Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

ورغم أن الغرلة تعتبر نجسة، إلاّ أن المسلمين يعتقدون أن الله يعيدها للإنسان في الحياة الأخرى. وهم يعتمدون في ذلك على القرآن الذي يقول: «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعداً علينا إنا كنّا فاعلين» (الأنبياء 104:21) وفي مكان آخر: «كما بدأكم تعودون» (الأعراف 29:7). وهناك عدّة أحاديث نبويّة في هذا الموضوع. ففي صحيح البخاري: «إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً». ويقول ابن قيّم الجوزيّة «لمّا وعد الله سبحانه - وهو صادق الوعد الذي لا يخلف وعده - أنه يعيد الخلق كما بدأهم أوّل مرّة، كان من صدق وعده أن يعيده على الحالة التي بدأ عليها من تمام أعضائه وكمالها» ويضيف: «إن الختان إنّما شرّع في الدنيا لتكميل الطهارة والتنزّه من البول، وأهل الجنّة لا يبولون ولا يتغوّطون فليس هناك نجاسة تصيب الغرلة، فيحتاج إلى التحرّز منها، والغلفة لا تمنع لذّة الجماع ولا تعوقه» (انظر الملحق 1).

هـ) صلاة الختان

لا نجد في الكتب الإسلاميّة أيّة إشارة إلى مراسيم دينيّة خاصّة بالختان كما هو الأمر عند اليهود. إلاّ أننا نجد في كتب الشيعة دعاءاً دينيّاً يتلى بمناسبة الختان. فقد نقل عن الصادق أنه إذا ختن الصبي يقول: «اللهم هذه سُنّتك وسُنّة نبيّك صلواتك عليه وآله واتباع لمثالك وكتبك ولنبيّك بمشيئتك وإرادتك وقضائك، لأمر أردته وقضاء حتمته وأمر أنفذته، فأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أعرف به منّا. اللهم فطهّره من الذنوب وزده في عمره وادفع الآفات عن بدنه والأوجاع عن جسمه وزده من الغنى وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم». وقال: «أي رجل لم يقلها على ختان ولده فليقلها عليه من قبل أن يحتلم، فإن قالها كفي حر الحديد من قتل أو غيره».

ويذكر العبّودي من الإمارات أنه عندما يجهّز الخاتن الموسى للقطع يعلو صوت الرجال الوقوف حولهم بالصلاة على محمّد وآل محمّد (ص) وببعض مقاطع الشعر مثل «طالع فوق يا مختون» بشكل متتال قَبل لحظات قطع الجلد. والهدف من هذه المباركة هو اشغال تركيز الصبي وتشتيت ذهنه عن حرقة الموسى والنظر إلى فوق.

وبخصوص ختان الأنثى، يرى السكري في عصرنا «أن يبدأ الخاتن أو الخافضة بالبسملة وحمد الله تعالى، والصلاة والسلام على رسول الله (ص) صاحب هذه المَكرُمَة العظيمة».

الجزء الثالث
الختان والجدل الطبّي

هناك من يعتقد أن الختان أمر الهي لا دخل للطب فيه. وآخرون يرون أن الختان عملية جراحية يجب إجراؤها إذا دعت الضرورة وتركها عند عدم الضرورة دون النظر للقواعد الدينية. وهناك تيّار ثالث يرى أن الختان يمكن استغلاله كمعجزة لإثبات الدين وإذا ما تصادم الطب مع الدين فالأولوية للدين معتبرين أن العقل غير معصوم وغير قادر على الوصول للحكمة من وراء الختان. وبسبب تضارب هذه النظريات نجد أن عامل الدين يلعب دوراً هاماً في النقاش حول ختان الذكور والإناث. والسؤال الأول الذي يطرح هو تبرير الختان على مستوى الألم.

الفصل الأول
الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث

تعريض الغير للألم مخالف للأخلاق وللقاعدة الذهبيّة التي تقول: «لا تفعل لغيرك ما لا تريد أن يفعله الغير لك». وإذا ما كان هناك سبب لإباحة، مثل التدخّل الطبّي لإنقاذ حياة المريض، فإن الألم يجب أن يكون بأقل قدر ممكن. وعلى قدر الإمكان، يجب محاولة تخفيف الألم بواسطة التخدير الموضعي أو الشامل، أو باللجوء إلى وسائل ترويحيّة أخرى أقلها إشعار الشخص المتألم بنوع من الشفقة والحنان والمواساة وعدم استفزازه وعدم التلذّذ بألمه وعدم إظهار البهجة أو الرقص على جراحه. كما يجب تفهيمه ما يجرى له وأن ذلك لمصلحته حتى لا يشعر بأن هناك مؤامرة تحاك ضدّه.

