Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

للضحيّة رفع دعوى على الجاني لفوات الوقت. ولذلك يرى البعض ضرورة إعطاء الشخص بعد البلوغ الحق في رفع دعوى لجرم اقتُرف بحقّه عندما كان صغيراً.

وهناك موضوع سر المهنة. فقد جاء في قسم أبقراط (توفى عام 377 ق.م): «كل ما يصل إلى علمي أثناء ممارسة مهنتي أو خارجها أو في اتصالي اليومي للناس ممّا لا يجوز إذاعته فإني أحتفظ به سرّاً مكنوناً». فهل يحق للأطبّاء أو الممرّضات أن يبلغوا المدّعي العام عن عمليّات الختان التي تصل إلى علمهم من خلال ممارستهم مهنتهم الطبّية؟ وهل لهم أن يبلغوا فقط عن الختان الذي يتم في بلدهم أم أيضاً عن جميع حالات الختان مهما كان مكان إجرائها؟ وإلى أي حد يمكن مساءلة الطبيب الذي لم يبلغ عن ذلك؟ هذا مجال يصعب تحديده. ونشير هنا إلى أن بعض القوانين، مثل القانون الألماني، تعاقب الجرائم التي تقترف في الخارج، مثل الإنتاج التجاري للصور الخلاعيّة للأطفال. وتطالب محامية ألمانيّة تكميل هذا النص ليتضمّن ختان الإناث.

هذا ورفع الدعوى بحد ذاته لا يضمن الملاحقة القضائيّة حتى في الدول المتقدّمة. ففي عام 1980 قام طبيب في فرنسا بتبليغ المحكمة عن وفاة بسبب ختان إناث. ثم ذهب الطبيب إلى هيئة حماية القاصرين وتم فتح تحقيق في هذه الدعوى. وقد دام التحقيق لمدّة ثمانية أشهر، والمحقّق يتنقّل بين المدرسة والهيئة الاجتماعية والمستشفى حيث اكتشف حالات ختان أخرى ولكن الكل يسكت ولا يعطي المعلومات الضروريّة. وفي هذه الأثناء وقَّع أكثر من 80 طبيباً على عريضة ترفض إجراء ختان الإناث في المحيط الطبّي. ولكن وزيرة شؤون المرأة السيّدة «ايفيت رودي» أسكتتها. هناك إذن اعتبارات سياسيّة ومهنيّة تمنع سير العدالة في مجال الختان.

وبالإضافة إلى تلك الاعتبارات هناك من يتخوّف من أن يؤدّي رفع دعوى على الأهل إلى تعريض حياة الطفلة إلى خطر الموت. فالأهل قد يرفضون اللجوء إلى الطبيب لمعالجة طفلتهم خوفاً من الملاحقة القضائيّة. كما أنه ليس من السهل على الأهل رفع دعوى على من قام بالختان حتى عندما تحدث مضاعفات لتلك العمليّة لأنهم أنفسهم شركاء في الجريمة. والخاتن، طبيباً كان أو حلاّق صحّة أو داية، يتمتع بنوع من العصمة في المجتمع يصعب التصدّي لها. فله من يحميه في محيطه. كما أن حدوث مضاعفات، مثل قطع حشفة الطفل في الختان، يحدث خجلاً كبيراً يُفضّل السكوت عليه.

ولنفرض أن قضيّة رفعت إلى القضاء، عند ذلك تطرح مشكلة المسؤوليّة. من هو المسؤول عن هذه العمليّة جنائيّاً ومدنيّاً؟ أي من هو الذي يجب عقابه وتغريمه تعويضاً عن الضرر الناتج عن عمليّة الختان؟ هل هم الأهل؟ أو من قام بهذه العمليّة؟ أم رجال الدين الذين يروّجون لها؟ أم المنظمات الطبّية التي لم تأخذ موقفاً صارماً بخصوصها؟ أم الدولة التي لم تفعل شيئاً للكفاح ضدّها وتركت الختان مشاعاً دون تنظيم شروط إجرائها؟ ونشير هنا أنه في قضيّة الطفلة الماليّة «تراوري» التي توفت في فرنسا بعد ختانها عام 1983، قال محامي العائلة الماليّة: «يقال لنا أن الأفارقة الذين يمارسون ختان الإناث على أرضنا يخالفون القانون الفرنسي. ولكن لماذا لم تطبّق السلطات الفرنسيّة القانون الفرنسي عندما كانت السلطة المستعمرة في مالي؟ لأنها لم ترد أن تصطدم بالعادة مباشرة».

وتوسيع نطاق المسؤوليّة نجده خاصّة عند السيّدة «فران هوسكن». فهذه السيّدة ترى أن الدول الغربيّة مثل فرنسا لم تفعل شيئاً في مستعمراتها، وتسكت عن ختان الإناث الذي يتم على أرضها، ولا تدعم الحركات المعارضة له. وعند إصدار حُكم ضد ختان الإناث، فإن النساء تعاقب وتسجن، أمّا الرجال فيتركون أحراراً رغم أنهم هم الذين دفعوا تكاليف الختان. ولم يتم سجن إلاّ رجل واحد، وهو الذي ختن الفتاة، ضمن 18 قضيّة. فالقضاء الفرنسي الذي يسيطر عليه الرجال يرفض معاقبة الرجال الأفارقة. وما دام أن الرجال لا يُعاقبون، فإن ختان الإناث سوف يستمر في فرنسا وفي إفريقيا وتتحمّل فرنسا وقضاؤها مسؤوليّة ختان الإناث.

ويتحجّج المهاجرون الذين يختنون فتياتهم في فرنسا بأنهم يجهلون أن القوانين الفرنسيّة تمنع ختان الإناث رغم إثارة وسائل الإعلام هذه القضيّة على نطاق واسع. ومثل هذه الحجّة نجدها أيضاً في مصر. فالحلاّق الذي صوّرته شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» وهو يجري عمليّة ختان الإناث قال عندما ألقى البوليس القبض عليه بأنه كان يجهل أن هذه العمليّة ممنوعة قانوناً، فكثيرون مثله يجرونها يومياً. ولتفادي اللجوء لمثل هذه الحجّة، تحاول الدول الغربيّة إبلاغ المهاجرين الذين يأتون من دول يمارس فيها ختان الإناث بمحتوى القانون. وهناك من يتذرّع ليس بالجهل بالقانون، بل بالجهل بحدوث العمليّة. فكثيراً ما يقول الآباء بأن ختان الإناث هو قضيّة بين النساء فلا يتدخّلون فيها. وعليه فإن النساء هي التي تتحمّل العقاب.

3) الختان بين التدرّج والتسرّع

إن تغيير المجتمع يمكن الوصول إليه عن طريق الثورة التي تقلب الأوضاع والأفكار رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، أو عن طريق التدرّج والتطوّر، بحمل المجتمع على التغيير درجة درجة. وهذه المشكلة طرحت مع الختان.

بعد أن كانت منظمة الصحّة العالميّة ترفض التدخّل في ختان الإناث، جاء في تقرير 1976 لمستشارها الصحّي الدكتور «روبيرت كوك»، وهو من أصل أمريكي، بأنه لن يهتم إلاّ بالختان الفرعوني، تاركاً الأنواع الأخف من ختان الإناث، خاصّة أنها كانت تمارس في بلده. وقد حاول بعض المتدخّلين الأفارقة في مؤتمر الخرطوم لعام 1979 إباحة ختان الإناث الذي يتم طبّياً. إلاّ أن هذا الاقتراح تم رفضه. وقد أكدت على هذا الرفض منظمة الصحّة العالميّة عام 1982 معلنة بأنه يُحرَّم على المهن الطبّية إجراء ختان الإناث. كما أكد مؤتمر داكار لعام 1984 على هذا المنع لأن الطب لن يحل المشكلة بل سوف يكون مجرّد غطاء تمويه لها موضّحاً بأن «كل عمليّة جراحيّة لا ضرورة لها وتتضمّن مخاطر للمريض تعتبر مخالفة للأخلاق الطبّية».

ونشير هنا أن المشرّع السوداني، ومن بعده المشرّع المصري، قد حاول إتباع قاعدة التدرّج مانعاً الختان الفرعوني ومبيحاً الختان الذي يتم على يد الأطبّاء. وهذا الاتجاه نجده في القرار الوزاري الذي صدر بعد مؤتمر السكان في القاهرة لعام 1994 والذي يسمح للمستشفيات بإجراء هذه العمليّة. ولكن هذا القرار أثار ضجّة كبيرة. وقد أيّده البعض ورفضه آخرون، نذكر منهم الدكتورة نوال السعداوي في ردّها على اقتراح طبيبة مصريّة بأن يسمح بختان الإناث في المستشفيات العامّة وذلك للتقليل من الأضرار التي تنتج عن إجرائه خارجها بشرط أن يسبق ذلك تدريب الأطبّاء على كيفيّة إجراء عمليّة الختان بالشكل الذي أباحه الإسلام. ورفض نوال السعداوي يعتمد على الأسباب التالية:

«1) ليس هناك شكل لختان الإناث أباحه الإسلام. هذه العمليّة لا علاقة لها بالإسلام بدليل أن أكثر البلاد الإسلاميّة والعربيّة لا تمارس هذه العادة [...].

2) من المفروض أن تبذل وزارة الصحّة الجهود لتوعية الأطبّاء وجماهير الشعب بمضار الختان وأن تصدر قراراً يحرّم هذه العادة باعتبارها جريمة في حق الإنسان. فهل كون الختان يمارس خارج وزارة الصحّة مبرّر مقبول كي نمارسه في الوزارة نفسها؟ هل كون المخدّرات تباع في السوق خارج وزارة الصحّة مبرّر معقول كي تصدر الوزارة قراراً ببيعها داخل مؤسّساتها؟

3) بدلاً من تدريب الأطبّاء على إجراء هذه العمليّة لماذا لا يتدرّبون على مقاومته».

وتقول الأستاذة «جالو» بأنه رغم عدم دفاعها عن عادة الختان في الصومال، فإنها لا ترى كيف يمكن حذف هذه العادة بصورة كاملة لأنها عادة تمد جذورها في أعماق الثقافة الصوماليّة. وهي ترى بأن تطوّر هذه العادة يجب أن يمر في مجرى التطوّر الطبيعي. فليس هناك أي دليل بأن هذه العادة سوف تختفي بصورة كاملة. ولكن هناك أدلة بأن هذه العادة تتطوّر نحو تخفيفها. ولا يمكن اليوم الذهاب إلى أماكن الرعاة والطلب منهم أن لا يختنوا أو أن يختنوا بصورة مختلفة عن الختان الفرعوني. فهذا يخالف تماماً نظرتهم للحياة. ولكن هناك إمكانيّة في تحويل الختان الفرعوني إلى ختان سُنّة مع تحوّل الرعاة إلى حضر وسكنهم البيوت. فالتحوّل يجب أن يكون تدريجيّاً ويتطلب عدّة أجيال ويجب أن يصاحبه تغيير في النظام الاجتماعي ووضع المرأة. وقد بيّنت في مقال لها كتبته مع باحثين بأن هناك حاليّاً في الصومال استبدال للختان الفرعوني بالختان البسيط أو حتى الرمزي بسبب الوضع المأساوي الذي يعيشه هذا البلد حيث تشح الوسائل العلاجيّة فلا يمكن معالجة مضاعفات الختان الفرعوني.

هذا ونجد نقاشاً مشابهاً حول ختان الذكور. فمعارضو هذا الختان عند اليهود يرون إمكانيّة الاكتفاء بقطع جزء بسيط من الغلفة دون اللجوء إلى السلخ، المرحلة الثانية في الختان اليهودي. أو يمكن الاكتفاء بإنزال نقطة دم من حشفة القضيب ما دام أن الدم هو المحور الرئيسي في الختان. ومنهم من يقترح قص جزرة بدلاً من قص غلفة القضيب، مع الاحتفاظ بالتقاليد والعادات التي تصاحبه إذ يصعب خلق فراغ تام وإخلاء المجتمع من جميع الطقوس. وهناك أيضاً من يقترح إجراء الختان تحت التخدير لتفادي الألم والصدمة النفسيّة عند المختون. وهذا الإجراء قد يكون له أثر سلبي إذ يستبعد حجّة ألم الطفل كسبب لإلغاء الختان. فما دام الطفل لا يتألم ولا يصرخ، يظن الأهل أن لا ضرر يقع على الطفل. وإذا كان معارضو ختان الإناث يرفضون إجراءه في الأوساط الطبّية خوفاً من إعطائه شرعيّة في أعين الناس، فإن رجال الدين اليهود يعترضون على إجراء ختان الذكور على يد الطبيب لأنهم يرون في ذلك حيلة من قِبَل معارضي ختان الذكور بقصد التدرّج في إلغائه. فإجراء ختان الذكور على يد طبيب يعني أن الختان سوف يصبح مجرّد عمليّة جراحيّة مفرغة من الطقس الديني الذي يصاحبه. ولذلك هم يرفضون تدخّل الدولة في تقرير من يستطيع أو لا يستطيع إجراء هذه العمليّة.

4) هل هناك ضرورة لقانون؟

يقول الحاخام اليهودي «موشي روتينبيرج» - وهو معارض للختان رفض ختان ابنه - إن إنهاء الختان عند اليهود أو غيرهم من المجموعات الثقافيّة لا يمر من خلال الفرض، إن كان بقانون أو بأي وسيلة أخرى، حتى وإن كان الختان في حقيقته تعسّف نحو الطفل. فلإنهائه يجب اللجوء إلى المحبّة والتعليم، وجعل العالم أكثر أماناً لليهود على جميع الجبهات، والإحساس باحتياجات الطفل حديث الولادة: «أصبح صديقاً لليهود وللأقليّات الأخرى، فمن خلال الحرص العميق يمكن فقط حل هذا الموضوع».

