Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!


5- فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون: العقيقة عن المولود الذكر والأنثى واجبة، وكذلك تسميته وحلق رأسه يوم السابع ويتصدّق بوزن الشعر ذهباً أو فضّة، والختان سُنّة واجبة للرجال ومَكرُمَة للنساء1.

6- عن النبي صلّى الله عليه وآله: الختان سُنّة للرجال ومَكرُمَة للنساء2.

7- قال الصادق عليه السلام: الختان سُنّة في الرجال مَكرُمَة للنساء3.

9) عدم الإستئصال في خفض النساء وإبقاء شيء منها للذّاتهن

1- ومن تهذيب الأحكام عن الصادق عليه السلام، قال: لمّا هاجرت النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله، هاجرت فيهن إمرأة يقال لها أم حبيبة وكانت خافضة تخفض الجواري. فلمّا رآها رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لها: يا أم حبيبة، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله، إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. قال: لا بل حلال فادني منّي حتّى أعلّمك. قال: فدنت منه. فقال: يا أم حبيبة إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي أي لا تستأصلي وأشِمِّي فإنه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج. قال: فكانت لأم حبيبة أخت يقال لها أم عطيّة، وكانت مقيّنة يعني ماشطة. فلمّا إنصرفت أم حبيبة إلى أختها، أخبرتها بما قال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله. فأقبلت أم عطيّة إلى النبي، فأخبرته بما قالت لها أختها. فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وآله: ادني منّي يا أم عطيّة، إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة، فإن الخرقة تذهب بماء الوجه4.

2- الجعفريّات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه: إن عليّاً عليه السلام قال: يا معشر الناس، إذا خفضن بناتكم فبقّين من ذلك شيئاً فإنه أنقى لألوانهن وأحظى لهن5.

3- وبهذا الإسناد، عن جعفر بن محمّد عليهما السلام، قال: أخبرني جدّي القسم بن محمّد بن أبي بكر، عن عايشة، أنها كانت تقول: يا معشر النساء، إذا خفضن بناتكن فبقّين إبقاء للذّاتهن في الأزواج6.

01) أوّل من إختتن من النساء هاجر أم إسماعيل عليه السلام

1- محمّد بن علي بن الحسين في عيون الأخبار، عن محمّد بن عمر البصري، عن محمّد بن عبد الله الواعظ، عن عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن علي عليهم السلام في حديث الشامي، أنه سأله عن أوّل من أمر بالختان. فقال إبراهيم. وسأله عن أوّل من خفض من النساء فقال: هاجر أم إسماعيل. خفضتها سارة لتخرج عن يمينها [فإنها كانت حلفت لتذبحنها - خ] - الخبر7.

2- في العلل، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إبن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قول سارة: اللهم لا تؤاخذني بما صنعت بهاجر، أنها خفضتها لتخرج من يمينها بذلك8.

3- القطب الراوندي في لب اللباب: ولم يبايع النبي صلّى الله عليه وآله أحداً من النساء إلاّ مختونة. وأوّل من إختتن من النساء هاجر لحلف سارة أن تقطع عضواً منها، فأمر الله تعالى باختتانها9.

11) زمان خفض الجارية وأنه بعد سبع سنين

دعائم الإسلام، عن علي عليه السلام، أنه قال: لا تخفض الجارية دون أن تبلغ سبع سنين10.

ملحق 19: دائرة المعارف الشيعيّة (لبنان / 1993)11

الختان

هو قطع غرلة الصبي ونوف الجارية. وختان الذكر من الفروض الدينيّة عند الإسرائيليين. وكان في الأيّام القديمة مفروضاً على جميع صبيانهم وعبيدهم. إن الله تعالى أريد به إبراهيم عليه السلام وموسى عمّمه ولم ينقطعوا عنه إلاّ في زمن التيه في البرّية. ويختنون أولادهم في اليوم الثامن من ولادتهم. وكان جارياً عند المصريّين والسوريين. وكان بعض الأجانب من المسيحيّين يختنون الذكور والإناث. وفيثاغور إختتن ليتمكّن من تحصيل العلوم المصريّة الدينيّة من كهنة مصر. والأدوميين والعمونيين والموآبيين والإسماعيليين. وكان جارياً في بلاد الهند والإفريقيّة وغيرها كما ذكره البستاني12.

وفي كمال الدين ص 287 في التوقيع قال عليه السلام: أمّا ما سألت عنه من أمر المولود الذي تنبت غرلته بعد ما يختن هل يختن مرّة أخرى فإنه يجب أن يقطع غلفته فإن الأرض تضج إلى الله عز وجل من بول الأغلف أربعين صباحاً.

وذكره المجلسي في مرآة العقول13 باب عِلّة الختان، سئل الصادق عليه السلام: ما العِلّة في حلق شعر المولود، قال تطهير من شعر الرحم. وعنه عليه السلام قال: أختنوا أولادكم لسبعة أيّام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم وإن الأرض لتكره بول الأغلف (الأغلف).

وفي حديث آخر: وإن الأرض تنجّس من بول الأغلف أربعين صباحاً. وفي حديث آخر: وإن الأرض تضج إلى الله من بول الأغلف. وعن علي عليه السلام قال: إذا أسلم الرجل إختتن ولو بلغ ثمانين. قال المجلسي (ره) في المرآة يدل على إستحباب الختان في السابع للوالدين ولا خلاف فيه بين الأصحاب ولا في أنه يجب الختان عليه بعد البلوغ، وإنّما الخلاف في أوّل وقت وجوبه. فذهب الأكثر إلى أنه لا يجب إلاّ بعد البلوغ كغيره من التكاليف.

وقال العلاّمة في التحرير: لا يجوز تأخيره إلى البلوغ. وربّما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمّنة لأمر الولي - إلى أن قال: فلو ولد مختوناً خلقة سقط. أقول: ولكن في بعض الأحاديث يستحب مع ذلك إمرار الحديد والأخذ منه قليلاً من الحشفة كما وقع الأمر فيّ وكنت مختوناً حين ولادتي.

وفي حديث آخر من هذا الباب عن الصادق عليه السلام قال: إن الأنبياء عليهم السلام كانت تسقط عنهم غلفتهم مع سررهم في اليوم السابع. فلمّا ولد إبراهيم من هاجر (إسماعيل) عيّرت سارة هاجر بما تعيّر به الإماء. فبكت هاجر واشتد ذلك عليها. فلمّا رآها إسماعيل تبكي بكى لبكائها. - إلى أن قال: فلمّا ولدت سارة إسحاق وكان يوم السابع سقطت عن إسحاق سرّته ولم تسقط عنه غلفته. فقام إبراهيم عليه السلام إلى مصلاّه فناجى ربّه وقال: رب ما هذا الحادث الذي قد حدث في آل إبراهيم وأولاد الأنبياء، وهذا إبني إسحاق قد سقطت عنه سرّته ولم تسقط عنه غلفته؟ فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم هذا لمّا عيّرت سارة هاجر فآليت أن لا أسقط ذلك عن أحد من أولاد الأنبياء عليهم السلام لتعيير سارة هاجر. فاختن إسحاق بالحديد فختنه. وجرت السُنّة بالختان في أولاد إسحاق بعد ذلك.

وفي حديث آخر قال عليه السلام: الختان لسبعة أيّام من السُنّة وإن أخّر فلا بأس. وفي حديث آخر قال عليه السلام: ختان الغلام من السُنّة وخفض الجواري ليس من السُنّة، ولكن مَكرُمَة عند البعل، يعني بسببه يصرن كرائم عند أزواجهن. وفي المجمع قال: قال بعضهم أن أربعة عشر من الأنبياء ولدوا مختونين وهم: آدم وشيت ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريّا وعيسى وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس ونبيّنا محمّد عليهم السلام. وفي حديث آخر يقع الإمام عليه السلام مختوناً يعني من بطن أمّه.

ملحق 20: رأي عصام الدين حفني ناصف (مصر / 1971)14

بحث في الختان عند الأمم الإسلاميّة وأنه أثر من آثار الإسرائيليّات في الإسلام

الإهداء

إلى النفس الأبيّة التي تربأُ أن تكون صنيعة للمضلّلين يتّخذون منها صنماً لضحايا التضليل.

إلى الفكر الحر الذي أوتي من سعة الأفق وعمق الإنسانيّة ما يحفزه إلى التمرّد على الأباطيل.

إلى اليد القويّة التي تواتيها الشجاعة فتبطل ممارسة الختان ببلادنا رحمة بالطفولة المعذّبة بهذا التقليد الأخرق الذي يشوّه كل سنة أجساد ربع مليون صبي تشويهاً لا يمحى أثره مدى الحياة.

مدخل إلى الكتاب: الإسرائيليّات والأديان

ولِع العبريّون بتلفيق الأكاذيب وبرعوا في تلبيس الحق بالباطل، وعرف العالم منهم ذلك فأصبحت نسبة مذهب فكري إلى اليهود أشنع مثلبة يُزَنُّ بها المذهب.

وقد طرح كهنة اليهود أسفارهم المقدّسة على نضد الجراحة ولبثوا قرابة ألف عام يعملون فيها مباضعهم بتراً وزرعاً ويثخنونها إضافة وحذفاً.

ولم يكن حظ الديانة المسيحيّة مع بني إسرائيل خيراً من سابقتها. فقد جاءهم المسيح يكمّل ناموسهم ويهذّب طباعهم، فصدفوا عنه وأعرضوا عن بشارته وأسلموه إلى عُداته، ثم راحوا يعبثون بتعاليمه لإغراء الأمميين بالدخول في دينه متجاهلين قوله: «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه» (متّى 26:16).

الإسرائيليّات في الإسلام

ولم تسلم ديانة المسلمين من أذى بني إسرائيل. فقد خلبت أباطيل اليهود بعض رجال الدين في صدر الإسلام فقفَوا على آثارهم وطابت نفوسهم، وهم الأميّون، أن يتّخذوا من ثياب أحبار أهل الكتاب زيّاً تقليديّاً يميّزهم وأقبلوا يَعُبّون من منهل توراتهم وتلمودهم ويذيعون تقاليدهم ويشيعون آراءهم. وطالت الحال على هذا المنوال فأختلط الأمر على ناس من المسلمين وسرى في وهمهم أن هذه الشعائر اليهوديّة والتقاليد الإسرائيليّة والأساطير العبريّة التي يضيّعون فيها أوقاتهم ويشغلون بها أذهانهم إنّما هي من صميم الدين ومقوّمات الإيمان فأحسنوا تقبّلها واستمسّكوا بها وحرصوا عليها حرص اليهود أنفسهم. وهكذا أجتمع على إيذاء مفاهيمنا الدينيّة مُسلمة اليهود ومُتهوّدة المسلمين.

وقد سلم القرآن الكريم من عبثهم إذ إستظهره حملته ودوّنه القَوَمَة بالأمر في مصحف محفوظ: «إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون» (الحجر 9:15). فامتنع على هؤلاء المُمَخرقين أن يحرّفوا كلمات الله كدأبهم: «وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرّفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون» (البقرة 75:2). فقالوا في أنفسهم لئن لم نجد السبيل إلى تبديل كلمات الله إن السبيل إلى تبديل معانيها لمعبّدة لنا، وإن في ميدان التفسير والتأويل لمتّسعاً لكل تدليس وتضليل.

لقد تاح للذين دانوا بالمسيحيّة من يهود القرنين الميلاديين الأوّلين ومن إليهم أن يصوغوا من يسوع المسيح إلهاً على غرار آلهة الوثنيّين. وتاح للذين دخلوا الإسلام من يهود القرنين الهجريين الأوّلين ومن إليهم أن ينحتوا من نبي المسلمين نموذجاً متأخّراً لأنبياء بني إسرائيل. وواطأتهم طائفة من مشيخة المسلمين على تغيير صورته والعبث بسيرته. فنحّلوه أحاديث لم يُحَدّث بها ونسبوا إليه معجزات لم ينسبها إلى نفسه نسجوا بردتها بمحاكاة معجزات الأنبياء من بني إسرائيل. فأصبحت له معجزات تكرّر معجزاتهم كما تكرّر معجزات عيسى معجزات موسى واليشع، وكما يكرّر يشوع إبن نون بأعماله ومعجزاته ما أتاه موسى من هذا القبيل. وأدخلوه هو وربّه في مساومة ملِحَّة، وأنبتوا شجرة نسب تربط بينه وبين اليهود بآصرة قربى كاذبة وقوّلوه في هذا المعنى حديثاً لم يجرِ به لسانه، يقول: «إن الله إصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار».

وبما أنهم جعلوا من إسماعيل جدّاً للنبي فقد وجدوا ممّا يجب له أن ينحلوه شرفاً يعوّضه من الشرف الذي أسبغوه على النبي (ص) بانتحال أبوّة إسماعيل له. فزعموا أنه هو الذي إنطلق بصحبة إبراهيم: «فلمّا بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك فأنظر ماذا ترى، قال يا أبتِ إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين» (الصافات 102:37). وأنكروا أن هذه القصّة تتّصل بأخيه إسحاق.

ولقد طاب لبعض من «أسلموا» مقادهم من بني إسرائيل دون أن يحسُنَ إيمانهم أن يزفّوا إلينا بعض ما يعلمون من جغرافية الجنّة (دون أن يلاحظوا أن الجنّة عندنا في السماء لا على الأرض كما يفهم من التوراة الحاليّة) وأن يدسّوا في أثناء الشريعة الإسلاميّة أموراً هي من أسس الديانة اليهوديّة، مثل تحريم النحت والتصوير وهما ما تنهى عنه الثانية من وصاياهم العشر، ومثل التورّع عن ذكر كلمة «الله» أو ما في معناها، وهو ما تنهى عنه الوصيّة الثالثة. فقد تجد مدرّساً للغة العربيّة يقول في إعراب كلمة «وجه الله» مثلاً: وجه مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه.

ونشط اليهود إلى ترويج أخبار الجان وهوّلوا في أخطار السحر والحسد ونوّهوا بالتكهّن والتطيّر ومعالجة الأمراض بالرقي والتمائم، ممّا صرف عقول العامّة عن الربط بين العلل والمعلولات وجعلهم يلتمسون للمسبّبات أسباب غيبيّة لا يدركها الحس ولا يتناولها المنطق. ثم أنهم زيّنوا لمن تابعهم على مذهبهم من المسلمين أن يتّجهوا بعنايتهم إلى ظاهر مراسم العبادات وإلى الذكر وما إليه، وأن يدوروا بمباحثهم في حلقة مفرغة من الجدليّات، وأن يَعنُفوا بأصحاب الآراء المخالفة لهم. فاقفلوا بذلك باب الإجتهاد وأصابوا الفكر بالركود والأسن وطبعوا الدين اليُسر بطابع الصرامة والقساوة.

وقد إستطاع الذين أسلموا من اليهود في زمن مبكّر أن يطمسوا على عقول طائفة من شيوخ المسلمين كانوا يشعرون بعوزهم إلى العلم وقصورهم في الفقه، وأن يزحموا حافظتهم بتفصيلات التاريخ الديني اليهودي ممّا حدث وما لم يحدث وأن يبلغوهم حُكماً من أحكام دينهم لا يسيغه الدين السمح ولا يقرّه القرآن الكريم. ذلك هو قتل كل من إستبان له فساد فيما يلقّنون من عقائد فارتد عنها يبحث عن الحقيقة. بل لقد أوشكوا أن يغلّلوا المسلمين بما غلّلت التوراة به اليهود من الأوامر والنواهي التي أبطلها القرآن الكريم: «ويحل لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم» (الأعراف 157:7).

وقد إستمرأ بعض الذين كتبوا في التفسير مرعى اللاهوت الإسرائيلي. فكلّما إعتاص على أحدهم تفسير آية من آي القرآن الكريم أو رغب في التزيّد في إبراز واسع إلمامه، والتدليل على غزارة نبعه، وإفهام الخلق أن عنده علم الكتاب، وإيهام القرّاء أنه أوتي معارف الأوّلين والآخرين... رجع إلى الكتاب المقدّس يغترف منه منهله كأنه هو الكتاب الأصلي المفصَّل والقرآن صورة موجزة منه. ولقد يشير الذكر الحكيم في معرض الوعظ والإرشاد إشارة عابرة إلى قصّة قديمة من قصص اليهود حظيت في الجاهليّة بحظ من الشيوع والإنتشار واستحقّت أن يشار إليها لموضع العبرة منها. وقد كان من أسلوبه الحكيم أن ينقّي هذه القصص ممّا يشوبها وأن يسمو بها إلى حقائقها. فإذا هؤلاء المفسّرون يفزعون إلى كتب اليهود الدينيّة يفتّشونها وينقّبون فيها. ثم إذا هم يسهبون فيما نبذه كتابنا الديني من أباطيل تلك القصّة؛ ويضعون في حواشي الكتاب الكريم ما تنزّه الكتاب عنه، يحسبون أنهم يتمّمون بذلك تفسيره. فتراهم يذكرون في عرض حديثهم أسماء أبطال القصّة وانذالها وأشخاصها الثانويين. حتّى لتحس وأنت تقرأ كلامهم إنك تتلو صفحات من التوراة، بل إنهم ليركبون في بعض الأحيان متن الشطط فيضيفون على من يرد ذكرهم في القصّة من كهّان اليهود وأنبيائهم قدسيّة لم تجُد بمثلها أريحيّة كاتبي الكتاب المقدّس أنفسهم.

ولسنا نزري على رجال الدين الإسلامي مطالعتهم الكتاب المقدّس، بل إننا لنحثّهم على ذلك لأننا نعرف أن هذا الكتاب السامي الأصيل مرجع كبير النفع للمشتغلين بأصول اللغة العربيّة ولمن يبتغون التفقّه في علوم الدين الإسلامي ونعلم أنه يقيهم العثرات عندما يفسّرون آيات مثل: «ولا يدخلون الجنّة حتّى يلج الجمل في سم الخياط» (الأعراف 40:7)، «يا أخت هرون ما كان أبوك إمرأ سوء» (مريم 28:19)، «الذين يتّبعون الرسول النبي الأمّي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل [..] فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمّي الذي يؤمن بالله وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون» (الأعراف 157:7-158)، «حتّى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون» (الأنبياء 96:21)، «قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتّقوا الله ولا تخزوني في ضيفي» (هود 78:11).

بيد أنّا نود أن يكون ملحوظاً من بادئ الأمر أن دراسة الكتاب المقدّس يجب ألاّ تفتح الباب لمزيد من الإسرائيليّات، بل بعكس ذلك أن تيسّر لنا تبيّن أصول الإسرائيليّات التي تشوب نقاءه ليسهّل علينا إجتثاثها من جذورها وتنقيته من تلك الشوائب وصهر قضاياها في بوتقة التحليل العلمي ونفي الخبث العالق بها من مخلّفات اليهوديّة.

لقد أدلى الكثيرون من مشيخة المسلمين في مناسبات شتّى بما ينبئ بأنهم على بصر بدسيسة الإسرائيليّات. غير أنهم لم يجاوزوا هذا الحد. فلم يجرّد أحد منهم نفسه ويشمر عن ساعده ليستخرج من جسم الدين تلك الزوائد التي نمت فيه وتضخّمت حتّى سترت بعض حقائقه. وهكذا ظل هذا الواجب الجسيم مطروحاً يرقب من ينهض به.

لقد خيّل إلى بعض من أسلموا من اليهود أن ديننا إستمرار لدينهم. فما زالوا بنا حتّى خلطوا شعائرهم بشعائرنا دون الوقوف عند ما ميّز الإسلام منها، وفرضوا علينا أن نتخذ شريعتهم مصدراً من مصادر التشريع عندنا دون التفات إلى أن القاعدة القائلة بأن «شرع من قَبلنا شرع لنا» إنّما تمضي حيث «لم يرد نكير». وكلمة من قَبلنا في هذا المقام إنّما يراد بها اليهود وحدهم، إذ إن الديانة المسيحيّة تكاد تكون خلواً من التشريع. وقد باركت المسيحيّة شريعة اليهود ولم تنسخ من أحكامها غير القليل.

ثم إنهم وسّعوا نطاق «السُنّة» وكانت تُستَمد من قول الرسول العربي أو من عمله أو من إقراره فأباحوا حماها وأولجوا فيها ما كان من عمل أنبيائهم وأحبارهم ممّا لم يُقرّه الرسول قولاً أو عملاً. وأطلقوا على تلك السُنَن العبريّة «سُنَن الفطرة».

الختان

وهكذا سن العبريّون علينا سُنّة الختان. فجعلنا منذ قرون نمارس هذا الخصاء الجزئي بإسم «الطهارة» ونكابد عند إجرائه ألماً مُمِضّاً ونتعرّض لأخطار معروفة من قديم الزمان. ثم يعتورنا من جرّائه شعور مخجل بفتور الحمية الجنسيّة. فيعمد بعض الجاهلين إلى العياذ من هذا التبلّد الطارئ عليهم بتعاطي العقاقير المخدّرة واصطناع الأوضاع المنحرفة.

وقد إنتحل العبريّون لهذه السُنّة الإسرائيليّة من الأحاديث المكذوبة ما يعزّزونها به:

روى إبن وهب عن... عن... عن رسول الله أنه قال: «الفطرة خمس: الإختتنان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط».

ونسبوا إلى إبن عبّاس أنه لم يقنع بأن يكون للإختتنان من جلالة الخطر مثل ما لقص الشارب وتقليم الأظفار، فعمد إلى الآية: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن» (البقرة 124:2). ففسّرها بقوله: «إبتلاه بالطهارة. خمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس قص الشارب والمضمضة والإستنشاق والسواك وفرق الرأس. وفي الجسد الإختتان وتقليم الأظفار وحلق العانة ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء».

وفسّر بعضهم قوله تعالى: «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 123:16) بأن ذلك يوجب الختان على محمّد وأتباعه. وقد علّق الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت على تفسير هذه الآية السابقة بقوله: وهذا إسراف في الإستدلال، غاية ما قوبل به عدم التسليم له.

وخشى مروّجو الإسرائيليّات أن يتبادر إلى أذهان المسلمين هذا السؤال: إذا كان الختان فرضاً على المسلمين أو في الأقل عملاً مرضيّاً عنه من رب العالمين فكيف فات النبي أن يدع القوم يجرون له هذا المنسك؟ وقد أجمعوا الرأي على أن ذلك لم يفته فقد ختن يقيناً. أمّا متى وأين وكيف فقد تباروا في سبيل الإجابة عنها، كل على ما خيّلت. وأنجبت المباراة عن ثلاثة آراء ليس وراءها جديد لمستزيد.

الرأي الأوّل، وهو أيسرها جميعاً، أن النبي قد ختنه جدّه. وإذا كان بين المعاصرين يومئذ من يستريب في ذلك فسيزول بزوال جيلهم كل ريب. وهكذا زعم إبن عبّاس، أو بالأحرى المتّحدثون بإسمه: «أن عبد المطّلب ختن النبي (ص) يوم سابعه وجعل له مأدبة وسمّاه محمّداً». وهو خبر لم يرضه المتقدّمون ولم يسلم من نقدهم وهم صيارفة الحديث وجهابذته. قال أبو عمر: هذا حديث مسند غريب.

والرأي الثاني، أن ختانه لم يكن بأيدي الناس بل بأيدي الملائكة. نقل لنا الجزء الأوّل من البخاري ممّا رُوي في تأييد هذا الزعم أن إبن الناظور، وكان سُقُفَّاً على نصارى الشام، ذكر أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماً خبيث النفس. فقال بعض بطارقته قد إستنكرنا هيئتك. قال إبن الناظور: وكان هرقل حزّاءً ينظر في النجوم. فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمّة؟ قالوا ليس يختتن إلاّ اليهود فلا يهمّنك شأنهم واكتب إلى مدائن ملكك فيقتلوا من فيهم من اليهود. فبينما هم على أمرهم أُتِيَ هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله. فلمّا إستخبره هرقل قال إذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا. فنظروا إليه فحدّثوه أنه مختتن. وسأله عن العرب فقال هم يختتنون. فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمّة قد ظهر.