وعمليّة ختان الذكور والإناث تدور في حقيقة الأمر بخلاف كل ذلك. فهي تتم في الأكثريّة الساحقة دون سبب طبّي، على عضو سليم، وفي أكثر الأحوال دون تخدير. وبينما يصرخ الطفل، يقوم الأهل والحضور بمظاهر البهجة وكأنهم يشمتون به حتى وإن أحاطوه ببعض الدفء العائلي. والطفل لا يمكنه أن يفهم أن ما يجري له هو لصالحه رغم ما قد يدَّعيه الأهل.

هكذا يتحوّل الختان إلى مسرحيّة مبكية مضحكة في آن واحد. وشر البليّة ما يضحك. ولكن المأساة هي محاولة مؤيّدي ختان الذكور تبرير أنفسهم بأن الطفل لا يحس بالألم، أو بألم بسيط سرعان ما ينساه. وقد دار جدل كبير في الأوساط العلميّة حول مدى شعور الطفل بالألم وحول استعمال التخدير لتخفيف ألم الطفل.

1) عدم إحساس الطفل بالألم أو عدم إحساس الغير بألمه؟

لا أحد يشك في أن ختان الذكور والإناث إذا ما تم بعد سن التمييز عمليّة مؤلمة. وعندما تتكلم النساء في مصر عن يوم الختان تصفه «باليوم الأسود». ويحاولن تفادي التفكير به: «ما تفكرينيش بيه لأن كل ما أفكر جسمي يقشعر وأخاف. فقد أخذوني من الدار للنار كأني رايحة لقدري».

هناك توجّه عام ومتزايد نحو ممارسة الختان في الصغر، للاعتقاد في أنه كلما كان الطفل أصغر، كلما كان ألمه أقل. يقول موسى بن ميمون إن الشريعة اليهوديّة وضعت الختان على الصغير لأنه في هذا السن «لا يتألم كتألم الكبير للين جلده، ولضعف خياله، لأن الكبير يستهول ويستصعب الأمر الذي يتخيّل وقوعه قبل أن يقع» (انظر الملحق 25). وقد ردّد رجال الدين اليهود قول ابن ميمون عبر العصور. فالحاخام «فايس» يقول: «إن الختان ليس مؤلم وهو يشبه ذهابك للحلاّق لقص شعرك».

وقد حاول البعض وضع النظريّات تأييداً لمقولة ابن ميمون. فهم يرون أن الطفل لا يتمتع بجميع الحواس، ولا يشعر بالألم كما يشعر البالغ، ودماغه لا يمتلك القدرة على التذكر لما يجري له، فهو سريع النسيان. ولذلك لا يؤثر عليه أي تصرّف يقع عليه. فلا يكاد أن يكون هناك اختلاف كبير بينه وبين النباتات، حسب قول طبيب أمريكي في القرن التاسع عشر. وقد كتب الطبيب اليهودي «فايس»، وهو من مؤيّدي الختان الجماعي، عام 1994: «إن إثارة موضوع الألم عند الأطفال حديثي الولادة لا مبرّر لها [...]. فالدراسات تبيّن أن وسائل الإحساس عنده ضعيفة. وهذا يبيّن عدم ضرورة إعطاء التخدير قَبل بلوغه عشرة أيّام». ونجد مثل هذه الأقوال أيضاً عند الأطبّاء المسلمين. يقول الدكتور أحمد خفاجي، وهو طبيب مصري: «كلما أسرعنا بختان الذكور في وقت مبكر من حياتهم كلما كان هذا أفضل لهم. فالأطراف العصبيّة المسؤولة عن الإحساس بالألم لا يتم نموّها إلاّ بعد حوالي ستة أشهر من الولادة».