وترى ناهد طوبيا أنه يجب التفكير مرّتين قَبل اقتراح قانون للوصول إلى إلغاء ختان الذكور والإناث. فرغم أهمّية القوانين، إلاّ أنها ليست كفيلة لوحدها لحصول تغيير اجتماعي. فد يكون القانون أو الحُكم القضائي وسيلة كفاح جيّدة، ولكن قد يؤدّي إلى عداء وإلى معارك قضائيّة لا نهاية لها.

والقانون، حتى وإن لا ينفذ، وسيلة لإفهام العامّة بأن هناك سيف معلق فوق رؤوسهم، وأن عادة الختان مرفوضة، فلا يتذرّع الناس بعدم وجود القانون لتبرير عملهم. تقول الدكتورة سهام عبد السلام: «طبعاً القانون لن يحل المشكلة. لا بد من التوعية. لكن بالقياس هناك قوانين كثيرة لا يلتزم بها الناس بسبب عادات سائدة مثل قوانين حظر المخدّرات. ومع ذلك فهذه القوانين موجودة لأن هذا حق المجتمع. القانون وحده لن يحل، لكنّه سيكون عاملاً مساعداً لمن يحاولون الحل». ويرى البعض في وجود مثل هذا القانون مرتكزاً يعتمد عليه الأهل في قرارهم بعدم ختان ابنتهم. فيستطيعون من خلاله التهديد باللجوء إلى المحاكم في حالة عدم احترام إرادتهم من قِبَل الجيل الأقدم سنّاً الذي يأخذ عامّة على عاتقه إجراء الختان.

وترى عالمة النفس «اليس ميلير» أن القانون وسيلة لحماية الناس من أنفسهم ولتوعيتهم. فسن تشريع يمنع الأهل من ختان أطفالهم يقود الأهل إلى اكتشاف ما مرّوا به من انتهاك هم أنفسهم. وهذا ضروري حتى ينهوا تصرّفهم المشين نحو أطفالهم. فالقصد ليس عقاب الأهل، بل السماح لهم لكي يكتشفوا نفسهم. وتذكر مثلاً على ذلك القوانين الاسكندنافيّة التي تفرض علي الأطبّاء أن يبلغوا عن حالات انتهاك الأطفال. فهذا يساعد في تفهيم الشعب أن الأطفال لهم حقوق يحميها القانون. وهكذا فقط يمكن التخلص من ظاهرة انتهاك الأطفال. والأهل سوف يجدون أنفسهم أكثر راحة لو أن المشرّع ساعدهم في رؤية الطريق الذي يجب أن يسلكوه.

5) القانون جزء من خطة شموليّة

لا يكفي العقاب بحد ذاته للحد من تصرّف اجتماعي يحرّمه القانون. وليس من العدل وضع الناس بين خيار العقاب وخيار ترك تصرّف ما دون أي تفسير أو تبرير. فلا بد من مصاحبة العقاب بالتثقيف لتوضيح السبب الذي من أجله حرّم ذاك التصرّف والفوائد التي يمكن أن يجنيها الفرد من الابتعاد عنه. وهناك قول بليغ في القرآن الكريم: «وما أهلكنا قرية إلاّ لها منذرون ذكرى وما كنّا ظالمين» (الشعراء 208:26-209). والختان موضوع معقّد ومتشعّب، ولذلك لا يمكن إيجاد حل بسيط له. ومن هنا تأتي ضرورة فهم هذا الموضوع بصورة شموليّة وطرح حل شمولي له. وقد قامت المنظمات المختلفة بوضع خطط شموليّة للقضاء على ختان الإناث، يمكن تطبيقها على ختان الذكور. والمتمعّن في هذه الخطة يجد أنها تجمع بين ضرورة دراسة ظاهرة الختان لمعرفة أسبابها، ونشر التوعية على المستويات المختلفة، وتعاون المنظمات الأهليّة والهيئات الحكوميّة والدوليّة، وسن قوانين تمنع ممارسته وتمنح اللجوء السياسي. وهذه النقطة الأخيرة هي آخر ما نبحثه في هذا الكتاب.

الفصل السادس
الختان واللجوء السياسي

1) النصوص الدوليّة والتصريحات المعلنة

يعتبر المشرّع الوطني الغربي والمشرّع الدولي ختان الإناث تعسّفاً يرقى إلى درجة التعذيب. ومعارضو ختان الذكور يعتبرونه أيضاً عمليّة تعذيب. وبما أن التعذيب ممنوع من قِبَل المشرّع الدولي والوطني، لذلك يجب منع كل من ختان الإناث وختان الذكور دون تمييز. ولا يكتفي المشرّع الدولي بإدانة التعذيب، بل يطالب الدول بتجريمه ومعاقبة مقترفيه، كما جاء في المادّة الرابعة من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984. وتضيف الفقرة الأولى من المادّة الثالثة من هذه المعاهدة:

لا يجوز لأيّة دولة طرف أن تطرد أي شخص أو أن تعيده أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، إذا توافرت لديها أسباب حقيقيّة تدعوا إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرّض للتعذيب.

من جهة أخرى تعطي الاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين لعام 1951 حق اللجوء السياسي لمن قد يتعرّض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو آرائه السياسيّة.

وبناء على هذه النصوص وغيرها من النصوص الدوليّة، يرى معارضو ختان الإناث ضرورة إعطاء حق اللجوء السياسي للنساء (وفتياتها) التي تهرب من بلادهن خوفاً من إجراء الختان عليهن (أو على فتياتهن). وإذا لم تتحقّق شروط اللجوء السياسي، فعلى الأقل يجب إعطاء تلك النساء وفتياتهن حق الإقامة (الإنسانيّة) وعدم الطرد إلى بلدهن الذي يمارس ختان الإناث. إلاّ أن أكثريّة الدول ترفض إعطاء اللجوء السياسي على أساس الخوف من ختان الإناث، معتمدة في ذلك على فهمها للاضطهاد وأسبابه كما جاء في الاتفاقية الخاصّة باللاجئين.

2) تعريف الاضطهاد

لم يقدّم واضعو الاتفاقية الخاصّة باللاجئين تعريف «للاضطهاد» وذلك لصعوبة تحديد كل أشكال المعاملة السيّئة التي تعطي للشخص حق طلب اللجوء السياسي. وقد عرّفه مؤلف بأنه «الخرق الطويل المدى أو المنهجي لحقوق الإنسان الذي يشير إلى فشل حماية الدولة».

إلاّ أنه ليس كل خرق لحقوق الإنسان، مهما كانت شدّته، يعتبر اضطهاداً بمعنى الاتفاقية الخاصّة باللاجئين. فالاضطهاد يجب أن يكون من فعل السلطات الشرعيّة. إلاّ أنه تم التوسّع في هذا المفهوم. فأعتبر رفض الدولة حماية مواطنيها من التعدّي عليهم أو عدم إمكانيّة تدخّلها لحمايتهم نوع من الاضطهاد غير المباشر من قِبَل تلك الدولة. ومهما يكن، فإن النساء التي يمكن أن تستفيد من اللجوء السياسي هن تلك التي لم تختن بعد، أو لديهن فتيات مصاحبات لهن لم يتم ختانهن. ممّا يعني أن النساء المختونات لا يمكنها أن تتذرّع بالختان. ولكن قد تستفيد من اللجوء السياسي النساء التي قد يفرض عليهن إعادة شبك الفرج في حالة الولادة. وقد رُفض طلب لجوء سياسي لامرأة لأنه سبق أن ختنت جزئيّاً.

3) هل النساء فئة اجتماعية معيّنة؟

لا يكفي الخوف من الاضطهاد للحصول على اللجوء السياسي وفقاً للاتفاقية المذكورة، بل يجب أيضاً أن يكون الشخص مضطهداً «بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة أو آرائه السياسيّة». والمشكلة مع ختان الإناث إنه لا يتم لأحد هذه الأسباب، حتى وإن عرّفناه بمعنى الاضطهاد.

وقد اقترحت مفوّضيّة الأمم المتحدة للاجئين عدم تفسير هذه الاتفاقية تفسيراً حرفيّاً. فكثير من النساء يهربن من بلدهن لأسباب خاصّة مثل الاغتصاب، والتعذيب الجنسي، وختان الإناث، والتمييز الجنسي، والإجهاض والتعقيم الإجباريين. وعندما وضعت القواعد بخصوص اللاجئين، فقد وضعت بنظرة ذكوريّة آخذة بالاعتبار الأسباب التي من أجلها يهرب الرجال عامّة من بلادهم أي الاضطهاد بسبب الانتماء العرقي والديني وغيره. وهذه الأسباب تختلف عن الأسباب التي من أجلها تهرب النساء من بلادهن. ولذلك فإن تلك الاتفاقية لا تذكر الانتماء الجنسي. فيجب التخلي عن النظرة الذكوريّة للجوء السياسي. وتقترح هذه المفوّضيّة إعطاء اللجوء السياسي للنساء المضطهدات على أساس انتمائهن إلى «فئة اجتماعية معيّنة»، أي بسبب «انتمائهن الجنسي».

إلاّ أن أكثر الدول الغربيّة ترفض هذا التفسير. فهذه الدول، إن قَبلت بفكرة أن النساء تكوّن «فئة اجتماعية معيّنة»، تتطلب وجود سبب إضافي مع هذا السبب. فاغتصاب النساء بحد ذاته لا يعطي الحق في اللجوء السياسي. أمّا اغتصابهن بسبب انتمائهن إلى مجموعة عرقيّة أو دينيّة أو سياسيّة كما جرى في حروب البلقان فيعطيهن مثل هذا الحق. وهذا المنطق ينطبق على ختان الإناث. إلاّ أنه لا يحدث أن يتم ختن امرأة لهذه الاعتبارات. غير أن بعض الدول تغاضت عن مطلب الانتماء الإضافي هذا ومنحت اللجوء السياسي لمجرّد الخوف من التعرّض للختان في حالات نادرة كما هو الأمر في الولايات المتحدة في قضيّة الشابّة فوزية كاسينكا. وهناك من اعتبر تلك السيدات «فئة ترفض الختان». هذا وإن كانت الدول الغربيّة تتردد في منح اللجوء السياسي للنساء التي يخشين إجراء ختان الإناث عليهن أو على فتياتهن، إلاّ أن هذه الدول عامّة تمنحهن حق الإقامة لأسباب إنسانيّة.

4) معارضة ختان الإناث كحيلة للبقاء في الغرب

حتى وإن اعتبرنا ختان الإناث اضطهاداً بمعنى الاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين، وأن النساء تنتمي إلى «فئة معيّنة»، يبقى موقف التي تطلب اللجوء السياسي من هذه الممارسة. فكثير من النساء التي تم ختانهن أو ختن فتياتهن يدافعن عن ختان الإناث ويعتبرن التعرّض له تعدّي على ثقافتهن. إلاّ أنه في حالة فشل تلك النساء في الحصول على اللجوء السياسي، تتذرّع بخوفها من ختان الإناث على بناتها إذا ما أعيدت إلى بلدها. ومن الواضح أن موقفها هذا نابع ليس عن اقتناع بأن ختان الإناث ضار، بل لأن تلك هي وسيلتهن الأخيرة للحصول على اللجوء السياسي أو البقاء في الغرب. وقد تكون هذه الحجّة من إيعاز المحامين.

وبطبيعة الحال لا يمكن للسلطات التحقّق من نيّة طالبات اللجوء السياسي، ولكنّها تلجأ إلى البحث عمّا إذا يأتين فعلاً من منطقة تمارس ختان الإناث، وإذا لم يكن هناك إمكانيّة لهن الذهاب إلى مكان آخر داخل بلادهن. وليس من السهل التحقّق من هذين الأمرين. فكثير من اللاجئين يفقدون عمداً هويّاتهم ويدَّعون أنهم يأتون من مناطق غير التي هم منها. ومن جهة أخرى ليس من السهل التعرّف على الجماعات التي تمارس ختان الإناث. كما تستطيع السلطات الشك في نوايا تلك النساء إذا ما تم تقديم حجّة ختان الإناث في مراحل متأخّرة من طلب اللجوء السياسي، أو إذا تبيّن أن النساء قَبل تقديم تلك الحجّة قمن بختان فتياتهن أو لم يعترضن على ذلك. ولنفرض أن السلطات لم تتمكن من التشكيك في نوايا طالبة اللجوء السياسي، فإنها قد تلجأ إلى سحب اللجوء بعد منحه إذا ما تبيّن لها أن تلك السيّدة قامت بختان ابنتها بعد حصولها على اللجوء أو دافعت عنه بصورة أو بأخرى.

5) التمييز بين ختان الذكور والإناث في مجال اللجوء السياسي

تجري المعاهدات والقوانين التي تتكلم عن اللجوء السياسي وحق الإقامة وعدم الطرد من البلد على كل من الذكور والإناث. لذا يطرح إدخال عنصر ختان الإناث كسبب للحصول على اللجوء السياسي مشكلة التمييز بين الذكور والإناث. فيرى معارضو ختان الذكور، عملاً بمبدأ عدم التمييز، ضرورة الاعتراف بنفس الحقوق للرجال (وأبنائهم) الذين يهربون من بلدهم خوفاً من إجراء الختان عليهم (أو على أبنائهم).