ونقل المقريزي أن بعضهم يقولون أن جبريل عليه السلام ختنه لمّا طهّر قلبه الشريف. وهذا الرأي، القائل بأن النبي خُتن بأيدي الملائكة، ينطوي على معجزة إسرائيليّة الطراز أفتريت على النبي العربي الذي أيّده الله بخير معجزة وهي القرآن الكريم، يصدع بآياته البيّنات صفوف المتشكّكين ويسلب الباب المفكّرين بما يحتويه من بيان ساحر وما يوقعه من موسيقى مذهلة وما ينشره من حِكمة عميقة دون أن يكون النبي (ص) بحاجة إلى إصطناع الأعاجيب والإتيان بمثل ما يتأتّى به اللعّابون من ألاعيب.

والرأي الثالث من إبتداع كعب الأحبار أشهر مسلمة اليهود، وفحواه أن النبي ولد مختوناً. قال أبو الفرج الجوزي: حُدّثت عن كعب الأحبار قال: خلق من الأنبياء ثلاثة عشر مختونين: آدم وشيت وإدريس ونوح وسام ولوط ويوسف وموسى وشعيب وسليمان ويحيى وعيسى والنبي (ص). ويلاحظ أن الستّة الأوائل من أولئك الأنبياء عاشوا قَبل إشتراع شرعة الختان، وأن يحيى لم يأخذ بهذا التقليد، وأن الأناجيل الأربعة لم تذكر من أمر ختان عيسى غير تلك الجملة التي يشوبها الغموض وقد إنفرد بذكرها إنجيل لوقا (21:2). وذكر أبو نعيم الحافظ بإسناده أن النبي ولد مختوناً. وهكذا تعدّدت المسالك فاختلفت الروايات في أمر ما كان يجوز أن نختلف فيه.

وليت هؤلاء الذين ساروا في أثر اليهود وقفوا حيث وقف أولئك، فاقتصروا على ختان الذكر دون خفاض الأنثى. لا بل قد شطّوا في الحيدة عن الطريق السوي وأبعدوا في المسير فعمّموا هذه الجراحة بين الجنسين معاً ولم يتورّعوا - كدأبهم - عن إختلاق الأحاديث المكذوبة والروايات الملفّقة يؤيّدون بها دعاواهم. ذكر الطبري أن الحجّاج بين أرطأة، وهو ليس ممّن يحتج بهم، روى عن... عن... أن رسول الله (ص) قال: «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء».

وقد إنتهت الحكومة المصريّة أخيراً إلى إبطال ختان النساء بعد أن ثبت لديها أنه يورثهن إرهاقاً ويوسعهن إيذاءً. وبعد أن إستبان بها أن ترك هذه الجراحة جملة: «أنضر للوجه وأحظى عند الزوج»15.

لقد نشأت المسيحيّة على أنها فِرقة يهوديّة. وكان الختان مفروضاً على اليهود ومن بعدهم على المسيحيّين. فلمّا جاء القدّيس بولس وضع هذا الأِصر عمّن دخل النصرانيّة من غير الإسرائيليين وأعفاهم من تجشّم هذه الجراحة المقبوحة: «دُعي أحد وهو مختون فلا يصر أغلف، دعي أحد في الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئاً وليست الغرلة شيئاً بل حفظ وصايا الله» (1 قورنتس 18:7-19). أمّا المتزمّتون من مشايخ المسلمين فإنهم بخلاف ذلك قد إستحبّوا في الرجل الكبير يسلم أن يختتن.

وقد رجعنا إلى أصل شعيرة الختان. فإذا هي شعيرة همجيّة شرّعت في العصر الحجري حين كان الناس في غيابة الجهل لم يبلغوا من الرقي أن يعرفوا النحاس والحديد فكانوا يتّخذون لهم سكاكين من الظرّان: «فصنع يشوع سكاكين من صوّان وختن بني إسرائيل في تلّ الغلف» (يشوع 3:5). ولقد عرفت الختان فيما مضى شعوب وقبائل وثنيّة شتّى.

ذكر الطبري فيما خبّر به عن غزوة رسول الله (ص) هوازن بحنين: «والإختتان من العادات القديمة الشائعة بين العرب الجاهليين الوثنيّين. أمّا العرب النصارى فلم يكونوا يختتنون. فالحنفاء16 في هذه العادة والوثنيّون سواء». وفي أخبار معركة حنين أن الأنصار حينما أجهزوا على قتلى ثقيف ممّن سقطوا في هذه المعركة مع هوازن وجدوا عبداً. عندما كشف ليستلب ما عليه وجد أغرل. فلمّا تبيّن ذلك للأنصار نادى أحدهم بأعلى صوته: يعلم الله أن ثقيفاً غرل ما تختتن. فقام إليه المغيّرة بن شعبة، وهو من ثقيف، فأخذ بيده وخشي أن يذهب ذلك عن قومه في العرب، فقال له: لا تقل ذلك فداك أبي وأمي، إنّما هو غلام لناصراني. ثم جعل يكشف له قتلى قومه ويقول: ألا تراهم مختتنين؟

نقل الدكتور جوّاد علي هذه النبذة في الجزء السادس من كتابه: «تاريخ العرب قَبل الإسلام» المطبوع بمطبعة المجمع العلمي العراقي ببغداد وعلّق عليها بقوله: «يتبيّن من هذا الخبر أن العرب كانوا يعدّون الغرل شيئاً معيباً ومنقصة تكون حديث الناس. وهناك خبر آخر يفيد أن العرب جميعاً كانوا يختتنون وأن الختان كان من السمات التي تميّزهم عن غيرهم وانهم في ذلك كاليهود. وقد ورد في الموارد اليهوديّة، كما أشرت فيما سلف، ما يفيد إختتنان العرب. ولعّل التوراة التي ذكرت قصّة إختتان إسماعيل أخذت خبرها هذا من تقاليد العرب الشماليين التي كانت شائعة بينهم في ذلك العهد» اهـ.

وتتحدّث السجلاّت المصريّة القديمة عن دم سال من قضيب «رع» عندما أحدث لنفسه هذا النوع من البتر. وورد فيما دوّنوه في السنة الرابعة والأربعين من حُكم رمسيس الثاني ذكر لليوم الذي كان الرجال يأتون فيه لإجراء هذه الجراحة حتّى يتخلّصوا من دناستهم بين يدي معبودهم آمون.

ويقول العهد القديم أن بني إسرائيل كانوا يختتنون وهم في مصر: «إن جميع الشعب الخارجين من مصر الذكور جميع رجال الحرب ماتوا في البرّية على الطريق بخروجهم من مصر. لأن جميع الشعب الذين خرجوا كانوا مختونين» (يشوع 4:5-5). ممّا يحمل على الإعتقاد أن الختان تقليد مصري نقله اليهود عن مصر وأدرجوه في ديانتهم كما أدرجوا فيها ذبح الحيوان بالطريقة المعروفة وبأيدي الموطنين (لا الأجانب) وتحريم لحم الخنزير الخ الخ وكلّها أشياء يرجع الأمر فيها إلى مصر مهد الحضارة البشريّة.

والمقصود بالختان عند بني إسرائيل أن يذكّرهم في كل لحظة أن إلههم يهوه صك لهم عهداً بتمليكهم فلسطين وتوريثهم ما بين النيل الكبير والفرات الصغير من أراض وأصقاع: «في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات» (التكوين 18:15). ولقد وقّع خليل الله إبراهيم هذه الوثيقة بإسم العبريين وهو في التاسعة والتسعين من عمره الطويل. لم يوقّعها بمداد الحبر بل بدم الختان. فالختان تذكِرة للعبريين بحلف إفتراه أوائلهم على الله ليُذْكوا في أنفسهم الحمية العنصريّة والعصبيّة الدمويّة المغلقة عليهم. وقد أريد به أن يكون حافزاً لهم إلى الإنقضاض على جيرانهم العرب بين الحين والحين واصطلامهم فريقاً بعد فريق على النحو الذي خبرناه منهم في «دير ياسين»: «لا أطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلاّ تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرّية. قليلاً قليلاً أطردهم أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض» (خروج 29:23-30).

وأنه لمن الغفلة ونحن نرى أثر هذه الأسطورة في قلوبهم وسريان هذا الأثر في دمائهم وتغلغله على مضيّ السنين في قلوبهم، واستمرار الدجاجلة منهم في الإنتفاع بها لإثارة الجماهير وتأليب العامّة للعدوان على أراض لا حق لهم فيها: «وأعطيكم أرضاً لم تتعبوا عليها ومدناً لم تبنوها وتسكنون بها ومن كروم وزيتون لم تغرسوها تأكلون» (يشوع 13:24 - تثنية 10:6-11). من الغفلة أن نتابعهم على إحياء شعيرة الختان وهي شعيرة أجنبيّة عنّا معادية لنا ضارّة بنا. وحسبنا أن الذكر الحكيم لم يفرضها علينا أو يرغّبنا فيها17 أو يتحدّث عنها حتّى فيما يتّصل بعيسى ومن سبقه من أنبياء بني إسرائيل مبتدعي هذه البدعة. وأن الرسول الكريم لم يمارسها أو يحض عليها18 وأن الذين يعوّل عليهم من كتّاب السيرة كابن إسحاق وابن هشام قد عفّوا عن ذكر هذه الضلالة. فهل يقال بعد ذلك أن الختان سُنّة على المسلمين؟

إليكم فتيا الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت: «والذي أراه أن حُكم الشرع في الختان لا يخضع لنص منقول وإنّما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعيّة عامّة وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعاً إلاّ لمصالح تعود عليه وتربو على الألم الذي يلحقه». إلى أن قال: «وقد خرجنا من إستعراض الروايات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على «السُنّة الفقهيّة» فضلاً عن «الوجود الفقهي» وهي النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء السابقين، وعبّر عنها بقوله: «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع». وقال: «وكلمة «سُنّة» الواردة في بعض الروايات معناها، إذا صحّت، الطريق المألوفة. ولم ترد الكلمة على لسان رسول الله بمعناها الفقهي الذي عُرفت به فيما بعد» اهـ.

وقصارى القول إن الختان إن هو إلاّ ضلالة مؤذية دسّها علينا أحبار بني إسرائيل. وقد آن لنا أن نطهّر ديننا وتقاليدنا من الأدران التي شابهما بها أحبار بني إسرائيل. وقمين بنا أن نعفي أفلاذ أكبادنا من هذه الجراحة الهمجيّة التي سنّها برابرة العصر الحجري من بني إسرائيل ومن لف لفّهم في هذا السبيل.

ملحق 21: رأي محمّد عفيفي (مصر / 1971)19

مرشد الحيران في عمليّة الختان

من المعلوم أن عادة الختان واحدة من الشعائر الرئيسيّة في ديانة اليهود، إن لم تكن كما يفهم من بعضهم على رأس تلك الشعائر كلّها. فلقد بلغ من تحمّس البعض لها أن قال: إن الله تعالى حين خلق العالم لم يكن يهدف إلى شيء سوى تهيئة الوسط المناسب لوجود الإنسان الذي تجرى له عمليّة الختان! وإذا بدا لك أن هذا الكلام نوع من المبالغة بقصد التشنيع فما عليك إلاّ أن تفتح صفحة 75 من كتاب إسمه «اليهوديّة» كتبه يهودي يدعى آرثر هرتزبرج، وهو كتاب - إذا كان يهمك الأمر - أمريكي الصنع!

فبينما كان إبراهيم في التاسعة والتسعين من العمر (شايف الدقّة؟!) كلَّمه إلهه المسمّى «يهوه» مخطراً إيّاه بأنه قد فرض عليه شريعة الختان هو وذرّيته، وأن كل طفل يولد في أي بيت يهودي يجب أن يختن حتّى ولو كان من العبيد، ولا يحول دون تختينه أن يكون قد ولد ميّتاً! والختان يجب على وجه التحديد أن يتم في اليوم الثامن لميلاد الطفل، لا يمنع من ذلك أن يتصادف كون ذلك اليوم يوم السبت! وطوال تلك الأيّام الثمانية يكون البيت مليئاً بالأرواح النجسة الشرّيرة التي لا تنصرف إلاّ بإجراء العمليّة المقدّسة.

وسجّلت هذه الشريعة كما زعموا في وثيقة بين إبراهيم وربّه، تلك الوثيقة التي لم يوقّعها الأوّل بالحبر مثل سائر الوثائق الرسميّة وإنّما بالمادّة المناسبة للمقام وهي دم الختان!!

ويزعم الكتاب الذي سلفت الإشارة إليه أن بني إسرائيل أرادوا أن يخرجوا من مصر الفرعونيّة فاستوقفهم المصريّون قائلين:

- لماذا لا تكفّون عن الختان فيشب أولادكم مثل المصريّين وتنزع عن أعناقكم قيود الأسر؟

فنفخ بنو إسرائيل في ترفع وكبرياء قائلين:

- هل نسى ابراهام وإسحاق ويعقوب أباهم الذي في السماء حتّى ننساه نحن؟!

وهذه والحق يقال درّة الدرر في ذلك الفن الذي تتجلّى فيه على الدوام عبقريّة بني إسرائيل، فن الكذب والتدجيل! فمثل هذه المحاورة يستحيل أن تكون دارت بينهم وبين المصريّين لسبب بسيط جدّاً هو أن المصريّين قد إعتادوا ممارسة الختان منذ آلاف السنين قَبل أن يتردّد على وجه الأرض صوت واحد أخنف لكائن يهودي!

وفي أي يوم تذهب فيه إلى سقارة أو الأقصر يمكنك أن ترى على جدران المعابد صورة للعمليّة سجّلها الرسام الفرعوني بواقعيته المعروفة. بل كان الفراعنة في أعقاب المعارك يحصون عدد القتلى من الأعداء عن طريق فرزهم للجثث غير المختونة!

وليس الفراعنة الذين بنوا الأهرام واخترعوا الأبجديّة والتقويم هم الذين إبتكروا عادة الختان، بل هم ورثوها عن عصور موغلة في القدم، كواحدة من الرواسب البدائيّة التي لم ينجح الفرعوني المتحضّر في التخلّص منها، وهو معذور والله ما دام حفيده مصري القرن العشرين لم ينجح هو الآخر في التخلّص منها! وكان إستمرار هذه العادة البدائيّة راجعاً بالطبع إلى الكهنة الذين يرفضون التخلّي عن القديم مهما كان سخيفاً، والذين بلغ من تمسّكهم بذلك القديم أنهم أصرّوا على إجراء العمليّة بالأسلحة الحجريّة حتّى بعد أن دخلت مصر في عصر النحاس.

وهي ليست بالطبع عادة مصريّة فحسب، بل هي عادة متفشّيّة بين كثير من الشعوب القديمة. ولقد تعدّدت الآراء في تفسير الفائدة التي توهّم الإنسان البدائي أن يحصل عليها من وراء عادة الختان، بين رأي يقول إنها نوع من قرابين الدماء التي ظن ذلك البدائي التعس أنها ترضي الآلهة، وبين رأي يقول إنها بديل رمزي للتضحية بالفرد كلّه على مذبح الآلهة. أي أن الرجل الذي كان يذبح تضحية للإله لا يمكنه اليوم أن يعترض على إقتطاع هذه العيّنة الصغيرة من جسمه! وهناك رأي ثالث بأن الإنسان البدائي قد إهتم بتلك العمليّة لاعتبارات فيسيولوجيّة، وذلك بسبب ما يحدثه ذلك الغلاف الجلدي من إنتقاص للحساسيّة مهدّداً بذلك ما هو مطلوب في الرجل من الخصوبة الكاملة.

وهذا الرأي الأخير يناقض نفسه تماماً، حيث إنه إذا كانت زيادة الحساسيّة هي الغرض من تختين الذكور فما معنى إجراء العمليّة للإناث وليس ثمة نتيجة لذلك سوى الإلغاء الكلّي أو الجزئي لتلك الحساسيّة؟! ولقد كان تختين الإناث موجوداً أيضاً في مصر القديمة، على الأقل إذا صح ما قرّره المؤرّخ الإغريقي سترابو من مشاهدته تلك العمليّة بنفسه.

فإذا وافقنا على الرأي الأخر القائل بأن الختان هو نوع من القربان الجزئي فإننا لا نملك إلاّ أن نتساءل: لماذا وقع الإختيار على هذا المكان بالذات من جسم الإنسان؟؟ لماذا لم يعمد مقدّم القربان - ما دامت المسألة مجرّد عيّنة - إلى إقتطاع حلمة أذنه مثلاً؟!

إن هذا التساؤل يغرينا بأن ننحاز لرأي آخر، ذلك الرأي القائل بأن الختان ما هو إلاّ رمز لعادة قديمة، كانت تجرى في غياهب التاريخ، عادة الإستئصال الكامل لعضو التناسل عند الطفل الذكر، حيث كان الأب البدائي أو زعيم العشيرة يعمد إلى هذا الإجراء القاسي خوفاً من أن يكبر الأولاد وينافسونه على إناث العشيرة، بعد أن يقتلوه إن إستطاعوا، وهو نوع من القسوة قد يبدو غريباً لعقلنا المتحضّر، ولكنّنا لا نلبث أن نتذكّر الخصيان و«الأغوات» الذين غصّت بهم قصور الكثير من الحكّام من مختلف الأديان توقّياً لاعتدائهم على الحريم.

وسواء أخذنا بهذا الرأي أو ذاك - وكلّها فروض نظريّة - فنحن في النهاية أمام ظاهرة همجيّة محضة، وأمام تعبير صريح عن كل اللبس والتشويش والخوف الخرافي الذي إقترن بالمسألة الجنسيّة في ذهن الإنسان البدائي. وهي في الوقت نفسه مثل مجسّم للسادزم الذي عرف به الكهنة في كافّة العصور. والسادزم إن كنت لا تعلم هو القسوة الجنسيّة التي يحلو لها في بعض الأحيان - كما هو الحال هنا - أن تتّخذ لنفسها صورة دينيّة زائفة. ومن ثم فقد كان «يهوه» إلهاً غريباً حقاً، إذ إختار لشعبه المختار تلك العادة الهمجيّة لتكون حجر الزاوية في دينهم، مثبتاً بذلك أنه لا يزيد عن كونه تجسيداً عبريّاً جديداً لتلك الآلهة الدمويّة العتيقة التي توقّف عندها خيال الإنسان البدائي.

واليوم يعمد بعض الفهلويين من هواة السادزم إلى التمسّح في العلم، قائلين لنا أن ذلك الغلاف الجلدي من عادته أن يحتجز في ثناياه بعض المواد الضارّة التي يمكنها على المدى الطويل أن تصيب عضو الذكر بالسرطان، وهذا نوع من الجدل الذي يثير كلاًّ من الغيظ والرثاء. فلماذا نفترض وجود ذلك الرجل الفذ في قذارته، الذي يرفض الإغتسال ويترك إفرازات جسمه تتراكم يوماً بعد يوم حتّى تصيبه بالسرطان؟! وإذا صح وجود مثل هذا الحلّوف أفلا ترى معي أنه يستحق أن يصاب بالسرطان فعلاً؟! وأن السرطان ليصيب الأنثى بين حين وآخر في ثديها أو رحمها، فهل يدفعنا هذا - وفقاً لنفس المنطق - إلى أن نستأصل لكل أنثى تولد ثدييها ورحمها في اليوم الثامن؟! وما رأي أصحاب ذلك الكلام في أن عدد الأطفال الذين ماتوا بسبب الختان يبلغ أضعاف عدد الذين ماتوا من السرطان؟! والدليل على ذلك ما نسبوه إلى «يهوه» من أنه يعفي من الختان كل طفل ثالث يكون أخواه السابقان قد ماتا بسبب العمليّة! فلو لم يكن قد تكرّر حدوث الوفاة بسبب الختان لماذا كان «ينزل» هذا الإعفاء؟! ومن هنا يبدو لنا أن الكاهن الفرعوني كان أكثر حِكمة من «يهوه» إذ رفض أن يجري العمليّة للطفل الوليد مؤجّلاً إيّاها إلى سن البلوغ حيث يمكن للغلام أن يتحمّلها بغير خطر كبير على حياته.

فهذا الرأي البائس هو أقصى ما يستطيع أن يسوقه دعاة الختان «العلميين» من حجج لتبرير العمليّة، وفي مقابله تقوم أكثر من حجّة منطقيّة وعلميّة تدعونا إلى نبذ العمليّة نبذاً تامّاً. فماذا يدعوني - أنا الإنسان المعاصر - إلى أن أخضع جسمي للتشويه إنصياعاً لعادة تنحدر إلى ممّا قَبل العصر الحجري؟ وكيف أسمح لنفسي بأن أتورّط في هذا التوهّم الساذج بأن خالق هذا الكون العظيم يمكن أن يبدي كل هذا الإهتمام بقطعة جلد مهينة تتدلّى منّي؟! وإذا كان الله هو الذي خلق بنفسه تلك القطعة، فأي منطق هذا الذي يقول إنه ما خلقها إلاّ لكي يأمرني بأن اقطعها؟!

فإذا تناولنا العمليّة من ناحية نتائجها فقد رأينا كيف تسبّبت في وفاة الكثير من الأطفال لا سيما قَبل أن تتقدّم أساليب الجراحة والتمريض. وهي كما مر بنا تضاعف الحساسيّة عند الذكر في الوقت الذي تهبط بها عند الأنثى إلى الحد الأدنى. فهل لعاقل منكم أن يخبرني بالسبب الذي يدعونا إلى أن نضع الذكر - لا سيما إذا كان مراهقاً تعساً - في حالة إستعداد مستمر للتهيّج الموضعي، أو الذي يدعونا إلى أن نحرم الأنثى من حق التلذّذ الذي وهبتها الطبيعة إيّاه؟!

وأهم من كل ذلك في نظري ما لا بد أن يصاحب تلك العمليّة من ضرر عصبي بالغ، لا سيما عند موافقة «يهوه» على إجرائها في اليوم الثامن. فهناك في علم النفس ما يعرف بصدمة الولادة التي يتعرّض لها كل طفل. ولا شك إنك لاحظت من عواء الوليد أنه ليس سعيداً كل السعادة بالخروج إلى الحياة. فأنت تتخيّل بالطبع ما لا بد أن تقترن به عمليّة «الخروج» من أوجاع للطفل المسكين، كما تتخيّل ضخامة العبء الذي يلقى فجأة على الجهاز العصبي للطفل، لكي يمكنه من أن يتنفّس الهواء للمرّة الأولى ومن أن يتحمّل البرد القارس الذي خرج إليه فجأة من دفء الرحم. إلى صدمة الولادة هذه يعزون كثيراً من الإضطرابات العصبيّة التي تلازم الإنسان في مختلف مراحل حياته، بل يبالغ بعض العلماء فينسبون معظم الأمراض النفسيّة إلى ما يسمّونه بالحنين اللاشعوري للعودة إلى الرحم.

وها هم يريدون أن يجعلوا المصيبة مصيبتين، وبدلاً من صدمة الولادة وحدها يضيفون إليها صدمة الختان! فلا شك أن الجهاز العصبي سوف يجد نفسه مضطراً إلى بذل مجهود ضخم جديد لكي يواجه هذه الآلام غير المتوقّعة، إلى جانب ما يلقى على الجسم من جهد يحقّق به إلتئام الجرح ومقاومة الميكروبات التي تهجم بالملايين على الجسم الطري التعس. أضف إلى ذلك ما ورد في فقرة من كتاب سأحدّثك عنه بعد قليل، وتلك الفقرة تقول «أظهرت البحوث الأخيرة أن السبب في تخثّر الدم هو فيتامين ك، وهو لا يكون في الأطفال الأصحّاء قَبل اليوم العاشر من العمر. كما أظهرت أن الطفل يرث من أمّه مقداراً من «البروترومبين» يبدأ من حياته، ثم يأخذ هذا المقدار في التناقص خلال الأيّام القليلة الأولى من عمره إلى أن يبدأ جسمه في إكتساب هذه الصفة ذات الأهمّية الحيويّة، فإذا ختن الطفل مبكّراً عرقل ذلك إكتسابه هذه الصفة».