وقد أدّى هذا الاعتقاد إلى إجراء عدّة تدخّلات جراحيّة على أطفال دون تخدير، أهمّها عمليّة الختان. وقد وصل الأمر إلى أن تقر الأكاديميّة الأمريكيّة لطب الأطفال لعام 1999: «إن هناك براهين كثيرة بأن الأطفال يبدون تجاوباً جسديّاً خلال الختان دون تخدير ممّا يوحي بأن الطفل يشعر بالألم والقلق الجسدي». وكأن الأمر يحتاج إلى برهان!!

2) لماذا إنكار ألم الطفل؟

بعد ما ذكرناه لا بد من السؤال لماذا ينكر الحاخامات والأطبّاء الذين يقومون بالختان ألم الطفل؟ وهل صحيح أنهم لا يسمعون صراخ الطفل؟ هناك عدّة تفسيرات:

- قد يصاب الطفل خلال الختان بصدمة فيدخل في حالة غيبوبة أو شبه غيبوبة، ممّا يشل مشاعره وحركته.

- يكون بعض الأطفال تحت تأثير المخدّرات التي أعطيت لأمّهاتهم عند الولادة فتسرّبت إليهم من خلال حبل الوريد. أي أن كثيراً من الأطفال يلدون في حالة تخدير. فهذه المخدّرات تؤثر في علاقة الطفل مع أمّه إذ يبتسم قليلاً ويصبح حاد المزاج. وقد لوحظ أن تلك المخدّرات قد تترك أثراً حتى على البالغين لمدّة سنة.

- قد ينبع إنكار رجال الدين ألم الطفل من محاولة لتغطية إحساسهم بالذنب من إيلامهم للأطفال.

- قد يتظاهر الخاتن بعدم ألم الطفل كذباً ويحاول إقناع الأهل بذلك لأنه يخاف من تراجع عمليّات الختان إذا ما اكتشف الأهل أن أطفالهم يتألمون.

- قد يكون الخاتن فاقد الإحساس، أو حسب التعبير العامّي «متمسح». فمهما تنخزه فهو لن يحس. فالجزّار الذي يذبح عدداً كبيراً من الحيوانات ينتهي بعدم سماع صوتها، بينما قد يمتعض شخص يحضر ذبح حيوان لأوّل مرّة، ويشفق على الحيوان، ويلوم الجزّار على قساوة قلبه. ومن فقد الشعور لن يقبل بأي نقاش مهما كانت البراهين التي تقدّمها له. فالإحساس واعز مهم للوصول إلى المعرفة. وعدم الإحساس هذا يؤدّي إلى عدم فتح النقاش حول الختان بين الأطبّاء.

- هناك الاعتبارات الفئويّة. فالأشخاص يحدثون ألماً أكبر على الغير كلما كانوا في مجموعة ممّا لو كانوا وحدهم. وبما أن الأطبّاء يعرفون أن الأهل وزملاءهم في المهنة موافقون على الختان، فإنهم لا يتردّدون في البتر وإيلام الطفل. والطبيب الذي يجري الختان لأوّل مرّة يقوم به تحت إشراف طبيب مدرّب. ولذا فهو يتخلى عن مسـؤوليّة اتخاذ القرار وينفذ العمليّة طاعة لأوامر الطبيب المدرّب. وهو لا يقصد التأليم، بل ينفي وجود الألم ويغش نفسه للمضي قدماً في العمليّة. وبعد أن يقرّر الطبيب إجراء العمليّة، فإنه يصعب عليه الرجوع إلى الوراء لأن ذلك يعني أنه يستنكر ما قام به أوّلاً. وعندها يوهم نفسه أنه لا يؤلم الطفل.

والسؤال الثاني الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الأهل يجهلون فعلاً أن الختان عمليّة مؤلمة؟ وإذا كانوا لا يجهلون ذلك، فلماذا يسلمون أطفالهم للأطبّاء أو غير الأطبّاء لكي يختنوهم؟

قديماً حاول موسى بن ميمون إعطاء إجابة على هذا السؤال. فهو يرى أن فرض الشريعة اليهوديّة الختان على الصغار سببه هو:

«إن الصغير يتهاون والده بأمره عند ولادته لأنه لم تتمكن إلى الآن الصورة الخياليّة الموجبة لمحبّته عند والديه، لأن تلك الصورة الخياليّة إنّما تزيد بالمباشرة، وهي تنمو مع نموّه ثم تأخذ في الانحطاط والإغماء أيضاً، أعني تلك الصورة الخياليّة. فإن ليس محبّة الأب والأم للمولود عندما يولد كمحبّتهما إيّاه وهو ابن سنة، ولا محبّة ابن سنة كمحبّة ابن ست. فلو ترك سنتين، أو ثلاث، لكان ذلك يوجب تعطيل الختان لشفقة الوالد ومحبّته له. وأمّا عند والديه فتلك الصورة الخياليّة ضعيفة جدّاً، وبخاصّة عند الوالد الذي هو المأمور بهذه الفريضة» (انظر الملحق 25).