ونشير في هذا المجال أن المحكمة الإداريّة العليا في ألمانيا منحت اللجوء السياسي لمسيحي تركي على أساس خوفه من الختان. فقد تبيّن للمحكمة بأنه في حالة إعادته إلى تركيا، سوف يُجبر على الالتحاق بالخدمة العسكريّة في الجيش التركي. وهذا الجيش يقوم بفرض الختان على جميع المجنّدين، مهما كانت ديانتهم. وقد قالت المحكمة بأن الختان الذي يفرض على شخص يعتبر سبباً للجوء السياسي لأنه خرق لحقوق الإنسان.

ونحن لا نستبعد إمكانيّة منح اليهود غير المختونين من أصل سوفييتي اللجوء السياسي في الغرب مثلاً لأنهم فعلاً ينتمون إلى فئة معيّنة يفرض عليها الختان. ومن يرفض ذلك الختان فإنه يحرم من كثير من المساعدات الحكوميّة لا بل يحرم من حقّه في الزواج الديني والدفن في مقابر اليهود. ولذلك يمكن اعتبار فرض الختان عليهم في إسرائيل نوع من الاضطهاد وفقاً للاتفاقية الخاصّة باللاجئين.

خاتمة الكتاب

«يسكن الذئب مع الحمل، ويربض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقهما [...]، لا يسيئون ولا يفسدون» (أشعيا 6:11 و9).


لا يستطيع المجتمع أن يعيش في فوضى تاركاً أفراده يتصرّفون كما يشاؤون ليس فقط في علاقتهم مع المجموعة بل أيضاً في علاقتهم مع أفراد العائلة أو حتى في تصرّفهم الذاتي. فالإنسان لا يعيش منعزلاً عن مجتمعه وعليه أن يخضع لقواعد تضمن التعايش السلمي داخل هذا المجتمع. وإلاّ فأن هذا المجتمع يتعرّض للتحلل الداخلي.

وتفادياً لهذا التحلل الداخلي، قام المجتمع بسن قواعد ذات طابع قانوني أو طابع أخلاقي تفرض احترام حياة الفرد وسلامة جسده، وتحدّد الحالات التي يمكن فيها التعدّي على هذا الحق المقدّس، إذا كان ذلك لصالح الفرد، كقطع يد مريضة للحفاظ على باقي الجسد، أو كإعدام مجرم اقترف ذنباً خطيراً يهدّد الأمن العام. وضمن هذا الإطار منعت القوانين الضحايا البشريّة كقرابين للآلهة، كما حدَّت من حق رب البيت في التعرّض لحياة أو سلامة جسد أبنائه أو حتى عبيده. ويدخل في ذلك الحق في سلامة أعضائه الجنسيّة. فتم منع الخصي في العصر الروماني.

إلاّ أن البشريّة ما زالت متمسّكة بعاداتها وغرائزها القديمة، بشكل أو بآخر. فرغم تقدّم العقل البشري في مجالات جمّة حتى استطاع أن يصل إلى القمر، ويخترق الذرَّة، ويحوّل العالم إلى قرية صغيرة من خلال نظام شبكة الانترنيت العملاقة، إلاّ أنه ما زال مُصِرّاً على التعدّي على الأعضاء الجنسيّة للأطفال، ذكوراً كانوا أو إناثاً. فشرعة الغاب التي كانت تتحكم في المجتمعات الهمجيّة في العصور الغابرة ترمي بظلالها على عصرنا هذا، فتذهب ضحيّتها ما لا يقل عن خمسة عشر مليون طفل سنوياً، منهم ثلاثة عشر مليون ذكر، ومليوني أنثى. وكما يذكر المثل: «الطبع غلب التطبع». فلك أن تعلم القط القراءة والكتابة وركوب المركبات الفضائيّة والتحكم في أكثر الآلات تعقيداً، إلاّ أنك لن تستطع أن تمنعه من أكل الفئران. وما زال حتى يومنا هذا قول النبي أشعيا السابق الذكر حلماً صعب المنال.

إلاّ أن البشريّة لا يمكنها أن تعيش بلا أحلام، ولا أحد يستطيع أن يمنعها من أن تحلم بعصر يعيش فيه أطفالها ذكوراً وإناثاً في سلام، دون تعدّي على أعضائهم الجنسيّة، رافضة التحجّج بيهوه أو بالله، برجال العلم أو برجال الطب. وقد بدأ فعلاً بعض ذلك الحلم يتحقّق، خاصّة فيما يتعلق بالإناث. إلاّ أن الطريق إلى تحقيق هذا الحلم ما زال طويلاً فيما يتعلق بالذكور. فختان الذكور تحيط به أسوار منيعة من الكذب والتدجيل والتحايل والمصالح الماليّة والدوافع السياسيّة التي لا يمكن كسرها إلاّ بعد جهد جهيد.

وإذا ما قَبلنا بحق البشريّة في الحلم، فلا بد من أن نعترف بأن حركة معارضة ختان الذكور والإناث دون تمييز تعتبر إحدى قوى الإصلاح الاجتماعي في عصرنا، إن لم تكن أهمّها على الإطلاق. والمشاركون في هذه الحملة يعرفون ذلك حق المعرفة. ففي المؤتمر الثالث الدولي للختان الذي عقد في جامعة ماريلاند عام 1994، وقف القس «جيم بيجلو» خاطباً: «نحن الروّاد. من قَبلنا الهمجيّة، ومن بعدنا تبدأ الحضارة». فالهمجيّة تتصدّى للأطفال الأبرياء وتبتر أعضاءهم الجنسيّة، أمّا الحضارة فترفض مثل هذا التصرّف.

ولا تتخيّل هذه الحركة الإصلاحيّة بأنها سوف تغيّر الوضع بين ليلة وضحاها. فنظام العبوديّة تطلب مئات السنين لإلغائه، وما زال له بعض الرواسب في دول مثل موريتانيا والسودان، إضافة إلى بعض مظاهر الرق في الدول المتقدّمة ودول العالم الثالث. وإلغاء ختان الذكور أكثر صعوبة من إلغاء نظام العبوديّة لأن وراءه قوى دينيّة كبرى متمثلة في اليهود والمسلمين والمتعصّبين بين المسيحيّين، كما وراؤه المستفيدون ماليّاً بين الأطبّاء. والأطفال الذين يجرى عليهم الختان لا يمكنهم أن يثوروا كما ثار العبيد. فهم لا يملكون إلاّ الصراخ أمام أهلهم والجماعات الدينيّة وأصحاب المهن الطبّية. ولا بد لهم من مدافع جسور لا يلعب الدين في دماغه، ولا ينبهر بهالة الأطبّاء، ولا يدخل مال الختان وثمن الدم في حسابه.

إن كل شخص يقوم بمجهود يأمل أن يتوّج مجهوده بالنجاح. والأمل الذي أود أن أعبّر عنه في نهاية هذا الكتاب أن يؤدّي مجهودي ومجهود المناضلين قَبلي وبعدي في القضاء على كل من عادة ختان الذكور وختان الإناث. ولكن متى يمكن الوصول إلى مجتمع يحترم أطفاله ولا يعرّضهم للبتر نتيجة الهوس الديني والطبّي والاجتماعي؟ الجواب سهل: بقدر الجهد والمجاهدين يتحقّق الهدف. لذا أهيب بالقارئ الكريم إلى ضم صوته إلى صوتي هذا. ولنتذكر أن رحلة ألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. ومهما طالت الرحلة ومهما طغت القوى الظلاميّة، فإن الأجيال اللاحقة سوف تحتفظ في ذاكرتها في أن هناك من لم يوافق على ما يتعرّض له الأطفال من معاملة سيّئة فرفع صوته عالياً لكي تكف تلك المعاملة.

ملاحق

مقدّمة

في هذه الملاحق عدد من النصوص الإسلاميّة عن ختان الذكور والإناث. والغاية من نشرها فسح المجال للقارئ لكي يطَّلع بنفسه على الجدل الذي يثيره هذا الموضوع من خلال نصوص كاملة دون تحريف أو حذف.

الملحق الأوّل هو قسم من كتاب «تحفة المودود بأحكام المولود» لشمس الدين إبن قيّم الجوزيّة الحنبلي (توفّى عام 1351). وهو أطول نص فقهي قديم تعرّض لهذا الموضوع ويجمع تقريباً كل ما قيل عن الختان قَبله.

أمّا الملحق الثاني فهو فصل من كتاب «نيل الأوطار» لمحمّد الشوكاني (توفّى عام 1834)، قاضي قضاة اليمن ومن كبار الفقهاء المعتبرين. وهذا النص، بالإضافة إلى نص إبن قيّم الجوزيّة السابق، تستشهد به كل الكتابات السُنّية الحديثة في موضوع الختان.

وبعد هذين النصّين، إخترنا عدداً من الفتاوى والآراء التي صدرت في عصرنا يلحقها نص شهير عن الختان للطبيب موسى بن ميمون (توفّى في القاهرة عام 1204) الذي يعتبره اليهود أكبر فيلسوف ولاهوتي يهودي عبر العصور. ونلفت نظر القارئ إلى ما يلي:

1) إن ختان الإناث لا يمارس في الأوساط الشيعيّة ولا يثار حوله النقاش رغم أن مؤلّفي الشيعة القدامى إعتبروا ختان الإناث مَكرُمَة. وفي بحثنا عن نصوص شيعيّة نشرت حديثاً، إخترنا نصّين، الأوّل ضمن كتاب عنوانه «الطفل نشوؤه وتربيته» صدر في إيران عام 1990، والثاني مقال عن الختان في «دائرة المعارف الشيعيّة» للحائري، التي صدرت في لبنان عام 1993. فنشرناهما في الملحقين 18 و19.

2) إن ختان الذكور عامّة لا يثار حوله الجدل لا في المجتمع السُنّي ولا في المجتمع الشيعي. إلاّ أننا وجدنا أربعة نصوص ضد ختان الذكور لمؤلّفين سُنّيين. الأوّل للمفكّر المصري عصام الدين حفني ناصف، والثاني للمفكّر المصري محمّد عفيفي، والثالث للقاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي، والرابع لجمال البنّا، الشقيق الأصغر للإمام حسن البنّا، مؤسّس حركة الإخوان المسلمين في مصر. كما وجدنا نصّاً خامساً للشيخ محمود محمّد خضر ينكر وجوب ختان الذكور ويعتبره من المستحبّات فقط رغم رفضه للحملة الغربيّة الساعية لإلغائه.

3) كل النصوص التي ننشرها هنا صادرة عن رجال إلاّ نص الملحق 13 فهو صادر عن دكتورة صيدلانيّة مصريّة تؤيّد ختان الذكور والإناث.

4) لقد حقّقنا الآيات القرآنيّة ووضعناها جميعها داخل الملاحق (إسم السورة ورقمها ثم رقم الآية). أمّا بخصوص المصادر التي تحيل عليها هذه الملاحق فإننا لم نحقّقها بل اكتفينا بذكرها كما جاءت فيها.

5) كل النصوص التي ننشرها في هذه الملاحق، عدا نصوص ملاحق 23 و24، سبق نشرها في عدد من الكتب يصعب الوصول إليها. لذلك حبّذنا جمعها هنا تسهيلاً على القارئ. وقد ذكرنا مصادرنا في بداية كل ملحق.

ملحق 1: في ختان المولود وأحكامه لابن قيّم الجوزيّة (توفّى عام 1351)1

الفصل الأوّل: في بيان معناه واشتقاقه

الختان: إسم الخاتن وهو مصدر كالنزال والقتال، ويسمّى به موضع الختن أيضاً. ومنه الحديث «إذا إلتقى الختانان وجب الغسل»2. ويسمّى في حق الأنثى خفضاً. يقال ختنت الغلام ختناً وخفضت الجارية خفضاً، ويسمّى في الذكر إعذاراً أيضاً. وغير المعذور: أغلف وأقلف، وقد يقال الإعذار لهما أيضاً. قال في الصحاح: قال أبو عبيدة: عذرت الجارية والغلام أعذرهما عذراً: ختنتهما، وكذلك أعذرتهما. قال: والأكثر خفضت الجارية. والغلفة والغرلة: هي الجلدة التي تقطع. قال: وتزعم العرب أن الغلام إذا ولد في القمر، فسحت غلفته فصار كالمختون.

فختان الرجل: هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة وهو الذي ترتّب الأحكام على تغييبه في الفرج فيترتّب عليه أكثر من ثلاثمائة حُكم وقد جمعها بعضهم فبلغت أربعمائة إلاّ ثمانية أحكام.

وأمّا ختان المرأة فهي جلدة كعرف الديك فوق الفرج، فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها، فإذا تحاذيا فقد إلتقيا كما يقال إلتقى الفارسان إذا تحاذيا، وإن لم يتضامّا. والمقصود أن الختان إسم للمحل وهي الجلدة التي تبقى بعد القطع، واسم للفعل وهو فعل الخاتن، ونظير هذا السواك: فإنه إسم للآلة التي يستاك بها، واسم للتسوّك بها، وقد يطلق الختان على الدعوة إلى وليمته، كما تطلق العقيقة على ذلك أيضاً.

الفصل الثاني: في ذكر ختان إبراهيم الخليل والأنبياء بعده صلوات الله عليهم أجمعين

في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): «إختتن إبراهيم عليه السلام وهو إبن ثمانين سنة بالقدوم»3.