فإذا أجريت العمليّة حين يكبر الطفل بعض الشيء - عامين مثلاً - فهناك الخطر النفسي البالغ الذي تهدّده به، لما يمكن أن يترسّب في لا وعيه من أنها نوع من الخصاء على سبيل العقوبة. وأعتقد أنك قرأت أكثر من مرّة عمّا يسمّى بعقدة الخصاء التي طالما سبّبت للرجل البالغ كثيراً من المتاعب النفسيّة. فإذا ما أجّلت العمليّة إلى سن البلوغ كما هو الحال عند الفراعنة فهذا لا يحول دون ما لا بد أن تتركه في نفس الغلام من المهانة ومن إحساس مستمر بفكرة النجاسة الملازمة لكل ما يتعلّق بالجنس.

ومن كل هذا أعتقد أنك قد بدأت توافقني موافقة تامّة - بعقلك على الأقل - على أن الختان عادة همجيّة يجب تحريمها، وإن كنت بالطبع أسمع ذلك السؤال الذي يتردّد في ذهنك طول الوقت قائلاً: إذا إتّفقنا على أن الختان عادة همجيّة يجب أن نترفع عنها، وإذا سلمنا بأن العبريين قد نسبوها إلى السماء زوراً وبهتاناً، فكيف أمكن لها أن تصل إلينا نحن المسلمين بوصفه شيئاً يباركه ديننا؟!

وهنا نصل إلى ذلك الكتاب الذي أشرت إليه، وهو كتاب صغير عنوانه «الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية»، ألّفه مفكّر أمريكي حر إسمه جوزيف لويس، وترجمه الأستاذ عصام الدين حفني ناصف، وطبعته دار الشعب التابعة للإتّحاد الإشتراكي العربي، وقد صدّره المترجم بمقدّمة طويلة تجيب عن ذلك التساؤل الخاص بالعلاقة بين الختان والإسلام.

يرى الكاتب أن الأسانيد التي تؤيّد الختان كعادة يقرّها الإسلام هي التالية:

أوّلاً - الحديث النبوي الذي يقول: الفطرة خمس: الختان والإستحداد وقص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط.

ويقول الكاتب أن هذا حديث مكذوب مثل الأحاديث الكثيرة التي دسّها اليهود بين نصوص الإسلام ترويجاً لشعائرهم الخاصّة. وحتّى إذا صح - أقول أنا - أن الحديث ليس مكذوباً فهو كما ترى لا يرفع الختان إلى درجة الشعائر، وواضح بداهة أن الذي لا يقص شاربه أو ينتف إبطه لا يرتكب بذلك فاحشة تدرجه في قائمة الخطأة!

ثانياً - الآية الكريمة التي تقول: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن» (البقرة 124:2) والآية الثانية التي تقول: «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 123:16). فقد فسّر البعض الآية الأولى أنها تشير إلى الختان، وفسّروا الثانية بأن الختان شيء أساسي في مِلّة إبراهيم ومن ثم فهو ملزم للمسلمين. وفي ذلك يستشهد الكاتب برأي الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت بأن هذا إسراف في الإستدلال، غاية ما قوبل به هو عدم التسليم له.

ثالثاً - الحديث النبوي الذي يقول: الختان سُنّة للرجال ومَكرُمَة للنساء، وهو حديث يرى الكاتب أنه مكذوب أيضاً، وأنه - مثل الحديث السابق - لم يرد عند كتب السيرة الذين يعول عليهم.

ويختم كلامه بفتيا الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت التي تقول: «والذي أراه أن حُكم الشرع في الختان لا يخضع لنص منقول وإنّما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعيّة عامّة وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعاً إلاّ لمصالح تعود عليه وتربو على الألم الذي يلحقه. وقد خرجنا من إستعراض الروايات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على «السُنّة الفقهيّة» فضلاً عن «الوجود الفقهي» وهي النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء السابقين وعبّر عنها بقوله: ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع».

وأنا لا يسعني إلاّ أن أشكر الأستاذ عصام الدين حفني ناصف على الجهد الذي بذله في كتابة هذه المقدّمة وفي إختيار هذا الكتاب للترجمة، كما أشكر دار الشعب التي تبنّت الكتاب ونشرته، وإن كنت ألومها بالطبع على هذه «السرّية» الشديدة التي صدر بها الكتاب دون أن يسمع به أحد، مع أنه يجب أن تكون هناك نسخة منه في كل بيت مصري حديث، عسى أن يفكّر الناس مرّتين قَبل أن يلحقوا بأطفالهم الأبرياء كل ذلك الإيلام والإيذاء والإذلال.

وأنا أعرف أن هناك نوعاً من الناس يحب على الدوام أن يمسك العصا من وسطها، ويرفض أن يأخذ بفكرة الأحاديث المكذوبة مخافة أن تكون على عكس ما يرى الشرّاح صادقة. ولهؤلاء أقول إنه حتّى لو صحّت تلك الأحاديث فهي - كما رأينا - لا ترفع الختان إلى مرتبة أكبر من مرتبة نتف الإبط، أو أكبر من كونها نوعاً من «المَكرُمَة». ولعّل عادة الختان كانت أثيرة لدى عرب الجاهليّة إلى الدرجة التي لم تجعل من اللازم صدم مشاعرهم بتحريم شيء لا تبدو له - وفقاً لظروف ذلك العصر - أضرار واضحة. فنحن اليوم لا نأثم إذا إمتنعنا عن عادة أقرّها الإسلام في ظروف معيّنة، تماماً كما لم نأثم عندما كففنا عن قطع يد السارق، ولا عندما اكتفينا بحبس الزاني والزانية بدلاً من دفنهما في الرمال ورجمهما حتّى الموت. ونحن لا نأثم بالطبع حين ندعو إلى الحد من تعدّد الزوجات وإلى تحديد النسل، وذلك بعد أن تغيّرت الظروف وأوشك حي واحد من أحياء القاهرة - مثل شبرا - أن يفوق في عدد سكّانه كافّة سكّان مكّة في وقت ظهور الإسلام. فالمهم في الدين - أي دين - هو روحه العامّة الخالدة لا مجموعة التفصيلات التشريعيّة التي تصبح في بعض الأحيان - مع التطوّر الإجتماعي والإقتصادي والثقافي - غير ذات موضوع.

فإذا لم يتطوّر الإنسان ويسمو إلى مستوى عصره فهذا هو الجمود الفكري الذي يهدّده بالتخلّف والسقوط من ركب الحياة. وكان الله في عون طفل يسلّم جسده - متوجّعاً باكياً - إلى موس كاهن يهودي أقرع من مخلّفات العصر الحجري، في الوقت الذي نسمع فيه عن دراسة الصخور القمريّة المقتطعة في معامل روسيا وأمريكا، بعد أن تمّت أكبر عمليّة ختان في القرن العشرين - عمليّة الختان لكوكب القمر!

ملحق 22: رأي القاضي مصطفى كمال المهدوي (ليبيا / 1990)20

[...] ليس في القرآن كلّه حرف واحد زائد أو ليس مسطوراً في الكتاب لحِكمة بالغة، فهذا كتاب الله الذي أتقن كل شيء وقال وقوله الحق فيما خلق من شيء: «ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار» (آل عمران 119:3). قد يقول قائل لقد فرض علينا الختان فأصبح هذا خلقاً زائداً يجب إستئصاله. ونقول إنه قد فرض علينا حقاً ولكنّه لم يفرض علينا بأمر ربّنا بل فرضناه نحن على أنفسنا وقلنا أن الرسول فرضه علينا بل قلنا إنه هو نفسه (ص) قد ختن قَبل أن يدري أو يدري أحد ما الكتاب وما الإيمان. ولو بحثنا أصل الختان في التاريخ لوجدناه عند بني إسرائيل بقولهم (وقال الله لإبراهيم وأنت فاحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك، وأعطيك أرض غربتك لك ولنسلك من بعدك جميع أرض كنعان ملكاً مؤبّداً وأكون لهم إلهاً. وقال الله لإبراهيم وأنت فاحفظ عهدي أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختن كل ذكر منكم، فتختنون الغلفة من أبدانكم ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم. وابن ثمانية أيّام يختن كل ذكر منكم مدى أجيالكم المولود في منازلكم والمشترى بفضّة من كل غريب ليس من نسلكم، يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك فيكون عهدي في أبدانكم عهداً مؤبّداً. وأي أغلف من الذكور لم تختن الغلفة من بدنه تقطع تلك النفس من شعبها إذ قد نقض عهدي» (التكوين 17: 10-15).

هكذا فرض الختان على اليهود وتقرّر الجزاء على مخالفة هذا الأمر، بقطع النفس من الشعب نبذاً أو نفياً أو إعداماً الله أعلم بهم. وقيل أن هذا الأمر إنّما فرض عليهم ليكون علامة عهد بينهم وبين ربّهم لينظر إلى الناس فيميّز شعبه المختار بهذه العلامة الغريبة. ولقد قالوا مثل ذلك عندما زعموا أنهم أمروا بتلطيخ أبوابهم بالدماء حتّى تتميّز بيوتهم فلا يدمّرها وهو يدمّر بيوت المصريّين: «وأنا أجتاز في أرض مصر في تلك الليلة وأقتل كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم وبجميع آلهة المصريّين أصنع أحكاماً أنا الرب. فيكون الدم لكم علامة على البيوت التي أنتم فيها فأرى الدم وأعبر عنكم ولا تحل بكم ضربة هلاك إذا ضربت أرض مصر» (الخروج 13:12-14). ونرى أن هؤلاء القوم قد ظنّوا أن لهم ربّاً لا يراهم إلاّ بعلامات مميّزة فأرادوا أن يتميّزوا ليراهم ربّهم فختنوا الغلفة ولطّخوا أبوابهم بالدماء فيما يزعمون. ولم ترد أيّة إشارة في القرآن الكريم لهذا المنطق العجاب وتعالى الله علواً كبيراً أن يرد على هذا المنطق فهو سبحانه لا يقول هزلاً ولا ينبغي للرحمن أن يرد على هزل: «إنه لقول فصل. وما هو بالهزل. إنهم يكيدون كيداً. وأكيد كيداً. فمهل الكافرين أمهلهم رويداً» (الطارق 13:86-17). لقد خلقهم الله وخلق كل شيء ممّا هو أصغر من الذرة إلى ما هو أكبر من المجرّة ممّا نعلم وممّا لا نعلم من خلقه سبحانه فكيف لا يعلم من خلق حتّى يتميّزوا: «واسروا قولكم أو أجهروا به إنه عليم بذات الصدور. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الحكيم» (الملك 13:67-14). ولئن سألت عن الغلفة فلا ينبغي لنا أن نقول إلاّ ما علّمَنا ربّنا في كتابه العزيز: «ربّنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك» (آل عمران 191:3). ويحلوا للبعض أن يقول إنّما نختن أبناءنا من باب الصحّة فهل هلك المسيحيّون أو أصابتهم عِلّة من عدم الختان؟ هذه آية فرضها اليهود على أنفسهم ونسخها الإنجيل بالحق. أمّا كيف أحييناها ولماذا جعلناها فريضة أكبر في النفس من الصوم ومن الصلاة، ولماذا نصر عليها إذا كان اليهود الذين فرضوها لا يصرّون عليها إلاّ ليتميّزوا عند ربّهم، الله أعلم وهو ينبئ الناس يوم القيامة يما كانوا فيه يختلفون.

ورب قائل يجادل عن الشعر أو الأظافر فيقول أليس ذلك بالشيء الذي يزيد في أبداننا؟ وتلك حجّة على الختان وليس حجّة له. لأن الله قد أنزل في الشعر وفي الأظافر قرآناً: «لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصّرين» (الفتح 27:42). وسبحان الله الذي فصل كل شيء في الكتاب تفصيلاً. ولو أن الغلفة نفل يسيء إلى أبداننا أو يشوّهها أو يعرّضها لأي ضرر لكان الله قد أنزل قرآناً بالختان كما أنزل الله قرآناً بالحلاقة والتقصير: «يا بني إنها إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت الله بها إن الله لطيف خبير» (لقمان 16:31). بهذه الآيات البيّنات يرد الله تبارك وتعالى على هزل اليهود وعلى كل زيف، سبحانه وتعالى يقذف بالحق علاّم الغيوب.

ملحق 23: رأي جمال البنّا (مصر / 1997)21

وجهة نظر في الختان

أعتقد أن قضيّة الختان - للرجال والنساء على السواء - قد أخطأت طريقها عندما عولجت من منطلق الدين. وإن هذا كان يمكن لو كنّا يهوداً وفي كتابنا المقدّس نصوص قاطعة عن الختان. ولكنّنا والحمد لله لسنا كذلك. والختان بالنسبة للإسلام لا يعد من مقدّساته أو أساسيّاته في شيء. فليس له علاقة بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر. وليس في القرآن الكريم كلمة واحدة عنه.

صحيح هناك بعض أحاديث ينسبونها إلى الرسول يقول واحد منها أنه «مَكرُمَة للمرأة» ويقول الآخر «لا تُنهِكي». وقضيّة مصداقيّة الحديث لم يسدل ستارها - كما يتصوّرون - بما وضعه المحدّثون من فنون الجرح والتعديل الخ... فضلاً عن أن الفقهاء والمحدّثون أنفسهم يعلمون ويقرّون أن من الأحاديث ما لا يعد تشريعاً. وأنه في هذا القسم يدخل كل ما يتعلّق بالعادات وأن الملزم من الحديث هو ما يصدر عن الرسول تبليغاً عن الله أو تبياناً لبعض ما أجمله القرآن. والختان لا يدخل في هذين. ولعّل ما يُصدِّق ذلك أن الختان لا يمارس في دول إسلاميّة عديدة، بما فيها السعوديّة.

والذي حدث هو أن الكتّاب في مصر، وبعض الدول الأخرى، مدنيين أو فقهاء، تمسّكوا بما وجدوا عليه آباءهم من عادات وتقاليد. لأن التحرّر من هذا أو الآخذ بما يخالفه يتطلّب شجاعة وأصالة فقدناهما منذ أن أعطى المسلمون عقولهم أجازة لمدّة ألف عام بإغلاق باب الإجتهاد - أي إعمال العقل. والأخذ بما كان عليه الآباء والأجداد يحظى بالموافقة ويتّفق مع مبدأ «الجهد الأقل». فهو مريح سلباً وإيجاباً حتّى وإن كانت ضحيّته هي الحقيقة. ومن قَبل قال المتنبي:

قد تعيش النفوس في الضيم حتّى لترى الضيم أنها لا تضام

على أننا لو عالجناها من منطلق إسلامي، فإن ما جاء في القرآن «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» (التين 4:95) يفنّد ما يدّعونه من أن الختان يصحّح نقصاً في طبيعة خلق الإنسان، وهو ما ينافي النص القرآني. لقد أراد الله للرجال والنساء أن يكونوا كما خلقهم - «في أحسن تقويم». فلا مبرّر للإفتيات باجتهادات لا بد أن تكون خاطئة. لأنها أخذت بعداً مظنوناً وأغفلت أبعاداً عديدة محقّقة.

ولعّل هذه النقطة ليست بعيدة عن قضيّة «قداسة الجسد الإنساني» وعدم العبث به بأي حجّة. إن الطبيب الذي يجري جراحة لإنقاذ مريضه من خطر محقّق يستأذن ويأخذ موافقة كتابيّة من المريض قَبل إجراء هذه الجراحة التي تُعمِل المشرط في اللحم الحي وقد تؤدّي إلى إزالة ما. من هذا المنطلق نقول إن ولاية الآباء على الأطفال من أبنائهم والتزامهم الخير لهم من تعليم أو علاج يؤمِّن مستقبلهم عندما يشبّون لا يدخل فيه أبداً هذه العمليّة التي لا تتضمّن إضافة، ولكن بتراً - حتّى لو كان القصد خيراً. لأن تعريض الملايين من الأطفال (في بعض الإحصائيّات 13 مليون طفل و2 مليون طفلة) للموس أمر لا داعي له على الإطلاق. وليس من المبالغة أن تفوق أضراره مزاياه المزعومة لأنه يغلب أن يؤدّى بيد جاهلة وبوسائل بدائيّة ممّا يؤدّي إلى مضاعفات عديدة عضويّة ونفسيّة فضلاً عن مخالفته لمبدأ قداسة الجسد الإنساني وعدم العبث به. ناهيك بتعريض هؤلاء الأبرياء الصغار لتجربة مؤلمة لو كانت لديهم القوّة لرفضوها.

وأنا مؤمن كل الإيمان أن من حق الرجال والنساء أن يعيشوا كما خلقهم الله وأن الله تعالى جعل كل الأعضاء «في أحسن تقويم»، بما في ذلك أعضاء الجهاز التناسلي للرجل والمرأة، وأنه أراد لهما أن يستمتعا باللقاء الجنسي الإنساني وأن هذه المتعة - وما يصحبها من حب - هي ما تميّز الأداء الجنسي الإنساني عن الأداء الجنسي بين الحيوانات الذي يعتمد على الغريزة وحدها، وأن هذه المتعة هي من حق المرأة خالصة لها أكثر من الرجل لأنها هي التي تتحمّل آثارها في المستقبل.

فإذا أضفنا إلى هذا الآثار السيّئة - أو قل المروعة - التي تترتّب على أداء عمليّة الختان بصورة بدائيّة، والصدمة التي تصاب بها الطفلة بوجه خاص. لأن الجهاز التناسلي للأنثى ينفذ في الداخل على عكس الجهاز التناسلي للرجل. ولهذا يتطلّب ختان الفتاة معاناة مؤلمة وخبرة دقيقة قلّما تتوفّر فيمن يمارسوه. ويغلب أن يترتّب عليه حرمانها من الإرتواء العاطفي. لأن الختان يهبط بدرجة الإستثارة لدى المرأة - بينما يزيدها لدى الرجل ممّا يوجد إختلالاً في اللقاء الجنسي بين الرجل والمرأة يحول دون أدائه بتوافق وانسجام. وينشأ عن هذا الخلل آثار بعيدة المدى على نفسيّة المرأة ومشاعرها وسلوكها وقد يثير فيها الشقاء والتعاسة والغضب والحرمان.

1 البحار: جـ 104 ص 110 ح 13.

2 البحار: جـ 104 ص 123 ح 73.

3 البحار: جـ 104 ص 126 ح 90.

4 البحار جـ 104 ص 124 ح 8.

5 مستدرك المسائل: جـ 2 ب 42 ص 622 ح 1.

6 مستدرك المسائل: جـ 2 ب 42 ص 622 ح 2.

7 الوسائل: جـ 15 ص 168 ح 2.

8 الوسائل: جـ 15 ص 168 ح 3.

9 مستدرك المسائل: جـ 2 ب 42 ص 622 ح 4.

10 مستدرك المسائل: جـ 2 ب 42 ص 622 ح 3.

11 الحائري، محمّد حسين الأعلمي: دائرة المعارف الشيعيّة العامّة، مؤسّسة الأعلمي، بيروت، 1993، جـ 9، ص 57-59. الفقرة الأولى من هذا النص غريبة التركيب. ولكننا أبقيناها كما هي.

12 جـ 7 ص 340.

13 جـ 3 ص 537 وفي العلل ط 2 ص 171.

14 هذا النص مقدّمة كتبها عصام الدين حفني ناصف في بداية ترجمته لكتاب جوزيف لويس: الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية، دار مطابع الشعب، القاهرة (1971؟). وهو كتاب مفقود من الأسواق. وقد نقلنا هنا فقط صفحة الإهداء والصفحات 12-56. ونشير هنا إلى إن الصفحات التي بينهما هي تصدير للكتاب تتكلّم عن حرّية الفكر. وقد اكتفينا هنا بنسخ المتن دون الحواشي، إلا نادراً. هذا ونأمل إن يقوم أحد الناشرين العرب بتبنّي الكتاب ونشره كاملاً لما فيه من فائدة. وعصام الدين حفني ناصف مفكّر مصري حر. وهو شقيق الكاتبة ملك حفني ناصف المعروفة بلقب باحثة البادية، وهي من أوائل المدافعات عن حقوق المرأة في مصر في مطلع القرن العشرين. كما إن شقيقته د. كوكب حفني ناصف من أوائل النساء المصريّات اللاتي عملن بمهنة الطب في مصر.

15 زعموا إن النبي (ص) مر بخاتنة معروفة تخفض إحدى الصبايا فقال لها: «يا أم عطيّة. أشمّيه (أي خذي منه قليلاً) ولا تنهكيه. فانه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج».

16 هم فرقة من العرب نزعت إلى الزهد وصدفت عن عبادة الأصنام. وقد نشأت بتأثير اليهوديّة والنصرانيّة غير أن أصحابها لم يكونوا يهوداً ولا نصارى. وقد عدّهم بعض المستشرقين شيعة من شيع النصرانيّة. نقل «بلوغ الأرب» عن الأخفش إنه قال: «كان يقال في الجاهليّة لمن إختتن وحج البيت حنيف لان العرب لم تتمسّك في الجاهليّة بشيء من دين إبراهيم غير الختان والحج فكل من إختتن وحج قيل له حنيف. فلمّا جاء الإسلام تمادت الحنيفيّة فالحنيف المسلم».

17 قال الشيخ السيّد سابق في ص 56 من كتابه «فقه السُنّة» المطبوع سنة 1950 عن الختان: «ولم يرد تحديد له ولا ما يفيد وجوبه».

18 قال إبن حنبل في ص 217 من الجزء الرابع: «دُعي عثمان بن أبي العاص إلى ختان فأبى أن يجيب. فقيل له فقال: انا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله، ولا ندعى إليه».

19 عفيفي، محمد: مرشد الحيران في عمليّة الختان، مجلّة الهلال، إبريل 1971، ص 120-126. هذا تعليق على كتاب جوزيف لويس: الختان ضلالة إسرائيليّة مؤذية، ترجمة عصام الدين ناصف، دار مطابع الشعب، القاهرة (1971؟). محمّد عفيفي كاتب مصري ساخر رشيق العبارة.

20 المهدوي، مصطفى كمال: البيان بالقرآن، الدار الجماهيريّة للنشر والتوزيع والإعلان، مصراته، ودار الآفاق الجديدة، الدار البيضاء، 1990، مجلّد 1، صفحة 348-350.

21 الكاتب مفكّر عُني بالتجديد الإسلامي الذي يجاوز الأطر التقليديّة، وله كتابات عديدة، كما إنه الشقيق الأصغر للإمام حسن البنّا، مؤسّس حركة الإخوان المسلمين في مصر. وهذا النص لم ينشر سابقاً وقد كتبه مؤلّفه خصّيصاً لنا. فله منّا بالغ الشكر.

مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

http://www.sami-aldeeb.com/

2003


مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي



نبذة عن المؤلف

سامي عوض الذيب أبو ساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1994 في الزبابدة، فلسطين.

أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسئول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة في عدّة لغات. وألقى محاضرات عدّة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت www.sami-aldeeb.com


من بين كتبه

- أثر الدين على النظام القانوني في مصر: غير المسلمين في بلاد الإسلام، 1997 (بالفرنسيّة).

- التمييز ضد غير اليهود مسيحيّين ومسلمين في إسرائيل، 1992 (بالفرنسيّة).

- المسلمون وحقوق الإنسان: الدين والقانون والسياسة، دراسة ووثائق، 1994 (بالفرنسيّة).

- ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين، 2001 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).

- المقبرة الإسلاميّة في الغرب: النظم اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، 2002 (بالفرنسيّة).

- المسلمون في الغرب بين الحقوق والواجبات، 2002 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).


الكتاب الذي بين يديك

هذا الكتاب مختصر لكتاب مطول يجده القارئ في موقعي على الانترنيت. وقد أصدرت دار رياض الريس في بيروت عام 2000 الجزء الأول من الكتاب المطول تحت عنوان: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني. كما صدر الكتاب كاملاً، دون الملاحق، باللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة.

مؤامرة الصمت

ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي




مختصر محتويات الكتاب

يجد القارئ المحتويات كاملة في آخر الكتاب


تقديم الدكتورة نوال السعداوي 11

المقدّمة 17

الجزء الأوّل: تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه 21

الفصل الأوّل: تعريف الختان 21

الفصل الثاني: الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي 24

الجزء الثاني: الختان والجدل الديني 27

الفصل الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي 27

الفصل الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي 54

الفصل الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي 71

الجزء الثالث: الختان والجدل الطبّي 105

الفصل الأول: الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث 105

الفصل الثاني: الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث 109

الفصل الثالث: المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث 119

الفصل الرابع: الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث 131

الفصل الخامس: المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة 152

الجزء الرابع: الختان والجدل الاجتماعي 157

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي 157

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط 162

الفصل الثالث: الختان والدين 165

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة والأعداد للزواج 167

الفصل الخامس: الختان والنظام القَبلي والطائفي 171

الفصل السادس: الختان وغريزة التسلط 175

الفصل السابع: الختان والعوامل الاقتصادية 178

الفصل الثامن: الختان والدوافع السياسيّة 183

الفصل التاسع: النتائج النفسيّة والاجتماعية للختان 189

الفصل العاشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان 198

الجزء الخامس: الختان والجدل القانوني 205

الفصل الأوّل: منع ختان الذكور عبر التاريخ 205

الفصل الثاني: إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث 208

الفصل الثالث: الختان وحقوق الإنسان 219

الفصل الرابع: ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية 226

الفصل الخامس: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات 232

الفصل السادس: الختان واللجوء السياسي 238

خاتمة الكتاب 243

ملاحق 245

كامل محتويات الكتاب 335

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

منحني هذا الكتاب لذّة المعرفة. أدركت منذ الطفولة أنها أكثر أهمّية من لذّة الحلوى في العيد أو الفستان الجديد، رغم أنها لم ترد في كتب الله الثلاثة ضمن ملذّات الدنيا والآخرة. كنت أتساءل دائماً لماذا تغيب في جنّة عدن. لم أنبهر كثيراً بالجنّة وما فيها من لبن وعسل وخمر وحور وغلمان. كانت لذّة المعرفة تبدو لي أكثر أهمّية من كل ذلك. منذ تعلمت القراءة انفتح عالم الكلمات أمامي على نحو مبهر. إلاّ أن اللذّة كان يصاحبها الإثم دائماً. ربّما بسبب خطيئة حوّاء (كما شرحها لنا المدرّسون) لأنها أكلت الثمرة المحرّمة. لم يذكر الله اسم الشجرة في القرآن، لكنّه ذكر اسمها في كتابه الأوّل التوراة، وقال إنها شجرة المعرفة. عرفت منذ المدرسة الابتدائية أن التوراة والإنجيل أنزلهما الله نوراً وهدى للناس كما أنزل كتابه الثالث القرآن. اقترن الإيمان بالإثم منذ قرأت الكتب السماويّة. يتزايد الإثم في أعماقي مع تزايد المعرفة، حتى قرّرت في مرحلة المراهقة الأولى أن أكف عن القراءة.

كنت في مدرسة تجمع التلميذات من الأديان الثلاثة المسلمات والقبطيّات واليهوديّات، وكم تصارعنا حول أيها الدين الصحيح، وكم تنافسنا في اصطياد الآيات غير المنطقيّة في الكتاب الذي لا نؤمن به. عانيت كثيراً لأني كنت مسلمة ورثت الإسلام عن أبي الذي قال لي إنني يجب أن أومن بكتب الله الثلاثة. عانيت وحدي وأنا أقرأ هذه الكتب. أتوقّف عند آيات لا يقبلها عقلي. وأسأل أبي وأمي والمدرّسين إلاّ أن أحداَ لم يكن يرد على تساؤلاتي.

لا زلت حتى اليوم وبعد أن تجاوزت الستين عاماً أحاول الإجابة على كثير من الأسئلة الطفوليّة التي دارت في رأسي وأنا في العاشرة من العمر دون أن أجد لها جواباً. إن النشاط الهرموني المتزايد في سن المراهقة الأولى يزيد نشاط الخلايا العقليّة، ويصاحب رغبة الاستطلاع الجنسيّة رغبة استطلاع فكريّة. وفي هذا العمر تزيد الضغوط العائليّة والاجتماعية على المراهقين والمراهقات تحت اسم الحماية أو العفة. وتسعى السلطة في الدولة أو العائلة لمصادرة الكتب. هكذا يصاحب التعفف الجنسي تعفف فكري، ويتم تحريم الأفكار الأخرى بمثل ما يتم تحريم الاختلاط بالجنس أو الأجناس الأخرى.

في بلادنا العربيّة لا أظن أننا تخلصنا من داء مصادرة الكتب التي تفتح عقول الشبان والشابّات على أفكار مختلفة لم ترد للأسلاف من الأجداد أو الأنبياء. منذ أيّام قليلة (خلال شهر أبريل 1999) منعت الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة عدداً من الكتب، ومنها سيرتي الذاتيّة المترجمة إلى الإنكليزيّة، رغم أنها نشرت بالعربيّة منذ عامين. وهذا يدلنا على أن الرقابة على الكتب أو على المعرفة لا تزال موجودة في بلادنا، بل إنها تشتد تحت اسم حماية الشباب من الأفكار التي قد تهز إيمانهم الديني! فهل الإيمان قشة يمكن أن يذروها الهواء؟ هل لا بد من غلق النوافذ حتى تظل هذه القشة ملتصقة بقشرة المخ؟ وإن انفتحت نافذة واحدة طارت القشرة ومعها القشة؟!

في العاشرة من عمري في قريتي في مصر كنت ألتهم أي كتاب يقع في يدي، وأقرأ القراطيس التي يلف فيها اللب أو الفول السوداني. كانت صفحات من كتب قديمة يبيعها المفكرون الفقراء بالأقة لأصحاب الدكاكين. تخيّلت وأنا أقرأ هذا الكتاب لو أنه وقع في يدي منذ أربعين عاماً، هل كان يوفر عليَّ السنين الطوال التي أنفقتها في البحث والتنقيب عن الحقيقة؟ التي كانت تتسرّب كالماء من بين أصابعي، ما أن أمسكها حتى تفلت منّي كالسمكة في البحر، وأعود أدراجي إلى الصلاة والتوبة عن الإثم.

هذا الكتاب من الكتب الضروريّة للمكتبة العربيّة. لهذا أود أن يُنشر هذا الكتاب في بلادنا العربيّة، وأن يكون في متناول الشبان والشابّات والتلاميذ والتلميذات في المدارس والجامعات.

أحد الأسلحة في مجال الثقافة العامّة، حيث تحرّم الأغلبيّة الساحقة من الثقافة الحقيقيّة، حيث يفشل نظام التعليم في تدريب الشبان والشابّات على تشغيل عقولهم. تؤدّي الهزيمة العقليّة إلى هزيمة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة. إن الثقافة غير منفصلة عن السياسة أو الدين أو الحرب، والعقل هو الذي يوجّه اليد التي تمسك السيف أو البندقيّة.

لا أظن أن بلادنا يمكن أن تنهض من كبوتها أو هزائمها المتتالية أمام الغزو الخارجي أو البطش الداخلي دون نهضة عقليّة، دون حرّية فكريّة بحيث يكون الشك هو خادم المعرفة كما يقول مؤلف هذا الكتاب، الحقيقة إذا كانت حقيقة فإنها تقوى أمام كل امتحان.

الشك أوّل الخطوات نحو المعرفة وليس الإيمان. فالإيمان موروث يطمس العقل ويمنعه من التفكير بحرّية. حتى في كليات الطب لم تكن المعرفة واردة، بل التدريب على إجراء عمليّات موروثة عن الآباء والأجداد. أود أن يُدرّس هذا الكتاب للأطبّاء والطبيبات في بلادنا حتى يكفوا عن إجراء عمليّات الختان للذكور والإناث على حد سواء.

يبدأ الدكتور سامي أبو ساحلية كتابه بأنه تألم حين سمع طفلاً يصرخ من شدّة الألم أثناء عمليّة ختان. بقي هذا الصراخ يدوّي في أعماقه رغم أنه هو نفسه لم يتعرّض لعمليّة الختان. فلماذا لا يسمع الأطبّاء هذا الصراخ أثناء إجرائهم هذه العمليّة؟ أليس للأطبّاء آذان وقلوب تتألم مثل البشر؟ أليس للآباء والأمّهات الذين يسمعون صراخ أطفالهم آذان وقلوب؟!

الجهل يطمس القلوب والآذان فلا تسمع ولا تحس. الجهل يقلب الأمور رأساً على عقب فيصبح الألم فرحاً وسفك الدم مبعث السرور والبهجة. ألم يبتهج إله موسى في التوراة حين رأى الدم يسيل من ابنه حين أمسكت زوجته صفورة حجر صوّان وقطعت غرلته؟! إذا كان الإله (الذي هو المثل الأعلى للبشر) يبتهج لمنظر الدم فماذا يفعل البشر؟!

الله هو العدل كما عَرفت من جدّتي الفلاّحة الفقيرة: «ربّنا هو العدل عرفوه بالعقل» هي عبارتها. رسخت في ذهني منذ السادسة من عمري، مع الألم الذي أشعر به إثر عمليّة الختان، وصراخ أختي لا يزال في أذني رغم مرور ستين عاماً. وقد توالى الصراخ في بيتنا إثر ختان تسعة من الأطفال الذكور والإناث. آلمني صراخ أخي الصغير بمثل ما آلمني صراخ أختي الصغرى، وبعد كل صرخة تتزايد شكوكي في عدالة الله، ويتزايد معها الإحساس بالإثم.

فرحت بهذا الكتاب، لأنه قد يحرّر الناس من الإحساس بالإثم الدفين منذ طفولتهم، ولأنه قد يلعب دوراً كبيراً في إقناع الكثيرين بالامتناع عن ختان أطفالهم الذكور والإناث. لقد بذل المؤلف الدكتور أبو ساحلية جهداً كبيراً في المقارنة بين الأديان السماويّة الثلاثة إزاء موقفها من الختان، ومتابعة الآراء المعارضة والمؤيّدة بروح علميّة وإنسانيّة. وهناك نقص كبير في الدراسات المقارنة بين الأديان في معظم الجامعات في العالم. وقد اكتشفت أن الأقسام التي تدرس الدين في الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة لا تهتم بالدراسات المقارنة بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، بل إنها تدرّس الإسلام فقط لمن يختص في الإسلام، ويصبح أستاذاً في الدين الإسلامي، دون أن يعرف التشابه أو الاختلاف بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة. قابلت كثيراً من الأساتذة الأمريكيّين والأوروبيين الذين تخصّصوا في الإسلام، والذين يعتقدون أن حجاب المرأة وختانها يرتبط بالإسلام فقط وليس له وجود في المسيحيّة واليهوديّة.

هذا الكتاب يكشف عن هذه الأفكار الخاطئة والشائعة في الغرب. فإن عمليّات الختان للذكور كانت تمارس قبل ظهور الأديان السماويّة. وقد مورست في ظل هذه الأديان الثلاثة. ويتميّز القرآن عن التوراة في أنه صمت تماماً عن ختان الذكور، كما أن القرآن لم يذكر شيئاً عن ختان الإناث. فلماذا هذه الشائعات السياسيّة الغربيّة عن الإسلام وحده دون الأديان الأخرى؟ أذكر أنني في إحدى المحاضرات في بداية الثمانينات في مؤتمر بمونتريال بكندا، تعرّضت للأديان الثلاثة فيما يخص الحجاب وختان الذكور والإناث. وتقبّل الحاضرون من النساء والرجال كلامي بفهم كبير، خاصّة وأنني قرأت بعض الآيات من التوراة والإنجيل والقرآن. إلاّ أن الغضب الشديد استولى على بعض النساء اليهوديّات الأمريكيات والإسرائيليّات على حد سواء. أصابهن هستيريا الغضب ولجأن إلى الصراخ والشتائم والاتهامات أقلها الاتهام بالعداء للساميّة. إلاّ أنني واجهت هذا الغضب بقوّة المنطق، لأن الغضب كثيراً ما يكون غطاءاً للزيف وبطلان المنطق. وقلت إننا العرب من أهل سام وليس اليهود فقط. وأن العداء للساميّة هو عداء للعرب أيضاً. لذلك لا يمكن تخويفنا بهذه الحجّة الواهية (العداء للساميّة). ثم أثبت بحقائق التاريخ أن اليهوديّة والمسيحيّة فرضتا الحجاب على النساء. ولا يختلف زي الراهبات في الكنائس عن زي النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب. وفي يومنا هذا لا يمكن لامرأة مسيحيّة (وإن كانت زوجة الرئيس الأمريكي) أن تقف أمام البابا في الفاتيكان دون أن تغطي رأسها بحجاب. ثم قرأت بعض ما يكتبه التيّار اليهودي الأصولي في إسرائيل عن عزل النساء من الحياة العامّة ممّا هو أشد قهراً للنساء ممّا يكتبه التيّار الإسلامي الأصولي في مصر أو الباكستان.

تأتي أهمّية هذا الكتاب من الدراسة المقارنة بين الأديان الثلاثة. وهي تكشف عن الصراعات السياسيّة والاقتصادية بين الفرق المختلفة تحت اسم الله.

يقول المؤلف عن العهد القديم بين الله والنبي إبراهيم، إنه «تسييس عمليّة جراحيّة». وهذا صحيح. وإلاّ فلماذا وعد الله شعبه المختار بأرض كنعان، وما علاقة الاستيلاء على أرض الغير بختان الذكور؟

في مقال لي بمجلة روز اليوسف في 21/12/1998 تحت عنوان: «أوقفوا ختان الذكور»، تساءلت عن سر العلاقة بين الاستيلاء بالقوّة عن أرض فلسطين وبين قطع غرلة الأطفال الذكور؟! الغريب أن غضب بعض الرجال المسلمين عليّ لم يكن أقل من غضب النساء اليهوديّات في مؤتمر مونتريال منذ خمسة عشر عاماً. ممّا يدل على أن الإسرائيليّات قد تسرّبت إلى الإسلام فيما يخص ختان الذكور، كما وضّح لنا هذا الكتاب.

لقد تم استخدام القوّة لإخفاء الحق منذ نشوء العبوديّة أو النظام الطبقي الأبوي في التاريخ البشري، ولإخفاء السلطة السياسيّة تحت غطاء السلطة الدينيّة. كان الإله الحاكم يجلس على عرش الأرض والسماء ويقدّم له العبيد القرابين من الفراخ والحمام واللحم البشري فيأكل ويشرب ويغسل قدميه ويطالب عبيده بأن يبنوا له بيتاً يعيش فيه يسمّونه المعبد المقدّس.

رغم مرور آلاف السنين منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي لم تنفصل السلطة السياسيّة عن السلطة الدينيّة حتى يومنا، في الشرق والغرب والشمال والجنوب. إن الرأسماليّة العالميّة أو النظام الطبقي الأبوي الدولي لا يمكن أن يستمر في الوجود دون الارتكاز على قوّة غامضة غير مرئيّة، يستطيع باسمها أن يخدع الناس ويقهرهم ويحتل أراضيهم ويقطع في أجسادهم وعقولهم كما يشاء تحت اسم المقدّس.

يكشف هذا الكتاب عن دور السياسة في موضوع الختان. حدثت عام 1871 قفزة إلى الأمام بسبب ما كان ينتج عن الختان من وفيّات ونزيف وقرّر المجمع اليهودي أن ختان الذكور ليس واجباً مفروضاً على اليهود. إلاّ أن الردّة السياسيّة والثقافيّة حدثت مع تزايد قوّة الاستعمار وبعد إنشاء دولة إسرائيل. تضاعفت القوى السياسيّة والدينيّة المحافظة، إلى أن جاء قرار الجمعيّة العموميّة لحاخامات اليهود عام 1979 بفرض ختان الذكور.

يوضّح الكتاب أن الختان عمليّة عبوديّة أو علامة العبيد كما يقول المؤلف. هناك آية في الدين اليهودي تؤكد ذلك، وهي: (يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك) كما يوضّح الصراع الذي دار على الدوام حتى عصرنا هذا بين الذين يتمسّكون بحرفيّة كتاب الله (من أجل مصالح مادّية في الدنيا) وبين الذين ينشدون جوهر الدين الصحيح وهو العدل واحترام كرامة الإنسان وجسده. كما يوضّح التشابه بين عمليّات الختان وعمليّات اخصاء العبيد، حتى يتفرغوا للخدمة في البيوت أو للغناء في الملاهي مثل النساء.

لا تختلف عمليّات الختان عن عمليّات القتل الجماعي في حروب الاستعمار القديم والجديد، ولا تكف الآلة العسكريّة الرأسماليّة الاستعمارية عن قتل الآلاف والملايين من الشعوب البريئة حتى يومنا هذا، دون رحمة أو شفقة. بل إنهم يقتلون تحت اسم الله أو العدل أو الحرّية أو الديموقراطيّة أو السلام، كما يختنون الملايين ويقطعون في أجسامهم باسم الله.

الدول، وإن أعلنت أنها علمانيّة (تفصل بين الدين والسياسة)، إلاّ أنها لا تستطيع أبداً التخلي عن الدين، لأنها لا تستطيع تحمّل مسؤوليّة القتل أو الختان، ولا بد لها من إلقاء المسؤوليّة على الله. ويكشف الكتاب عن ختان الذكور. هو بقايا الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ولا بد من إسالة نقطة دم وإن أصبح الختان رمزياً فقط (دون قطع الغرلة)، لأن الدم علامة العبوديّة (دم العهد) وتصاحب عمليّة الختان صلوات رجال الدين لإدخال الله رمزياً في العمليّة، وإذا تم بعيداً عن رجال الدين لا يعترفون به، ولا بد من وجودهم ليكون ختاناً شرعيّاً.

ألا يشبه ذلك عقد الزواج؟ إن الزواج لا يكون شرعيّاً إلاّ بحضور المأذون أو رجل الدين. وهذا يؤكد سلطة رجال الدين الاجتماعية، رغم اضمحلال قوّتهم في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. لقد أصبحت جميع القوانين في بلادنا مدنيّة ما عدا قانون الزواج والطلاق فهو لا يزال قانوناً دينيّاً يسيطر عليه رجال الدين، يمسكونه بالمخالب والأنياب كأنما هو آخر قلاعهم أو معاقلهم، ولأن قانون الزواج مثل الختان يمس حياة الشرائح الأضعف في المجتمع، وهم الأطفال والنساء.

ويكشف الكتاب كيف يتنصّل كثير من اليهود اليوم من عمليّات ختان الذكور، يحاولون إلصاقها بالمصريّين القدماء، كما حاولوا إلصاق عمليّات ختان الإناث بالعرب والإسلام لأسباب سياسيّة، ولإثبات أن العرب أمّة بربريّة متخلفة تقطع بظور النساء.

دهشت عندما سمعت وزير الصحّة في مصر يردّد أن ختان الإناث عادة أفريقيّة. وسمعت بعض الأطبّاء يردّدون هذه العبارة ذاتها، في محاولة لإبعاد العار عن مصر وإلصاقه بالأفارقة السود. لكن هذا الكتاب يوضّح هذه النظرة الخاطئة، ويشرح كيف انتشرت عمليّات ختان الذكور والإناث في المجتمعات المختلفة منها: اليهود والمسيحيّين والمسلمين والسود والبيض في الشرق والغرب.

إن تقدّم البشريّة وتخلصها من هذه العادات العبوديّة يرتبطان بالنظم السياسيّة والاقتصادية. أمّا الأديان فهي خادمة لهذه النظم، ويمكن للدين أن يتطوّر ويتقدّم مع التقدّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للنساء والرجال والشاب والأطفال.

يتخفى الحكام في عصرنا هذا تحت اسم الله كما يتخفى الكهنة في الأزمنة القديمة. تذكرت وأنا أقرأ في هذا الكتاب عن بطرس وكيف برّر قبوله لدعوة قرنيليوس برؤيا رآها قبل أن يصله المبعوث بالدعوة، وأصبح ذهاب بطرس إلى قرنيليوس (الأغلف. النجس. العدو) ليس خيانة لعهد الله بل طاعة للروح القدس التي جاءته في الرؤيا. تذكرت كيف برّر الرئيس المصري أنور السادات (توفى عام 1981) ذهابه إلى إسرائيل عام 1979 بأنه رأى الله في المنام وأن الله قال له اذهب إلى إسرائيل. هكذا أصبحت رحلة السادات إلى تل أبيب شرعيّة.

كذلك وجدت تشابهاً كبيراً بين أقوال «إتيوس» الطبيب في البلاط البيزنطي (في القرن السادس الميلادي) بأقوال الشيخ متولي الشعراوي (توفى عام 1998) في مصر عام 1977. كلاهما كان يؤيّد ختان الإناث لأن «بظر المرأة يحتك بملابسها ويثير شهوتها».

ومن أطرف الحكايات في هذا الكتاب قصّة البعثة الطبّية الكاثوليكيّة إلى مصر في القرن الثامن عشر التي عادت إلى روما وفي جعبتها تقرير عن بظر المرأة المصريّة، فحواه أن هذا البظر أكبر من بظور النساء في العالم أجمع ولا بد من قطعه لأنه يمنع ما لأجله شرّع الزواج.

لعّل أهم ما في الكتاب هو النظرة العلميّة المحايدة التي لا تتعصّب لدين دون الدين الآخر، وتعرض الآراء على نحو عادل. يترك للقراء والقارئات أن يحكموا بأنفسهم على الأمور. رأينا كيف أن الأديان تتشابه خاصّة في نظرتها إلى الأعضاء الجنسيّة وفرض الطاعة على العبيد والجواري، ونجاسة المرأة التي تظهر في التوراة أكثر من أي كتاب آخر، وكيف مُنعت المرأة في المسيحيّة من الترانيم الروحيّة بالكنيسة بمثل ما منعت في الإسلام من الأذان للصلاة. وهناك كثير من المشايخ في الإسلام في يومنا هذا يردّدون عبارة بولس الشهيرة: «ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القدّيسين فإنه لا يؤذن لهن بالتكلم». أصبح صوت المرأة عورة عند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين، بمثل ما أصبح شعر المرأة عورة منذ أن جاءت هذه العبارة الشهيرة في التلمود: «شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري». وتشمل صلاة اليهودي كل يوم هذه العبارة الشهيرة: «أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة».

ومن أهم الأجزاء في الكتاب تلك التي تكشف عن صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرّمت ختان الإناث، بسبب الخوف من اللوبي اليهودي السياسي في أمريكا وأوروبا.

أتفق تماماً مع الدكتور سامي أبو ساحلية مؤلف هذا الكتاب في أن الحملة ضد الختان يجب أن تشمل الذكور والإناث ولا تقتصر فقط على الإناث، ذلك أن الجريمة واحدة وإن اختلفت درجتها أو شكلها.

المقدّمة

من خلف جدار دار الجيران يرتفع صريخ أطفال يتألمون ممزوج بزغاريد النساء مع أغاني فرح ما زلت أحفظ منها جملة تقول: «زَينُه يا شلبي وسلمُه لامُه».