وقد ذكرت ممرّضة أمريكيّة أن نظام الولادة في المستشفى يضعف من محبّة الأم لابنها إذ إن الطفل لا يترك طويلاً مع أمّه. فتفقد السيطرة عليه ولا تشعر بالحنان الكافي نحوه. لذا فهي ليست قادرة على حمايته من تعدّي الأطبّاء عليه. وصراخ الأطفال في الحضانة بعيداً عن أمّهاتهم كان يفسّر في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين بأنه مفيد للرئتين. وما يقوم به اليهودي هو في عينيه أمر اعتيادي. ويجب أن يكون متمتعاً بقدر كبير من الشجاعة حتى يعترف بأنه تعرّض للضرر وأن أهله قد غلطوا ولا يريد أن يفعل ذلك لابنه.

ويجب أن لا ننفي أن الختان الديني يصاحبه نشوة دينيّة لها تأثير المخدّر على الأهل والحضور. فتحت تأثير النشوة الدينيّة كان عبدة بعض الآلهة يبترون أعضاءهم الجنسيّة بأيديهم. وفي أيّامنا يقوم الشيعة بجلد أنفسهم بسلاسل من حديد وبشق رؤوسهم بالسكاكين حتى يدمون في ذكرى عاشوراء. كما أن بعض المسيحيّين الفيليبيين يرضون بأن يصلبوا في ذكرى صلب المسيح آملين الحصول على النعم والغفران من الله بعملهم هذا. فما بالك في الختان والضحيّة ليس الأهل بل طفل أو صبي مسكين؟

3) التخفيف من الألم

يقوم حلاّق الصحّة عامّة بإجراء ختان الذكور دون تخدير، على الصغار كما على الكبار. ونادراً ما يُستعمل المخدّر في الختان الذي يتم في الأوساط الطبّية على الأطفال حديثي الولادة. فقد تبيّن أنه في عام 1994 استعمل 4% فقط من أطبّاء التوليد الذين تقل أعمارهم عن 34 سنة المخدّر لختان حديثي الولادة. ويرجع هذا المعدّل المنخفض إلى استمرار الاعتقاد أن الختان ليس مؤلماً للطفل أو مؤلماً قليلاً فقط، أو لعدم الاهتمام بهذا الألم، أو للجهل بكيفيّة استعمال المخدّر مع الأطفال، أو للخوف من عواقبه. وهناك حاليّاً محاولة لاستعمال المخدّر بقصد التصدّي للحملة الرافضة للختان. وعدم استعمال المخدّر في الأوساط الطبّية قد يكون لعوامل اقتصادية. فالتخدير يتطلب حضور طبيب متخصّص بالإضافة إلى الطبيب الجرّاح، وإطالة وجود الطفل في غرفة العمليّات. وهذا يعني مزيداً من التكاليف ونقص في الربح. ومن غير المستبعد أن يكون لعدم استعمال التخدير أسباب مرضيّة ساديّة كما سنرى لاحقاً.

وبخصوص ختان الإناث، تشير المصادر المصريّة أن هذه العمليّة تجرى غالباً بدون تخدير حيث ثبت أن 77% من عيّنة البحث تمّت دون استخدام مخدّر أو أدوية. ولم تنف أي من النساء اللواتي أجريت لهن هذه العمليّة أنها عمليّة مؤلمة.