قال البخاري: القدوم مخفّفة وهو إسم موضع. وقال المروزي سئل أبو عبد الله هل ختن إبراهيم نفسه بالقدوم؟ قال بطرف القدوم. وقال أبو داوود وعبد الله بن أحمد وحرب: إنهم سألوا أحمد عن قوله: إختتن بالقدوم قال هو موضع. وقال غيره: هو إسم للآلة. واحتج بقول الشاعر:

فقلت أعيروني القدوم لعلّني أخط به قبراً لأبيض ماجد

وقالت طائفة: من رواه مخفّفاً، فهو إسم الموضع، ومن رواه مثقلاً فهو إسم للآلة. وقد رويت قصّة ختان الخليل بألفاظ يوهم بعضها التعارض ولا تعارض فيها بحمد الله ونحن نذكرها. ففي صحيح البخاري من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي عليه السلام: «إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة بالقدوم». وفي لفظ «إختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة بالقدوم» مخفّفة. وفي حديث يحيى بن سعيد عن إبن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مثله قال يحيى: والقدوم: الفأس. وقال النضر بن شميل: قطعه بالقدوم، فقيل له: يقولون قدوم: قرية بالشام، فلم يعرفه وثبت على قوله. قال الجوهري: القدوم الذي ينحت به مخفّف. قاله إبن السكيت: ولا تقل قدوم بالتشديد. قال: والقدوم أيضاً إسم موضع - مخفّف.

والصحيح أن القدوم في الحديث: الآلة، لما رواه البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا حدّثنا أبو لعبّاس محمّد بن يعقوب حدّثنا محمّد بن عبد الله حدّثنا أبو عبد الرحمن المقرئ حدّثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: إن إبراهيم خليل الرحمن أمر أن يختتن وهو إبن ثمانين سنة، فعجّل فاختتن بقدوم. فاشتد عليه الوجع فدعا ربّه فأوحى الله إليه إنك عجّلت قَبل أن نأمرك بالآلة. قال: يا رب كرهت أن أؤخّر أمرك. قال: وختن إسماعيل وهو إبن ثلاث عشرة سنة وختن إسحاق وهو إبن سبعة أيّام4.

وقال حنبل: حدّثنا عاصم حدّثنا أبو أويس قال: حدّثني أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: «إبراهيم أوّل من إختتن وهو إبن مائة وعشرين إختتن بالقدوم، ثم عاش بعده ثمانين سنة»5. ولكن هذا حديث معلول، رواه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قوله. ومع هذا فهو من رواية أبي أويس عبد الله بن عبد الله المدني وقد روى له مسلم في صحيحه محتجّاً به وروى له أهل السُنَن الأربعة وقال أبو داوود: وهو صالح. واختلفت الرواية فيه عن إبن معن. فروى عنه الدوري في حديثه ضعف. وروى عنه توثيقه ولكن المغيّرة بن عبد الرحمن وشعيب بن أبي حمزة وغيرهما رووا عن أبي الزناد خلاف ما رواه أبو أويس، وهو ما رواه أصحاب الصحيح أنه إختتن وهو إبن ثمانين سنة وهذا أولى بالصواب، وهو دليل على ضعف المرفوع والموقوف.

وقد أجاب بعضهم بأن قال: الروايتان صحيحتان، ووجه الجمع بين الحديثين يعرف من مدّة حياة الخليل. فإنه عاش مائتي سنة منها ثمانون غير مختون، ومنها مائة وعشرون سنة مختوناً. فقوله: إختتن لثمانين سنة مضت من عمره والحديث الثاني: إختتن لمائة وعشرين سنة بقيت من عمره، في هذا الجمع نظر لا يخفى. فإنه قال: أوّل من إختتن إبراهيم وهو إبن مائة وعشرين سنة، ولم يقل: إختتن لمائة وعشرين سنة.

وقد ذكرنا رواية يحيى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موقوفاً عليه: إنه إختتن وهو إبن مائة وعشرين سنة، والرواية الصحيحة المرفوعة عن أبي هريرة تخالف هذا على أن الوليد بن مسلم قد قال: أخبرني الأوزاعي عن يحيى عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يرفعه قال: إختتن إبراهيم وهو إبن عشرين ومائة سنة، ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة. وهذا حديث معلول. فقد رواه جعفر بن عون وعكرمة بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي هريرة قوله: والمرفوع الصحيح أولى منه. والوليد بن مسلم معروف بالتدليس.

قال هيثم بن خارجة: قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي. قال: كيف؟ قلت: تروي عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري، وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن ميسرة وقرة وغيرهما. فما يحملك على هذا؟ قال: أنبل الأوزاعي أن يروى عن مثل هؤلاء؟ قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء ضعاف، أصحاب أحاديث مناكير، فأسقطتهم أنت، وصيّرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعّفت الأوزاعي. فلم يلتفت إلى قولي. وقال أبو مسهر كان الوليد بن مسلم يحدّث بأحاديث الأوزاعي عن الكذّابين ثم يدلّسها عنهم. وقال الدارقطني: الوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل: نافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء.

وقال الإمام أحمد في رواية إبنه عبد الله: كان الوليد رفّاعاً. وفي رواية المروزي: هو كثير الخطأ. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الطريق من نسخة نبيط بن شريط عن النبي (ص): «أوّل من أضاف الضيف إبراهيم، وأوّل من لبس السراويل وأوّل من إختتن إبراهيم بالقدوم وهو إبن عشرين ومائة سنة»6. وهذه النسخة ضعّفها أئمّة الأحاديث.

وبالجملة فهذا الحديث ضعيف معلول لا يعارض ما ثبت في الصحيح ولا يصح تأويله بما ذكره هذا القائل لوجوه. أحدهما: إن لفظه لا يصلح له فإنه قال: إختتن وهو إبن عشرين ومائة سنة. الثاني: إنه قال ثم عاش بعد ذلك ثمانين سنة. الثالث: إن الذي يحتمله على تعسّر واستكراه قوله: إختتن لمائة وعشرين سنة ويكون المراد بقيت من عمره - لا مضت. والمعروف في مثل هذا الإستعمال إنّما هو إذا كان الباقي أقل من الماضي. فإن المشهور من إستعمال العرب في خلت وبقيت أنه من أوّل الشهر إلى نصفه. يقال: خلت وخلون، ومن نصفه إلى آخره: بقيت وبقين. فقوله: لمائة وعشرين بقيت من عمره مثل أن يقال: لإثنين وعشرين ليلة بقيت من الشهر وهذا لا يسوغ وبالله التوفيق.

والختان كان من الخصال التي إبتلى الله سبحانه بها إبراهيم خليله (البقرة 124:2)، فأتمّهن وأكملهن فجعله إماماً للناس. وقد روي أنه أوّل من إختتن كما تقدّم، والذي في الصحيحين إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة، واستمر الختان بعده في الرسل وأتباعهم حتّى في المسيح فإنه إختتن. والنصارى تقر بذلك ولا تجحده كما تقر بأنه حرّم لحم الخنزير وحرّم كسب السبت وصلّى إلى الصخرة ولم يصم خمسين يوماً، وهو الصيام الذي يسمّونه الصوم الكبير.

وفي جامع الترمذي (توفّى عام 892) ومسند الإمام أحمد من حديث أبي أيّوب قال: قال رسول الله (ص): «أربع من سُنَن المرسلين: الحياء والتعطّر والسواك والنكاح»7. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. واختلف في ضبطه فقال بعضهم: الحياء بالياء والمد. وقال بعضهم الحناء بالنون. وسمعت شيخنا أبا الحجّاج الحافظ المزي يقول: كلاهما غلط وإنّما هو الختان، فوقعت النون في الهامش فذهبت. فاختلف في اللفظة. قال: وكذلك رواه المحاملي عن الشيخ الذي روى عنه الترمذي بعينه فقال: الختان. قال: وهذا أولى من الحياء والحناء، فإن الحياء خلق والحناء ليست من السُنَن ولا ذكره النبي (ص) في خصال الفطرة ولا ندب إليه بخلاف الختان.

فصل: في ختان الرجل نفسه بيده

قال المروزي: سئل أبو عبد الله عن الرجل يختن نفسه؟ فقال: أن قوي. وقال الخلال: أخبرني عبد الكريم بن الهيثم قال: سمعت أبا عبد الله وقد سئل عن الرجل يختن نفسه؟ قال: إن قوي على ذلك. قال: وأخبرني محمّد بن هارون أن إسحاق حدّثهم أن أبا عبد الله سئل عن المرأة يدخل عليها زوجها لم تختتن يجب عليها الختان؟ فقال: الختان سُنّة حسنة، وذكر نحو مسألة المروزي في ختان نفسها، قيل له: فإن قويت على ذلك؟ قال: ما أحسنه. وسئل عن الرجل يختن نفسه؟ قال: إذا قوي عليه فهو حسن وهي سُنّة حسنة.

الفصل الثالث: في مشروعيّته وأنه من خصال الفطرة

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): «الفطرة خمس: الختان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط»8. فجعل الختان رأس خصال الفطرة. وإنّما كانت هذه الخصال من الفطرة لأن الفطرة هي الحنيفيّة مِلّة إبراهيم وهذه الخصال أمر بها إبراهيم وهي من الكلمات التي إبتلاه ربّه بهن كما ذكر عبد الرزّاق عن معمر عن طاوس عن أبيه عن إبن عبّاس في هذه الآية. قال: إبتلاه بالطهارة، خمس في الرأس وخمس في الجسد: التي في الرأس: قص الشارب والمضمضة والإستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء.

والفطرة فطرتان: فطرة تتعلّق بالقلب: وهي معرفة الله ومحبّته وإيثاره على ما سواه. وفطرة عمليّة: وهي هذه الخصال. فالأولى تزكّي الروح وتطهّر القلب. والثانية تطهّر البدن. وكل منهما تمد الأخرى وتقوّيها. وكان رأس فطرة البدن الختان لما سنذكره في الفصل السابع إن شاء الله.

وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمّار بن ياسر قال: قال رسول الله (ص): «من الفطرة أو الفطرة المضمضة والإستنشاق وقص الشارب والسواك وتقليم الأظفار وغسل البراجم ونتف الإبط والإستحداد والإختتان والإنتضاح»9 وقد إشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم، وله بالغرلة إتّصال واختصاص سنقف عليه في الفصل السابع إن شاء الله.

وقد قال غير واحد من السلف: من صلّى وحج واختتن فهو حنيف، فالحج والختان شعار الحنيفيّة وهي «فطرة الله التي فطر الناس عليها» (الروم 30:30). قال الراعي يخاطب أبا بكر رضي الله عنه:

أخليفة الرحمن إنا معشر حنفاء نسجد بكرة وأصيلاً

عرب نرى لله في أموالنا حق الزكاة منزلاً تنزيلاً

الفصل الرابع: في الإختلاف في وجوبه واستحبابه

إختلف الفقهاء في ذلك. فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعيد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد: هو واجب. وشدّد فيه مالك حتّى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تُقبل شهادته. ونقل كثير من الفقهاء عن مالك أنه سُنّة حتّى قال القاضي عيّاض: الإختتان عند مالك وعامّة العلماء سُنّة، ولكن السُنّة عندهم يأثم بتركها. فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب، وإلاّ فقد صرّح مالك بأنه لا تقيل شهادة الأغلف ولا تجوز إمامته. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب بل هو سُنّة وكذلك قال إبن أبي موسى من أصحاب أحمد: هو سُنّة مؤكّدة.

ونص أحمد في رواية أنه لا يجب على النساء. واحتج الموجبون له بوجوه.

أحدها قوله تعالى «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 123:16). والختان من ملّته لما تقدّم.

الوجه الثاني: لما رواه الإمام أحمد حدّثنا عبد الرزّاق عن إبن جريح قال: أخبرني عثيم بن كليب عن أبيه عن جدّه أنه جاء إلى النبي (ص) فقال: قد أسلمت: قال: «ألق عنك شعر الكفر»10. يقول: أحلق. وأخبرني آخر معه أن النبي (ص) قال لآخر: «ألق عنك شعر الكفر واختتن»11، رواه أبو داوود عن محمّد بن مخلد عن عبد الرزّاق وحمله على الندب في إلقاء الشعر لا يلزم منه حمله عليه في الآخر.

الوجه الثالث: قال حرب في مسائله عن الزهري قال: قال رسول الله (ص) «من أسلم فليختتن وإن كان كبيراً». وهذا وإن كان مرسلاً فهو يصلح للإعتضاد.

الوجه الرابع: ما رواه البيهقي عن موسى بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن علي بن حسين بن علي عن آبائه واحداً بعد واحد عن علي رضي الله عنه قال: وجدنا في قائم سيف رسول الله (ص) في الصحيفة: «أن الأغلف لا يترك في الإسلام حتّى يختتن ولو بلغ ثمانين سنة». قال البيهقي: هذا حديث ينفرد به أهل البيت بهذا الإسناد12.

الوجه الخامس: ما رواه إبن المنذر من حديث أبي برزة عن النبي (ص) في الأغلف: «لا يحج بيت الله حتّى يختتن». وفي لفظ: سألنا رسول الله (ص) عن رجل أغلف يحج بيت الله؟ قال: «لا حتّى يختتن». ثم قال: لا يثبت لأن إسناده مجهول.