كان الجيران يحتفلون بختان أطفالهم وبهذه المناسبة اجتمعوا مع الأقارب في ساحة البيت وفي الشارع المجاور ووزّعوا الحلوى على المارة. وكانت عمليّة الختان تتم داخل البيت، يقوم بها «الشلبي». ولصغر سني حين ذاك ولكوني من عائلة مسيحيّة لا تمارس الختان لم أستوعب ما هو الختان ولماذا يصيح الأطفال من الألم بينما الجمع من حولهم يفرحون ويمرحون. لقد بقي هذا الحدث الغريب المتناقض عالقاً بذاكرتي بعد أكثر من أربعين عاماً من انقضائه ورغم المسافة التي تفصلني عن مكان حدوثه

في عام 1993، أعطيت أول محاضرة عن ختان الذكور والإناث بناء على طلب المنظمة الليبية (شمال جنوب 21) ضمن مؤتمر عن حقوق الطفل عقدته في جامعة جنيف يومي 30 و31 يناير عام 1993. وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة حتى انهالت علي الانتقادات من منظمي المؤتمر، وكان بينهم مسلمون وصفوني بالإلحاد. أمّا الحاضرون فقد صفقوا لي واستغربوا الاتهام. فدافعت عن نفسي موضّحاً أن ما جاء في محاضرتي ليس تهجّماً على الديانات بل دفاعاً عن الأطفال الأبرياء.

في 7 سبتمبر 1994، عندما كانت تنعقد في القاهرة أعمال المؤتمر العالمي للسكان والتنمية، عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» فيلماً وثائقياً عن ختان طفلة مصريّة اسمها نجلا في العاشرة من عمرها في العاصمة المصريّة بيد حلاّق. وكانت الطفلة تصرخ من الألم. فاهتزت على أثر هذا الفيلم كل الأوساط المصريّة، الرسميّة والشعبيّة. هناك من اعتبر الفيلم إهانة لمصر وللإسلام وهناك من اغتنم هذا الفيلم للتصدّي لعادة ختان البنات في مصر. وتدخّل رجال الدين الإسلامي فأعلنوا رأيهم في هذا الخصوص، فتعارضت الآراء بين مفتي الجمهوريّة وشيخ الأزهر، ولكل منهما سنده وحجّته وأتباعه. وهذا التباين جعلني أتساءل ما هي الأسباب التي من أجلها عرضت الشبكة المذكورة فلمها؟ هل كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان أم تشهيراً بمصر وبالإسلام؟ وإن كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان، فلماذا تسكت هذه الشبكة عمّا يجري في الولايات المتحدة حيث يختن يومياً ما يناهز 3300 طفل أمريكي في المستشفيات الأمريكيّة يصيحون من الألم؟ ولماذا ينتقد الغرب ختان البنات ويُصدر ضد فاعليه الأحكام القضائيّة القاسيّة بينما ختان الصبيان يمر مرور الكرام دون سؤال أو استفسار؟ وقد توصّلت إلى أن أحد الأسباب، إن لم يكن أهمّها، هو الخوف من اليهود الذين يمارسون ختان الذكور.

في شهر يوليو 2002 زرت جامعة بريسبان في أستراليا في يوليو 2002 واجتمعت مع رئيس قسم الدراسات الخاصّة بأهل أستراليا الأصليين، ميكائيل ويليمز، وسألته عن الختان عند الأستراليين الأصليين وكان رده بأنه لا يحق له التكلم في هذا الموضوع لأنه يخاف أن يصاب بالمرض. وعندما سألته عن معنى الحرّية العلميّة إذا كان يرفض الإجابة فرد بأن القانون الديني يعلو على القانون العلمي. وفي ردّه على سؤال حول ختان الإناث قال لي بأنه لا يحق للرجال التكلم عن مواضيع النساء واقترح علي مناقشة الأمر مع نائبته الأستاذة جاكي هيجنز. وقد أرسلت رسالة إليكترونية لها مع بعض الأسئلة عن ختان الذكور والإناث فردّت عليها جميعاً بجملة واحدة تقول فيها بأنها تأسف لعدم الإجابة على أسئلتي لأنها لا تملك إذناً بالبوح بما تعرف.

في 28 و 29 أكتوبر 2002 قمت بإلقاء محاضرتين عن ختان الذكور والإناث في باريس. وفي اليوم الأول انسحبت ثلاث يهوديات من القاعة احتجاجاً على عرضي ممارسة الختان في الطائفة اليهودية. وفي اليوم الثاني حضرت مع رجلين نبهاني بأنهما جاءا لمراقبتي.

في كل مكان من العالم هناك قانون الصمت الذي يخيم على ممارسات ختان الذكور والإناث التي يروح ضحيتها سنوياً ما لا يقل عن 13 مليون صبي ومليوني صبية. وما زلت منذ عام 1993 أحاول كسر هذا القانون من خلال كتاباتي ومحاضراتي ومداخلاتي في الراديو والتلفزيون. وها أنا اليوم أقدم هذا الكتاب لتأليب الرأي العام ضد هذه الممارسات البدائية والهمجية.

وبعد شكري للمولى على فضله، أود أن أشكر كل من شجّعني لكتابة هذه الدراسة. كما أشكر كل من قام بمراجعتها وأبدى ملاحظاته على الشكل والمحتوى. ولكني وحدي الذي أتحمّل تبعة ما يحتويه هذا الكتاب من آراء أو أغلاط.

هذا أرجو القارئ الكتابة لي على عنواني التالي لإبداء آرائه وملاحظاته البنّاءة:

Dr. Sami Aldeeb

Ochettaz 17

1025 St-Sulpice, Switzerland

عنواني الإلكتروني saldeeb@bluewin.ch

تنبيه

ارتكزنا في كتابنا هذا على «الكتاب المقدّس»، الطبعة الثالثة للترجمة العربيّة الصادرة عن دار المشرق في بيروت عام 1986. وإذا جاء نص من هذه الكتب المقدّسة ضمن فقرة نقلناها عن مؤلف بالعربيّة بترجمة غير التي بين أيدينا أو مرقمة بغير أرقامنا الحاليّة، استبدلنا تلك الترجمة والأرقام بالترجمة والأرقام الحاليّة. وقد وضعنا أرقام الآيات في بدايتها بين قوسين (...) لتسهيل عمليّة الرجوع لهذه النصوص. وعند ترك آية داخل النص لا علاقة لها بموضوعنا نشير إلى ذلك بعلامة [...]. كما أننا نستعمل نفس الإشارة عندما نضيف كلمة لتوضيح النص.

حتى لا نثقل على القارئ قرّرنا حذف جميع هوامش ومراجع الكتاب إلا ما جاء في داخل النص ونحيل القارئ للكتاب العربي المطول على الانترنيت لمن تهمه تلك الهوامش والمراجع. هذا وقد أشرنا إلى تاريخ وفاة المؤلفين، خاصّة القدامى منهم، بعد ذكر اسمهم لأوّل مرّة. والتواريخ المذكورة هنا كما في الكتاب هي حسب التقويم الميلادي (م = بعد المسيح؛ ق.م = قَبل المسيح). وقد أخذنا بالاختصارات الآتية فيما يخص أسفار الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة:

الكتب المقدّسة اليهوديّة

التكوين: سفر التكوين

الخروج: سفر الخروج

الأحبار: سفر الأحبار

العدد: سفر العدد

تثنية: سفر تثنية الإشتراع

يشوع: سفر يشوع

القضاة: سفر القضاة

1 صموئيل: سفر صموئيل الأوّل

2 صموئيل: سفر صموئيل الثاني

1 ملوك: سفر الملوك الأوّل

2 ملوك: سفر الملوك الثاني

عزرا: سفر عزرا

أستير: سفر أستير

1 المكابيين: سفر المكابيين الأوّل

2 المكابيين: سفر المكابيين الثاني

المزامير: سفر المزامير

الأمثال: سفر الأمثال

أشعيا: سفر أشعيا

أرميا: سفر أرميا

حزقيال: سفر حزقيال

ملاخي: سفر ملاخي


الكتب المقدّسة المسيحيّة

متى: الإنجيل كما رواه متى

مرقس: الإنجيل كما رواه مرقس

لوقا: الإنجيل كما رواه لوقا

يوحنّا: الإنجيل كما رواه يوحنّا

أعمال: سفر أعمال الرسل

رومية: رسالة بولس إلى أهل رومية

1 قورنتس: رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنتس

2 قورنتس: رسالة بولس الثانية إلى أهل قورنتس

غلاطية: رسالة بولس إلى أهل غلاطية

فيليبي: رسالة بولس إلى أهل فيليبي

قولسي: رسالة بولس إلى أهل قولسي

طيطوس: رسالة بولس إلى طيطوس

الجزء الأوّل
تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه

الفصل الأوّل
تعريف الختان

1) الختان أحد أساليب التصرّف بالجسد

منذ قديم العصور حتى يومنا هذا، حاول ويحاول الإنسان التصرّف بأعضاء جسده وجسد غيره، من أعلى رأسه حتى أصابع رجليه مروراً بأعضائه الجنسيّة، مدّاً أو ضغطاً أو وشماً أو كيّاً أو شقّاً أو ثقباً أو بتراً. ولم يستطع تقدم المجتمع التخلص من هذه التصرفات التي قد تصيب الفقير والغني. ومن بين الحالات المشهورة الأميرة «ديانا» (توفت عام 1997). ففي إحدى مناقشاتها الحادّة مع الأمير «شارلز» التقطت سكين جيب وجرّحت صدرها وفخذيها.

وقد حظيت الأعضاء الجنسيّة بنصيب كبير من نكد الإنسان على نفسه. فقد مثل بها كيفما شاء خصياً أو جبّاً أو شقّاً أو ثقباً. وفي كتابنا هذا سوف نتوقّف عند نوع واحد من أنواع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة وهو ختان الذكور والإناث الذي يعتبر من ظواهر المساس بسلامة الجسد الأكثر غموضاً والأوسع انتشاراً. وكان من ضحايا هذه الظاهرة أبو الأنبياء إبراهيم الذي ختن نفسه عندما كان عمره 99 سنة حسب التوراة، أو 80 أو 120 سنة حسب المصادر الإسلامية. واتباعاً لمثاله ملايين الأطفال ختنوا وما زالوا يختنون.

2) الكلمة ومدلولها الاجتماعي والسياسي

أصل الختان عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين هو التوراة. ويستعمل اليهود في العبريّة كلمة «ميلا» التي تعني القطع. وهذه الكلمة تستعمل ضمن عبارة «بريت ميلا» أي «عهد القطع» التي تُذَكرنا بالعبارة العربيّة «قطع عهداً». وهذه العبارة كما سنرى لاحقاً إشارة للفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يَدَّعِي أن الله قطع عهداً لإبراهيم بأن يعطيه ونسله الأرض الموعودة، أي «أرض كنعان». ومقابل ذلك العهد، أمر الله إبراهيم بأن يقطع غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده. هناك إذاً تلاعب بالكلمات وتسييس لعمليّة جراحيّة. وتستعمل التوراة أيضاً كلمة «تبر» (الخروج 4:25)، ونفس الكلمة في العربيّة تعني هلك أو أهلك، وتُذَكرنا بكلمة «بتر» مع قلب الأحرف التي تعني قطع. والجزء الذي يقطع يسمّى في العبريّة «غرلة». وغير المختون يسمّى بالعبريّة «أغرل». ولا يوجد في التوراة ذكر لختان الإناث.

يستعمل علماء اللغة العربيّة كلمات عدّة للإشارة إلى الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار. والعامّة هي كلمة ختان أو طهور أو طهار أو طهارة للذكر والأنثى. وهذه الكلمة الأخيرة تبيّن أن الختان في فكر الناس يُطهِّر من تُمارَس عليه هذه العادة. والقطعة التي تقطع عند الذكر تسمّى «الغرلة» كما في العبريّة، أو «الغلفة» أو «القلفة». وغير المختون يسمّى «أغرل» أو «أغلف» أو «أقلف».

وكلمة «الختان» التي تشير إلى عمليّة القطع لها معان ذات صلة بالزواج. يقول ابن منظور (توفى عام 1131): «الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل من كان من قِبَل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجلُ الرجلَ إذا تزوّج إليه. وفي الحديث: علي ختن رسول الله (ص) أي زوج ابنته. والاسم الختونة [...] والختن: زوج فتاة القوم، ومن كان من قِبَله من رجل أو امرأة فهم كلهم أختان لأهل المرأة. وأم المرأة وأبوها: ختنان للزوج». وسوف نرى لاحقاً كيف أن الختان كان يسبق الزواج وشرطاً له في بعض المجتمعات. وقد يكون لكلمة «ختن» صلة بكلمة «ختم» مع انقلاب الميم نوناً كما هو معرف في اللغات الساميّة. فيكون معناها وضع علامة للتعرّف على العبد الآبق.

وفي اللغات الأوروبيّة يمكن استعمال كلمة واحدة للدلالة على ختان الذكور والإناث وهي بالإنكليزيّة circumcision. وهذه الكلمة من أصل لاتيني وتعني «القطع دائرياً». ولكن بعض الكتاب يستعمل هذه الكلمة فقط لختان الذكور. وأمّا ختان الإناث فإنهم يستعملون لها كلمة excision وهي كلمة أيضاً من أصل لاتيني وتعني «استئصال».

ومنذ عام 1990 قررت منظمة الصحّة العالميّة استخدام تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» والاحتفاظ بكلمة الختان فقط للعملية التي تتم على الذكور والهدف من ذلك تفادي الخلط بين الختانين. فهذا الخلط يعتبره اليهود إهانة لهم. ففي نظرهم ختان الذكور كما تأمر به التوراة جزء هام جدّاً من اعتقادهم الديني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بختان الإناث. وقد أخذ معارضو ختان الذكور مصطلح منظمة الصحّة العالميّة وحوّروه لصالحهم فسمّوا ختان الذكور «البتر الجنسي للذكور».

وسوف نستعمل في كتابنا هذا مصطلح «الختان» لكل من ختان الذكور وختان الإناث. فهو المصطلح الأكثر شيوعاً عند الفقهاء المسلمين وفي اللغة العاميّة. وهذا المصطلح «الختان» يعني في كل الأحوال بتر جزء من العضو التناسلي للذكر أو الأنثى.

3) أنواع عمليّة ختان الذكور

يمكن تصنيف أنواع ختان الذكور كما يلي:

الدرجة الأولى: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب، جزئيّاً أو كلياً. وقد تصل نسبة الجلدة المقطوعة من ربع إلى أكثر من نصف جلد الذكر حسب مهارة الخاتن وعادات الختان.

الدرجة الثانية: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب وسلخ بطانتها وهي تجرى عند اليهود. ويطلق على المرحلة الأولى اسم «ميلا» وعلى المرحلة الثانية اسم «بيريا». ويتبع هذه المرحلة، حسب التعاليم اليهوديّة التقليديّة، مص الخاتن قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا).

الدرجة الثالثة: يتم في هذه العمليّة سلخ جلد الذكر حتى كيس الصفن أو حتى الساق. وتتم هذه العملية عند قبائل «النمشي» شمال الكمرون وعند بعض قبائل الجزيرة العربية. وقد تعرّضت لهذا النوع فتوى سعوديّة لابن باز (توفى عام 1999) اعتبرته من تشريع الشيطان.

الدرجة الرابعة: شق مجرى البول الخلفي لجعله يشبه فرج المرأة، كما يتم عند القبائل البدائيّة في أستراليا.

أسلوب الختان عند بعض القبائل البدائيّة في أستراليا

المصدرBryk, Circumcision in man and woman, 1934, p. 129


سوف نقتصر في كتابنا على الدرجتين الأوليتين من الختان لأنهما الأوسع انتشاراً بين اليهود والمسيحيين والمسلمين.

والختان قد يتم بوسائل بدائيّة. وسوف نرى أن صفورة، زوجة موسى، ختنت أبنها بصوّان، وكذلك ختن يشوع اليهود بصوّان. ويذكر حديث منسوب للنبي محمد (توفى عام 632) أن إبراهيم قد ختن نفسه «بقدوم»، أي بآلة النجارة. وفي الروايات اليهوديّة، تم ختان إبراهيم بسيفه أو بقرصة عقرب. وقد تفنّن المخترعون في تصميم آلات عدّة لإجراء عمليّة الختان.

4) أنواع عمليّة ختان الإناث

يمكن تصنيف أنواع ختان الإناث كما يلي:

الدرجة الأولى: في هذه العلميّة يتم إزالة غلفة البظر أو جزء منها.

الدرجة الثانية: تشمل قطع البظر وغلفته، مع الشفرين الصغيرين أو جزء منهما.

الدرجة الثالثة: في هذه العمليّة يتم قطع البظر وغلفته والشفرين الصغيرين. ثم يلي ذلك شق الشفرين الكبيرين ويتم إخاطتهما معاً أو ابقائهما متماسين عن طريق ربط الرجلين معاً حتى يلتئما مكوّنين غطاء من الجلد يغطي فتحة البول والجانب الأكبر من المهبل. وتترك فتحة صغيرة في حجم رأس عود الثقاب أو طرف إصبع اليد الصغير لتسمح بنزول البول ودم الحيض. ويطلق على هذه العملية في مصر اسم «الطهارة السودانيّة»، وفي السودان، اسم «الطهارة الفرعونيّة» أو «الخفاض الفرعوني». وللجماع يتم عادة فتح المرأة بخنجر. كما أنه يتم توسيع الفتحة للولادة. وقد يعاد إخاطتها بعد الولادة أو في حالة سفر الزوج أو الطلاق.

الدرجة الرابعة: تضم أصناف مختلفة من التشويه الجنسي مثل شق الجدار الخلفي للمهبل؛ كي البظر والأنسجة المحيطة به بواسطة أداة صلبة محماة؛ وخز البظر أو الشفرين الصغيرين أو شقّهما؛ كحت بطانة المهبل أو عمل شقوق بها؛ مط البظر أو الشفرين الصغيرين؛ وضع مواد أو أعشاب كاوية في المهبل؛ فض بكارة العروس ليلة الزفاف بإصبع داية تطيل ظفرها من أجل هذه المناسبة. وهذه العادة معروفة خاصّة في الريف المصري.

هناك عدّة وسائل لإجراء ختان الإناث، منها البدائيّة ومنها المتقدّمة. وقد ابتكر طبيب أمريكي يهودي اسمه «راثمان» عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة.

الفصل الثاني
الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي

1) إحصائيّات ختان الذكور

لا توجد إحصائيّات أكيدة تبيّن مدى انتشار ختان الذكور. ويشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 13.300.000 طفل سنوياً، أي بمعدّل 25 طفل كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونين من الذكور في العالم تبلغ 23%، أي بمجموع 650 مليون ذكر.

يُمارس ختان الذكور عادة في أيّامنا على جميع ذكور اليهود والمسلمين مع بعض الاستثناءات القليلة. وهناك عدد من المسيحيّين الذين يختنون أطفالهم. فالمسيحيون في مصر والسودان والحبشة مثلاً يمارسون ختان الذكور بصورة تكاد تكون شاملة، على خلاف اخوتهم المسيحيّين في دول المشرق العربي حيث ختان الذكور نادر. وهناك مؤشرات تفيد بأن ختان الذكور في تزايد في تلك الدول. وقد يكون السبب هو انتشار الثقافة الطبّية الأمريكيّة وزيادة عدد الولادات في المستشفيات حيث يمارس الأطبّاء سلطتهم في إقناع الأهل لإجراء تلك العمليّة.

وهناك ظاهرة غريبة وهي انتشار ختان الذكور في الدول الغربيّة الناطقة بالإنكليزيّة: إنكلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وهناك صعوبة كبيرة للحصول على إحصائيّات في هذا الخصوص ولكن تقدر نسبة الختان قبل الحرب العالمية الثانية في إنكلترا بـ 50% وقد هبطت هذه النسبة إلى قرابة الصفر بعد تعديل نظام التأمين الاجتماعي. وكانت نسبة الختان في الولايات المتحدة 85% عام 1979 ولكنها انخفضت في العقدين الأخيرين حتى أصبحت توازي اليوم 60% بسبب تزايد معارضي الختان. ولكن هذه النسبة تصل إلى 95% في بعض المستشفيات الأمريكيّة. واليوم نسبة الختان في أستراليا تقدّر بـ 10% وفي كندا بـ 25%. أمّا في الدول الغربيّة الأوروبيّة الأخرى، فنسبة ختان الذكور ضئيلة قد لا تزيد عن 2%. وهنا تنقصنا الإحصائيّات الموثوقة. ويشار هنا إلى أن نسبة الختان في كوريا الجنوبية تصل إلى 90% بسبب تأثير الجيش الأمريكي.

2) إحصائيّات ختان الإناث

يقول الفقيه ابن الحاج (توفى عام 1336): «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه». هذا القول يصوّر الواقع حتى في أيّامنا. لذلك لم تنكشف حقيقة ممارسة ختان الإناث إلاّ في العقدين الأخيرين. وحتى الآن ما زال الكثير من الناس يجهل حتى معنى ختان الإناث ويستغربون وجوده في دولة إسلاميّة مثل مصر. والإحصائيّات المتوفرة في هذا الخصوص غير وافية ولا تُعرف بصورة مؤكدة الدول التي تنتشر بها هذه العادة. والحملة الحاليّة ضد ختان الإناث قد يساعد على كشف هذه الدول، ولكن قد يكون أيضاً عائقاً خوفاً من الدعاية السيّئة التي تنتج عن ذلك.

يشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 2.000.000 طفلة سنوياً. أي بمعدّل 3.8 طفلة كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونات من الإناث في العالم تبلغ 5%، أي بمجموع 100 مليون أنثى.

وقد نشرت منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 و1996 و1998 أرقاماً بخصوص النساء المختونات في 28 دولة أفريقية تمارس ختان الإناث، من بينها 17 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويتبين من هذه الأرقام أن عدد المختونات هو كما يلي:

1994 114296900

1996 132490000

1998 136797440

ويشير هذا المصدر أن 15% إلى 20% من عدد النساء المختونات ختن حسب الدرجة الثالثة (الختان الفرعوني). وأن كل سنة يتم ختان مليوني فتاة. وفيما يخص مصر، ذكرت الإحصائيّات التي أصدرتها منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن نسبة المختونات هناك تبلغ 50% أي ما يوازي 13.625.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1996 بـ 80% أي ما يوازي 24.710.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1998 بـ 97% أي ما يوازي 27.905.930 امرأة. هذا الاختلاف بين الإحصاء الأوّل والثالث لا يعني أن ختان الإناث قد ارتفع في مصر خلال السنين الأربعة الأخيرة بمعدّل 47%، بل إن المعلومات أصبحت أكثر دقّة بخصوصه. وهذا يبيّن مدى التعتيم الذي يسيطر على موضوع ختان الإناث وصعوبة الحصول على معلومات أكيدة بخصوصه. ونشير إلى أن منظمة الصحة العالمية لا تهتم بدول غير أفريقية تمارس ختان الإناث مثل إندونيسيا واليمن والإمارات وعُمان والسعودية.

الجزء الثاني
الختان والجدل الديني

كل جدل حول الختان يبدأ بالدين. فاليهود والمسيحيّون والمسلمون يعتقدون أن الله أنزل للبشريّة شرائع تنظم علاقة الإنسان بأخيه وبالله، وأن هذه الشرائع جاءت ضمن رسالات أؤتمن عليها الأنبياء والمرسلون وتم توثيقها في «الكتب المقدّسة» أو «الكتب السماويّة». وهذه الشرائع نهائيّة لا تقبل التبديل، وإن أمكن تفسيرها في بعض الأحيان. وأول سؤال يدور حول ما إذا كانت تلك الشرائع قد سنّت على الختان أم لا. وتفادياً للتكرار، نشير هنا إلى أن الكتب المقدّسة للطوائف الثلاث لم تذكر بتاتاً ختان الإناث، فكل ما جاء فيها يخص ختان الذكور.

