكور لأنها لا تظهر دائماً للعيان كما عند الذكور، بل تكون داخل أعضائهن التناسليّة، وهن بدورهن قد يُعدن شريكهن. فإن كان الأمر صحيحاً، فكان يجب أيضاً ختان الإناث وإزالة أعضائهن الجنسيّة. والحل للأمراض الجنسيّة هو مداواتها وليس بتر الأعضاء السليمة.

5) ختان الذكور والإناث للوقاية من السرطان

أ) المصادر العربيّة

يرى مؤيّدو ختان الذكور أنه يقي من السرطان. فبعد أن بيّن أن ليس لختان الذكور والإناث دليل منقول من القرآن والسُنّة، رأى الشيخ محمود شلتوت بأن ختان الذكور، خلافاً لختان الإناث، فيه

«مصلحة تربو بكثير عن الألم الذي يلحقهم بسببه. ذلك أن داخل «الغلفة» منبت خصيب لتكوين الإفرازات التي تؤدّي إلى تعفن تغلب معه جراثيم تهيئ للإصابة بالسرطان أو غيره من الأمراض الفتاكة. ومن هنا، يكون الختان طريقاً وقائيّاً يحفظ للإنسان حياته. ومثل هذا يأخذ في نظر الشرع حُكم الوجوب والتحتيم» (انظر الملحق 8).

هذا وقد توسّع الدكتور حسّان شمسي باشا في نقله عن المصادر الغربيّة المؤيّدة لختان الذكور، وخاصّة من كتابات الطبيبين «شووين» و «وايزويل»، وهما من كبار المؤيّدين لختان الذكور الشامل في الولايات المتحدة. وقد تجاهل الدكتور باشا وغيره من المسلمين آراء المعارضين في هذا المجال. وبعض مؤيّدي ختان الإناث يرون فيه أيضاً وسيلة لحمايتهم من السرطان.

ب) المصادر الغربيّة

بدأت النظريّة القائلة بأن الختان يقي من السرطان بمقال كتبه الطبيب اليهودي الأمريكي «ابراهام وولبارست» عام 1932 معتمداً على حديث أجراه مع مسؤولين في أربع مستشفيات في الهند حول معدّلات السرطان هناك. وقد ادّعى هذا الطبيب أن السبب في سرطان القضيب هو وجود المادّة المرطبة تحت الغلفة. وبإزالة الغلفة بالختان، فإنه يتم التخلص من هذه المادّة. واستنتج أن الختان هو سبب حماية اليهود من هذا الداء.

وقد أضاف الطبيب اليهودي «ابراهام رافيتش» عام 1942 إلى تلك النظريّة أن ختان الذكور يحمي أيضاً من سرطان البروستاتة وعنق الرحم. وهذا الطبيب كان يعمل في مستشفى «إسرائيل صهيون»، أحد أكبر الداعين لإجراء الختان على الأطفال بصورة شاملة. وقد أعاد الطبيب «ايجين هاند» هذه النظريّة في محاضرة ألقاها عام 1947 أمام الجمعيّة الطبّية الأمريكيّة آخذاً بالاعتبار الجنود في الحرب العالميّة الثانية، مدّعياً أن الأمراض التناسليّة والسرطان عند اليهود أقل بكثير من الزنوج والبيض غير المختونين. وكرّر «ابراهام رافيتش» نظريّته في مقال آخر عام 1951 عنونه «الوقاية من سرطان البروستاتة والقضيب وعنق الرحم بواسطة الختان» مدّعياً أن 32000 شخص يتوفون سنوياً من السرطان الناتج عن الغلفة. ولذا يجب إجراء الختان بصورة عامّة على جميع الأطفال.

ومجمل ما تقوله هذه النظريّة هو أن اليهود أقل من يصاب بسرطان القضيب والرحم لأنهم يختنون في اليوم الثامن. ثم يأتي بعدهم المسلمون، لأنهم يختنون بعد اليوم الثامن. ثم يلحق بهم غير المختونين. وقد تم تكرار هذه النظريّة في مقالات تعتمد على مقالات تسبقها كلها تعود إلى ما كان قد كتبه «ابراهام وولبارست» عام 1932. وأصحاب هذه المقالات هم أفراد يهود أو ذوو نزعة يهوديّة وتعتمد على معطيات مغلوطة لأسباب عقائديّة دينيّة وليست علميّة. فهي ترى دون إثبات أن المادّة المرطبة هي التي تسبّب السرطان، وتعتمد على أرقام مبالغ فيها أو غير موثوق بها، وقد فنّدت الجمعيّات الطبّية تلك النظريّة. والوقاية بالختان أخطر من الداء وليست أخلاقيّة، فهناك وسائل أخرى للوقاية أنجع وأخف من الختان. وهذا ما سوف نراه في النقاط التالية.

المادّة المرطبة ليست سبباً للسرطان

يتهم مؤيدو الختان المادّة المرطبة بأنها المسؤولة عن تكوين السرطان، وبالختان يتم إزالة الغلفة التي تختبئ داخلها هذه المادّة. وحقيقة الأمر أن لا علاقة بين تلك المادّة والسرطان. فقد قام بعض الباحثين بتجارب على الحيوانات التي تفرز المادّة المرطبة مثل الإنسان. كما قام البعض بإدخال المادّة المرطبة البشريّة أسبوعياً لمدّة تتراوح بين سنة وثلاث سنين في رحم إناث القردة والفئران ولم يكتشف أي تأثير لها في تكوين سرطان عنق الرحم. بينما عندما وضعت مادّة مولدة للسرطان كانت النتيجة أن الحيوانات أصيبت بسرطان عنق الرحم. وتوجد المادّة المرطبة عند الذكر كما عند الأنثى بين غلفتها وبظرها، كما أنها موجودة عند كل الحيوانات اللبونة، ذكوراً وإناثاً. وإن صح أن المادّة المرطبة تسبّب السرطان، يعني ذلك ضرورة ختان الإناث بصورة روتينيّة كما تفعل بعض الشعوب مع الذكور، وضرورة ختان جميع تلك الحيوانات لحمايتها من السرطان. ولكن لا يجرؤ أحد على تقديم اقتراح مثل هذا.

ولو كان صحيحاً أن المادّة المرطبة عند الذكر هي التي تسبّب السرطان فإن نسبة سرطان القضيب يجب أن تكون أعلى عند غير المختونين من نسبة سرطان عنق الرحم لأن المادّة المرطبة في اتصال متواصل بالقضيب. ولكن الأرقام تشير إلى عكس ذلك تماماً. ففي عام 1977 سجّلت الولايات المتحدة 20.000 وفاة بسبب سرطان البروستاتة و7.600 وفاة بسبب سرطان عنق الرحم مقابل 225 وفاة بسبب سرطان القضيب.

الأرقام مبالغ فيها أو غير موثوق بها

غالى مؤيّدو الختان في التخويف من سرطان الرحم. فسرطان عنق الرحم يمثل أقل من 5% من حالات الموت بسبب السرطان بجميع أشكاله التي تصيب المرأة. ولكن مؤيّدو الختان يبالغون مدّعين أن سرطان عنق الرحم يمثل 35%. وعندما يتكلمون عن مستوى سرطان عنق الرحم عند النساء اليهوديّات ينقصون هذه الأرقام ويجعلونها تساوي ما يقارب الصفر. والواقع يبيّن فعلاً أن مستوى سرطان عنق الرحم عند اليهوديّات منخفض. وهم يرجعون السبب إلى ممارسة الختان عند اليهود. إلاّ أن الأبحاث التي أجريت بين عام 1900-1910 أرجعت السبب إلى الحمّام الطقسي الذي تفرضه الديانة اليهوديّة على المرأة بعد الحيض. وقد أُهمل هذا السبب لاحقاً حتى يبرهن أن ختان الذكر هو السبب.