الوجه السادس: ما رواه وكيع عن سالم أبي العلاء المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن يزيد عن إبن عبّاس قال: الأغلف لا تُقبل له صلاة ولا تُؤكل ذبيحته. وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن عبيد عن سالم المرادي عن عمرو بن هرم عن جابر بن يزيد عن إبن عبّاس: لا تؤكل ذبيحة الأغلف. وقال حنبل في «مسائله»: حدّثنا أبو عمر الحوضي حدّثنا همام عن قتادة عن عكرمة قال: لا تؤكل ذبيحة الأغلف. قال كان الحسن لا يرى ما قاله عكرمة. قال: وقيل لعكرمة أله حج؟ قال لا. قال حنبل: قال أبو عبد الله: لا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له ولا حج حتّى يتطهّر- هو من تمام الإسلام. قال حنبل: وقال أبو عبد الله: الأغلف لا يذبح ولا تؤكل ذبيحته ولا صلاة له. وقال عبد الله بن أحمد: حدّثني أبي حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم حدّثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن جابر بن زيد عن إبن عبّاس قال: الأغلف لا تحل له صلاة ولا تؤكل له ذبيحة ولا تجوز له شهادة. قال قتادة: وكان الحسن لا يرى ذلك.

الوجه السابع: إن الختان من أظهر الشعائر التي يفرّق بها بين المسلم والنصراني. فوجوبه من وجوب الوتر وزكاة الخيل ووجوب الوضوء على من قهقه في صلاته ووجوب الوضوء على من إحتجم أو تقيّأ أو رعف ووجوب التيمّم إلى المرفقين ووجوب الضربتين على الأرض وغير ذلك، ممّا وجوب الختان أظهر من وجوبه وأقوى حتّى أن المسلمين لا يكادون يعدّون الأغلف منهم. ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء إلى أن الكبير يجب عليه أن يختن ولو أدّى إلى تلفه كما سنذكره في الفصل الثاني عشر إن شاء الله تعالى.

الوجه الثامن: إنه قطع شرع الله، لا تؤمن سرايته، فكان واجباً كقطع يد السارق.

الوجه التاسع: إنه يجوز كشف العورة له لغير ضرورة ولا مداواة. فلو لم يجب لما جاز، لأن الحرام لا يلتزم للمحافظة على المسنون.

الوجه العاشر: إنه لا يستغنى فيه عن ترك واجبين وارتكاب محظورين أحدهما كشف العورة في جانب المختون والنظر إلى عورة الأجنبي في جانب الخاتن. فلو لم يكن واجباً لما كان قد ترك له واجبان وارتكب محظوران.

الوجه الحادي عشر: ما إحتج به الخطابي قال: أمّا الختان فإنه وإن كان مذكوراً في جملة السُنَن، فإنه عند كثير من العلماء على الوجوب. وذلك أنه شعار الدين وبه يعرف المسلم من الكافر. وإذا وجد المختون بين جماعة قتلى غير مختونين صلّي عليه ودفن في مقابر المسلمين.

الوجه الثاني عشر: إن الولي يؤلم فيه الصبي ويعرّضه للتلف بالسراية. ويخرج من ماله أجرة الخاتن وثمن الدواء، ولا يضمن سرايته بالتلف ولو لم يكن واجباً لما جاز ذلك. فإنه لا يجوز له إضاعة ماله وإيلامه الألم البالغ وتعريضه للتلف بفعل ما لا يجب فعله. بل غايته أن يكون مستحبّاً وهذا ظاهر بحمد الله.

الوجه الثالث عشر: إنه لو لم يكن واجباً لما جاز للخاتن الإقدام عليه وإن أذن فيه المختون أو وليّه فإنه لا يجوز له الإقدام على قطع عضو لم يأمر الله ورسوله بقطعه ولا أوجب قطعه كما لو أذن له في قطع أذنه أو إصبعه. فإنه لا يجوز له ذلك. ولا يسقط الإثم عنه بالإذن وفي سقوط الضمان عنه نزاع.

1 هذا النص قسم من كتاب إبن قيّم الجوزيّة: تحفة المودود بأحكام المولود، الذي نشرته دور نشر عربيّة كثيرة.

2 إبن ماجة: ح 608، واصله عند مسلم.

3 البخاري: ح 3356، مسلم: ح 2370.

4 البيهقي: 8/225.

5 رواه البخاري في الأدب المفرد، ح 1250. قصص الأنبياء لابن كثير، 167.

6 تهذيب تاريخ دمشق 2/149. كشف الخفاء 1/313.

7 أحمد 5/421، الترمذي: ح 1080.

8 البخاري في كتاب اللباس باب تقليم الأظافر: ح 5891. مسلم: في كتاب الطهارة باب خصال الفطرة: ح 257.

9 أحمد: 4/264، إبن ماجة: ح 294. والبراجم: عقد الأصابع.

10 أحمد: 3/415.

11 أبو داوود: ح 356.

12 كنز العمّال: ح 45310.

مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

http://www.sami-aldeeb.com/

2003


مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي



نبذة عن المؤلف

سامي عوض الذيب أبو ساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1994 في الزبابدة، فلسطين.

أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسئول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة في عدّة لغات. وألقى محاضرات عدّة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت www.sami-aldeeb.com


من بين كتبه

- أثر الدين على النظام القانوني في مصر: غير المسلمين في بلاد الإسلام، 1997 (بالفرنسيّة).

- التمييز ضد غير اليهود مسيحيّين ومسلمين في إسرائيل، 1992 (بالفرنسيّة).

- المسلمون وحقوق الإنسان: الدين والقانون والسياسة، دراسة ووثائق، 1994 (بالفرنسيّة).

- ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين، 2001 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).

- المقبرة الإسلاميّة في الغرب: النظم اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، 2002 (بالفرنسيّة).

- المسلمون في الغرب بين الحقوق والواجبات، 2002 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).


الكتاب الذي بين يديك

هذا الكتاب مختصر لكتاب مطول يجده القارئ في موقعي على الانترنيت. وقد أصدرت دار رياض الريس في بيروت عام 2000 الجزء الأول من الكتاب المطول تحت عنوان: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني. كما صدر الكتاب كاملاً، دون الملاحق، باللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة.

مؤامرة الصمت

ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي




مختصر محتويات الكتاب

يجد القارئ المحتويات كاملة في آخر الكتاب


تقديم الدكتورة نوال السعداوي 11

المقدّمة 17

الجزء الأوّل: تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه 21

الفصل الأوّل: تعريف الختان 21

الفصل الثاني: الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي 24

الجزء الثاني: الختان والجدل الديني 27

الفصل الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي 27

الفصل الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي 54

الفصل الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي 71

الجزء الثالث: الختان والجدل الطبّي 105

الفصل الأول: الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث 105

الفصل الثاني: الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث 109

الفصل الثالث: المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث 119

الفصل الرابع: الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث 131

الفصل الخامس: المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة 152

الجزء الرابع: الختان والجدل الاجتماعي 157

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي 157

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط 162

الفصل الثالث: الختان والدين 165

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة والأعداد للزواج 167

الفصل الخامس: الختان والنظام القَبلي والطائفي 171

الفصل السادس: الختان وغريزة التسلط 175

الفصل السابع: الختان والعوامل الاقتصادية 178

الفصل الثامن: الختان والدوافع السياسيّة 183

الفصل التاسع: النتائج النفسيّة والاجتماعية للختان 189

الفصل العاشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان 198

الجزء الخامس: الختان والجدل القانوني 205

الفصل الأوّل: منع ختان الذكور عبر التاريخ 205

الفصل الثاني: إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث 208

الفصل الثالث: الختان وحقوق الإنسان 219

الفصل الرابع: ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية 226

الفصل الخامس: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات 232

الفصل السادس: الختان واللجوء السياسي 238

خاتمة الكتاب 243

ملاحق 245

كامل محتويات الكتاب 335

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

منحني هذا الكتاب لذّة المعرفة. أدركت منذ الطفولة أنها أكثر أهمّية من لذّة الحلوى في العيد أو الفستان الجديد، رغم أنها لم ترد في كتب الله الثلاثة ضمن ملذّات الدنيا والآخرة. كنت أتساءل دائماً لماذا تغيب في جنّة عدن. لم أنبهر كثيراً بالجنّة وما فيها من لبن وعسل وخمر وحور وغلمان. كانت لذّة المعرفة تبدو لي أكثر أهمّية من كل ذلك. منذ تعلمت القراءة انفتح عالم الكلمات أمامي على نحو مبهر. إلاّ أن اللذّة كان يصاحبها الإثم دائماً. ربّما بسبب خطيئة حوّاء (كما شرحها لنا المدرّسون) لأنها أكلت الثمرة المحرّمة. لم يذكر الله اسم الشجرة في القرآن، لكنّه ذكر اسمها في كتابه الأوّل التوراة، وقال إنها شجرة المعرفة. عرفت منذ المدرسة الابتدائية أن التوراة والإنجيل أنزلهما الله نوراً وهدى للناس كما أنزل كتابه الثالث القرآن. اقترن الإيمان بالإثم منذ قرأت الكتب السماويّة. يتزايد الإثم في أعماقي مع تزايد المعرفة، حتى قرّرت في مرحلة المراهقة الأولى أن أكف عن القراءة.

كنت في مدرسة تجمع التلميذات من الأديان الثلاثة المسلمات والقبطيّات واليهوديّات، وكم تصارعنا حول أيها الدين الصحيح، وكم تنافسنا في اصطياد الآيات غير المنطقيّة في الكتاب الذي لا نؤمن به. عانيت كثيراً لأني كنت مسلمة ورثت الإسلام عن أبي الذي قال لي إنني يجب أن أومن بكتب الله الثلاثة. عانيت وحدي وأنا أقرأ هذه الكتب. أتوقّف عند آيات لا يقبلها عقلي. وأسأل أبي وأمي والمدرّسين إلاّ أن أحداَ لم يكن يرد على تساؤلاتي.

لا زلت حتى اليوم وبعد أن تجاوزت الستين عاماً أحاول الإجابة على كثير من الأسئلة الطفوليّة التي دارت في رأسي وأنا في العاشرة من العمر دون أن أجد لها جواباً. إن النشاط الهرموني المتزايد في سن المراهقة الأولى يزيد نشاط الخلايا العقليّة، ويصاحب رغبة الاستطلاع الجنسيّة رغبة استطلاع فكريّة. وفي هذا العمر تزيد الضغوط العائليّة والاجتماعية على المراهقين والمراهقات تحت اسم الحماية أو العفة. وتسعى السلطة في الدولة أو العائلة لمصادرة الكتب. هكذا يصاحب التعفف الجنسي تعفف فكري، ويتم تحريم الأفكار الأخرى بمثل ما يتم تحريم الاختلاط بالجنس أو الأجناس الأخرى.

في بلادنا العربيّة لا أظن أننا تخلصنا من داء مصادرة الكتب التي تفتح عقول الشبان والشابّات على أفكار مختلفة لم ترد للأسلاف من الأجداد أو الأنبياء. منذ أيّام قليلة (خلال شهر أبريل 1999) منعت الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة عدداً من الكتب، ومنها سيرتي الذاتيّة المترجمة إلى الإنكليزيّة، رغم أنها نشرت بالعربيّة منذ عامين. وهذا يدلنا على أن الرقابة على الكتب أو على المعرفة لا تزال موجودة في بلادنا، بل إنها تشتد تحت اسم حماية الشباب من الأفكار التي قد تهز إيمانهم الديني! فهل الإيمان قشة يمكن أن يذروها الهواء؟ هل لا بد من غلق النوافذ حتى تظل هذه القشة ملتصقة بقشرة المخ؟ وإن انفتحت نافذة واحدة طارت القشرة ومعها القشة؟!

في العاشرة من عمري في قريتي في مصر كنت ألتهم أي كتاب يقع في يدي، وأقرأ القراطيس التي يلف فيها اللب أو الفول السوداني. كانت صفحات من كتب قديمة يبيعها المفكرون الفقراء بالأقة لأصحاب الدكاكين. تخيّلت وأنا أقرأ هذا الكتاب لو أنه وقع في يدي منذ أربعين عاماً، هل كان يوفر عليَّ السنين الطوال التي أنفقتها في البحث والتنقيب عن الحقيقة؟ التي كانت تتسرّب كالماء من بين أصابعي، ما أن أمسكها حتى تفلت منّي كالسمكة في البحر، وأعود أدراجي إلى الصلاة والتوبة عن الإثم.

هذا الكتاب من الكتب الضروريّة للمكتبة العربيّة. لهذا أود أن يُنشر هذا الكتاب في بلادنا العربيّة، وأن يكون في متناول الشبان والشابّات والتلاميذ والتلميذات في المدارس والجامعات.

أحد الأسلحة في مجال الثقافة العامّة، حيث تحرّم الأغلبيّة الساحقة من الثقافة الحقيقيّة، حيث يفشل نظام التعليم في تدريب الشبان والشابّات على تشغيل عقولهم. تؤدّي الهزيمة العقليّة إلى هزيمة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة. إن الثقافة غير منفصلة عن السياسة أو الدين أو الحرب، والعقل هو الذي يوجّه اليد التي تمسك السيف أو البندقيّة.

لا أظن أن بلادنا يمكن أن تنهض من كبوتها أو هزائمها المتتالية أمام الغزو الخارجي أو البطش الداخلي دون نهضة عقليّة، دون حرّية فكريّة بحيث يكون الشك هو خادم المعرفة كما يقول مؤلف هذا الكتاب، الحقيقة إذا كانت حقيقة فإنها تقوى أمام كل امتحان.

الشك أوّل الخطوات نحو المعرفة وليس الإيمان. فالإيمان موروث يطمس العقل ويمنعه من التفكير بحرّية. حتى في كليات الطب لم تكن المعرفة واردة، بل التدريب على إجراء عمليّات موروثة عن الآباء والأجداد. أود أن يُدرّس هذا الكتاب للأطبّاء والطبيبات في بلادنا حتى يكفوا عن إجراء عمليّات الختان للذكور والإناث على حد سواء.