الفصل الأوّل
الختان في الفكر الديني اليهودي

1) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان

تضم التوراة عدة نصوص عن ختان الذكور أهما نصّان في سفر التكوين وسفر الأحبار هما:

التكوين: الفصل 17

(1) ولمّا كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة، تراءى له الرب وقال له: أنا الله القدير، فسِر أمامي وكن كاملاً. (2) سأجعل عهدي بيني وبينك وسأكثرك جدّاً جدّاً. (3) فسقط أبرام على وجهه. وخاطبه الله قائلاً: (4) ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم (5) ولا يكون اسمك أبرام بعد اليوم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني جعلتك أبا عدد كبير من الأمم. (6) وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون. (7) وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك مدى أجيالهم، عهداً أبديّاً، لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك. (8) وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً، وأكون لهم إلهاً. (9) وقال الله لإبراهيم: وأنت فاحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. (10) هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم. (11) فتختنون في لحم

نقول إذا أضفنا هذا العامل فلا يخالجنا شك في أن الختان، وبوجه خاص للمرأة، جناية على قداسة جسد الأنثى ومصادرة لسلامة نفسيتها.

ولو أردنا أن نتوسّع لعدنا بالختان كظاهرة إجتماعيّة إلى أصوله الفرعونيّة التي ربّما تحدَّرت إلى اليهود آونة والعرب آونة أخرى وأن هذا إتّفق مع النزعة الرجوليّة أو الذكوريّة التي يتلاقى فيها حرص الرجل على إمتلاك المرأة لتكون أم أولاده بنزعة الشرف المزعومة دون أيّة علاقة بالإسلام. ولتحدّثنا عن آثاره المدمّرة وكيف أنه قد يؤدّي إلى عكس ما أريد منه حتّى يحقّق للمرأة حقّها الطبيعي في الإشباع والإرتواء العاطفي، وحتّى تتحرّر من آثار صدمة العمليّة الوحشيّة. ولكنّنا نؤثر أن نعرض «رأس الموضوع» ونعزف عن إيراد التفاصيل حتّى لو كانت برهنة. لأنها قد تميّع أو توهن الحقيقة الكلّية التي يبرزها رأس الموضوع، وهي أن ختان الأنثى ليس له علاقة بأصول الإسلام وأنه أثر من آثار القرون الأولى ومظهر من مظاهر أنانيّة الرجال الذين تملّكوا المجتمع ووضعوا له عاداته وتقاليده. باختصار إن ختان الأنثى جناية يجب إيقافها.

ملحق 24: رأي الشيخ محمود محمّد خضر (مصر / 1997)1

خفاض الإناث وختان الذكور في الشريعة الإسلاميّة

1) تقسيم أحكام الشريعة الإسلاميّة

تتنوع الأحكام في الشريعة الإسلاميّة إلى خمسة أنواع أو درجات، هي:

1- الفرض وهو المطلوب جزماً ويثاب فاعله ويعاقب تاركه.

2- المستحب وهو المطلوب بلا جزم ويثاب فاعله ولا يعاقب تاركه.

3- المباح وهو المخيّر فيه ولا يطلب فعله ولا تركه.

4- المكروه وهو المنهي عنه بلا جزم ويثاب تاركه ولا يعاقب فاعله.

5- المحرّم وهو المنهي عنه جزماً ويثاب تاركه ويعاقب فاعله.

وبعضهم يضع درجة بين المستحب والفرض تسمّى الواجب عند بعضهم ويسمّيها البعض الآخر سُنّة مؤكّدة كما يضعون أيضاً درجة بين المكروه والمحرّم تتعادل في النهي مع السُنّة المؤكّدة. وليس هذا موضوع بحثنا ولكن الذي يعنينا هو أين يضع فقهاؤنا خفاض الإناث وختان الذكور وما هو الدليل.

2) خفاض الإناث

لقد تجاوز الفقهاء جميع تلك المسمّيات ووضعوا للخفاض إسماً أو توصيفاً غريباً عن كل تلك الدرجات هو قولهم: «الخفاض للنساء مَكرُمَة» ولم يبيّنوا لنا بياناً قاطعاً أين نضع هذا التوصيف: هل نضعه بين المباح والمستحب أو بين المستحب والسُنّة أو بين السُنّة والفرض. لقد تخبّطوا في هذا تخبّطاً شنيعاً تبعاً لتخبّطهم في فهم الدليل الواحد الذي ورد في هذا الموضوع وهو قوله (ص) للخافضة «أم حبيبة» وقيل «أم عطيّة» أخفضي، وفي رواية أشمّي ولا تُنهِكي فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج ممّا جعل الكثير من البلاد الإسلاميّة تطرحه جانباً مع كثرة العلماء المتمسّكين بما هو مستحب وما هو أقل من المستحب. بينما بعض البلاد تتمسّك به أكثر من صلاتها وصيامها حيث تترك نسبة لا بأس بها الصلاة أو الصيام ولا تترك ختان البنات ويتعصّب له الجهلاء والعلماء على السواء. ونرى كثيراً من كبار العلماء يدخّنون بشراهة ومنهم من تولّى مشيخة الأزهر وإذا سألهم البعض عن ذلك قالوا على إستحياء: إنه مكروه كما أن بعضهم يحلق لحيته «زلبطة» ولا يرى فيها أكثر من مستحب مع أن الأحاديث الواردة فيها تقرّبها من الفريضة. فإذا ذُكِر ختان البنات وأضراره نراه ينتفض كالليث الهصور مدافعاً عن إستحبابه وربّما قال بوجوبه ولا دليل عنده غير أقوال بعض الفقهاء الذين لم يفهموا حديث أم عطيّة أو تأثّروا في فهمه ببعض عادات الجاهليّة.

ولكي نفهم الحديث على وجهه الصحيح بعيداً عن التأثّر بالتقاليد الجاهليّة علينا أن نلاحظ التالي:

أوّلاً: إنه لم يرد أي توجيه من رسول الله (ص) للمسلمين أو لأي واحد من أصحابه بختان بناته لا على سبيل الوجوب ولا على سبيل الإستحباب.

ثانياً: إنه لم يرد عنه (ص) ولا عن أحد من أصحابه أنه قام بختن بناته. وكل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد أنه علم بوجوده ولم ينه عنه وهذا يفيد الإباحة أو المشروعيّة.

ثالثاً: إن صيغة السؤال الموجّه إلى الخاتنة يدل على أن العادة لم تكن منتشرة وإلاّ لما إحتاج إلى السؤال عنها.

رابعاً: إن إرتياع أم عطيّة أو أم حبيبة من السؤال وخوفها من التحريم يدل على شيء بدا لها في نبرات الصوت أو ملامح الوجه.

خامساً: إن إقرار الرسول (ص) بالحل أو الإباحة كان مشروطاً بشرط صعب التنفيذ وهو الخفض مع التحذير من الإنهاك. وإذا نظرنا إلى بعض الروايات التي تضع الإشمام بدل الخفض «أشِمِّي ولا تُنهكي» نعلم أن ما أباحه رسول الله (ص) من ختان البنات لا يتجاوز ما يعرف الآن بالختان الرمزي ألا وهو كشط جزء من الجلدة المغلّفة للبظر دون المساس بالبظر نفسه.

سادساً: إن قوله (ص) للخاتنة: إن كنت فاعلة يدل على أن الأمر من أوَّله لآخره مكروه وأن الأفضل البعد عنه نهائيّاً.

سابعاً: الإحتجاج بأن هناك في الحديث أمر ونهي «أخفضي ولا تُنهِكي» والأمران مطلوبان يدل على سوء فهم للأساليب العربيّة وربّما دعا البعض للقول بأن الخروج من المسجد واجب عقب صلاة الجمعة فوراً لوجود فعل الأمر «فانتشروا في الأرض» (الجمعة 10:62). وهذا لا يقول به عاقل ولا جاهل.

وعلى ذلك نسوق هذه الأمثلة التوضيحيّة:

1- يستأذنني إبني في السفر ليلاً فأقول له سافر ولا تزد السرعة عن 50 كم. ففعل الأمر «سافر» ليس للوجوب ولا للإستحباب ولا للترغيب وإنّما هو للسماح على مضض مع الكراهة.

2- طبيب يقول للمريض الذي لا يستطيع ترك التدخين: إذا كنت لا بد فاعلاً دخّن عشر سجاير ولا تزد عليها. فعل الأمر «دخّن» ليس للوجوب ولا للإستحباب بل ترك العشرة إذا أمكن مستحب.

3- طبيب يقول لمدمن القهوة المريض القلب: إشرب ثلاثة فناجين صغيرة يومياً ولا تزد عليها. لا شك أن الطبيب سيكون مسروراً أكثر لو أعلن مريضه الإقلاع نهائيّاً عن شرب القهوة.

وأخيراً هناك آلاف الأمثلة من هذا القبيل يمكن إيرادها غير أن أصحابنا يمكن أن يجادلوا فيها ويقولون لماذا لا يكون الأمران مطلوبان أي شرب ثلاثة فناجين من القهوة ومطلوب عدم الزيادة عليها؟ هكذا نفهمها وأنتم تخالفوننا في الفهم وليس فهمكم أولى من فهمنا.

ونحن نقول لهم إن الحُكم ليس لنا ولكم ولكن للعِلّة التي أوجبت الحُكم ويقرّرها الأطبّاء لا نحن ولا أنتم. وفي الختان أو الخفاض هناك عِلّة إنبط بها الحُكم وهي قوله (ص) «فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج». فالقرار هنا لعلماء الطب والنفس والإجتماع ولعامّة الأزواج والزوجات فإن قرّروا أن ترك الخفاض نهائيّاً هو الأصلح للأزواج نساءً ورجالاً فعليكم أن تعفونا من فهمكم السيّئ ولكم منّا صالح الدعوات.

3) ختان الذكور في الإسلام

عندما كنت مبعوثاً للأزهر في الولايات المتّحدة الأمريكيّة جيء إلي بشاب يرغب في إعتناق الإسلام لأنه يهيم حبّاً بفتاة مسلمة ويريد الزواج بها وهي تصر على إسلامه قَبل تحقيق رغبته. وبعد أن علّمته مبادئ الإسلام وفرائضه ونطق بالشهادتين طلبت منه الإختتان وشرحت له فوائده الصحّية ورغّبته فيه فبدا عليه شيء من الإمتعاض وتساءل إن كان قبوله في الإسلام يتوقّف على هذا الأمر. فما كان منّي إلاّ أن بيّنت له أن الأمر لا يزيد على الترغيب في عمليّة ثبتت فائدتها لدى وزارة الصحّة الأمريكيّة التي شجّعت عليها ونصحت المجنّدين بعملها. وهي تجريها لهم مجّاناً إن هم رغبوا في ذلك. كما أنها مرغوبة في الإسلام وفي كل الأديان السماويّة. ومنذ ذلك التاريخ، حوالي 35 عاماً، لم أجد في كتاب الله تعالى ولا في سُنّة رسوله (ص) ولا في أقوال الفقهاء الذين يعتد بأقوالهم ما يدل دلالة قاطعة أو ظنّية على أكثر من الترغيب والإستحباب. وكل ما زاد على ذلك ينقصه الدليل ويعتبر من شطحات الفقهاء ومبالغاتهم وما أكثرها في الفقه الإسلامي.

لا يوجد عن ختان الذكور في السُنّة ما يعتد به أكثر من وصف وقصّة. فأمّا وصفه بأنه من الفطرة فإنه يضعه جنباً إلى جنب مع التصرّفات الفطريّة مثل الطعام والشراب والجماع والتبوّل والتبرز والنوم الخ، ممّا لا يعني شيئاً أكثر من الإباحة أو المشروعيّة.

وأمّا قصّة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام الذي إختتن بعد بلوغه سن الثمانين فلا تدل على أكثر من أن الرجل بعد طول تجوال من العراق إلى الشام إلى فلسطين إلى مصر ثم العودة مرّة أخرى إلى فلسطين، وقد وجد عند المصريّين عادة إقتنع بفائدتها - والحِكمة ضالة المؤمن يلتقطها آني وجدها - فجرّبها رغم قسوتها في ذلك السن ونصح بها ذرّيته من بعده وتوارثتها الذرّية جيلاً بعد جيل حتّى إنتهت إلى المسلمين.

وهذا ما صرّح به شيخ الأزهر نفسه حيث يقول فيما نقلته عنه جريدة الوفد ما نصّه: «وخلاصة هذه الأقوال أن الختان في حق الرجال والخفاض في حق النساء مشروع ثم إختلفوا في وجوبه الخ». ومعنى كلام شيخ الأزهر هذا بصريح العبارة أن القدر المتّفق عليه بين الفقهاء لا يزيد على المشروعيّة أي الإباحة. وكل ما زاد على ذلك إختلفت فيه أقوالهم وتفرّقوا أيدي سبا. حتّى وصل بعضهم إلى درجة من الغرابة والشذوذ تستعصي على المعقوليّة. فمن الإستحباب أو السُنّة الضعيفة التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها إلى السُنّة المؤكّدة التي تشبه الواجب في معاقبة تاركها إلى الفرضيّة وهي ما ثبت بدليل قطعي مع أنه لا قطعي هناك ولا ظنّي ثم إرتقى به بعضهم إلى أن جعله من شعائر الإسلام التي يقاتل على تركها الإمام.

وممّا يزيد من بلة الطين أن يختار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر هذا الرأي ويتحيّز له وهو بذلك يراهن على الجواد الخاسر ولا حجّة له سوى أقوال بعض الفقهاء وهو يعلم ونحن نعلم أن أقوال الفقهاء مهما علت مكانتهم إذا عريت عن الدليل فإنها لا تساوي في قيمتها الحبر الذي كتبت به.

ومع أن ختان الذكور لم يكن في أي وقت من الأوقات موضوع مناقشة أو مصدر مشكلة فإن فضيلة الإمام الأكبر قد أفاض فيه كثيراً وأطال من غير داع يدعو إلى ذكره فضلاً عن الإفاضة فيه ممّا إضطرنا للإفاضة في الرد عليه وإبطال القول بوجوب الختان بدون برهان سوى أن بعض الفقهاء قد قال به.

فقد تبيّن لنا الهدف النهائي لهذه الإفاضة وذلك عندما حاول فضيلة الإمام الأكبر بطريقة لولبيّة ذكيّة أن يحشر حشراً موضوع الخفاض في موضوع الختان باعتبار ما إشتهر عنه عند العامّة بإسم ختان البنات مع أنه فقيه يحترم نفسه والفقه لا يتحدّث عنه إلاّ بإسم الخفاض. وإذا أطلقت كلمة الختان إنصرفت فوراً إلى ختان الرجال ولا يمكن أن تتسع لخفاض البنات إلاّ عند من يقولون: كلّه عند العرب صابون.

4) هل خفاض الإناث وختان الذكور من شعائر الإسلام؟

إذا كان للأديان أن تفتخر بشعائرها ومبادئها فإن الإسلام يتيه فخراً بأنه دين العدالة المطلقة بين البعيد والقريب والعدو والحبيب: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا» (المائدة 8:5). دين التعارف بين الشعوب والمساواة المطلقة: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات 13:49). دين الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» (آل عمران 104:3). دين تحرير الأرقاء وإطعام الفقراء: «فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة» (البلد 13:90-15). «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله [...] فكلوا منها واطعموا القانع والمعتر» (الحج 35:22). دين السعي في جنبات الأرض ومناكبها ابتغاء فضل الله ورزقه كما سعت هاجر بين الصفا والمروة بحثاً عن فضل الله.

أمّا جعل الختان من شعائر الإسلام وخصائصه مهما كان القائل بذلك قديماً أو حديثاً فإن ذلك قول لا دليل عليه على الإطلاق بل هو في الواقع إهانة للإسلام إذ يجعل شعيرته - أي علامته التي يتميّز بها - هي قطع غلفة الذكر أو بظر الأنثى. بل إن ذلك - إلى جوار ما فيه من إهانة للإسلام - يدل على جهل بالشرائع، فهي ميّزة يشاركنا فيها اليهود والمشركون وعبدة الأوثان. وإنه لمن المعلوم لدى العلماء والجهلاء على السواء أن الختان سابق على مِلّة إبراهيم عليه السلام الذي إقتبسه من قدماء المصريّين كعادة شائعة إقتنع بحسنها وفائدتها. وما من دليل واحد على أنها وحي من الله تعالى ولو كان الختان كذلك لما ترك الله تعالى خليله إبراهيم يتجوّل بغرلة أكثر من ثمانين عاماً ثم يأمره بإزالتها بعد أن بلغ من الكبر عتياً.

5) ختان الذكور في المسيحيّة والحملة ضدّه في الغرب

لقد تسلسل الختان في ذرّيته إسحاق عليه السلام حتّى وصل إلى المسيح عليه الصلاة والسلام الذي كان مختوناً هو وجميع الحوّاريين وكل من آمن به من بني إسرائيل.

ثم حدث أن الدعوة بين بني إسرائيل لم تحقّق آمال المسيح عليه السلام فقرّر الخروج بها إلى الأمم المجاورة بعد أن ظلّت لألفي عام محصورة في ذرّية إبراهيم وابنيه إسماعيل وإسحاق عليهم جميعاً منّا الصلاة والسلام وقال للحوّاريين قولته المشهورة «أكرزوا بالإنجيل في سائر الأمم» (مرقس 15:16). فانطلقوا في ربوع الدولة الرومانيّة من الإسكندريّة إلى روما حيث ألقى القدّيس بطرس عصا الترحال فأثمرت وأينعت.

وقد إنضم إلى النشاط التبشيري واحد ممّن لم ير المسيح في حياته ولم يؤمن به إلاّ بعد رفعه إلى السماء هو القدّيس بولس. ومع ذلك كان أكثرهم نشاطاً حتّى أنه طبع المسيحيّة فيما بعد بطابعه رغم ما أخذه عليه بعض زملائه لتقديمه الكثير من التنازلات للرومان الذين رفضوا الإلتزام بالختان وترك لحم الخنزير فقبلهم على هذا الأساس. وتطوّر الأمر من مجرّد إباحة عدم الختان إلى تحريم الختان وفرض مذهب الرومان بالقوّة على جميع الأقاليم حتّى على المسيحيّين من أصل عبري الذين كانوا يختتنون منذ عهد إبراهيم عليه السلام وحتّى على المصريّين الذين علّموا إبراهيم الختان.

واستمر الأمر كذلك إلى أن تراخت قبضة الكنيسة ورجالها وأبعدت تماماً عن الشئون السياسيّة ومعظم الشئون المدنيّة وبدأ إكتشاف الأمراض التي يسبّبها عدم الختان وخطورتها على صحّة الإنسان. فبدأ الكثيرون يمارسون الختان حتّى وصل فيما سمعت إلى 80% في الولايات المتّحدة.

وهناك قامت القيامة ولم تقعد ضد هذه الظاهرة يحمل وزرها مجموعة من الملحدين الذين لا مِلّة لهم ولا دين ويهولهم أن يستيقظ الشعور الديني في أي مظهر من مظاهره أو أي شكل من أشكاله ومجموعة أخرى من المتعصّبين لمسيحيّة القدّيس بولس ويسوءهم العودة إلى كل ما هو شرقي حتّى ولو كان هو الدين الصحيح لسيّدنا يسوع المسيح عليه وعلى سيّدنا محمّد أفضل الصلاة وأتم التسليم. والتقت أهداف الطرفين على شن حملة شعواء ضد ختان الرجال الذي إنتشر في الولايات المتّحدة فأعلنوها حرباً شرسة حشدوا لها كل ألوان الدعاية والتزييف والتضليل والترويع والتهويل. ولقد حاولت أن ألقي نظرة على أهم الحجج التي يتذرّعون بها وجرى حوار بيني وبين بعضهم أوجزه فيما يلي:

يحتج بعضهم على وصفي للحركة ضد الختان بأنها حركة أساسها الإلحاد بانياً إحتجاجه على أن الحركة تضم الملحدين والمؤمنين من يهود ومسيحيّين. فوصف الحركة بالإلحاد فيه تعميم خاطئ. وأقول: إن هذا يتوقّف على تعريف الإلحاد عند الفريقين فالبعض يحصر الإلحاد في مفهوم ضيّق هو إنكار الألوهيّة الذي يترتّب عليه إنكار الرسل والكتب واليوم الآخر وكل ما يدخل تحت مفهوم «ما وراء الطبيعة». أمّا مفهوم الإلحاد عندنا معشر المسلمين فيكفي أن أضرب له مثلاً يؤخذ منه التعريف الكافي الوافي. فإن من يرتكب جريمة الزنا عندنا نعتبره مؤمناً عاصياً أو مذنباً أو مجرماً إذا أقر بحرمة الزنا. أمّا أن يبيح الزنا ويعتبره غير محرّم فإنه ملحد حتّى ولو لم يرتكب جريمة الزنا وحتّى ولو آمن بجميع الأنبياء والكتب واليوم الآخر وصلّى وصام وزكّى وحج البيت الحرام. ويعتبر عندنا ملحداً من آمن برسالة محمّد (ص) وأنكر رسالة عيسى أو موسى أو إبراهيم أو وجّه إلى أحد منهم أيّة إهانة أو إنتقاص من قدرهم.

وربّما يقول البعض إن المسألة هي مجرّد إختلاف في المفاهيم. فهي إختلاف شكلي. فليكن له تصوّره ووجهة نظره. ولكن هذا لا ينفي أن الحملة ضد الختان تمثّل إهانة لجميع الأنبياء والمرسلين الذين مارسوا الختان ورغبوا فيه بمن فيهم محمّد وعيسى وموسى وإبراهيم عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأتم التسليم. ولعّل هذا الرأي يمثّل صدمة لجميع المؤمنين المشتركين في هذه الحملة بينما هم يعتبرون أنفسهم من المؤمنين المخلصين لدينهم وعقيدتهم أيّاً كان ذلك الدين. وهم لا يريدون لأنفسهم أن يصنّفوا تحت قائمة الملحدين. ولذلك يحاولون التنصّل من هذا الإتّهام بالتبريرات التالية:

أوّلاً: يقولون إن محمّد وعيسى وموسى وإبراهيم لم يستعملوا الكهرباء ولا السيّارات ولا الطيّارات. فهل يمنعنا ذلك من إستعمالها لأنهم لم يستعملوها؟ وهل تقف البشريّة عند عصرهم لا تتقدّم؟ وأقول إن محمّداً وعيسى وموسى لم تكن عندهم الكهرباء فتركوها واستعملوا مصابيح الغاز أو الزيت. ولم تكن عندهم السيّارات فتركوا ركوب السيّارات وركبوا الجمال والخيل والحمير. وعندما وجدوا الختان مفيداً للبشريّة إستعملوه. فترك الختان ليس تقدّماً إلى الأمام وإنّما هو تقهقر إلى الوراء وعودة بالبشريّة إلى العصور الحجريّة ورجوع إلى ما قَبل عصور الأنبياء والمرسلين.