وذكر الدكتور «ديركينيون» ورفاقه عام 1973 أن سرطان القضيب في الولايات المتحدة يمثل أقل من 1% من الأمراض التي تصيب الرجل، بينما هذا العدد يصل إلى 12% في الهند. وقد اعتمد على مقال في مجلة طبّية تصدر في أستراليا ونيوزيلندا. ولكن المقال الأصلي يذكر ليس 12% بل 2%. فأضاف الدكتور المذكور 10% من عنده. وكل ذلك ليبرهن بطبيعة الحال أن الختان في الولايات المتحدة يحمي من ذلك المرض الخبيث. ويعطي «فالرشتاين» عدّة أمثلة لمثل تلك المبالغات والمغالطات التي لا أساس لها.

وقد كتب الطبيب «وايزويل» عام 1992 بأنه توفى أكثر من سبعة آلاف شخص من سرطان القضيب خلال الخمسين سنة الماضية. وفي عام 1997، كتب هذا الطبيب أنه توفى أربعة أطفال بسبب الختان في الخمس وأربعين سنة الماضية، بينما مات 11 ألف شخص غير مختون بسبب سرطان القضيب. ويرد عليه الطبيب «فلايس» بأنه لا يوجد أي إثبات حول الأرقام التي يقدّمها، وليس هناك إحصائيّات تبيّن حالات الوفيّات التي تحصل بسبب ختان الذكور في الولايات المتحدة.

تفنيد الجمعيّات الطبّية لتلك النظريّة

أكدت الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال منذ قرارها لعام 1975 بأنه لا يوجد سبب طبّي قاطع لإجراء عمليّة الختان بصورة روتينيّة للأطفال حديثي الولادة. وأضافت بأن الختان قد يقي من سرطان القضيب، ولكن نظافة القضيب غير المختون تقي أيضاً من ذلك المرض. وقد أكدت بأنه لا يوجد إثبات بأن عدم ختان الذكر يؤدّي إلى ارتفاع في الإصابة بسرطان الرحم عند المرأة التي يمارس معها الجنس. وقد جاء في رسالة بعثت بها الجمعيّة الأمريكيّة للسرطان إلى الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال بتاريخ 16 فبراير 1996:

«كممثلين عن الجمعيّة الأمريكيّة للسرطان نود أن نصد الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال عن تشجيع ختان الذكور الروتيني كوسيلة للوقاية من سرطان القضيب أو سرطان عنق الرحم. فالجمعيّة الأمريكيّة للسرطان لا تعتبر الختان الروتيني وسيلة ناجعة أو فعّالة للوقاية من مثل هذه السرطانات... إن اعتبار الختان الروتيني وسيلة فعّالة للوقاية تشتت الجموع عن واجب تفادي التصرّفات المثبتة والتي تساعد على نشوء سرطان القضيب وسرطان الرحم خاصّة التدخين والعلاقات الجنسيّة غير المحميّة مع عدد من الشركاء الجنسيين. إن تخليد الاعتقاد المغلوط بأن الختان يقي من السرطان أمر غير مناسب».

الوقاية بالختان أخطر من الداء وليست أخلاقيّة

يقول الدكتور «دينيستون» بأن نسبة سرطان القضيب هو 1 من بين 100.000 شخص، وليس هناك أي برهان علمي بأن الختان يحمي من السرطان، بينما من المعروف والثابت أن التدخين يسبّب مثل هذا السرطان، كما أن من عوامل العدوى به المداومة على شرب الكحول والعدوى بالأمراض التناسليّة والضعف وكثرة تغيير الشريك الجنسي. وليس معقولاً أو أخلاقيّاً قطع 100.000 طفل بهدف تخليص رجل بالغ واحد من مثل هذا السرطان. وبالمقارنة، فإن خطر الإصابة بسرطان الثدي عند النساء هو مائة مرّة أكبر من الإصابة بسرطان القضيب، وليس هناك شخص واحد يقول ببتر ثدي البنات للوقاية من هذا المرض الفتاك.

6) الختان لعلاج ضيق الغلفة وضيق الغلفة الخلفي

يرى مؤيّدو ختان الذكور ضرورة إجراء هذه العمليّة بسبب ضيق الغلفة phimosis وضيق الغلفة الخلفيparaphimosis محاولين رسم صورة مرعبة لهاتين الحالتين.

أ) المصادر العربيّة

نقرأ عند الطبيب العربي الشهير الزهراوي (توفى عام 1036) ما يلي:

«وأمّا التصاق الغلفة بالكمرة وهذا الالتصاق إنّما يحدث فيمن كانت غلفته صحيحة ولم يجب عليه اختتان وقد يعرض التصاقها من قِبَل جرح أو ورم، فينبغي أن تسلخها بمبضع أفطس حتى ينحل الرباط وتتخلص الكمرة من كل جهة. فإن عسر تمييزها على الاستقصاء فينبغي أن تسلخ شيئاً من الكمرة ومن الغلفة وذلك أن الغلفة رقيقة فربّما انثقبت لرقّتها سريعاً. ثم فرّق بين الغلفة والكمرة بخرقة كتان رقيقة قد بلت في ماء بارد لئلاّ تلتصق أيضاً، ثم يعالج بشراب قابض حتى تندمل».

الظاهرة التي وصفها الزهراوي يطلق عليها اليوم اسم «ضيق الغلفة». وعلى العكس من أطبّاء عصرنا الذين يسارعون باقتراح الختان، فإن الزهراوي يتفادى هذه العمليّة ويقترح بدلاً منها سلخ الغلفة عن الكمرة والتفريق بينهما. وقد أثار تصرّف الزهراوي هذا تعجّب الدكتور «سعيد مستيري» في ترجمته الفرنسيّة لكتابه. فيقول: «نتساءل هنا لماذا في حالات ضيق الغلفة التي تتواجد خاصّة عند غير المختونين لا يقترح الزهراوي فقط الختان الطقسي أو عمليّة مشابهة». واقتراح الختان للوقاية من ضيق الغلفة وعلاجها نجده في الكتابات الطبّية العربيّة الحديثة.

ب) المصادر الغربيّة

اعتبر الأطباء الأمريكان أن ضيق الغلفة يؤدّي إلى أمراض كثيرة مثل الفتق وصعوبة الهضم والتهابات المثانة وعدم الرشاقة والشلل والصرع. وقد نصح الطبيب اليهودي الأمريكي «لويس سيير» (توفى عام 1900) بأن يتم فحص كل طفل عند ولادته وبتر غلفته إذا ما تبيّن أنه مصاب بضيق الغلفة. وقد نشر مئات من الأطبّاء الأمريكيّين دراسات لتؤكد على صحّة نظريّات هذا الطبيب معتبرين أن ضيق الغلفة هو السبب في الاستمناء والتشنّج والشلل والتواء القدم وانتشار البثور وصعوبة الهضم والإسهال المستعصي والتبوّل اللاإرادي وعدم إمكانيّة التحكم في الأطراف وسرعة الغضب والعصبيّة والبلاهة والفتق والسكري والصرع والهزال وسقوط المستقيم. وقد أضيفت أمراض أخرى على هذه الأمراض سنة بعد سنة إلى أن أخرج الدكتور اليهودي «ابراهام وولبارست» للناس نظريّته المشهورة عام 1932 بأن ضيق الغلفة يسبّب السرطان.