يبدأ الدكتور سامي أبو ساحلية كتابه بأنه تألم حين سمع طفلاً يصرخ من شدّة الألم أثناء عمليّة ختان. بقي هذا الصراخ يدوّي في أعماقه رغم أنه هو نفسه لم يتعرّض لعمليّة الختان. فلماذا لا يسمع الأطبّاء هذا الصراخ أثناء إجرائهم هذه العمليّة؟ أليس للأطبّاء آذان وقلوب تتألم مثل البشر؟ أليس للآباء والأمّهات الذين يسمعون صراخ أطفالهم آذان وقلوب؟!

الجهل يطمس القلوب والآذان فلا تسمع ولا تحس. الجهل يقلب الأمور رأساً على عقب فيصبح الألم فرحاً وسفك الدم مبعث السرور والبهجة. ألم يبتهج إله موسى في التوراة حين رأى الدم يسيل من ابنه حين أمسكت زوجته صفورة حجر صوّان وقطعت غرلته؟! إذا كان الإله (الذي هو المثل الأعلى للبشر) يبتهج لمنظر الدم فماذا يفعل البشر؟!

الله هو العدل كما عَرفت من جدّتي الفلاّحة الفقيرة: «ربّنا هو العدل عرفوه بالعقل» هي عبارتها. رسخت في ذهني منذ السادسة من عمري، مع الألم الذي أشعر به إثر عمليّة الختان، وصراخ أختي لا يزال في أذني رغم مرور ستين عاماً. وقد توالى الصراخ في بيتنا إثر ختان تسعة من الأطفال الذكور والإناث. آلمني صراخ أخي الصغير بمثل ما آلمني صراخ أختي الصغرى، وبعد كل صرخة تتزايد شكوكي في عدالة الله، ويتزايد معها الإحساس بالإثم.

فرحت بهذا الكتاب، لأنه قد يحرّر الناس من الإحساس بالإثم الدفين منذ طفولتهم، ولأنه قد يلعب دوراً كبيراً في إقناع الكثيرين بالامتناع عن ختان أطفالهم الذكور والإناث. لقد بذل المؤلف الدكتور أبو ساحلية جهداً كبيراً في المقارنة بين الأديان السماويّة الثلاثة إزاء موقفها من الختان، ومتابعة الآراء المعارضة والمؤيّدة بروح علميّة وإنسانيّة. وهناك نقص كبير في الدراسات المقارنة بين الأديان في معظم الجامعات في العالم. وقد اكتشفت أن الأقسام التي تدرس الدين في الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة لا تهتم بالدراسات المقارنة بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، بل إنها تدرّس الإسلام فقط لمن يختص في الإسلام، ويصبح أستاذاً في الدين الإسلامي، دون أن يعرف التشابه أو الاختلاف بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة. قابلت كثيراً من الأساتذة الأمريكيّين والأوروبيين الذين تخصّصوا في الإسلام، والذين يعتقدون أن حجاب المرأة وختانها يرتبط بالإسلام فقط وليس له وجود في المسيحيّة واليهوديّة.

هذا الكتاب يكشف عن هذه الأفكار الخاطئة والشائعة في الغرب. فإن عمليّات الختان للذكور كانت تمارس قبل ظهور الأديان السماويّة. وقد مورست في ظل هذه الأديان الثلاثة. ويتميّز القرآن عن التوراة في أنه صمت تماماً عن ختان الذكور، كما أن القرآن لم يذكر شيئاً عن ختان الإناث. فلماذا هذه الشائعات السياسيّة الغربيّة عن الإسلام وحده دون الأديان الأخرى؟ أذكر أنني في إحدى المحاضرات في بداية الثمانينات في مؤتمر بمونتريال بكندا، تعرّضت للأديان الثلاثة فيما يخص الحجاب وختان الذكور والإناث. وتقبّل الحاضرون من النساء والرجال كلامي بفهم كبير، خاصّة وأنني قرأت بعض الآيات من التوراة والإنجيل والقرآن. إلاّ أن الغضب الشديد استولى على بعض النساء اليهوديّات الأمريكيات والإسرائيليّات على حد سواء. أصابهن هستيريا الغضب ولجأن إلى الصراخ والشتائم والاتهامات أقلها الاتهام بالعداء للساميّة. إلاّ أنني واجهت هذا الغضب بقوّة المنطق، لأن الغضب كثيراً ما يكون غطاءاً للزيف وبطلان المنطق. وقلت إننا العرب من أهل سام وليس اليهود فقط. وأن العداء للساميّة هو عداء للعرب أيضاً. لذلك لا يمكن تخويفنا بهذه الحجّة الواهية (العداء للساميّة). ثم أثبت بحقائق التاريخ أن اليهوديّة والمسيحيّة فرضتا الحجاب على النساء. ولا يختلف زي الراهبات في الكنائس عن زي النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب. وفي يومنا هذا لا يمكن لامرأة مسيحيّة (وإن كانت زوجة الرئيس الأمريكي) أن تقف أمام البابا في الفاتيكان دون أن تغطي رأسها بحجاب. ثم قرأت بعض ما يكتبه التيّار اليهودي الأصولي في إسرائيل عن عزل النساء من الحياة العامّة ممّا هو أشد قهراً للنساء ممّا يكتبه التيّار الإسلامي الأصولي في مصر أو الباكستان.

تأتي أهمّية هذا الكتاب من الدراسة المقارنة بين الأديان الثلاثة. وهي تكشف عن الصراعات السياسيّة والاقتصادية بين الفرق المختلفة تحت اسم الله.

يقول المؤلف عن العهد القديم بين الله والنبي إبراهيم، إنه «تسييس عمليّة جراحيّة». وهذا صحيح. وإلاّ فلماذا وعد الله شعبه المختار بأرض كنعان، وما علاقة الاستيلاء على أرض الغير بختان الذكور؟

في مقال لي بمجلة روز اليوسف في 21/12/1998 تحت عنوان: «أوقفوا ختان الذكور»، تساءلت عن سر العلاقة بين الاستيلاء بالقوّة عن أرض فلسطين وبين قطع غرلة الأطفال الذكور؟! الغريب أن غضب بعض الرجال المسلمين عليّ لم يكن أقل من غضب النساء اليهوديّات في مؤتمر مونتريال منذ خمسة عشر عاماً. ممّا يدل على أن الإسرائيليّات قد تسرّبت إلى الإسلام فيما يخص ختان الذكور، كما وضّح لنا هذا الكتاب.

لقد تم استخدام القوّة لإخفاء الحق منذ نشوء العبوديّة أو النظام الطبقي الأبوي في التاريخ البشري، ولإخفاء السلطة السياسيّة تحت غطاء السلطة الدينيّة. كان الإله الحاكم يجلس على عرش الأرض والسماء ويقدّم له العبيد القرابين من الفراخ والحمام واللحم البشري فيأكل ويشرب ويغسل قدميه ويطالب عبيده بأن يبنوا له بيتاً يعيش فيه يسمّونه المعبد المقدّس.

رغم مرور آلاف السنين منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي لم تنفصل السلطة السياسيّة عن السلطة الدينيّة حتى يومنا، في الشرق والغرب والشمال والجنوب. إن الرأسماليّة العالميّة أو النظام الطبقي الأبوي الدولي لا يمكن أن يستمر في الوجود دون الارتكاز على قوّة غامضة غير مرئيّة، يستطيع باسمها أن يخدع الناس ويقهرهم ويحتل أراضيهم ويقطع في أجسادهم وعقولهم كما يشاء تحت اسم المقدّس.

يكشف هذا الكتاب عن دور السياسة في موضوع الختان. حدثت عام 1871 قفزة إلى الأمام بسبب ما كان ينتج عن الختان من وفيّات ونزيف وقرّر المجمع اليهودي أن ختان الذكور ليس واجباً مفروضاً على اليهود. إلاّ أن الردّة السياسيّة والثقافيّة حدثت مع تزايد قوّة الاستعمار وبعد إنشاء دولة إسرائيل. تضاعفت القوى السياسيّة والدينيّة المحافظة، إلى أن جاء قرار الجمعيّة العموميّة لحاخامات اليهود عام 1979 بفرض ختان الذكور.

يوضّح الكتاب أن الختان عمليّة عبوديّة أو علامة العبيد كما يقول المؤلف. هناك آية في الدين اليهودي تؤكد ذلك، وهي: (يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك) كما يوضّح الصراع الذي دار على الدوام حتى عصرنا هذا بين الذين يتمسّكون بحرفيّة كتاب الله (من أجل مصالح مادّية في الدنيا) وبين الذين ينشدون جوهر الدين الصحيح وهو العدل واحترام كرامة الإنسان وجسده. كما يوضّح التشابه بين عمليّات الختان وعمليّات اخصاء العبيد، حتى يتفرغوا للخدمة في البيوت أو للغناء في الملاهي مثل النساء.

لا تختلف عمليّات الختان عن عمليّات القتل الجماعي في حروب الاستعمار القديم والجديد، ولا تكف الآلة العسكريّة الرأسماليّة الاستعمارية عن قتل الآلاف والملايين من الشعوب البريئة حتى يومنا هذا، دون رحمة أو شفقة. بل إنهم يقتلون تحت اسم الله أو العدل أو الحرّية أو الديموقراطيّة أو السلام، كما يختنون الملايين ويقطعون في أجسامهم باسم الله.

الدول، وإن أعلنت أنها علمانيّة (تفصل بين الدين والسياسة)، إلاّ أنها لا تستطيع أبداً التخلي عن الدين، لأنها لا تستطيع تحمّل مسؤوليّة القتل أو الختان، ولا بد لها من إلقاء المسؤوليّة على الله. ويكشف الكتاب عن ختان الذكور. هو بقايا الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ولا بد من إسالة نقطة دم وإن أصبح الختان رمزياً فقط (دون قطع الغرلة)، لأن الدم علامة العبوديّة (دم العهد) وتصاحب عمليّة الختان صلوات رجال الدين لإدخال الله رمزياً في العمليّة، وإذا تم بعيداً عن رجال الدين لا يعترفون به، ولا بد من وجودهم ليكون ختاناً شرعيّاً.

ألا يشبه ذلك عقد الزواج؟ إن الزواج لا يكون شرعيّاً إلاّ بحضور المأذون أو رجل الدين. وهذا يؤكد سلطة رجال الدين الاجتماعية، رغم اضمحلال قوّتهم في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. لقد أصبحت جميع القوانين في بلادنا مدنيّة ما عدا قانون الزواج والطلاق فهو لا يزال قانوناً دينيّاً يسيطر عليه رجال الدين، يمسكونه بالمخالب والأنياب كأنما هو آخر قلاعهم أو معاقلهم، ولأن قانون الزواج مثل الختان يمس حياة الشرائح الأضعف في المجتمع، وهم الأطفال والنساء.

ويكشف الكتاب كيف يتنصّل كثير من اليهود اليوم من عمليّات ختان الذكور، يحاولون إلصاقها بالمصريّين القدماء، كما حاولوا إلصاق عمليّات ختان الإناث بالعرب والإسلام لأسباب سياسيّة، ولإثبات أن العرب أمّة بربريّة متخلفة تقطع بظور النساء.

دهشت عندما سمعت وزير الصحّة في مصر يردّد أن ختان الإناث عادة أفريقيّة. وسمعت بعض الأطبّاء يردّدون هذه العبارة ذاتها، في محاولة لإبعاد العار عن مصر وإلصاقه بالأفارقة السود. لكن هذا الكتاب يوضّح هذه النظرة الخاطئة، ويشرح كيف انتشرت عمليّات ختان الذكور والإناث في المجتمعات المختلفة منها: اليهود والمسيحيّين والمسلمين والسود والبيض في الشرق والغرب.

إن تقدّم البشريّة وتخلصها من هذه العادات العبوديّة يرتبطان بالنظم السياسيّة والاقتصادية. أمّا الأديان فهي خادمة لهذه النظم، ويمكن للدين أن يتطوّر ويتقدّم مع التقدّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للنساء والرجال والشاب والأطفال.

يتخفى الحكام في عصرنا هذا تحت اسم الله كما يتخفى الكهنة في الأزمنة القديمة. تذكرت وأنا أقرأ في هذا الكتاب عن بطرس وكيف برّر قبوله لدعوة قرنيليوس برؤيا رآها قبل أن يصله المبعوث بالدعوة، وأصبح ذهاب بطرس إلى قرنيليوس (الأغلف. النجس. العدو) ليس خيانة لعهد الله بل طاعة للروح القدس التي جاءته في الرؤيا. تذكرت كيف برّر الرئيس المصري أنور السادات (توفى عام 1981) ذهابه إلى إسرائيل عام 1979 بأنه رأى الله في المنام وأن الله قال له اذهب إلى إسرائيل. هكذا أصبحت رحلة السادات إلى تل أبيب شرعيّة.

كذلك وجدت تشابهاً كبيراً بين أقوال «إتيوس» الطبيب في البلاط البيزنطي (في القرن السادس الميلادي) بأقوال الشيخ متولي الشعراوي (توفى عام 1998) في مصر عام 1977. كلاهما كان يؤيّد ختان الإناث لأن «بظر المرأة يحتك بملابسها ويثير شهوتها».

ومن أطرف الحكايات في هذا الكتاب قصّة البعثة الطبّية الكاثوليكيّة إلى مصر في القرن الثامن عشر التي عادت إلى روما وفي جعبتها تقرير عن بظر المرأة المصريّة، فحواه أن هذا البظر أكبر من بظور النساء في العالم أجمع ولا بد من قطعه لأنه يمنع ما لأجله شرّع الزواج.