ثانياً: إذا قلت لهم إن عيسى عليه السلام وجميع من آمن به من العبريين والمصريّين كانوا مختونين يقولون لك إن عيسى كان كغيره ضحيّة من ضحايا الختان كما أنه ضحيّة للصلب. فهل نصلب أنفسنا كما صلب عيسى؟ ونسألهم: هل كان عيسى ضحيّة مريم الغبيّة الجاهلة التي تسوق رضيعها إلى مصيره المؤلم كما تساق الذبيحة أم ضحيّة عشيرها يوسف النجّار؟ وهل تضعون مريم البتول التقيّة الطاهرة التي كانت على صلة بالروح القدس قَبل وأثناء وبعد حملها بالمسيح - هل تضعونها في صف واحد مع السفّاحين والجلاّدين الذين حكموا على المسيح عليه السلام بالصلب؟ وإذا كان موسى وعيسى ومحمّد ضحايا الجهل والخرافة أما كان الأجدر لهم أن ينهوا أتباعهم عن التعرّض لهذه الأضرار والأخطار ما داموا قد أرسلوا لهداية البشريّة؟ أم أن الإلحاد كامن وراء هذه الحملة ضد الختان شئتم أم أبيتم؟ ثم إذا كان من الممكن أن يتحوّل أمر من الأمور من مقدّس إلى مباح وبعد ذلك إلى محرّم أي ينتقل من النقيض إلى النقيض على مدى قرن أو قرنين من الزمان ألا يمكن أن يجرى هذا التطوّر على العقيدة نفسها من التوحيد الخالص عند العبريين إلى التثليث الخالص عند الرومان؟ خاصّة إذا كانت الأرضيّة ممهّدة وهي تصوّر الرومان لآلهتهم على أنها أشياء تشبه السوبرمان بل إن أحد الرومان وصف المسيح نفسه في حياته بأنه إله بني إسرائيل عندما سمع عمّا يصنعه من العجائب والمعجزات التي تعجز آلهتهم عن صنع مثلها وكل همّها هو السطو على بنات آدم. وهل يخشى المتعصّبون لمنع الختان أنه إذا عاد الناس للختان على أنه أصل من أصول المسيحيّة أن يكون هذا مدعاة إلى البحث عن كثير من الأصول الأخرى المفقودة على مر التاريخ وتراكم الزمن؟

ثالثاً: يعترف الملحدون ومن شابههم من المتعصّبين بأن الختان يقي من كثير من الأضرار والأخطار التي قد تصل إلى السرطان. إذ لا يمكن أن يتحوّل 80% من الأمريكيّين إلى الختان حبّاً في العودة إلى أصول المسيحيّة المفقودة. ولمجابهة هذا اليقين المعترف به يقول معارضو الختان إننا يمكن أن نتّقي هذه الأضرار بدوام الغسل النظيف والتطهير المستمر حتّى نزيل ما يتراكم تحت هذه الغلفة من قاذورات وميكروبات. ونقول لهم أليس الأولى أن نقطع هذه الجلدة ونستريح منها بدلاً من عناء التنظيف المستمر الذي لا ندري هل يكون حاسماً وفعّالاً أم يمكن أن يختفي تحت طيّات هذه الجلدة بعض الميكروبات رغم كل ما يبذل من جهد مستمر لتنظيفها.

رابعاً: يقول الملحدون دفاعاً عن هذه الغلفة أن الطبيعة لم تخلق شيئاً عبثاً ويخدعون المتديّنين بقولهم إن الله لم يخلق شيئاً عبثاً. ونحن نريح الفريقين بقولنا أن الطبيعة التي خلقها الله لم تصنع شيئاً عبثاً. فقد أعطت الإنسان الأظافر عندما كان في أشد الحاجة إليها لتسلق الأشجار وحفر الأرض. أمّا الآن فقد إستغنى عنها وأصبح يقصّها ويلقي بها في صناديق القمامة. كذلك أعطت الطبيعة الإنسان شعراً كثيفاً يقيه الحر والبرد وتزداد كثافته في الأماكن الحسّاسة من جسمه. وبعد أن هداه الله إلى صنع الملابس من الجلود ثم المنسوجات بدأ يستغني عن الشعر. وكانت المرأة أسبق من الرجل لقرارها في البيت وتجوّله في الغابات. ومع وجود الملابس أصبح الشعر الكثيف في الأماكن الحسّاسة مصدراً للعرق والرائحة الكريهة. فهل يعاب علينا التخلّص منه لأن الطبيعة لم تخلق شيئاً عبثاً؟ كذلك الغلفة كانت في يوم من الأيّام تمثّل الوقاية لرأس الذكر أثناء تسلق الأشجار أو التجوّل عارياً في غابات السافانا. بل إن رجلاً عارياً يمشي وسط سنابل القمح سيخرج ذكره مضرّجاً بالدماء. أمّا الآن وبعد إختراع الملابس الخفيفة والكثيفة وحصول الجسم على وقاية كاملة فإن الغلفة أصبحت مثل الأظافر وشعر العانة مصدراً للقذارة والجراثيم والأمراض ومكانها المناسب هو نفس مكان الأظافر، أي صناديق القمامة، ومعها شعر الإبط والعانة. وإن التخلّص من هذه الغلفة بالختان يعتبر بحق من أعظم منجزات عصور الفراعنة الطبّية الوقائيّة. وسوف يظل كذلك إلى الأبد لا تغني عنه منظّفات ولا مطهّرات ولا مضادّات حيويّة بما لها من آثار جانبيّة. لهذا أرى أن إستعمال كلمة بتر الذكر أو تشويه الذكر بدل كلمة الختان هو إستعمال لا يخلو من الوضاعة. إلاّ إذا جاز لنا أن نقول عن قص الأظافر إنه بتر الأصابع ونقول عن حلق العانة أنه سلخ الفرج. وما أعظم إستعمال الفلاّحين عندنا لكلمة «الطهارة» purity فهي فعلاً الكلمة المناسبة. أمّا إستعمال عبارات التنفير لمخاطبة العواطف فهو دليل الإفلاس في البحث عن دليل: إن بعض الناس قد إختلط عليهم أسلوب البحث العلمي بأساليب الدعاية والإعلان. وأستاذهم في ذلك هو جوبلز وزير الدعاية الألماني الذي يقول إكذب ثم إكذب ثم إكذب حتّى يصدّقك الناس. ويبدو أن أعداء الختان قد صدّقوا أنفسهم عندما إنخدع بهم بعض الناس وصدّقوا أكاذيبهم.

خامساً: من أساليب الدعاية النازية التي يتّبعها أعداء الختان التقاط صورة لبعض الأخطاء في عمليّة الختان قد تكون حقيقة أو مزيفة لأن الطبيب الذي يخطئ لا يستدعي المصوّرين ليصوّروا خطأه. وعلى فرض صحّتها فإننا لو تتبّعنا أخطاء الأطبّاء في عمليّاتهم الجراحيّة لألغينا مهنة الطب من أوّلها إلى آخرها.

سادساً: نراهم يعزفون على نغمة الألم ويذرفون دموع التماسيح رحمة وشفقة بالطفل المسكين ضحيّة الآباء الجهلة والمغفّلين منذ عهد إبراهيم عليه السلام أو ما قَبل عهده إلى يومنا هذا. وأراني مضطراً للرد على هذا الأسلوب الوضيع إلى حكاية قصّة ختاني:

في أحد المناسبات كالأعياد والأعراس تجمّع للختان مجموعة من الصبيان بين سن الخامسة والعاشرة. وهي أخصب سن في ذاكرة الأطفال بالنسبة لمشاعر الألم أو السرور. وقد كنت أحد هذه المجموعات التي أجريت لها عمليّة الختان منذ أكثر من ستّين عاماً في قرية وسط الصعيد لا تعرف شيئاً عن الطب والتخدير والتعقيم في ذلك الزمن. وبعد العمليّة بوقت قصير كنّا نجلس نتلقّى التهاني وقد زالت كل آثار الألم إلاّ ما يحدث عند الحركة المفاجئة. وكان بعضنا يمازح بعضاً. والذين تحمّلوها دون بكاء أو مع بكاء قليل يسخرون من الذين أكثروا البكاء ويعتبرونهم جبناء. إن قصّة الألم التي يتحدّث عنها الملحدون ويذرفون عليها دموع التماسيح لم تكن بالصورة التي يصوّرونها مليئة بالرعب والفزع وبعضهم يزعم أنها ربّما تسبّب صدمة عصبيّة. وهذا نوع من الإغراق في الخيال أو إغراق في الكذب. وكم أنا مشتاق لأبصق في وجوه هؤلاء جميعاً وأقول لهم إن قطعة القطن مغموسة في صبغة اليود أو الكحول من قَبل إختراع المكروكروم توضع على جرح سطحي كانت أكثر ألماً عشرات المرّات من ألم الختان كما عرفناه ومارسناه بلا تخدير ولا تعقيم. لقد كنّا نعيش في القرى ونجري على صخورها وجذورها ونقع ونتعرّض لكثير من الجروح والأكثرون حفاة الأقدام والقليل جدّاً منّا كان آباؤهم يضعون له صبغة اليود. أمّا الأكثرون فكانوا يكتفون بالتبوّل عليها ويخفونها عن آبائهم خوفاً من صبغة اليود التي يضعها بعض الآباء للأطفال رغماً عنهم. ولو أن أبي إستشارني في تلك السن في أمر صبغة اليود لما وافقت عليها مهما كانت الظروف والنتائج. فهل كان على أبي أن ينتظر حتّى أبلغ رشدي ثم يأخذ رأيي في إستعمال صبغة اليود لأنه لا يحق له ولا لغيره أن يتصرّف في جسمي على غير رغبتي كما يزعم الملحدون الأفّاكون؟

سابعاً: يقول أعداء الختان أعداء الأديان أعداء الإنسان أعداء الله أولياء الشيطان فيما يلقونه ويكرّرونه من أكاذيب أن قطع الغلفة يقلّل من اللذّة الجنسيّة بسبب وجود أعصاب شديدة الحساسيّة جنسيّاً في الجلدة المقطوعة. وأنا أتّفق معهم في النتيجة وإن كنت أختلف في سببها الذي هو فقدان رأس الذكر لبعض الحساسيّة نتيجة التعرّض للهواء والإحتكاك الدائم بالثياب. وهذا في نظرهم من أضرار الختان مع أن ذلك من أعظم حسناته ويأتي في المقام الأوّل قَبل الوقاية من السرطان وغيره من الأمراض. ذلك لأن شدّة الهيجان الجنسي أو سرعته تؤدّي حتماً إلى سرعة القذف التي تعتبر من أخطر أمراض العصر. ذلك لأن أعظم لذّة الرجل قدرته على الإستمرار في العمليّة الجنسيّة حتّى يكتمل ارتواء زوجته. أمّا أن يكمّل هو شهوته ويقذف ويرتخي قَبل أن ترتوي فذلك مدمّر للطرفين معاً لأنه قد يدفع الزوجة إلى الفاحشة بالبحث عن آخر يكمّل إرتواءها أو تجد معه متعتها أو يصيبها بالإحباط والإكتئاب إن كان دينها وتربيتها يمنعانها من إرتكاب الفاحشة. كما أنه يصيب الزوج بالإحباط والشعور بالعجز والشك في زوجته. وغالباً ما يلجأ إلى المخدّرات لتبريد هذا الهيجان وإطالة أمد العمليّة الجنسيّة. وذلك هو السبب الرئيسي وراء الحملة التي تشنّها وزارة الصحّة بالتعاون مع وزارة الداخليّة ضد ختان البنات الذي يقلّل من سرعة ارتوائهن فيضطر الرجال الذين أبتلوا بهذه المصيبة إلى إستعمال المخدّرات وخاصّة الأفيون الذي يساعد الرجل على إطالة العمليّة الجنسيّة تحقيقاً لارتواء المرأة. كما أن طول العمليّة الجنسيّة هدف في حد ذاته وليس الهدف هو سرعة الهيجان والقذف السريع. وبعض الناس يستعين بالغطاء الذكري لإطالة العمليّة ولو لم يكن بحاجة إليه لمنع الحمل. لذا لا أستطيع أن أخفي دهشتي من أولئك الذين وصل بهم الجرأة على التزييف والتضليل وقلب الحقائق أن يعدّوا أعظم حسنات الختان من قبيل السيّئات وأعظم سيّئات عدم الختان يدرجونها تحت بند الحسنات. وقديماً قيل في الأمثال: الجاهل عدو نفسه. وورد في الآثار «إذا لم تستح فأصنع ما شئت». وقال الشاعر العربي:

إذا محاسني اللاتي أتيه بها عدّت ذنوباً فقل لي كيف أعتذر

ولكن أساليب الدعاية والإعلان المعتمدة على التزييف والتضليل والتشويه والتنفير والمبالغة والتهويل لا هدف لها سوى طمس الحقيقة وحشد الأدلّة المزيّفة للحيلولة بين الناس وبين رؤية الحقيقة واضحة كشعاع الشمس يحاولون تغطّيتها بسحب كثيفة من الأكاذيب السخيفة.

ثامناً: من أسخف الأكاذيب التي قرأتها في منشوراتهم ضد الختان تلك الأكذوبة التي تدّعي أن الختان يسبّب الميول العدوانيّة. ودليلهم على ذلك الصراع الناشب بين اليهود والمسلمين منذ نصف قرن من الزمان والفريقان المتصارعان من أهل الختان. ووجود هذا الدليل ضمن الأدلّة - وكلّها سخيفة - يدل على إستهانة بالعقليّة الأمريكيّة. بل يدل على هوان العقليّة الأمريكيّة وعدم قدرتها على التفكير السليم وتحويلها إلى آلة صمّاء تقودها أجهزة الدعاية والإعلان إلى حتفها دون وعي أو تفكير. لأنهم لو فكّروا لتساءلوا: إذا كان الختان هو سبب الصراع بين العرب واليهود لمدّة نصف قرن فما سبب الصراع الذي إستمر قروناً بين إسبانيا والبرتغال وإنكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا وأمريكا واليابان والفرس والرومان وقرطاجنّة في سالف العصر والزمان. إنه لو كان صحيحاً أن المعارضين للختان قد حوّلوا 30% من أنصار الختان إلى صفوفهم في مدّة عشر سنوات فقط فإنه أمر يدعو إلى شدّة الأسف الشديد لا بالنسبة لموضوع الختان فقط ولكن بالنسبة لمصير الأمّة الأمريكيّة ومقدرة البعض على أن يقودها من آذانها إلى حيث يريد. وهو تنازل عن أخص خصائص الإنسان.

أيها القارئ الكريم: لا أستطيع أن أجيب عن كل السخافات التي يعرضها أعداء ختان الذكور وحسبي أن قدّمت لك بعض النماذج لتشعل تفكيرك وتفتح عقلك وتدرك وحدك أنها كلّها سخافات وتفاهات لا تقوم إلاّ في غياب العقل السليم والتفكير القويم.

6) عقدة الخلاف

لماذا صغرت مسألة ختان الإناث وهانت حتّى أهملت نهائيّاً في بعض الدول ومنها من يتمسّك بأهون المستحبّات وينفخ فيها حتّى يحوّلها إلى ما يشبه الواجبات بينما تضخّمت في البعض الآخر حتّى أصبحت عمليّاً من الواجبات أو الشعائر. وحتّى رأينا معظم علماء الأزهر وعلى رأسهم شيخ الأزهر يتورّطون في القول بوجوبها ويدافعون عن بقائها وكأنها ركن الإسلام الأعظم على الرغم من كل ما ثبت لها من أضرار وأخطار وعلى الرغم من أن الدليل الوحيد الوارد في شأنها لا يرقى إلى إفادة الإستحباب فضلاً عن إفادة الوجوب المزعوم.

لو إستطعنا أن نفهم لماذا حرّم ختان الرجال في المسيحيّة. فربّما ساعدنا ذلك على إجابة شافية للسؤال السابق.

فمن المعلوم بالضرورة أن ختان الرجال إتّخذ صبغة دينيّة منذ عهد إبراهيم عليه السلام حتّى أصبح من الطقوس أو الشعائر المقدّسة لدى ذرّيته من أبناء إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ولم يخرج المسيح والحوّاريون عن هذه القاعدة إلى أن جاء القدّيس بولس الذي كان من أنشط الدعاة للمسيحيّة بين الرومان بعد أن رفضها معظم اليهود الذين كانت الدعوة أوّل الأمر محصورة فيهم «ما بعثت إلاّ إلى خراف إسرائيل الضالّة» (متّى 24:15)، «إن خبز البنين لا ينبغي أن يطرح للكلاب» (متّى 26:15) ولكن البنين رفض معظمهم الخبز فوجد المسيح نفسه مضطراً لإلقائه للكلاب إذا أراد لدعوته أن تنتشر من بعده وهنا قال للحوّاريين قولته المشهورة «أكرزوا بالإنجيل في جميع الأمم» (مرقس 15:16).

ولكن الأمم لا تقوى على ممارسة الختان ولا تستغني بسهولة عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير. فاضطر القدّيس بولس إلى تقديم الكثير من التنازلات في سبيل جذب أكبر عدد من الأتباع معتمداً على أن المسيح عليه السلام كان يهتم بالجوهر أكثر من المظهر. ولقد كانت مسيحيّة القدّيس بولس هي الأوسع إنتشاراً أو سيطرة في نهاية المطاف رغم معارضة بعض الرسل الأقدم والأقرب إلى المسيح منه واتّهام بعضهم له بالكفر وبأنه لم ير المسيح في حياته. والذي يعنينا من هذا الموضوع كلّه هو أن إباحة دخول الرومان في المسيحيّة بدون ختان تحوّلت مع مرور الزمان من مجرّد إباحة عدم الختان إلى تحريم الختان بمن فيهم المسيحيّون الشرقيّون الإسرائيليون والمصريّون الذين علّموا إبراهيم عليه السلام الختان. وهذا التطوّر سببه الصراع الحاد القاتل بين المسيحيّة واليهوديّة وكراهيّة كل منها للآخر ونفور كل منها من شعائر الآخر. فتباعدت المسافة بين الفريقين الذين هم أساساً من أصل ديني واحد. ثم فرضت السلطة الرومانيّة مسيحيتها على الشرق بحُكم الإستعمار. حتّى أن المصريّين الذين هم أصل الختان أجبروا على تركه.

ولكن ما علاقة ذلك بختان البنات؟

إننا لو نظرنا إلى بلاد الإسلام التي رفضت ختان البنات لا نجد فيها مسيحيّين. أمّا مصر التي تنتشر فيها المسيحيّة من قَبل دخول الإسلام إليها فإن المسلمين فيها يتمسّكون بختان الرجال والبنات بينما يحرّم المسيحيّون ختان الرجال والبنات. لأن كل فريق يحب أن يظهر متمايزاً عن الآخر ومخالفاً له ومحتفظاً بهويّته أو ذاتيّته.

والآن هل يمكن أن نلتقي عند كلمة سواء فيعود المسيحيّون إلى أصل دينهم فيمارسون ختان الرجال ويترك المسلمون ختان النساء الذي لم يعد له أي أساس ديني يعتمد عليه بعد التوضيح السابق؟ كما أن الأضرار المؤكّدة التي تترتّب عليه تعتبر كافية لتحريمه وتجريمه حتّى لو ثبت أنه مستحب وهو أقصى ما يطمح إليه مؤيّدو الختان إذ لا أمل أقصى من إستحبابه. وبينهم وبين ذلك بعد ما بين الشرق والمغرب.

ملحق 25: رأي موسى بن ميمون (توفّى عام 1204)2

وكذلك الختان أيضاً عندي إحدى عللها تقليل النكاح وإضعاف هذه الآلة حتّى يقصر هذا الفعل ويجمّ ما أمكن. وقد ظُنَّ أن هذا الختان هو تكميل نقص خلقة، فوجد كل طاعن موضعاً للطعن. وقيل كيف تكون الأمور الطبيعيّة ناقصة حتّى تحتاج لتكميل من خارج مع ما تبيّن من منفعة تلك الجلدة لذلك العضو. وليس هذه الفريضة لتكميل نقص الخلقة، بل لتكميل نقص الخُلق. وتلك الأذيّة الجسمانيّة الحاصلة لهذا العضو هي المقصودة التي لا يختل بها من الأفعال التي بها قوام الشخص، ولا بطل بها التناسل، ولكن نقص بها الكَلَب والشره الزائد على ما يحتاج. وأمّا كون الختان يضعف قوّة الإنعاظ، وقد ربّما نقّص اللذّة، أمر لا شك فيه، لأن العضو إذا أُدمي، وأزيلت وقايته من أوّل نشوئه، فلا شك، أنه يضعف. وببيان قالوا الحُكماء عليهم السلام: إنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها، فهذا أوكد أسباب الختان عندي. ومن يتبدّئ بهذا الفعل إلاّ إبراهيم الذي شهر من عفّته ما ذكروه الحُكماء عليهم السلام في قوله: «أنا أعلم أنك إمرأة جميلة المنظر» (التكوين 11:12).

وفي الختان أيضاً عندي معنى آخر وكيد جدّاً وهو أن يكون أهل هذا الرأي كلّهم، أعني معتقدي توحيد الله، لهم علامة واحدة جسمانيّة تجمعهم، فلا يقدر من ليس هو منهم يدّعي أنه منهم، وهو أجنبي، لأنه قد يفعل ذلك كي ينال فائدة، أو يغتال أهل هذا الدين.

وهذا الفعل لا يفعله الإنسان بنفسه، أو بولده إلاّ عن إعتقاد صحيح. لأن ما ذلك شرطة ساق أو كيّة في ذراع، بل أمر كان مستصعباً جدّاً جدّاً. معلوم أيضاً قدر التحابب والتعاون الحاصل بين أقوام كلّهم بعلامة واحدة وهي بصورة العهد والميثاق. وكذلك هذه الختانة هي العهد الذي عهد إبراهيم أبونا على إعتقاد توحيد الله. وكذلك كل من يُختن إنّما يدخل في عهد إبراهيم والتزام عهده لاعتقاد التوحيد: «لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك» (التكوين 71:7). وهذا أيضاً معنى وكيد مثل الأوّل في تعليل الختان، ولعلّه أوكد من الأوّل.

وكمال هذه الشريعة، وتخليدها إنّما تم بكون الختان في سن الصغر. ففي ذلك ثلث حِكَم:

الأولى أنه لو ترك الصغير حتّى يكبر، قد لا يفعل.

والثانية كونه لا يتألّم كتألّم الكبير للين جلده، ولضعف خياله، لأن الكبير يستهول ويستصعب الأمر الذي يتخيّل وقوعه قبل أن يقع.

والثالثة أن الصغير يتهاون والده بأمره عند ولادته لأنه لم تتمكّن إلى الآن الصورة الخياليّة الموجبة لمحبّته عند والديه. لأن تلك الصورة الخياليّة إنّما تزيد بالمباشرة، وهي تنمي مع نموّه ثم تأخذ في الإنحطاط والإغماء أيضاً، أعني تلك الصورة الخياليّة. فإن ليس محبّة الأب والأم للمولود عندما يولد كمحبّتهما إيّاه وهو إبن سنة، ولا محبّة إبن سنة كمحبّة إبن ست. فلو ترك سنتين، أو ثلث، لكان ذلك يوجب تعطيل الختان لشفقة الوالد ومحبّته له. وأمّا عند ولاده فتلك الصورة الخياليّة ضعيفة جدّاً، وبخاصّة عند الوالد الذي هو المأمور بهذه الفريضة.

وأمّا كون الختان في الثامن، لأن كل حيوان عندما يولد ضعيف جدّاً في غاية رطوبة وكأنه إلى الآن في البطن إلى إنقضاء سبعة أيّام، وحينئذ ينعد من المباشرين للهواء. ألا ترى أن في البهائم أيضاً لحظ هذا المعنى: «سبعة أيّام يكون مع أمّه» الخ (خروج 29:22). فكأنه قَبل ذلك سقط. وكذلك في الإنسان بعد إنقضاء سبعة أيّام يختن وصار الأمر مضبوطاً ولا تترك أمورك إلى الإختلافات. وممّا إشتملت عليه أيضاً هذه الجملة النهي عن إفساد آلات النكاح من كل ذكر من الحيوان مطرداً على أصل: «رسوم وأحكام عادلة» (تثنية 8:4)، أعني تعديل الأمور كلّها لا يفرط في الجماع كما ذكرنا، ولا يعطّل أيضاً بالكلّية الأمر وقال: «أثمري وأكثري» (التكوين 22:1). كذلك هذه الآلة تضعف بالختان، ولا تستأصل بالقطع بل يترك الأمر الطبيعي على طبيعته ويُتحفّظ من الإفراط.