وفي عام 1949نشر الدكتور البريطاني «دوجلاس جيرتنر» مقال شهير تحت عنوان «مصير الغلفة» قلب فيه كل تلك النظريات. فقد تبيّن لهذا الطبيب من خلال مراقبة 100 طفل حديثي الولادة و200 طفل تصل أعمارهم حتى خمس سنين أن ظاهرة عدم رجوع الغلفة إلى الخلف وطولها عند الأطفال أمر طبيعي وليس مرضي. وقد وجد أن 4% من الأطفال يمكن شد غلفتهم عند ولادتهم، وارتفعت هذه النسبة إلى 90% في عمر ثلاث سنين. ويمكن شد كل الغلفات تقريباً إلى الخلف بقوّة ولكن ذلك قد يؤدّي إلى جروح وتقيّحات. وقد اعتبر الدكتور المذكور الأطفال تحت الخامسة طبيعيين في حالة عدم إمكانيّة شد الغلفة إلى الخلف، وأنه يمكن شد الغلفة بسهولة بعد سن الخامسة دون إجراء عمليّة جراحيّة. وهكذا استطاع هذا الطبيب كسر خرافة فوائد الختان. وعلى أساس هذه الدراسة قرّرت هيئة «الخدمة الصحّية البريطانيّة» عدم تغطية مصاريف ختان الأطفال، ممّا أدّى إلى هبوط كبير في معدّلاته في ذلك البلد.

وجاء بعد ذلك الطبيب الدانمركي «جاكوب اوستير» فأجرى عام 1968 بحثاً على 1968 طفلاً من أطفال المدارس تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 17 السنة وقد بيّن هذا الطبيب غلط خرافة ضيق الغلفة التي كان على أساسها يجرى ختان الذكور. وقد أوضح أن التصاق الغلفة تطوّر طبيعي قد يستغرق عقداً كاملاً من العمر لفصل الغلفة عن الحشفة، وأن كل محاولة لإجبار الغلفة على الانفصال عن الحشفة يؤدّي إلى مضاعفات طبّية بالنسبة للغلفة التي لم تكتمل بعد. وقد لاحظ أن عدم رجوع الغلفة إلى الخلف موجود في 8% من الأطفال بين عمر 6-7 سنين، و6% من الأطفال بين عمر 8-11 سنة، و3% من الأطفال بين عمر 12-13 سنة. وبيّن أن التصاق الغلفة بالحشفة ينتهي تدريجيّاً. وقد رأى أن ثلاث حالات فقط استوجبت الختان. وهو يعتبر أنه كان من الممكن تفادي الختان في هذه الحالات الثلاث لو أن الغلفة لم تمط بشدّة. أي أن الختان قد تم في هذه الحالات لإصلاح خطأ طبّي. ممّا يعني بأن القول بضرورة الختان لتفادي ضيق الحشفة قول مغلوط.

وهذه الحقائق التي كشف عنها الطبيبان البريطاني والدانمركي لم تلق طريقها إلى الولايات المتحدة حيث استمر ختان حديثي الولادة بمعدّل 90% في بعض المناطق. ولكنّها أثرت على تشخيص ضيق الغلفة من قِبَل الأطبّاء الأوروبيين واليابانيين الذين فرّقوا ما بين ضيق الغلفة المرضي، وضيق الغلفة الطبيعي. وضيق الغلفة المرضي هو ذلك الضيق الناتج عن وجود ندوب وتصلب في رأس الغلفة وتظهر من خلال التحليل البكتيريولوجي بأنه مصاب بـ»التهاب جاف».

ويبقى السؤال: ما العمل إذا كانت غلفة الطفل لا ترجع إلى الخلف؟ والجواب بسيط: يجب إبقاؤها على حالها إلى أن يكبر الطفل فيسحبها هو ذاته بيده دون ألم لأن تلك هي الحالة الطبيعيّة عند غالبيّة الأطفال. فيجب الاكتفاء بغسل العضو التناسلي كاملاً وتفادي شد الغلفة بالقوّة. فشد الغلفة بالقوّة عند الطفل يؤدّي إلى تمزّق بالإضافة إلى التهاب الحشفة، وينتج عنه ندب وضيق الغلفة الخلفي. ولذلك من الغلط تعليم الأم إرجاع الغلفة عن الحشفة بشدّها. وفي الحالات الصعبة، يمكن تدليك الغلفة بماء ساخن ومرهم (وليس بالصابون الذي قد يخلق التهابات). وفي الحالات القصوى، وهي نادرة، يمكن إجراء شق جراحي للغلفة. ولكن في كل الأحوال يجب تفادي بترها بالكلية لأنها عضو له وظيفة مُهمّة في حماية الحشفة وفي العلاقة الجنسيّة. وهذا يوضّح غباء من يجري عمليّة الختان في الأيّام الأولى من ولادة الطفل لأن مثل هذه العمليّة تؤدّي إلى شد الغلفة وتمزيق الحشفة ومزيد من النزيف.

وفيما يخص «ضيق الغلفة الخلفي» يرى طبيب معارض لختان الذكور أن هذه الحالة النادرة جدّاً تنتج في حقيقة الأمر بسبب جهل الطبيب أو الممرّضة أو الأم الذين يحاولوا شد غلفة الطفل لإرجاعها بالقوّة خلف الحشفة. فهذا التصرّف بحد ذاته مغلوط ويؤدّي إلى تورّم الحشفة. واللجوء إلى الختان في هذه الحالة هو غلطة إضافيّة لأن قطع الغلفة يؤدّي إلى فقدان الحماية للحشفة. لذا بدلاً من قطع الغلفة، يجب كبس الحشفة بين الإبهام والسبّابة وإرجاع الغلفة عليها. ويذكر طبيب آخر بأن ضيق الغلفة الخلفي ليس مرض ولكن ناتج عن التصرّف المتعسّف بغلفة الطفل من قِبَل أطفال تم تعليمهم بأنه عليهم شد الغلفة إلى الخلف دون إرجاعها إلى الأمام بعد ذلك. ويحدث ذلك عند الأولاد الأكبر سنّاً في حالة المراهنة. ويمكن حل هذه المشكلة من خلال شق الغلفة. والختان ليس ضروريّاً عمله إلاّ في الحالات التي يتكرّر فيها هذا الوضع.

7) الختان لعلاج التهاب المسالك البوليّة

أ) المصادر العربيّة

نقل الدكتور حسّان شمسي باشا في كتابه «أسرار الختان تتجلى في الطب الحديث» فقرات مطوّلة عن أبحاث جرت خاصّة في الولايات المتحدة نقتبس منها ما يلي:

«أكدت العديد من الدراسات الحديثة المنشورة عام 1989 أن احتمال حدوث التهاب المسالك البوليّة عند الأطفال غير المختونين يبلغ 39 ضعف ما هو عليه عند المختونين. ففي دراسة أجريت على أكثر من 400.000 طفل وطفلة خلال عشر سنوات وجد الدكتور «وايزويل» وزملاؤه ارتفاع نسبة التهاب المسالك البوليّة عند الأطفال الذكور وذلك نتيجة لحدوث الالتهاب عند الأطفال غير المختونين. وقد قدّر الباحثون أنه لو لم يجر الختان في الولايات المتحدة فإنه ستكون هناك عشرون ألف حالة أخرى من التهاب البويضة والكلية سنوياً».

ونجد أقوالاً مشابهة عند الدكتور محمّد علي البار. وكلا الطبيبين يعتمدان على كتابات مؤيّدي ختان الذكور، وخاصّة الدكتور «وايزويل»، أحد كبار الداعين للختان على جميع الأطفال. ولم يذكرا أي مصدر معارض لتلك الآراء.