بالإضافة إلى الأسباب السابقة، هناك اعتبارات دينيّة وراء عدم استعمال المخدّر. يقول الحاخام «مائير أريك» (توفى عام 1926) إنه محرّم استعمال المخدّر لأنه علينا أن نعطي قيمة للألم. ففي رأيه يجب أن يحس الطفل والذي يصبح يهوديّاً بالحالة التي عاشها إبراهيم عندما ختن نفسه في عمر متأخّر. وهو يربط بين الألم وبين الاستحقاق عند الله. وهناك أيضاً من يرفض استعمال التخدير لأنه تجديد، وكل تجديد مرفوض في الفكر الديني اليهودي التقليدي. وهناك من يرى أن الألم هو أسلوب لإشراك الطفل في عمليّة الختان، وأن تعريضه لألم بسيط هو لصالحه إذ يعطيه مناعة.

ويناقش معارضو ختان الذكور في الولايات المتحدة موضوع اللجوء إلى المخدّر من وجهة إستراتيجيتهم الهادفة إلى إلغاء الختان. هناك خوف من أن يكون إعطاء المخدّر للطفل أكثر فائدة للطبيب ممّا للطفل، لأنه يريح الطبيب من صياح الطفل ويساعده في إقناع الأهل بختان أطفالهم. وهكذا يكون استعمال المخدّر حافزاً لزيادة عمليّات الختان بدلاً من أن يكون وسيلة لتخفيف الألم. هذا وقد ناضلت منظمة «الممرّضات لأجل حقوق الطفل» الأمريكيّة لاستعمال المخدّر عند إجراء عمليّة الختان. وتقول بأنها تعرف بأن التخدير يغطي الألم ولا يخفي القطع. ولكن لا يمكنها أخلاقيّاً السماح بإجراء الختان دون مخدّر. وهي تعتقد بأن محو الختان هو عمل تدريجي. فيجب أن يبدأ بعض الخاتنين بالاعتراف بأن الختان دون مخدّر هو تعذيب قَبل أن يعترفوا بأنه خرق لحقوق الإنسان.

ونفس المشكلة تطرح فيما يخص ختان الإناث. فقد كتب محمّد إبراهيم سليم بأن معارضيه يعتمدون على كونه يؤلم الفتاة. ويتساءل:

«ولكن ماذا سيكون عليه رأيهم [...] لو تمّت العمليّة تحت تأثير مخدّر مأمون، يقوم به طبيب مختص، كما يحدث في أيّة عمليّة جراحيّة أخرى، وبالتالي فلا ألم ولا صدمات عصبيّة نتيجة ذلك؟ أعتقد أن الأمر سيختلف تماماً».

إلا أن معارضي ختان الإناث في مصر وخارجها رفضوا عامّة إعطاء الأطبّاء إمكانيّة إجراء ختان الإناث، مع أو بدون مخدّر، لأن ذلك يضفي الشرعيّة على ما يفعلون فتتزايد عمليّات ختان الإناث بدلاً من إنهائها. وهناك من يرى أن استعمال المخدّر في ختان الإناث قد يساعد على تفادي حدوث جروح غير متعمّدة بسبب حركة المختونة. إلاّ أن ذلك قد يؤدّي أيضاً إلى آثار سلبيّة إذ إن هدوء المختونة يعطي الخاتنة الفرصة لتقطع أكبر قدر من الجلد.

الفصل الثاني
الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث

يتم في ختان الذكور والإناث بتر جزء من جسم الإنسان فيُحرم من وظيفة هذا الجزء ويُعرّض للمضاعفات التي تصاحب كل العمليّات الجراحيّة. ولهذا يجب أن تخضع لنفس المنطق الذي تخضع له العمليّات الجراحيّة، أي عدم إجرائها إلاّ إذا كانت الفائدة منها تعلو على مضارّها. إلاّ أن الكثيرين يُتفهون أو يتجاهلون هذه الأضرار.

1) أسباب تتفيه أو تجاهل الأضرار الصحّية للختان

أ) الأسباب الدينيّة

إن كنت مؤمناً بأن الختان أمر إلهي، فإنه من الصعب عليك التفكير في أن الختان قد يكون سبباً للضرر لأن ذلك تشكيك في عدل الله وتقويض لمعتقداتك وفتح المجال لتكفيرك.