لعّل أهم ما في الكتاب هو النظرة العلميّة المحايدة التي لا تتعصّب لدين دون الدين الآخر، وتعرض الآراء على نحو عادل. يترك للقراء والقارئات أن يحكموا بأنفسهم على الأمور. رأينا كيف أن الأديان تتشابه خاصّة في نظرتها إلى الأعضاء الجنسيّة وفرض الطاعة على العبيد والجواري، ونجاسة المرأة التي تظهر في التوراة أكثر من أي كتاب آخر، وكيف مُنعت المرأة في المسيحيّة من الترانيم الروحيّة بالكنيسة بمثل ما منعت في الإسلام من الأذان للصلاة. وهناك كثير من المشايخ في الإسلام في يومنا هذا يردّدون عبارة بولس الشهيرة: «ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القدّيسين فإنه لا يؤذن لهن بالتكلم». أصبح صوت المرأة عورة عند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين، بمثل ما أصبح شعر المرأة عورة منذ أن جاءت هذه العبارة الشهيرة في التلمود: «شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري». وتشمل صلاة اليهودي كل يوم هذه العبارة الشهيرة: «أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة».

ومن أهم الأجزاء في الكتاب تلك التي تكشف عن صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرّمت ختان الإناث، بسبب الخوف من اللوبي اليهودي السياسي في أمريكا وأوروبا.

أتفق تماماً مع الدكتور سامي أبو ساحلية مؤلف هذا الكتاب في أن الحملة ضد الختان يجب أن تشمل الذكور والإناث ولا تقتصر فقط على الإناث، ذلك أن الجريمة واحدة وإن اختلفت درجتها أو شكلها.

المقدّمة

من خلف جدار دار الجيران يرتفع صريخ أطفال يتألمون ممزوج بزغاريد النساء مع أغاني فرح ما زلت أحفظ منها جملة تقول: «زَينُه يا شلبي وسلمُه لامُه».

كان الجيران يحتفلون بختان أطفالهم وبهذه المناسبة اجتمعوا مع الأقارب في ساحة البيت وفي الشارع المجاور ووزّعوا الحلوى على المارة. وكانت عمليّة الختان تتم داخل البيت، يقوم بها «الشلبي». ولصغر سني حين ذاك ولكوني من عائلة مسيحيّة لا تمارس الختان لم أستوعب ما هو الختان ولماذا يصيح الأطفال من الألم بينما الجمع من حولهم يفرحون ويمرحون. لقد بقي هذا الحدث الغريب المتناقض عالقاً بذاكرتي بعد أكثر من أربعين عاماً من انقضائه ورغم المسافة التي تفصلني عن مكان حدوثه

في عام 1993، أعطيت أول محاضرة عن ختان الذكور والإناث بناء على طلب المنظمة الليبية (شمال جنوب 21) ضمن مؤتمر عن حقوق الطفل عقدته في جامعة جنيف يومي 30 و31 يناير عام 1993. وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة حتى انهالت علي الانتقادات من منظمي المؤتمر، وكان بينهم مسلمون وصفوني بالإلحاد. أمّا الحاضرون فقد صفقوا لي واستغربوا الاتهام. فدافعت عن نفسي موضّحاً أن ما جاء في محاضرتي ليس تهجّماً على الديانات بل دفاعاً عن الأطفال الأبرياء.

في 7 سبتمبر 1994، عندما كانت تنعقد في القاهرة أعمال المؤتمر العالمي للسكان والتنمية، عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» فيلماً وثائقياً عن ختان طفلة مصريّة اسمها نجلا في العاشرة من عمرها في العاصمة المصريّة بيد حلاّق. وكانت الطفلة تصرخ من الألم. فاهتزت على أثر هذا الفيلم كل الأوساط المصريّة، الرسميّة والشعبيّة. هناك من اعتبر الفيلم إهانة لمصر وللإسلام وهناك من اغتنم هذا الفيلم للتصدّي لعادة ختان البنات في مصر. وتدخّل رجال الدين الإسلامي فأعلنوا رأيهم في هذا الخصوص، فتعارضت الآراء بين مفتي الجمهوريّة وشيخ الأزهر، ولكل منهما سنده وحجّته وأتباعه. وهذا التباين جعلني أتساءل ما هي الأسباب التي من أجلها عرضت الشبكة المذكورة فلمها؟ هل كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان أم تشهيراً بمصر وبالإسلام؟ وإن كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان، فلماذا تسكت هذه الشبكة عمّا يجري في الولايات المتحدة حيث يختن يومياً ما يناهز 3300 طفل أمريكي في المستشفيات الأمريكيّة يصيحون من الألم؟ ولماذا ينتقد الغرب ختان البنات ويُصدر ضد فاعليه الأحكام القضائيّة القاسيّة بينما ختان الصبيان يمر مرور الكرام دون سؤال أو استفسار؟ وقد توصّلت إلى أن أحد الأسباب، إن لم يكن أهمّها، هو الخوف من اليهود الذين يمارسون ختان الذكور.

في شهر يوليو 2002 زرت جامعة بريسبان في أستراليا في يوليو 2002 واجتمعت مع رئيس قسم الدراسات الخاصّة بأهل أستراليا الأصليين، ميكائيل ويليمز، وسألته عن الختان عند الأستراليين الأصليين وكان رده بأنه لا يحق له التكلم في هذا الموضوع لأنه يخاف أن يصاب بالمرض. وعندما سألته عن معنى الحرّية العلميّة إذا كان يرفض الإجابة فرد بأن القانون الديني يعلو على القانون العلمي. وفي ردّه على سؤال حول ختان الإناث قال لي بأنه لا يحق للرجال التكلم عن مواضيع النساء واقترح علي مناقشة الأمر مع نائبته الأستاذة جاكي هيجنز. وقد أرسلت رسالة إليكترونية لها مع بعض الأسئلة عن ختان الذكور والإناث فردّت عليها جميعاً بجملة واحدة تقول فيها بأنها تأسف لعدم الإجابة على أسئلتي لأنها لا تملك إذناً بالبوح بما تعرف.

في 28 و 29 أكتوبر 2002 قمت بإلقاء محاضرتين عن ختان الذكور والإناث في باريس. وفي اليوم الأول انسحبت ثلاث يهوديات من القاعة احتجاجاً على عرضي ممارسة الختان في الطائفة اليهودية. وفي اليوم الثاني حضرت مع رجلين نبهاني بأنهما جاءا لمراقبتي.

في كل مكان من العالم هناك قانون الصمت الذي يخيم على ممارسات ختان الذكور والإناث التي يروح ضحيتها سنوياً ما لا يقل عن 13 مليون صبي ومليوني صبية. وما زلت منذ عام 1993 أحاول كسر هذا القانون من خلال كتاباتي ومحاضراتي ومداخلاتي في الراديو والتلفزيون. وها أنا اليوم أقدم هذا الكتاب لتأليب الرأي العام ضد هذه الممارسات البدائية والهمجية.

وبعد شكري للمولى على فضله، أود أن أشكر كل من شجّعني لكتابة هذه الدراسة. كما أشكر كل من قام بمراجعتها وأبدى ملاحظاته على الشكل والمحتوى. ولكني وحدي الذي أتحمّل تبعة ما يحتويه هذا الكتاب من آراء أو أغلاط.

هذا أرجو القارئ الكتابة لي على عنواني التالي لإبداء آرائه وملاحظاته البنّاءة:

Dr. Sami Aldeeb

Ochettaz 17

1025 St-Sulpice, Switzerland

عنواني الإلكتروني saldeeb@bluewin.ch

تنبيه

ارتكزنا في كتابنا هذا على «الكتاب المقدّس»، الطبعة الثالثة للترجمة العربيّة الصادرة عن دار المشرق في بيروت عام 1986. وإذا جاء نص من هذه الكتب المقدّسة ضمن فقرة نقلناها عن مؤلف بالعربيّة بترجمة غير التي بين أيدينا أو مرقمة بغير أرقامنا الحاليّة، استبدلنا تلك الترجمة والأرقام بالترجمة والأرقام الحاليّة. وقد وضعنا أرقام الآيات في بدايتها بين قوسين (...) لتسهيل عمليّة الرجوع لهذه النصوص. وعند ترك آية داخل النص لا علاقة لها بموضوعنا نشير إلى ذلك بعلامة [...]. كما أننا نستعمل نفس الإشارة عندما نضيف كلمة لتوضيح النص.

حتى لا نثقل على القارئ قرّرنا حذف جميع هوامش ومراجع الكتاب إلا ما جاء في داخل النص ونحيل القارئ للكتاب العربي المطول على الانترنيت لمن تهمه تلك الهوامش والمراجع. هذا وقد أشرنا إلى تاريخ وفاة المؤلفين، خاصّة القدامى منهم، بعد ذكر اسمهم لأوّل مرّة. والتواريخ المذكورة هنا كما في الكتاب هي حسب التقويم الميلادي (م = بعد المسيح؛ ق.م = قَبل المسيح). وقد أخذنا بالاختصارات الآتية فيما يخص أسفار الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة:

الكتب المقدّسة اليهوديّة

التكوين: سفر التكوين

الخروج: سفر الخروج

الأحبار: سفر الأحبار

العدد: سفر العدد

تثنية: سفر تثنية الإشتراع

يشوع: سفر يشوع

القضاة: سفر القضاة

1 صموئيل: سفر صموئيل الأوّل

2 صموئيل: سفر صموئيل الثاني

1 ملوك: سفر الملوك الأوّل

2 ملوك: سفر الملوك الثاني

عزرا: سفر عزرا

أستير: سفر أستير

1 المكابيين: سفر المكابيين الأوّل

2 المكابيين: سفر المكابيين الثاني

المزامير: سفر المزامير

الأمثال: سفر الأمثال

أشعيا: سفر أشعيا

أرميا: سفر أرميا

حزقيال: سفر حزقيال

ملاخي: سفر ملاخي


الكتب المقدّسة المسيحيّة

متى: الإنجيل كما رواه متى

مرقس: الإنجيل كما رواه مرقس

لوقا: الإنجيل كما رواه لوقا

يوحنّا: الإنجيل كما رواه يوحنّا

أعمال: سفر أعمال الرسل

رومية: رسالة بولس إلى أهل رومية

1 قورنتس: رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنتس

2 قورنتس: رسالة بولس الثانية إلى أهل قورنتس

غلاطية: رسالة بولس إلى أهل غلاطية

فيليبي: رسالة بولس إلى أهل فيليبي

قولسي: رسالة بولس إلى أهل قولسي

طيطوس: رسالة بولس إلى طيطوس

الجزء الأوّل
تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه

الفصل الأوّل
تعريف الختان

1) الختان أحد أساليب التصرّف بالجسد

منذ قديم العصور حتى يومنا هذا، حاول ويحاول الإنسان التصرّف بأعضاء جسده وجسد غيره، من أعلى رأسه حتى أصابع رجليه مروراً بأعضائه الجنسيّة، مدّاً أو ضغطاً أو وشماً أو كيّاً أو شقّاً أو ثقباً أو بتراً. ولم يستطع تقدم المجتمع التخلص من هذه التصرفات التي قد تصيب الفقير والغني. ومن بين الحالات المشهورة الأميرة «ديانا» (توفت عام 1997). ففي إحدى مناقشاتها الحادّة مع الأمير «شارلز» التقطت سكين جيب وجرّحت صدرها وفخذيها.

وقد حظيت الأعضاء الجنسيّة بنصيب كبير من نكد الإنسان على نفسه. فقد مثل بها كيفما شاء خصياً أو جبّاً أو شقّاً أو ثقباً. وفي كتابنا هذا سوف نتوقّف عند نوع واحد من أنواع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة وهو ختان الذكور والإناث الذي يعتبر من ظواهر المساس بسلامة الجسد الأكثر غموضاً والأوسع انتشاراً. وكان من ضحايا هذه الظاهرة أبو الأنبياء إبراهيم الذي ختن نفسه عندما كان عمره 99 سنة حسب التوراة، أو 80 أو 120 سنة حسب المصادر الإسلامية. واتباعاً لمثاله ملايين الأطفال ختنوا وما زالوا يختنون.

2) الكلمة ومدلولها الاجتماعي والسياسي

أصل الختان عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين هو التوراة. ويستعمل اليهود في العبريّة كلمة «ميلا» التي تعني القطع. وهذه الكلمة تستعمل ضمن عبارة «بريت ميلا» أي «عهد القطع» التي تُذَكرنا بالعبارة العربيّة «قطع عهداً». وهذه العبارة كما سنرى لاحقاً إشارة للفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يَدَّعِي أن الله قطع عهداً لإبراهيم بأن يعطيه ونسله الأرض الموعودة، أي «أرض كنعان». ومقابل ذلك العهد، أمر الله إبراهيم بأن يقطع غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده. هناك إذاً تلاعب بالكلمات وتسييس لعمليّة جراحيّة. وتستعمل التوراة أيضاً كلمة «تبر» (الخروج 4:25)، ونفس الكلمة في العربيّة تعني هلك أو أهلك، وتُذَكرنا بكلمة «بتر» مع قلب الأحرف التي تعني قطع. والجزء الذي يقطع يسمّى في العبريّة «غرلة». وغير المختون يسمّى بالعبريّة «أغرل». ولا يوجد في التوراة ذكر لختان الإناث.