ب) المصادر الغربيّة

لقد تم صياغة النظريّة القائلة بأن ختان الذكور يقي من التهاب المسالك البوليّة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين. وأهم دراسة في هذا الموضوع هي تلك التي قام بها الطبيب «وايزويل» على 5261 طفل في المستشفيات الأمريكيّة. وقد استنتج أن التهابات المسالك البوليّة تصيب1.4% من الأطفال غير المختونين، بينما لا تصيب إلاّ 0.14% من الأطفال المختونين. وهذا يعني أن الأطفال غير المختونين أكثر عرضة بعشر مرّات لتلك الالتهابات من الأطفال غير المختونين في السنة الأولى من حياتهم. وقد أثرت هذه النظريّة على انتشار ختان الذكور في الولايات المتحدة لأن التوقيع بالموافقة على إجراء الختان تقوم به الأمّهات، وليس الآباء. والنساء، كما هو معروف، أكثر عرضة لالتهاب المسالك البوليّة. وهكذا تم تخويف الأمّهات وإجبارهن على قبول ختان الذكور.

ويرى معارضو الختان أن الدراسات التي بنيت عليها هذه النظريّة مشبوهة بسبب تحيّز أصحابها الواضح لصالح الختان بالإضافة إلى عدم وجود برهان علمي لهذه النظريّة.

فقد قام طبيب بدراسة على 25.000 طفل وتبيّن له بأن الختان لا يؤثر بدرجة ملحوظة على عدم الإصابة بمثل تلك الالتهابات. وهذا يعني أن الاختلاف بين استنتاج «وايزويل» واستنتاج غيره يعود إلى اختلاف في طريقة البحث. فالمستشفيات العسكريّة التي قام فيها «وايزويل» ببحثه لا تعطي معلومات مطمئنة حول أسلوب تعامله مع غلفة الطفل. فهو مثلاً يشد الغلفة لإرجاعها بقوّة إلى الخلف، ممّا يؤدّي إلى انتقال الجراثيم عبر فتحة البول. كما أنه يغسل القضيب بالصابون ممّا يقتل البكتيريا الضعيفة ويترك البكتيريا القويّة في مكانها. وهذه التصرّفات غير الصحيحة تضعف مناعة الطفل. فإذا كانت أرقام «وايزويل» صحيحة، فهي تعني أن الالتهابات هي نتيجة الغسيل بالصابون وشد الغلفة وليس نتيجة بقاء الغلفة.

ويقول طبيب بريطاني بأنه إذا ما قُبلت أرقام «وايزويل» وغيره فإن هذا يعني بأنه يجب ختن 100 طفل حتى نتمكن من التقليل من خطر إصابة طفل واحد من التهاب المسالك البوليّة، دون إلغاء هذا الخطر تماماً. وإذا ما قارنّا التكلفة بالفائدة، فإن ذلك لن يغيّر طريقة تصرّف الأطبّاء في أوروبا. والحالات الوحيدة التي يمكن فيها إجراء الختان هو عندما يكون الطفل مصاباً بعاهة بوليّة تؤدّي إلى التهاب المسالك البوليّة دون حصول فائدة من المضادّات الحيويّة.

8) ختان الذكور والإناث للوقاية من الإيدز

آخر حجّة يرددها مؤيدو ختان الذكور والإناث هي أن الختان يقي من مرض الإيدز.

أ) المصادر العربيّة

لقد اغتنم الكتاب العرب ظهور نظريّة علاقة الختان بالإيدز فأخذوا يردّدونها في كتاباتهم منتقين الآراء التي تناسبهم وتتفق مع هدفهم الذي هو إثبات أن المعطيات العلميّة تدعم معتقداتهم الدينيّة. فقد كتب الدكتور حسّان شمسي باشا:

«الختان يقي من مرض الإيدز». ذلك هو موضوع مقال نشر حديثاً عام 1989 في مجلة Science الأمريكيّة. فقد أورد الدكتور «ماركس» في مقالته هذه ثلاث دراسات علميّة أجريت في الولايات المتحدة وإفريقيا. وكانت هذه الدراسات تشير إلى انخفاض نسبة الإصابة بمرض الإيدز عند المختونين. وخلص الدكتور «ماركس» إلى القول باحتمال وجود علاقة بين عدم الاختتان وبين مرض الإيدز. وقد وجد باحثون آخرون (دكتور سيمونسن وزملاؤه) أن احتمال الإصابة بمرض الإيدز بعد التعرّض للفيروس عند غير المختونين يبلغ تسعة أضعاف ما هو عليه عند المختونين».

وقد علق الدكتور حسّان شمسي باشا على هذه النظريّة قائلاً:

«أليس هذا بالأمر العجيب. حتى أولئك الذين يجرأون على معصية الله بالشذوذ الجنسي يجدون خصلة من خصال الفطرة يمكن أن تدفع عنهم غيلاء هذا المرض الخبيث».

وقد نشرت صحيفة «عقيدتي» المصريّة مقالاً في 5/9/1995 تحت عنوان: «وشهد شاهد من أهلها: الختان يمنع الإصابة بالإيدز» بقلم الدكتور أحمد شفيق. يقول المقال: «اعترفت إحدى الدوائر الطبّية في أوروبا بأن الختان يمنع الإصابة بمرض الإيدز، طاعون العصر». وأضاف المقال: «ولعّل هذا الاعتراف من إحدى الدوائر الطبّية يعتبر أبلغ وأقوى رد على الحملة الشرسة التي قامت بها محطة «سي إن إن» التلفزيونيّة كمحاولة منها للهجوم على الإسلام الذي يؤكد عمليّة الختان». والإشارة هنا هي إلى الفيلم الذي كانت قد عرضته هذه المحطة عن ختان الإناث في 7/9/1994.

ونشرت صحيفة «صوت الأمّة» المصريّة في 9/9/1997 مقالاً تحت عنوان: «الختان يحمي الأنثى من الإيدز». ونقل المقال عن الدكتور عزّت الصاوي، أخصّائي أمراض النساء والتوليد، ما يلي:

«إذا كانت الدوائر الطبّية الغربيّة قد توصّلت إلى أن الختان يحمي من الإصابة بالإيدز وسرطان العضو الذكر، فإن هذا لا يدعو إلى الاستغراب لأن ختان الإناث لا غبار عليه ولا خوف منه على الإطلاق». وينتهي المقال معاتباً مناهضي ختان الإناث، طالباً منهم أن «يكفوا عن الاجتهاد والأفكار ومساندة الموجة ويلتزموا بالكتاب والسُنّة ولا يشككوا أو يتشككوا ليأتي انهيار اجتهاداتهم وتأكيد السُنّة والفطرة من علماء لا ينتمون للإسلام ولا يعتنقونه».

ومن الواضح أن هذه المقالات تحاول إيهام القارئ المصري بأن ختان الإناث يقي من مرض الإيدز حسب شهادة «الدوائر الطبّية في أوروبا». وهذا تزوير خطير للمعلومات. فما نشر في الغرب - فضلاً عن عدم صحّته - لا يخص ختان الإناث، بل فقط ختان الذكور.

وخلافاً لما يقوله مؤيّدو ختان الإناث، يرى معارضوه في مصر أن ختان الإناث يساعد على انتشار الإيدز وأمراض أخرى مثل التهاب البول والتهاب الكبد الوبائي. ويعلل ذلك الدكتور أشرف فودة، أستاذ الكلى والمسالك البوليّة بطب القاهرة بأن الآلات التي تستخدم في هذه العمليّة على أيدي أشخاص غير مؤهّلين تكون غير نظيفة وغير معقّمة. وتقول الدكتورة سامية سليمان رزق: «أوضحت بعض البحوث التي أجريت في إفريقيا حديثاً أن الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) قد يحدث نتيجة لتلوّث جرح الختان في الأنثى».