بعث لي طبيب يهودي مسؤول عن التعليم الطبّي في جامعة «بن جوريون» الإسرائيليّة رسالة يقول فيها: «إذا أمر الله شيئاً فلا يمكن لهذا الشيء أن يكون ضارّاً». ويعرض الفيلم «إنه صبي» الذي أخرجه «فيكتور شونفيلد» عمليّة ختان صبي يهودي انتهى في غرفة العلاج المكثف. وفي هذا الفيلم تصريح للطبيب «موريس سيفمان» من المنظمة اليهوديّة التي تدرّب الخاتنين: «لو تبيّن أن الختان يمكن أن يكون ضارّاً، فقد نعيد التفكير فيه. ولكن لا شك عندي بتاتاً أن ذلك لا يمكن أن يحدث لأن الأمر الذي أعطاه الله هو أمر صالح».

ب) جهل أو تجاهل العلاقة بين تلك الأضرار والختان

كثير من المختونين يتألمون من أضرار لا يعرفون أن سببها الختان. فهذه الأضرار قد تحدث بعد مدّة من إجراء الختان على يد طبيب الولادة. وعندما يعرض الأمر على طبيب آخر، لا يخطر على باله أن تلك الأضرار قد تكون بسبب الختان.

وتشير مجموعة العمل التي نظمتها منظمة الصحّة العالميّة أن كثير من النساء ليس لهن شعور بعلاقة الختان بمشاكل صحّية وجنسيّة ومتاعب عند الولادة. وقد يكون سبب ذلك أن تلك المشاكل قد تظهر بعد سنين من إجراء العمليّة فلا تربط بينها وبين الختان. وقد يكون سببه التكيّف الاجتماعي للمرأة الذي يجعلها تتقبّل تلك الممارسة والآلام التي تصاحبها. وقد يحاول الذين يجرون العمليّة إيهام ضحاياهم بوجود أسباب خارجيّة وخرافات. وعلى سبيل المثال يؤدّي الندب الناتج عن الختان إلى عدم تحمّل النسيج ولادة أوّل طفل، ممّا ينتج عنه وفاة ذاك الطفل. ولذلك يتم الترويج في «سيراليون» لفكرة أن فقدان أوّل طفل يولد هو أمر طبيعي.

وإن حدث مثل هذا الضرر كنتيجة مباشرة وواضحة للختان، هناك من يحاول إخفاء الضرر بقدر المستطاع أو الفصل بين الضرر والختان معتبراً أن ذلك «مكتوب» أو «قدر مقدّر»، أو كما يقول المثل العامّي: «إلي انكتب غلب، وإلي انبلى يصبر». فلا تمرّد على إرادة الله. حتى أن الكثيرين يرفضون أن يرفعوا دعوى ضد الحلاّق أو الطبيب الذي أجرى العمليّة التي تسبّبت في إلحاق ضرر أو وفاة. فمثل هذه الدعوى تمرّد ضمني على إرادة الله إن لم تكن «زيادة الطين بلة». ويقول المثل العامّي في هذا المجال: «غلب بستيرة ولا غلب بفضيحة».

هذا وقد يعيش كل من الرجل والمرأة حياتهم مع متاعب صحّية (أو جنسيّة) دون شكوى كأنّه قدر مقدّر وليس لهم وسيلة للمقارنة بين حالهم وحال الآخرين، خاصّة إذا ما ختنوا صغاراً. ومن هنا يأتي الجهل بأن للختان آثار سيّئة. وهذا يجعل من الصعب على كثير منهم أخذ موقف ضدّه أو فهم رفض البعض له. ولذلك لا بد من توعيتهم أوّلاً بأضرار الختان قَبل أن يأخذوا موقف ضدّه. ويلاحظ أنه إذا ما تم وضعهم أمام واقعهم، فإنهم قد يكتشفون أن شيئاً ينقصهم فيحسّون بالتعاسة. فقد عرض عالم نفس أمريكي حالة امرأة سودانيّة مختونة ذهبت إلى أمريكا واستمعت للشابّات الأمريكيات يتكلمن عن حياتهن الجنسيّة وحالة الارتواء الجنسي. عندها بدأت دراسة الكتب الجنسيّة ومشاهدة الأفلام الغراميّة فأحسّت بنقص في حياتها أدّى بها إلى حالة كآبة تطلب علاجها. فلو بقيت هذه المرأة في محيطها الاجتماعي لم تكن لتكتشف أن وضعها يختلف عن وضع غيرها من النساء غير المختونات. ولكن هناك أمل أن لا تقوم هذه السيدة بختان بناتها.

2) الأضرار الصحّية لختان الذكور

لختان الذكور، كأي عملية طبّية، أضرارها. ولكن ليس هناك إحصائيات موثوقة في هذا المجال. ونحن نستعرض هنا أهم هذه الأضرار الصحّية.