كامل محتويات الكتاب

يجد القارئ مختصر المحتويات في أول الكتاب


مختصر محتويات الكتاب 7

تقديم الدكتورة نوال السعداوي 9

المقدّمة 15

تنبيه 17

الجزء الأوّل: تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه 19

الفصل الأوّل: تعريف الختان 19

1) الختان أحد أساليب التصرّف بالجسد 19

2) الكلمة ومدلولها الاجتماعي والسياسي 19

3) أنواع عمليّة ختان الذكور 20

4) أنواع عمليّة ختان الإناث 22

الفصل الثاني: الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي 22

1) إحصائيّات ختان الذكور 22

2) إحصائيّات ختان الإناث 23

الجزء الثاني: الختان والجدل الديني 25

الفصل الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي 25

1) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان 25

التكوين: الفصل 17 25

الأحبار: الفصل 12 26

2) وجوب ختان الذكور عند اليهود 26

أ) ختان الذكور في الشرق الأوسط قديماً 26

ب) الختان وأسطورة العهد بين الله واليهود 28

ج) الختان علامة انتماء وتمييز وخلاص 29

د) الأغلف يقطع من الشعب اليهودي 29

هـ) الأغلف نجس 30

و) الأغلف لا يُقبل زواجه من يهوديّة ولا يناسب 31

ز) الأغلف لا يعاشر لا في الحياة ولا في الموت 32

ح) المبالغة في أهمّية الختان 33

3) التيّار اليهودي الناقد لختان الذكور 34

أ) لم يمارس اليهود دائماً الختان 34

ب) الجدل ضد الختان عند المجدّدين اليهود الألمان 35

ج) الجدل الحالي حول الختان في الولايات المتحدة 37

د) انتقال نقد الختان إلى إسرائيل 38

4) عمليّة الختان عند اليهود 40

أ) الأشخاص الذين يخضعون للختان 40

من هو الذي يختن؟ 40

يوم الختان 40

تأخير وإلغاء الختان في حالة المرض وخوف الموت 42

العبيد ومن يعتنق اليهوديّة والعدو 42

من ولد أو تهوّد مختوناً 43

ختان الخنثى ومن له غلفتان 43

ب) القائمون بالختان ومن يحضره 43

الخاتن 43

السندك والعرَّابين والجمع 45

إيليّا الغائب الحاضر 46

ج) تنفيذ الختان 46

الإعداد الروحي والمادّي للختان 46

مراحل الختان 47

مصير الغلفة 49

د) الانتقال من الطقس الدموي إلى الطقس غير الدموي 49

5) ختان الإناث عند اليهود 50

أ) ختان الإناث في الشرق الأوسط قديماً 50

ب) ممارسة اليهود لختان الإناث وإنكارهم ذلك 50

ج) إشراك الإناث في طقس الختان الرمزي 51

الفصل الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي 52

1) الختان في نصوص الكتب المقدّسة المسيحيّة 52

أ) موقف المسيح من الختان 52

ب) موقف رسل المسيح من الختان 53

2) موقف آباء الكنيسة واللاهوتيّين من الختان 56

أ) انتصار التيّار الرافض للختان 56

ب) رأي يوستينوس (توفى حوالي عام 165) 57

ج) رأي كيريلوس الكبير (توفى عام 444) 58

د) رأي توما الأكويني (توفى عام 1274) 59

3) الجدل الديني حول الختان عند مسيحيّي مصر 61

أ) ختان الذكور عند مسيحي مصر 61

ب) ختان الإناث عند مسيحيّي مصر 64

4) الجدل الديني حول الختان عند المسيحيّين الأمريكيّين 65

أ) التفسير الحرفي للتوراة عند الأصوليّين المسيحيّين 66

ب) رفض معارضي ختان الذكور للتفسير الحرفي 68

الفصل الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي 69

1) الختان في القرآن 69

أ) سكوت القرآن عن ختان الذكور والإناث 69

ب) تفسير آيات من القرآن لتأييد ختان الذكور 70

«وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات» 70

«صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة» 72

ج) تصادم الختان مع فلسفة القرآن 72

2) الختان في السُنّة 75

أ) أحاديث الختان 75

أحاديث ختان إبراهيم 75

أحاديث ختان النبي محمّد 75

أحاديث ختان الحسن والحسين 76

أحاديث الختان من سُنَن الفطرة 76

الأحاديث الآمرة بختان الذكور 77

حديث «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء» 77

أحاديث «إذا التقى الختانان» 78

روايتا «خاتنة الجواري» 78

الرواية الأولى المشهورة برواية أم عطيّة 79

الرواية الثانية المشهورة برواية أم حبيبة 79

ب) المشككون في أحاديث الختان 80

أحاديث غير موثوقة مصدرها اليهود 80

الرافضون للسنّة جملة وتفصيلاً 81

3) الختان وشرع من قَبلنا 82

أ) إنجيل برنابا 83

ب) رواية ختان هاجر 83

4) الختان في سُنّة السلف 84

أ) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الذكور 84

«إنّا كنّا لا نأتي الختان على عهد رسول الله» 85

«ليس لحجّامي بلدنا حذق بذلك، ولا يختنونه يوم السابع» 85

«أسلم الناس الأسود والأبيض لم يفتش أحد منهم ولم يختتنوا» 86

«ليس في باب الختان... سُنّة تتبع» 86

«إن الله بعث محمّداً (ص) داعياً، ولم يبعثه خاتناً» 86

ب) ليس للسلف موقف ثابت من ختان الإناث 86

5) آراء الفقهاء القدامى في الختان 87

أ) قلة اهتمام الفقهاء القدامى بموضوع الختان وتناقض مواقفهم 87

ب) نبذات من آراء الفقهاء القدامى 88

ابن الجلاب (توفى عام 988، مالكي) 88

الطوسي (توفى عام 1067، شيعي) 88

النزوي (توفى عام 1162، اباضي) 88

ابن قدامة (توفى عام 1223، حنبلي) 89

النووي ((توفى عام 1277، شافعي) 89

ابن مودود الموصلي (توفى عام 1284، حنفي) 89

ابن جزي (توفى عام 1340، مالكي) 89

6) الحجج الدينيّة الفرعيّة التي يرتكز عليها الفقهاء والمفكرون 89

أ) التطهير من النجاسة 89

ب) شعار المسلمين ومخالفة لشعارات الكفر 90

ج) العُرف 90

7) النتائج المترتبة على عدم الختان في الشريعة 91

أ) الختان بين المباح والمستحب 91

ب) الختان واجب يجبر ويقتل تاركه 92

ج) القدح في صلاة وإمامة وحج وشهادة وذبيحة الأغلف 92

د) القدح في زواج الأغلف 93

هـ) حالات تجريم الختان 93

8) عمليّة ختان الذكور والإناث 94

أ) الشخص الذي يتم الختان عليه 94

كل مولود مسلم؛ سن الختان 94

تأخير الختان في حالة المرض وخوف الموت 95

الذي يعتنق الإسلام 96

من ولد أو أسلم مختوناً 96

ختان الخنثى ومن له ذكران 97

ختان الميّت 97

1 المؤلّف هو شيخ متقاعد من علماء الأزهر، مدرّس التفسير وعلوم القرآن بالأزهر سابقاً. يرد المؤلّف في هذا النص على فتوى شيخ الأزهر جاد الحق التي ذكرناها سابقاً عن ختان الذكور والإناث (الملحق 6) وعلى الحملة ضد ختان الذكور في الغرب. وهذا النص لم ينشر سابقاً وقد تكرّم مؤلّفه مشكوراً بالإذن لنا بنشره هنا.

2 إبن ميمون القرطبي، موسى (توفّى عام 1204): دلالة الحائرين، تحقيق حسين اتاي، كلّية الإلهيات، جامعة أنقرة، 1974. أعادت نشره مكتبة الثقافة الدينيّة، القاهرة، دون تاريخ، ص 702-705 (طبعة القاهرة). ونحن ننقل هذا النص حرفيّاً رغم غرابة بعض كلماته.

ب) القائمون بالختان 98

ج) تنفيذ الختان 99

د) مصير الغلفة في الحياة وبعد الموت 101

هـ) صلاة الختان 102

الجزء الثالث: الختان والجدل الطبّي 103

الفصل الأوّل: الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث 103

1) عدم إحساس الطفل بالألم أو عدم إحساس الغير بألمه؟ 104

2) لماذا إنكار ألم الطفل؟ 104

3) التخفيف من الألم 106

الفصل الثاني: الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث 107

1) أسباب تتفيه أو تجاهل الأضرار الصحّية للختان 108

أ) الأسباب الدينيّة 108

ب) جهل أو تجاهل العلاقة بين تلك الأضرار والختان 108

2) الأضرار الصحّية لختان الذكور 109

النزيف 109

الالتهاب وتعفن الجرح 109

القضاء على الغدد التي تفرز المادّة المرطبة 110

باسور الاحليل والمبال الفوقاني 110

ضيق الغلفة 110

احتباس البول 110

موت الحشفة أو تشويهها وفقدها حمايتها 111

قطع زائد لجلد القضيب 111

التقيؤ ووقف التنفس 111

مخاطر التخدير 111

تقرّح فتحة مجرى البول 111

ضيق فتحة مجرى البول 112

تشويه القضيب 112

التعرّض للخدش 112

فقدان القضيب 112

الوفاة 113

الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان اليهودي 113

3) الأضرار الصحّية لختان الإناث 113

النزيف 113

الصدمة العصبيّة 114

الإضرار بالأعضاء المجاورة 114

متاعب بوليّة 114

الالتهابات 114

تشويه العضو 114

تعطيل وظيفة الشفرين الصغيرين 115

العقم 115

تعسّر عمليّة الوضع 115

إصابة غدّتا بارثولين 115

عسر الطمث 115

المخاطر العامّة للجرح 116

الوفاة 116

الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان الفرعوني 116

الفصل الثالث: المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث 117

1) ختان الذكور واللذّة الجنسيّة 117

أ) مؤيّدو ختان الذكور قديماً يرون فيه إضعاف للذّة 117

ب) معارضو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة 118

ج) مؤيّدو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه تقوية للذّة 119

2) ختان الإناث واللذّة الجنسيّة 122

أ) مؤيّدو ختان الإناث قديماً يرون فيه إضعافاً للذّة 122

ب) معارضو ختان الإناث في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة 122

ج) مؤيّدو ختان «السُنّة» في أيّامنا يرون فيه تعديلاً أو تقوية للذّة 123

3) الختان وتعاطي المخدّرات 125

أ) ختان الذكور وتعاطي المخدّرات 125

ب) ختان الإناث وتعاطي المخدّرات 125

4) الختان والشذوذ الجنسي 126

أ) ختان الذكور والشذوذ الجنسي 126

ب) ختان الإناث والشذوذ الجنسي 127

5) تأثير الختان على الزواج 128

أ) تأثير ختان الذكور على الزواج 128

ب) تأثير ختان الإناث على الزواج 129

الفصل الرابع: الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث 129

1) ختان الذكور والإناث للحفاظ على النظافة 129

أ) الختان والنظافة في الكتابات القديمة 129

ب) الختان والنظافة في المصادر الإسلاميّة والعربيّة 130

ج) الختان والنظافة في المصادر الغربيّة 130

2) ختان الذكور والإناث لمكافحة الاستمناء وعواقبه 131

أ) الاستمناء في المصادر العربيّة 131

ب) الاستمناء عند اليهود والمسيحيّين الغربيّين 132

3) ختان الذكور والإناث للوقاية من الأمراض الفتاكة 137

أ) الختان والوقاية في الكتابات القديمة 137

ب) الختان والوقاية في الكتابات الغربيّة 137

ج) الختان والوقاية في الكتابات العربيّة والإفريقيّة 138

4) ختان الذكور والإناث للوقاية من الأمراض الجنسيّة 138

أ) المصادر العربيّة 138

ب) المصادر الغربيّة 139

5) ختان الذكور والإناث للوقاية من السرطان 140

أ) المصادر العربيّة 140

ب) المصادر الغربيّة 140

المادّة المرطبة ليست سبباً للسرطان 141

الأرقام مبالغ فيها أو غير موثوق بها 142

تفنيد الجمعيّات الطبّية لتلك النظريّة 142

الوقاية بالختان أخطر من الداء وليست أخلاقيّة 143

6) الختان لعلاج ضيق الغلفة وضيق الغلفة الخلفي 143

أ) المصادر العربيّة 143

ب) المصادر الغربيّة 144

7) الختان لعلاج التهاب المسالك البوليّة 146

أ) المصادر العربيّة 146

ب) المصادر الغربيّة 146

8) ختان الذكور والإناث للوقاية من الإيدز 147

أ) المصادر العربيّة 147

ب) المصادر الغربيّة 148

9) موقف المنظمّات الطبيّة 149

الفصل الخامس: المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة 150

1) عمليّة استرجاع الغلفة في التاريخ 151

2) كيفيّة استرجاع الغلفة بأسلوب غير جراحي 152

3) موقف مؤيّدي الختان من استعادة الغلفة 153

الجزء الرابع: الختان والجدل الاجتماعي 155

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي 155

1) بتر الذات الشاذ من الجن إلى علم الطب النفسي 155

2) دور الدين والجنس 155

3) تأثير المازوشيّة 156

4) غريزة الحياة والموت 157

5) تأثير المحيط 157

6) الحيلة والصوريّة 157

7) التحليل النفسي لختان إبراهيم 158

8) وسائل معالجة بتر الذات الشاذّة 159

9) تحوّل الشذوذ الفردي إلى تصرّف جماعي ثقافي 160

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط 160

1) الختان والتأثير العائلي 160

2) الختان والتأثير الاجتماعي 161

3) الختان والتأثير المهني 161

4) الختان وتأثير الثقافة الغالبة 162

الفصل الثالث: الختان والدين 163

1) الأساطير الدينيّة كمفسّر لنشأة الختان 163

2) الختان أحد التضحيات للآلهة 163

3) الدين عامل مساعد لمبرّرات الختان 164

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة والأعداد للزواج 165

1) ختان الذكور وسيلة من وسائل الكبح الجنسي 165

2) ختان الإناث وسيلة من وسائل الكبح الجنسي 165

3) الختان كعمليّة تمييز بين الذكور والإناث 166

4) الختان كعمليّة تجميليّة جاذبة جنسيّاً 166

أ) الختان كتجميل للأعضاء التناسليّة الذكوريّة 166

ب) الختان كتجميل للأعضاء التناسليّة للإناث 167

5) الختان كإعداد وشرط للزواج 167

أ) ختان الذكور كإعداد وشرط للزواج 167

ب) ختان الإناث كإعداد وشرط للزواج 168

الفصل الخامس: الختان والنظام القَبلي والطائفي 168

1) الختان كعلامة انتماء وتمييز وتعارف 169

2) الختان كعلامة عهد وتضامن 169

3) الختان كمرحلة تدريب وامتحان 170

أ) طقس تدريب وختان الذكور 170

ب) طقس تدريب وختان الإناث 171

4) الختان كوسيلة لدفع العنف وحماية المجتمع 172

5) من سيطرة القبيلة إلى سيطرة الأطبّاء والجيش 172

الفصل السادس: الختان وغريزة التسلط 173

1) الختان وعقدة أوديب وعقدة الخصي 173

2) الختان بين المحبّة والعنف والساديّة 174

3) الختان والحيلة والصوريّة 175

الفصل السابع: الختان والعوامل الاقتصادية 176

1) الجذور الاقتصادية لنشوء وتطوّر الختان 176

2) الختان مصدر ربح للأطبّاء والخاتنين وغيرهم 178

3) الختان وتجارة الآلات الطبّية 178

4) الختان وتجارة الغلفة 179

5) الختان والتأمين 180

6) الختان وسلاح المال 180

الفصل الثامن: الختان والدوافع السياسيّة 181

1) اليهود والختان والصراع السياسي 181

أ) ختان الذكور والاتهام بمعاداة الساميّة 181

ب) اتهام اليهود بنشر ختان الذكور وأهدافهم 182

2) المسلمون والختان والصراع السياسي 183

أ) ختان الإناث والاتهام بمعاداة الإسلام والمسلمين 183

ب) ختان الذكور والاتهام بمعاداة الأديان 183

3) الختان والصراع الاستعماري 184

4) الختان والصراع السياسي على أساس الجنس 186

الفصل التاسع: النتائج النفسيّة والاجتماعية للختان 187

1) آثار صدمة الختان على الطفل 187

أ) آثار ختان الذكور 187

ب) تأثير صدمة الختان على الإناث 189

2) أثر الختان على العلاقة مع الأهل 190

3) أثر الختان على العلاقة مع المجتمع 191

أ) انتقاص تقدير الذكور لأنفسهم وتقديرهم للغير 191

ب) بتر أعضاء الغير 191

ج) العنف والتصرّف غير الاجتماعي 193

د) الاغتصاب 193

هـ) الانتهاك الجنسي للأطفال 194

و) الانتحار 194

ز) السرقة 195

ح) الصراعات والحروب 195

الفصل العاشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان 196

1) الدراسة الشاملة وكسر حاجز الصمت 196

2) التحرّك على المستوى الديني 196

أ) علاج وعزل رجال الدين ومنع قراءة بعض النصوص الدينيّة 196

ب) إشراك رجال الدين في الحملة ضد الختان 197

ج) تثقيف الشعب وتحصينه ضد سطوة رجال الدين والنصوص الدينيّة 197

3) أساليب توصيل المعلومات للعامّة 198

4) علاج الآثار النفسيّة للبتر الجماعي الثقافي 199

الجزء الخامس: الختان والجدل القانوني 203

الفصل الأوّل: منع ختان الذكور عبر التاريخ 203

1) منع ختان الذكور في العصور القديمة 203

2) منع ختان الذكور في العصور الحديثة 205

الفصل الثاني: إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث 206

1) الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصّصة 206

2) إدانة المشرّع الوطني لختان الإناث 210

أ) سويسرا 211

ب) فرنسا 212

ج) بريطانيا 213

د) الولايات المتحدة 213

هـ) مصر 214

3) إدانة المنظمات غير الحكوميّة لختان الإناث والذكور 215

أ) اللجنة الإفريقيّة 216

ب) المنظمة القوميّة لمراكز المعلومات بخصوص الختان 216

الفصل الثالث: الختان وحقوق الإنسان 217

1) الختان ومبدأ عدم التمييز 218

أ) مبدأ عدم التمييز 218

ب) عدم وجود سبب للتمييز 218

ج) النساء ترفض التفريق بين الختانين 219

د) أسباب سياسية لاأخلاقية 219

2) ختان الذكور والإناث والحقوق الدينيّة والثقافيّة 220

أ) مطالب الطوائف 220

ب) الحقوق الفرديّة والحقوق الطائفية 221

3) الحق في سلامة الجسد والحياة 222

4) الحق في عدم التعسّف وعدم التعذيب 222

5) الحق في العرض 223

6) الحق في حرمة الميّت 224

الفصل الرابع: ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية 224

1) الضرورة الطبّية 224

2) الموافقة المستنيرة للمريض أو وليّه 225

3) إذن ممارسة العمل الطبّي ضمن أصول القواعد والأخلاق الطبّية 228

الفصل الخامس: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات 230

1) القانون والعادات الواسعة الانتشار 231

2) العادات الاجتماعية لا تلغى بجرّة قلم 231

3) الختان بين التدرّج والتسرّع 233

4) هل هناك ضرورة لقانون؟ 235

5) القانون جزء من خطة شموليّة 236

الفصل السادس: الختان واللجوء السياسي 236

1) النصوص الدوليّة والتصريحات المعلنة 236

2) تعريف الاضطهاد 237

3) هل النساء فئة اجتماعية معيّنة؟ 237

4) معارضة ختان الإناث كحيلة للبقاء في الغرب 238

5) التمييز بين ختان الذكور والإناث في مجال اللجوء السياسي 239

خاتمة الكتاب 241

ملاحق 243

مقدّمة 243

ملحق 1: في ختان المولود وأحكامه لابن قيّم الجوزيّة (توفّى عام 1351) 244

ملحق 2: باب الختان لمحمّد الشوكاني (توفّى عام 1834) 262

ملحق 3: فتوى الشيخ حسين محمّد مخلوف (دار الإفتاء - مصر / 1949) 264

ملحق 4: فتوى الشيخ علاّم نصّار (دار الإفتاء - مصر / 1951) 265

ملحق 5: فتوى أولى للشيخ جاد الحق علي جاد الحق (دار الإفتاء - مصر / 1981) 266

ملحق 6: فتوى ثانية للشيخ جاد الحق علي جاد الحق (مصر / 1994) 269

ملحق 7: فتوى أولى للشيخ محمود شلتوت (مصر / 1951) 277

ملحق 8: فتوى ثانية للشيخ محمود شلتوت (مصر / 1959) 279

ملحق 9: فتوى أولى للشيخ محمّد سيّد طنطاوي (دار الإفتاء - مصر / 1993) 281

ملحق 10: فتوى ثانية للشيخ محمّد سيّد طنطاوي (مصر / 1994) 282

ملحق 11: فتوى الدكتور يوسف القرضاوي (مصر / 1987) 283

ملحق 12: فتوى الدكتور محمّد سليم العوّا (مصر / 1994) 284

ملحق 13: رأي الدكتورة نور السيّد راشد (مصر / 1995) 289

ملحق 14: فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء (السعوديّة / 1989) 294

ملحق 15: فتوى الأستاذ أحمد محمّد جمال (السعوديّة / 1994) 295

ملحق 16: فتوى الشيخ حسن مراد منّاع (الكويت / 1990) 296

ملحق 17: فتوى الشيخ حسن أحمد أبو سبيب (السودان / 1984) 296

ملحق 18: سُنَن الختان في الأولاد (إيران / 1990) 299

ملحق 19: دائرة المعارف الشيعيّة (لبنان / 1993) 307

ملحق 20: رأي عصام الدين حفني ناصف (مصر / 1971) 309

ملحق 21: رأي محمّد عفيفي (مصر / 1971) 315

ملحق 22: رأي القاضي مصطفى كمال المهدوي (ليبيا / 1990) 319

ملحق 23: رأي جمال البنّا (مصر / 1997) 320

ملحق 24: رأي الشيخ محمود محمّد خضر (مصر / 1997) 322

ملحق 25: رأي موسى بن ميمون (توفّى عام 1204) 330

كامل محتويات الكتاب 333

مؤامرة الصمت

ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق

يعرض هذا الكتاب الجدل الديني والطبي والاجتماعي والقانوني حول ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين.

يواجه ختان الإناث في أيامنا حملة على مستوى الدول والمنظمات الدولية تهدف إلى إلغائه. أما ختان الذكور فقد تم قبوله ويكاد لا يجرأ أحد على نقده. فهناك ظن أنه أقل ضرراً من ختان الإناث وقد يكون مفيداً للصحّة.

والقصد من هذا الكتاب فضح هذه الأسطورة الكاذبة التي تغذيها الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية. فهو يبين أن التفريق بين الختانين لا أساس له من الصحة. فكلاهما تعدي صارخ على سلامة الجسد دون أي مبرر يقبله العقل. وهذا التفريق هو السبب الرئيسي وراء فشل الحملة ضد ختان الإناث. فلا يمكن ضمان الحق في سلامة الجسد للبنت إن كنا نحرم أخيها من هذا الحق.

نبذة عن المؤلف

سامي عوض الذيب أبو ساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1994 في الزبابدة، فلسطين.

أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسؤول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة في عدّة لغات. وألقى محاضرات عدّة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت http://go.to/samipage


مغلف الكتاب: نحت مصري يرجع إلى حوالي عام 2300 قبل الميلاد.

المصدر Janssen: Growing up in Ancient Egypt, 1990, p. 91