ب) المصادر الغربيّة

في نهاية الثمانينات ادَّعت بعض الدراسات الإفريقيّة أن هناك علاقة بين فيروس فقد المناعة والذكر غير المختون. وقد اغتنم مؤيّدو الختان هذه النظريّة فقاموا بحملة دعائيّة بدأت برسالة بعثها طبيب يهودي اسمه «ارون فينك» إلى مجلة طبّية عام 1986. إلاّ أن هذا الطبيب أوضح لصحفي بعد ذلك بأنه لا يمكنه إثبات هذا الأمر. وهذا الطبيب هو من كبار الداعين لإجراء الختان على جميع الأطفال. وقد دعم فكرة الختان الروتيني للأطفال بحجّة الوقاية من مرض الإيدز عدد من الأطبّاء أكثرهم، أن لم يكن كلهم، من اليهود. ولكن ماذا تقول الأرقام؟

أعلى دولة غربيّة في نسبة ختان الذكور هي الولايات المتحدة. وفي هذا البلد، غالبيّة الرجال في سن النشاط الجنسي مختونين. ولو كانت النظريّة السابقة صحيحة، كان يجب أن تكون بين الدول الأقل انتشاراً لمرض الإيدز. ولكن الأرقام تبيّن أن الولايات المتحدة هي سادس أكبر دولة لانتشار الإيدز في العالم وأعلى دولة بين الدول المتقدّمة. ومؤيّدو نظريّة الإيدز بطبيعة الحال يتجاهلون هذه الحقيقة. وقد قدّرت منظمة الصحّة العالميّة أن بين 18.5 مليون مصاب بهذه الجرثومة في العالم، يوجد 1.1 مليون رجل أمريكي شمالي، بينما لا يوجد إلاّ 600.000 مصاب من أوروبا الغربيّة. وقد بيّنت دراسة أمريكيّة أنه بين كل 20 مواطن أمريكي شمالي يوجد شخص مصاب بهذا المرض عام 1994. وكل المصابين بهذا المرض في الولايات المتحدة تقريباً من المختونين.

ويذكر طبيب أمريكي بأن الولايات المتحدة تكوّن 5% من سكان العالم ولكنّها تحتوي على 65% من حالات الإصابة بمرض الإيدز في العالم.

وفي غياب دراسة جدّية تثبت أن الختان عنصر وقاية من الإيدز، يجب علينا أن نرجع إلى البديهيّات البسيطة التي يمكن أن يتقبّلها العقل، دون الدوخان في أرقام وحسابات معقّدة لا نهاية لها. وهذه البديهيّات هي:

- الختان يجعل جلد القضيب أكثر انشداداً وخشونة وأقل رطوبة ويترك فيه ندب. وبالتالي فإن المختون يكون أكثر عرضة للتجرّح ودخول فيروس الإيدز في جسمه.

- ترى بعض الدراسات أن المختونين أكثر ميلاً لممارسة الجنس من خلال الشرج والفم، كما إنهم أكثر ميلاً للعلاقات الجنسيّة الشاذّة، كما رأينا سابقاً. وهذا عامل يزيد في إمكانيّة التجرّح ودخول الفيروس.

- المختونون أكثر ميلاً إلى البحث عن عدد أكبر من شريكات العلاقة الجنسيّة، ومن ثم أكثر تعرّضاً للفيروس.

- المختونون أقل ميلاً لاستعمال العازل. وأحد الأسباب التي تقدّم لذلك هو أنه يضعف من الحساسيّة بسبب تغليف القضيب. والمختون يكون عامّة قد فقد جزءاً من تلك الحساسيّة بسبب الختان واحتكاك الحشفة بالملابس وجفاف القضيب. فإضافة عازل على القضيب يزيد من إضعاف حساسيّته. كما أن الختان يقلل من مدّة المداعبة قَبل الولوج وهذا يؤدّي إلى تجريح أكبر في الأنسجة.

- حتى وإن قَبلنا بأن الختان قد يحمي من مرض الإيدز فإنه يجب عمل 23148 ختاناً في الولايات المتحدة بتكلفة قدرها 9.6 مليون دولار لكي يقي من إصابة واحدة بمرض الإيدز. وهذا يعني أننا سوف نعرّض عدداً كبيراً لمخاطر الختان الأخرى ومن بينها الوفاة لوقاية فرد واحد. ومخاطر الختان في دول العالم الثالث أعلى ممّا هي عليه في الدول المتقدّمة. والدراسات تبيّن أن وجود الغلفة ليس عاملاً مُهمّاً في مدى انتشار الفيروس. وإن كان عاملاً فالمخاطر الناتجة أكبر من الفوائد المرجوّة.

- القول بأن الختان يقي من الإيدز قد يفهمه البعض بأنه يعطيهم مناعة ضد هذا المرض، فلا يأخذون حرصهم منه ويمارسون الجنس بكل حرّية مع أشخاص مصابين بهذا المرض.

ممّا سبق يتضح أن ختان الذكور والإناث ليس وسيلة للوقاية من الإيدز، لا بل قد يكون عاملاً مساعداً على انتشاره. والوقاية من مرض الإيدز تكمن في حماية الفرد من التعرّض للجراثيم الناقلة لهذا المرض وتثقيف الناس عن العلاقة الجنسيّة السليمة، وليس بقطع أجزاء سليمة من جسم الإنسان.

9) موقف المنظمّات الطبيّة

أخذت عدد من المنظمات الطبية قرارات قاطعة ضد ختان الإناث كما أخذت بعض القرارات التي لا تدين ختان الذكور ولكن لا ترى فيه فائدة طبّية.

فقد نشرت «الجمعيّة الطبّية البريطانيّة» عام 1996 تعليمات بخصوص ختان الأطفال تقول فيها أن «ختان الأطفال نادراً ما يكون ضروريّاً لسبب طبّي» وأن «الدافع الرئيسي للختان هو ثقافي وديني وليس طبّي أو علمي».

وأصدرت الكلية الأستراليّة لجراحي طب الأطفال الذكور عام 1996 قراراً يقول:

«إن الكلية الأستراليّة لجراحي طب الأطفال لا تدعم الختان الروتيني للذكور حديثي الولادة. فليس من الملائم ولا من الضروري إزالة الغلفة بصورة روتينيّة [...]. نحن لا ندعم إزالة جزء طبيعي من الجسم إلاّ إذا كان هناك معطيات تبرّر المضاعفات والمخاطر التي يحتمل أن تنتج عن ذلك. ونحن نعارض بصورة خاصّة أن يخضع الأطفال لعمليّة لو تركت لاختيارهم في عمر كاف للمقارنة بين الفوائد والمضار لكانوا قد اختاروا رفض العمليّة والإبقاء على غلفتهم [...]. إن إجراء الختان على أطفال حديثي الولادة لا مبرّر طبّي له وهو عمليّة تحدث صدمة لديهم».

وقد نشرت «الجمعيّة الطبّية الأستراليّة» تصريحاً عام 1997 تقول فيه: «إن الجمعيّة الطبّية الأستراليّة سوف تعيق ممارسة ختان الأطفال تمشّياً مع قرار الكلية الأستراليّة لجرّاحي طب الأطفال» وتضيف بأن «بعض الأهل قد يقرّرون إجراء الختان لاعتبارات طبّية أو اجتماعية أو دينيّة أو عائليّة. وفي هذه الحالة، على الطبيب أن يوصيهم بأن يتم الختان في عمر وتحت ظروف تقلل من مخاطره إلى أدنى درجة».