وهذا لا عني أن كل حالات الختان تؤدّي إلى مثل هذه الأضرار جميعاً. ولكن وجود خطر حدوث مثل هذه الأضرار يترتب عليه عدم إجراء مثل تلك العملية إلا إذا توقّعنا أن تكون الفائدة الصحية أكبر من الأضرار. وحتى في هذه الحالات، يجب محاولة اللجوء إلى «الرأب» بدلاً من الختان لتفادي قطع الأنسجة الحسّاسة. وإذا كان لا بد من الختان فيجب الاقتصار على أقل قدر من القطع للحفاظ على وظيفة القضيب الطبيعيّة. وفي كل الحالات يجب تفادي اللجوء إلى ختان الأطفال حديثي الولادة لأن ذلك يتطلب سلخ الحشفة عن الغلفة قَبل تمام تكوينها. كما إنه يجب ترك قرار الختان للشخص عندما يبلغ. فهذا هو ما يتفق مع الأخلاق الطبّية وحقوق الإنسان.

النزيف

تقدّر نسبة حدوث النزيف بـ 2% على الأقل من حالات الختان. فغلفة القضيب عضو كثير الشرايين يؤدّي بترها إلى نزول دم. وإن تم مس الشريان اللجامي، فإن هذا النزيف يكون سريعاً. والطفل الذي يزن ثلاثة كيلوغرامات لا يحتوي على أكثر من كأس دم. ولذلك في حالة عدم التنبّه للنزيف لمدّة قصيرة، فإنه يقود إلى الوفاة. وكثيراً ما يصاب الصبي بحالة صدمة من النزيف. وبعض الأشخاص مصابون بمرض سيلان الدم، وهو مرض وراثي. ونزيف الدم في هذه الحالة يصعب التحكم به.

الالتهاب وتعفن الجرح

قطع الغلفة يجعل الجرح والحشفة المكشوفة عرضة للتلوّث بالبول والبراز، ممّا قد يسبّب التهاب وتقيّحاً في فتحة البول. وهذا هو السبب الرئيسي لعسر البول والتهاب المسالك البوليّة، ممّا قد يتطلب تدخّل جراحي لتوسيع فتحة البول. وهذا يحدث في 10% من حالات الختان. وإذا لم توجد أدوية معقّمة، فالجرح قد يؤدّي إلى التعفن وإصابته بجراثيم عدوى كثيرة مثل التيتانوس والغنغرينا ومرض السحايا والدفتيريا وتسمّم الدم والتهاب العظام، ممّا قد يودي بحياة الطفل.

القضاء على الغدد التي تفرز المادّة المرطبة

بالختان يتم القضاء على الغدد التي تفرز المادّة المرطبة والتي تتواجد في ثلم إكليل الحشفة وبطانة الغلفة. والمادّة المرطبة تلعب أدواراً مُهمّة منها فصل الغلفة عن الحشفة تدريجيّاً ومنع إعادة التصاقها بها، والاحتفاظ بالحشفة ناعمة وليّنة تماماً كما تحافظ الإفرازات الأخرى على نعومة البشرة. فإذا ما تم قطع الغلفة بالختان، فإن الحشفة تصبح دون حماية وتجف بسرعة وتصبح عرضة للتخدش بالملابس. كما أنها تثخن وتخشن وتفقد حساسيّتها الطبيعيّة. حتى أن لونها الطبيعي يتغيّر. ويقدّر البعض سمك بشرة الحشفة لدى المختونين بعشرة أضعاف سمك بشرة الحشفة عند غير المختونين.

باسور الاحليل والمبال الفوقاني

قد تحدث عمليّة الختان فتحة جانبيّة في مجرى البول يطلق عليها «باسور الاحليل». وهذا ينتج بسبب خطأ من الخاتن خلال عمليّة قطع الغلفة، فيثقب القضيب. وقد يثبت طرف الآلة داخل مجرى البول. وعند إغلاقها فإنها تسحق الجزء الأعلى لمجرى البول والجزء الأعلى للحشفة مع الغلفة، ممّا ينتج عنه حدوث فتحة في أعلى الحشفة يطلق عليها «مبال فوقاني». وهناك بعض حالات التشوّه الخلقي يطلق عليه «الاحليل التحتاني» وهو تحوّل فتحة مجرى البول من أعلى الحشفة إلى الجانب السفلي منها. ويصلح هذا العيب بترقيع الفتحة بغلفة القضيب وإجراء فتحة في المكان الاعتيادي. فإذا لم يلاحظ الطبيب هذا العيب قَبل الختان، فإنه يصعب عليه إصلاحه لأنه بالختان يزيل قطعة الجلد التي يحتاج إليها لتصليح العيب.