يستعمل علماء اللغة العربيّة كلمات عدّة للإشارة إلى الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار. والعامّة هي كلمة ختان أو طهور أو طهار أو طهارة للذكر والأنثى. وهذه الكلمة الأخيرة تبيّن أن الختان في فكر الناس يُطهِّر من تُمارَس عليه هذه العادة. والقطعة التي تقطع عند الذكر تسمّى «الغرلة» كما في العبريّة، أو «الغلفة» أو «القلفة». وغير المختون يسمّى «أغرل» أو «أغلف» أو «أقلف».

وكلمة «الختان» التي تشير إلى عمليّة القطع لها معان ذات صلة بالزواج. يقول ابن منظور (توفى عام 1131): «الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل من كان من قِبَل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجلُ الرجلَ إذا تزوّج إليه. وفي الحديث: علي ختن رسول الله (ص) أي زوج ابنته. والاسم الختونة [...] والختن: زوج فتاة القوم، ومن كان من قِبَله من رجل أو امرأة فهم كلهم أختان لأهل المرأة. وأم المرأة وأبوها: ختنان للزوج». وسوف نرى لاحقاً كيف أن الختان كان يسبق الزواج وشرطاً له في بعض المجتمعات. وقد يكون لكلمة «ختن» صلة بكلمة «ختم» مع انقلاب الميم نوناً كما هو معرف في اللغات الساميّة. فيكون معناها وضع علامة للتعرّف على العبد الآبق.

وفي اللغات الأوروبيّة يمكن استعمال كلمة واحدة للدلالة على ختان الذكور والإناث وهي بالإنكليزيّة circumcision. وهذه الكلمة من أصل لاتيني وتعني «القطع دائرياً». ولكن بعض الكتاب يستعمل هذه الكلمة فقط لختان الذكور. وأمّا ختان الإناث فإنهم يستعملون لها كلمة excision وهي كلمة أيضاً من أصل لاتيني وتعني «استئصال».

ومنذ عام 1990 قررت منظمة الصحّة العالميّة استخدام تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» والاحتفاظ بكلمة الختان فقط للعملية التي تتم على الذكور والهدف من ذلك تفادي الخلط بين الختانين. فهذا الخلط يعتبره اليهود إهانة لهم. ففي نظرهم ختان الذكور كما تأمر به التوراة جزء هام جدّاً من اعتقادهم الديني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بختان الإناث. وقد أخذ معارضو ختان الذكور مصطلح منظمة الصحّة العالميّة وحوّروه لصالحهم فسمّوا ختان الذكور «البتر الجنسي للذكور».

وسوف نستعمل في كتابنا هذا مصطلح «الختان» لكل من ختان الذكور وختان الإناث. فهو المصطلح الأكثر شيوعاً عند الفقهاء المسلمين وفي اللغة العاميّة. وهذا المصطلح «الختان» يعني في كل الأحوال بتر جزء من العضو التناسلي للذكر أو الأنثى.

3) أنواع عمليّة ختان الذكور

يمكن تصنيف أنواع ختان الذكور كما يلي:

الدرجة الأولى: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب، جزئيّاً أو كلياً. وقد تصل نسبة الجلدة المقطوعة من ربع إلى أكثر من نصف جلد الذكر حسب مهارة الخاتن وعادات الختان.

الدرجة الثانية: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب وسلخ بطانتها وهي تجرى عند اليهود. ويطلق على المرحلة الأولى اسم «ميلا» وعلى المرحلة الثانية اسم «بيريا». ويتبع هذه المرحلة، حسب التعاليم اليهوديّة التقليديّة، مص الخاتن قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا).

الدرجة الثالثة: يتم في هذه العمليّة سلخ جلد الذكر حتى كيس الصفن أو حتى الساق. وتتم هذه العملية عند قبائل «النمشي» شمال الكمرون وعند بعض قبائل الجزيرة العربية. وقد تعرّضت لهذا النوع فتوى سعوديّة لابن باز (توفى عام 1999) اعتبرته من تشريع الشيطان.

الدرجة الرابعة: شق مجرى البول الخلفي لجعله يشبه فرج المرأة، كما يتم عند القبائل البدائيّة في أستراليا.

أسلوب الختان عند بعض القبائل البدائيّة في أستراليا

المصدرBryk, Circumcision in man and woman, 1934, p. 129


سوف نقتصر في كتابنا على الدرجتين الأوليتين من الختان لأنهما الأوسع انتشاراً بين اليهود والمسيحيين والمسلمين.

والختان قد يتم بوسائل بدائيّة. وسوف نرى أن صفورة، زوجة موسى، ختنت أبنها بصوّان، وكذلك ختن يشوع اليهود بصوّان. ويذكر حديث منسوب للنبي محمد (توفى عام 632) أن إبراهيم قد ختن نفسه «بقدوم»، أي بآلة النجارة. وفي الروايات اليهوديّة، تم ختان إبراهيم بسيفه أو بقرصة عقرب. وقد تفنّن المخترعون في تصميم آلات عدّة لإجراء عمليّة الختان.

4) أنواع عمليّة ختان الإناث

يمكن تصنيف أنواع ختان الإناث كما يلي:

الدرجة الأولى: في هذه العلميّة يتم إزالة غلفة البظر أو جزء منها.

الدرجة الثانية: تشمل قطع البظر وغلفته، مع الشفرين الصغيرين أو جزء منهما.

الدرجة الثالثة: في هذه العمليّة يتم قطع البظر وغلفته والشفرين الصغيرين. ثم يلي ذلك شق الشفرين الكبيرين ويتم إخاطتهما معاً أو ابقائهما متماسين عن طريق ربط الرجلين معاً حتى يلتئما مكوّنين غطاء من الجلد يغطي فتحة البول والجانب الأكبر من المهبل. وتترك فتحة صغيرة في حجم رأس عود الثقاب أو طرف إصبع اليد الصغير لتسمح بنزول البول ودم الحيض. ويطلق على هذه العملية في مصر اسم «الطهارة السودانيّة»، وفي السودان، اسم «الطهارة الفرعونيّة» أو «الخفاض الفرعوني». وللجماع يتم عادة فتح المرأة بخنجر. كما أنه يتم توسيع الفتحة للولادة. وقد يعاد إخاطتها بعد الولادة أو في حالة سفر الزوج أو الطلاق.

الدرجة الرابعة: تضم أصناف مختلفة من التشويه الجنسي مثل شق الجدار الخلفي للمهبل؛ كي البظر والأنسجة المحيطة به بواسطة أداة صلبة محماة؛ وخز البظر أو الشفرين الصغيرين أو شقّهما؛ كحت بطانة المهبل أو عمل شقوق بها؛ مط البظر أو الشفرين الصغيرين؛ وضع مواد أو أعشاب كاوية في المهبل؛ فض بكارة العروس ليلة الزفاف بإصبع داية تطيل ظفرها من أجل هذه المناسبة. وهذه العادة معروفة خاصّة في الريف المصري.

هناك عدّة وسائل لإجراء ختان الإناث، منها البدائيّة ومنها المتقدّمة. وقد ابتكر طبيب أمريكي يهودي اسمه «راثمان» عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة.

الفصل الثاني
الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي

1) إحصائيّات ختان الذكور

لا توجد إحصائيّات أكيدة تبيّن مدى انتشار ختان الذكور. ويشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 13.300.000 طفل سنوياً، أي بمعدّل 25 طفل كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونين من الذكور في العالم تبلغ 23%، أي بمجموع 650 مليون ذكر.

يُمارس ختان الذكور عادة في أيّامنا على جميع ذكور اليهود والمسلمين مع بعض الاستثناءات القليلة. وهناك عدد من المسيحيّين الذين يختنون أطفالهم. فالمسيحيون في مصر والسودان والحبشة مثلاً يمارسون ختان الذكور بصورة تكاد تكون شاملة، على خلاف اخوتهم المسيحيّين في دول المشرق العربي حيث ختان الذكور نادر. وهناك مؤشرات تفيد بأن ختان الذكور في تزايد في تلك الدول. وقد يكون السبب هو انتشار الثقافة الطبّية الأمريكيّة وزيادة عدد الولادات في المستشفيات حيث يمارس الأطبّاء سلطتهم في إقناع الأهل لإجراء تلك العمليّة.

وهناك ظاهرة غريبة وهي انتشار ختان الذكور في الدول الغربيّة الناطقة بالإنكليزيّة: إنكلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وهناك صعوبة كبيرة للحصول على إحصائيّات في هذا الخصوص ولكن تقدر نسبة الختان قبل الحرب العالمية الثانية في إنكلترا بـ 50% وقد هبطت هذه النسبة إلى قرابة الصفر بعد تعديل نظام التأمين الاجتماعي. وكانت نسبة الختان في الولايات المتحدة 85% عام 1979 ولكنها انخفضت في العقدين الأخيرين حتى أصبحت توازي اليوم 60% بسبب تزايد معارضي الختان. ولكن هذه النسبة تصل إلى 95% في بعض المستشفيات الأمريكيّة. واليوم نسبة الختان في أستراليا تقدّر بـ 10% وفي كندا بـ 25%. أمّا في الدول الغربيّة الأوروبيّة الأخرى، فنسبة ختان الذكور ضئيلة قد لا تزيد عن 2%. وهنا تنقصنا الإحصائيّات الموثوقة. ويشار هنا إلى أن نسبة الختان في كوريا الجنوبية تصل إلى 90% بسبب تأثير الجيش الأمريكي.

2) إحصائيّات ختان الإناث

يقول الفقيه ابن الحاج (توفى عام 1336): «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه». هذا القول يصوّر الواقع حتى في أيّامنا. لذلك لم تنكشف حقيقة ممارسة ختان الإناث إلاّ في العقدين الأخيرين. وحتى الآن ما زال الكثير من الناس يجهل حتى معنى ختان الإناث ويستغربون وجوده في دولة إسلاميّة مثل مصر. والإحصائيّات المتوفرة في هذا الخصوص غير وافية ولا تُعرف بصورة مؤكدة الدول التي تنتشر بها هذه العادة. والحملة الحاليّة ضد ختان الإناث قد يساعد على كشف هذه الدول، ولكن قد يكون أيضاً عائقاً خوفاً من الدعاية السيّئة التي تنتج عن ذلك.

يشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 2.000.000 طفلة سنوياً. أي بمعدّل 3.8 طفلة كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونات من الإناث في العالم تبلغ 5%، أي بمجموع 100 مليون أنثى.

وقد نشرت منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 و1996 و1998 أرقاماً بخصوص النساء المختونات في 28 دولة أفريقية تمارس ختان الإناث، من بينها 17 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويتبين من هذه الأرقام أن عدد المختونات هو كما يلي:

1994 114296900

1996 132490000

1998 136797440

ويشير هذا المصدر أن 15% إلى 20% من عدد النساء المختونات ختن حسب الدرجة الثالثة (الختان الفرعوني). وأن كل سنة يتم ختان مليوني فتاة. وفيما يخص مصر، ذكرت الإحصائيّات التي أصدرتها منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن نسبة المختونات هناك تبلغ 50% أي ما يوازي 13.625.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1996 بـ 80% أي ما يوازي 24.710.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1998 بـ 97% أي ما يوازي 27.905.930 امرأة. هذا الاختلاف بين الإحصاء الأوّل والثالث لا يعني أن ختان الإناث قد ارتفع في مصر خلال السنين الأربعة الأخيرة بمعدّل 47%، بل إن المعلومات أصبحت أكثر دقّة بخصوصه. وهذا يبيّن مدى التعتيم الذي يسيطر على موضوع ختان الإناث وصعوبة الحصول على معلومات أكيدة بخصوصه. ونشير إلى أن منظمة الصحة العالمية لا تهتم بدول غير أفريقية تمارس ختان الإناث مثل إندونيسيا واليمن والإمارات وعُمان والسعودية.

الجزء الثاني
الختان والجدل الديني

كل جدل حول الختان يبدأ بالدين. فاليهود والمسيحيّون والمسلمون يعتقدون أن الله أنزل للبشريّة شرائع تنظم علاقة الإنسان بأخيه وبالله، وأن هذه الشرائع جاءت ضمن رسالات أؤتمن عليها الأنبياء والمرسلون وتم توثيقها في «الكتب المقدّسة» أو «الكتب السماويّة». وهذه الشرائع نهائيّة لا تقبل التبديل، وإن أمكن تفسيرها في بعض الأحيان. وأول سؤال يدور حول ما إذا كانت تلك الشرائع قد سنّت على الختان أم لا. وتفادياً للتكرار، نشير هنا إلى أن الكتب المقدّسة للطوائف الثلاث لم تذكر بتاتاً ختان الإناث، فكل ما جاء فيها يخص ختان الذكور.

الفصل الأوّل
الختان في الفكر الديني اليهودي

1) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان

تضم التوراة عدة نصوص عن ختان الذكور أهما نصّان في سفر التكوين وسفر الأحبار هما:

التكوين: الفصل 17

(1) ولمّا كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة، تراءى له الرب وقال له: أنا الله القدير، فسِر أمامي وكن كاملاً. (2) سأجعل عهدي بيني وبينك وسأكثرك جدّاً جدّاً. (3) فسقط أبرام على وجهه. وخاطبه الله قائلاً: (4) ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم (5) ولا يكون اسمك أبرام بعد اليوم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني جعلتك أبا عدد كبير من الأمم. (6) وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون. (7) وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك مدى أجيالهم، عهداً أبديّاً، لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك. (8) وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً، وأكون لهم إلهاً. (9) وقال الله لإبراهيم: وأنت فاحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. (10) هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم. (11) فتختنون في لحم