وأخيراً جاء في تقرير الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال الذي صدر في مارس 1999:

«إن المعطيات العلميّة توحي بوجود فوائد طبّية محتملة لختان الذكور حديثي الولادة، ولكن هذه المعطيات لا تكفي للتوصية بإجراء الختان على الأطفال حديثي الولادة بصورة روتينيّة. ففيما يخص الختان هناك فوائد محتملة ومخاطر، ولكن تلك العمليّة ليست ضروريّة لرفاهيته الحاليّة، وعلى الأهل التقرير ما هو في صالح الطفل. وحتى يتمكن الأهل من بلوغ قرار مستنير، يجب أن يعطى للأهل معلومات دقيقة وغير منحازة وإمكانيّة مناقشة القرار. وللأهل الحق في الاعتماد على العادات الثقافيّة والدينيّة والعرفيّة بالإضافة إلى العوامل الطبّية في اتخاذ قرارهم».

ومن الواضح من هذا القرار الأخير بأنه لا يرى في الختان ضرورة طبّية. ولكنّه في نفس الوقت يترك للأهل الحق في اتخاذ القرار في إجرائه لاعتبارات غير طبّية. وهذا بحد ذاته مخالف للأخلاق الطبّية التي لا تسمح بالتعدّي على سلامة الجسد إلاّ في حالة الضرورة الطبّية وموافقة مستنيرة من قِبَل المريض أو وليّه، وهما شرطان لا يتواجدان في ختان الذكور.

الفصل الخامس
المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة

ختان الذكور والإناث عملية طبيّة يتم فيها بتر عضو سليم في أغلب الحالات وينتج عنها أضرار جسدية وجنسية ونفسية. وبما أنه من غير الممكن الرجوع للوضع الأصلي، يحاول بعض المختونين إيجاد حل لتخفيف تلك الأضرار. ويجد القارئ في الكتب والمقالات الطبّية ذكر لعمليّات مختلفة يقصد منها استعادة وظيفة القضيب ولو جزئيّاً أو لإزالة التشويه الخارجي الحادث له. وفي بعض الأحيان يقوم الطبيب بإزالة ما تبقّى من الأعضاء التناسليّة للذكر وعمل ثقب له وتحويله إلى أنثى. وسوف نكتفي هنا بظاهرة استرجاع الغلفة غير الجراحي.

1) عمليّة استرجاع الغلفة في التاريخ

تقول الروايات اليهوديّة أن عيسو ابن إسحاق هو أوّل من قام بشد غلفته لإطالتها وإلغاء علامة الختان، وأن هذا هو سبب لعنه من الله. وفي العصر اليوناني (323-30 ق.م) خضع كل اليهود تحت سيطرة اليونان بعد فتح الاسكندر الكبير لمنطقة الشرق الأوسط. وتذكر التوراة أن بعض اليهود قد قَبلوا الاندماج في المجتمع الجديد. فبنوا ملعباً رياضيّاً في القدس. وقام بعضهم بترك الختان وإلغاء علامة الختان بمط جلد القضيب لاسترجاع الغلفة (1 المكابيين 15:1 48). وقد ساند موجة الاندماج هذه إصدار الملك أنطيوخس قوانين عام 168 قَبل المسيح تمنع الختان باعتباره علامة تمييز بين الشعوب ورفضاً للاندماج. وكان مراقبو الملك، بمقتضى هذه القوانين، «يقتلون النساء اللواتي ختن أولادهن، ويعلقون أطفالهن في أعناقهن، ويقتلون أيضاً أقاربهن والذين ختنوهم» (1 المكابيين: 1: 60-61). وقد حدث من جرّاء ذلك ثورة من رجال اليهود المتزمّتين بين عام 167-160 قَبل المسيح ختنوا خلالها «بالقوّة كل من وجدوه في بلاد إسرائيل من الأولاد الغلف» (1 المكابيين: 2: 46).

وقد جاء في رسالة للقدّيس بولس ذكر لعمليّة استرجاع الغلفة. فهو يقول:

«فليسر كل واحد في حياته على ما قسم له الرب كما كان عليه إذ دعاه الله. وهذا ما أفرضه في الكنائس كلها. أدعي أحد وهو مختون؟ فلا يحاولن إزالة ختانه. أدعي أحد وهو أغلف؟ فلا يطلبن الختان. ليس الختان بشيء ولا الغلف بشيء. بل الشيء هو حفظ وصايا الله. فليبق كل واحد على الحال التي كان فيها حين دعي» (1 قورنتس 17:7-20).

وقد تكون ظاهرة استعادة الغلفة التي يتكلم عنها القدّيس بولس مرتبطة برغبة بعض اليهود في قطع الصلة مع دينهم القديم عند تحوّلهم إلى المسيحيّة. ولكن بولس اعترض على هذا الفعل. وهناك ذكر لعمليّة استرجاع الغلفة في التلمود.

وقد وصف الطبيب الروماني «شيلسوس» (توفى قرابة عام 50) عمليّتين جراحيّتين الغاية منهما تغطية الحشفة لمن كان عنده نقص في جلد القضيب وذلك «لأجل الزينة». تجرى إحدى هاتين العمليّتين بقص جلد القضيب فوق العانة ومط الجلد وربطه فوق الحشفة مع إبقاء ثقب للبول حتى يشفى الجرح. وأمّا العمليّة الثانية والتي يقترحها «لمن ختن حسب عادات بعض الأجناس»، فتتم بمط الجلد فوق الحشفة وإبقائه ممطوطاً من خلال ضمّادة على طول القضيب من قاعدته.

ولفهم ظاهرة استرجاع الغلفة يجب أن نعرف أن ظهور الحشفة وانتصاب القضيب في أماكن اللعب والحمّام والمسارح، حيث المشاركون عراة، كان مخالفاً للموازين الأخلاقيّة والجماليّة عند اليونانيين والرومان، ومن تظهر حشفته كان محل سخرية الجمهور. ولتفادي ذلك كانت العادة أن يشد الرجل غلفته ويشبكها بخيط أو بملقط فوق الحشفة حتى يغطيها، أو كان يمرّر القضيب عبر أنبوب معدني ثقيل على شكل قمع يدعى «الثقل اليهودي» تكون حافته الضيّقة خلف الحشفة بعد شد الغلفة عليها، فيمنع هذا الثقل رجوع الغلفة إلى الوراء.

ويشار هنا إلى أن الإمبراطوريّة الرومانيّة أعفت اليهود من الانخراط في الجيش والمشاركة في القرابين التي تقدّم للآلهة. وقد فرض الإمبراطور «دوميسيانوس» (توفى عام 96) ضرائب بديلة عليهم تدعى «الضريبة اليهوديّة». وقد كان الختان علامة للتحرّي عن هويّتهم، ممّا دفع بعض اليهود المتهرّبين من الضريبة إلى مط غلفتهم حتى يظهروا غير مختونين. وعلى العكس من اليهود، كان بعض المسيحيّين يلجأون للختان ليستفيدوا من الإعفاء المذكور ويتخلصوا من اضطهاد اليهود لهم. وقد ألغى الإمبراطور «نيرفا» عام 96 أسلوب التحرّي هذا دون إلغاء الضريبة ذاتها.

وحتى يعقِّدوا عمليّة استرجاع الغلفة، تشدّد رجال الدين اليهود في الختان فأدخلوا عمليّة السلخ (بيريا). وكانوا يطالبون من استعاد غلفته بأن يختن من جديد.

وقد عاد ظهور استعادة الغلفة بين اليهود في زمن اضطهادهم في الحرب العالميّة الثانية تحت الحُكم النازي 1930-1945. فقد كان الختان علامة للتعرّف عليهم لأنهم كانوا المجموعة الوحيدة التي تختن إذا ما استثنينا بعض الأفراد. حتى أن المسيحي المختون كان عليه أن يحمل شهادة العمّاد لإثبات كونه غير يهودي. فحاول بعض اليهود إبقاء أطفالهم غير مختونين للهرب من الاضطهاد، وأمّا المختونون فقد حاولوا استعادة غلفتهم بالأساليب الجراحيّة مقابل مبالغ طائلة لدى أطبّاء بولنديين كانوا يستغلون ضيقتهم. ولا يعرف مدى نجاح تلك العمليّات.

2) كيفيّة استرجاع الغلفة بأسلوب غير جراحي

ترعرعت ظاهرة استرجاع الغلفة ضمن حركة مكافحة الختان التي شهدتها الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين حيث تم تطوير أسلوب غير جراحي لهذا الغرض. وقد تم تأسيس مجموعات تعطي المشورة مجّاناً في هذا المجال ولها مواقع على الانترنيت يمكن البحث عنها من خلال كلمة Foreskin restoration أو Restauration du prépuce. وفي عام 1991 نشر «جيم بيجلو»، مؤسس إحدى تلك المجموعات، كتاباً في هذا الموضوع هو الآن في طبعته الثالثة يحتوي على معلومات قيّمة عن ختان الذكور في التاريخ وخاصّة في الولايات المتحدة. وقد بيع منه أكثر من عشرة آلاف نسخة. وقد تبنّت فكرة استعادة الغلفة المجموعات المختلفة التي تناهض الختان داخل وخارج الولايات المتحدة.

ويقدّر «وين جريفيتس»، أحد مؤسّسي «الجمعيّة الوطنيّة للرجال الذين يستعيدون غلفهم» عدد الذين استعادوا الغلفة بهذه الطريقة بقرابة 7000 شخص. وهذه الجمعيّة لها 20 فرعاً في دول مختلفة. وقد استلم مؤسّس الجمعيّة الأم أكثر من خمسة آلاف رسالة تستفسر عن الموضوع. وهذه الأعداد هي دليل على وجود تمرّد فعلي ضد ختان الذكور وإحساس بعدم الرضى عند ضحاياه.

تعتمد عمليّة استرجاع الغلفة بأسلوب غير جراحي على مبدأ أن الجلد له خواص مطاطيّة. فإذا مورس ضغط على الجلد بمدّه، فإن الجلد يكوّن خليّات جديدة. ولتعويض ما قطع بالختان، يتم مط جلد القضيب حتى يغطي الحشفة وذلك باستعمال شريط لاصق وأثقال مختلفة تتدلى من القضيب تشبه الثقل الذي يستعمل لإبقاء صنّارة صيد السمك تحت الماء. ويمكن الاستمرار بعمليّة شد الغلفة لمدة تختلف حسب مقدار الغلفة التي يراد استرجاعها. وقد تصل إلى قرابة ثلاث سنين.

ولكن استرجاع الغلفة لا يعني بالضرورة الرجوع إلى وضع كأن الختان لم يكن. فـ»ما أعطبه الدهر لا يصلحه العطارون». فالختان يقطع الجزء العلوي من جلد القضيب. وهذا الجزء ذو طبيعة خاصّة تنكمش حول الحشفة. ومن يريد انكماش جلده فوق الحشفة عليه بالإضافة إلى مط الجلد إجراء عمليّة لتضييق الفتحة التي تلامس الحشفة. من جهة أخرى، اللجام الذي يربط جلد القضيب بالحشفة يتأذى بالختان وقد يقطع. وللجام دور في العلاقة الجنسيّة إذ يعيد الغلفة فوق الحشفة عند الارتخاء. وفي حالة قطع اللجام واسترجاع الغلفة بمط الجلد، فإنه يجب إعادة الغلفة باليد فوق الحشفة عند الارتخاء. وقد يؤدّي مط جلد القضيب إلى تغطيته بشعر العانة الذي يمكن تنحيته بعمليّة تدعى التحلل الكهربائي.

3) موقف مؤيّدي الختان من استعادة الغلفة

يعتبر مؤيّدو ختان الذكور من يقومون باستعادة غلفهم بأنهم مصابون «بمرض عقلي خطير جدّاً»، كما جاء في رسالة بعثها لي «شيمون جليك»، رئيس التعليم الطبّي في جامعة بن غوريون. وقد كتب طبيب يهودي فرنسي أن هناك تزايد في طلب استعادة الغلفة لدى أمريكيّين شاذّين جنسيّاً غير يهود وغير مصابين بأمراض عقليّة ختنوا عند ولادتهم. وهذا الطبيب يجهل أو يتجاهل أن اليهود أيضاً يلجأون لمثل تلك العمليّة. وتهجّم هذين الطبيبين اليهوديين له صلة واضحة باعتقادهم الديني. ويرد «جيم بيجيلو» على هؤلاء بأنه أمر مقلق أن لا يرى البعض أهمّية الشعور بكمال الجسم. فهؤلاء المتهكمين لا يرون مانعاً من أن تقوم امرأة بعمليّة تجميليّة بعد فقدها ثدييها، بينما يعترضون على أن يقوم الرجل بعمليّة مماثلة لاستعادة غلفته. وهذا التهكم سببه هو عدم تفكيرنا بأنه يمكن أن يحس الإنسان بنقص جسدي عندما يكون مختوناً.

الجزء الرابع
الختان والجدل الاجتماعي

الختان ظاهرة جماعيّة. وككل ظاهرة جماعيّة، لا بد أن تبدأ بفرد يعتبر «شاذاً» يقوم بختان نفسه لأسباب مختلفة، منها الديني، والجنسي، والمرضي. ثم تنتقل من الفرد إلى الجماعة فتفقد طابعها «الشاذ» وتصبح عادة وظاهرة ثقافيّة مع الوقت تحت تأثير عدوى المحيط، والدين، والنزوات الجنسيّة، والزواج، والنظام القبلي والطائفي، وغريزة التسلط، والعوامل الاقتصادية، والدوافع السياسيّة. والختان كـ «منتوج جماعي» يتحوّل إلى «عامل» مؤثر على المجتمع. وقد رأينا تأثيره على الحياة الزوجيّة والشذوذ الجنسي وتناول المخدّرات في الجزء الطبّي، وسوف نرى هنا نتائجه النفسيّة والاجتماعية الأخرى. وننهي هذا الجزء بعرض الوسائل التربويّة والنفسيّة لمعالجة آثار الختان والقضاء عليه.

الفصل الأوّل
الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي

لقد عرّض الإنسان نفسه وغيره عبر العصور إلى أنواع شتى من البتر والتشويه، من بينها بتر الأعضاء الجنسيّة، وخصوصاً ختان الذكور والإناث. وتبدأ ظاهرة بتر الذات بفرد شاذ نفسيّاً، ثم تصبح مع مرور الوقت ظاهرة ثقافيّة.

1) بتر الذات الشاذ من الجن إلى علم الطب النفسي

تذكر التوراة أن إبراهيم قد ختن نفسه بأمر من الله. ويحكي لنا الإنجيل شفاء المسيح لرجل «فيه روح نجس قد خرج من القبور [...] وكان طوال الليل والنهار في القبور والجبال، يصيح ويرضّض جسمه بالحجارة». فسأل المسيح الروح النجس عن اسمه أجاب: «جيش، لأننا كثيرون». وعندما أخرجه من المريض سمح له دخول في قطيع خنازير فوثبت إلى البحر وهلكت (مرقص 5:2-31؛ لوقا 8:72-33). وما زلنا حتى اليوم نقول عن المختل عقليّاً بأنه مجنون أو «لابسه الجن». إلاّ أن علماء النفس يشخّصون هذه الأمراض بأنها أمراض عصبيّة وهوسيّة وعضويّة يلعب الدين والجنس وعوامل أخرى دوراً في نشوئها.

2) دور الدين والجنس

ويقول طبيب النفس «فافاتزا» إن الأشخاص المصابون بالهلوسة يسمعون أصواتاً ويرون رؤى تطالبهم ببتر أنفسهم. وعندما يكون البتر تنفيذاً لما يعتقدونه أمراً إلهياً، ينتاب الأشخاص الذين يبترون أنفسهم شعور بالقوّة أو الأهمّية لاعتقادهم أن الله قد اختارهم. وقد تكون تلك الهلوسة في درجات مختلفة من الشدّة. فمنهم من تلاحقهم باستمرار وقد تكون في شكل رؤيا مخيفة خاصّة تحت تأثير المخدّرات. ونقدّم هنا مثالين نقتبسهما من كتاب هذا الطبيب:

- شاب عمره 32 سنة كان يبحث عن تطهير نفسه لمدّة ست سنوات كارزاً في الجموع وحاملاً إشارات دينيّة وحالقاً رأسه ومتأمّلاً في التلال. وقد انتابه شعور بالذنب بسبب علاقات جنسيّة غير مشروعة وحالات سكر مر بها من قَبل. فقطع خصيتيه وقدّمهما قرباناً لله. وبعد وفاة أبيه، مارس علاقات جنسيّة شاذّة حتى اشمأز من نفسه. فوقع على نص الإنجيل الذي يقول «هناك خصيان خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السماوات» (متى 11:19). عندها قام بقطع قضيبه بشفرة ثم حرقه بالنار. وقد برّر عمله بقوله: «حتى وإن تم الحُكم علي بأني مجنون، إلاّ أنه من الأفضل لي إن أطهّر نفسي».

- حالات قلع العين: هذه الظاهرة تكاد لا توجد إلاّ في المحيط المسيحي. وهي تعتمد على نص إنجيلي يقول: «وسمعتم أنه قيل لا تزني. أمّا أنا فأقول لكم: من نظر إلى امرأة بشهوة، زنى بها في قلبه. فإذا كانت عينك اليمنى سبب عثرة لك، فاقلعها وألقها عنك. فلأن يهلك عضو من أعضائك خير لك من أن يلقى جسدك كله في جهنّم» (متى 27:5-29؛ أنظر أيضاً مرقس 47:9). ويقدّر عدد الذين يقلعون أعينهم سنوياً في الولايات المتحدة بـ 500 حالة، يضاف إليها حالات كثيرة يتم فيها وضع أشياء مؤذية في العين. وإحدى تلك الحالات تخص مسيحيّاًّ مصرياً خدش عينيه بعدما أحس بالذنب لمعاينته ملهى عاريات. وقد ادّعى أن العذراء مريم ظهرت له وطلبت منه أن يقلع عينه فأدخل في مستشفى بعد أن حاول القيام بذلك.

من خلال المثلين السابقين، نرى أن للجنس دور هام في حالات بتر الذات. ولكن أكثر هذه الحالات تخص الذكور، لأن أعضاءهم الجنسيّة أكثر ظهوراً من أعضاء النساء.

3) تأثير المازوشيّة

عمليّات تعذيب الذات منتشرة في كل المجتمعات البدائيّة مثل المتحضّرة. وهناك علاقة بين الدين والجنس والتعذيب. وقد تأخذ هذه التصرّفات منحاً خطيراً فتصب في خانة الجنون والأمراض النفسيّة. والحد بين ما هو مقبول وبين ما هو شاذ يصعب تحديده ويختلف حسب الثقافات. ويصنّف علماء النفس ظاهرة مرضيّة نفسيّة تحت اسم المازوشيّة، نسبة ل «ليبولد ساشر مازوش» (توفى عام 1895) الذي مجّد في كتاباته وتصرّفاته الجنس المصحوب بتعذيب الغير له. وقد بين الدكتور «فافاتزا» أن بين 250 حالة بتر الذات 2% كانوا هائجين جنسيّاً عندما بتروا أنفسهم، و3% كان عندهم شعور بالهيجان الجنسي، وأن 20% قد لجأوا لعمليّة بتر الذات للسيطرة على شعورهم الجنسي. وهناك من يشعر بالهيجان الجنسي عند قطع أطرافه مثل قطع الساق أو أصابع القدم. وهناك من يتلذّذون بالألم عندما يقومون بالعلاقة الجنسيّة، مثل وضع شمع يغلي على أجسامهم أو جلدهم. وهذا ما يطلق عليه اسم المازوشيّة الشبقيّة، أي أن الإنسان يبحث عن اللذّة من خلال الألم. ومن المعروف منذ القديم أن اللذّة الجنسيّة لها صلة بالإذلال والألم لدى بعض الناس.

4) غريزة الحياة والموت

أثر فرويد (توفى عام 1939) على الطب النفسي من خلال نظريّته القائلة أن الإنسان لديه «غريزة الحياة» التي تتحكم في تصرّفاته. وربّما بسبب تجربة الحرب العالميّة الأولى أوجد فرويد عام 1920نظريّة معاكسة أسماها «غريزة الموت» التي تدفع الإنسان إلى العنف والانتحار وتجريح الذات بحثاً عن الموت. وقد قام عالم النفس «مينينجر» بتفسير البتر بأنه وسيلة علاج يلجأ لها الفرد حتى يتفادى إفناء ذاته. ونجد التقاء بين هذه النظريّة وقول المسيح السابق الذكر أنه من الأفضل أن تقلع عينك وتقطع يدك بدلاً من أن تهلك كلك في الجحيم. ويعلق «فافاتزا» على هذه النظريّة قائلاً بأن البتر يساعد في بعض حالات على تفادي الانتحار.

ويتبع حالات البتر إحساس بالراحة. وقد بنيت نظريّات كثيرة لتفسير هذه الظاهرة. فمنهم من رأى تشابهاً بين هذا الإحساس وبين الإحساس الناتج عن تمارين رياضيّة أو بلوغ الارتواء الجنسي أو ارتخاء العضلات والتأمل الروحي. وقد عللوا ذلك بأن المخ يعمل بصورة مثالية تحت ضغط معيّن. وإذا ما ارتفع الضغط كثيراً، قام المخ روتينيّاً بتنظيم هذا الضغط بتخليه عن جزء من هيجانه. ولذا يعبّر الذين يقطعون أنفسهم بأن القطع كفقع البلون أو كتنفيس طنجرة تغلي.

5) تأثير المحيط

إذا وضعت الحيوانات في محيط غير طبيعي مثل حدائق الحيوانات أو الأقفاص، تقوم ببتر أنفسها. ويزيد في نسبة هذه الظاهرة العزلة والفشل في العلاقة الجنسيّة والتهديد والخوف. وهذا ما نجده عند الإنسان. فقد لوحظ ارتفاع نسبة البتر عند السجناء وعند الأشخاص الذين مرّوا بتجارب قاسيّة في طفولتهم ولم يجدوا الحنان والحب من أهلهم، أو تم اغتصابهم، أو عوملوا بصورة تعسّفيّة، أو كانوا في حالة عزلة. والفرق بين