ضيق الغلفة

سوف نرى أن مؤيّدي ختان الذكور يجرونه للوقاية من ضيق الغلفة الذي يمنع سحبها إلى الخلف لكشف الحشفة. إلاّ أن الختان قد يؤدّي إلى مثل هذا الضيق ممّا يسبّب حشر للحشفة. وهذا يتطلب تدخّل لتوسيع الجلد وفي بعض الأوقات يجب إعادة عمليّة الختان.

احتباس البول

قد يتم في الختان قطع «لجام القضيب»، ممّا يحرم مجرى البول الداخلي من أهم مصدر للدم فيه. وهذا يؤدّي إلى ضيق مجرى البول في 5 إلى 10% من المختونين وإلى صعوبة في التبوّل. وقد يحدث احتباس للبول بسبب لف قضيب الطفل بعد الختان لإيقاف النزيف أو بسبب استعمال الأجهزة في الختان، وخاصّة جهاز Plastibell. وهذا الاحتباس قد ينتج كرد فعل من الطفل بسبب صدمة عمليّة الختان. واحتباس البول يجعل الطفل يتألم ويصيح ويمتنع عن الرضاعة. وقد يؤدّي إلى قصور كلوي.

موت الحشفة أو تشويهها وفقدها حمايتها

يؤدّي تضييق اللف على حشفة الطفل في بعض الأحيان إلى موتها. ويحدث أيضاً أن تجرح هذه الحشفة أو تقص كاملة بسبب تهاون الخاتن فيصاب القضيب بتشويه دائم يصاحبه مشاكل جنسيّة كبيرة مدى الحياة.

قطع زائد لجلد القضيب

من الصعب معرفة القدر الذي يتم قطعه من جلد القضيب خلال الختان، خاصّة عندما يجرى على طفل حديث الولادة. ويختلف هذا القدر حسب مهارة الخاتن ونوعيّة الختان. فاليهود مثلاً يشدّدون على ضرورة قطع أكبر قدر من الجلد. وهذا الأسلوب انتقل منهم إلى الأطبّاء الأمريكيّين. وقد يُحدث الختان قطع كبير فيصبح جلد القضيب أقصر من القضيب الذي يغطيه. وقد تحدث مضاعفات في عمليّة الختان فيضطر الطبيب إلى قطع المزيد من الجلد فيتعرّى القضيب ويسبّب ضيقاً عند انتصابه وتعطيلاً لوظيفته الطبيعيّة. وقصر جلد القضيب يؤدّي عند الانتصاب إلى شد جلد الصفن ممّا يحدث ألماً ومشاكل جنسيّة. وقد دفعت هذه المضاعفات بعض المختونين إلى اللجوء لعمليّة استعادة الغلفة إمّا بطريقة جراحيّة أو بطريقة شد الجلد، كما سنرى لاحقاً.

التقيؤ ووقف التنفس

هناك حالات لوحظ فيها أن الختان أدّى إلى التقيؤ ووقف التنفس بسبب الكرب الذي يصيب الطفل خلال عمليّة الختان، خاصّة عندما تتم دون تخدير. وقد يؤدّي صراخ الطفل خلال العمليّة إلى إصابته بـ «الاسترواح الصدري» و «الاندغام الرئوي».

مخاطر التخدير

يتم الختان عامّة دون تخدير. واستعمال التخدير بحد ذاته له نتائج لا يمكن تجاهلها في أيّة عمليّة جراحيّة. فالتخدير قد يؤدّي للموت. ويقول بعض الأطبّاء أن خطر التخدير أكبر عند الأطفال ممّا عند البالغين. ولو تم تخدير كل الأطفال لكان هذا سبباً في حوادث وفاة أكثر بين الأطفال ممّا هو الحال عليه بدون تخدير.

تقرّح فتحة مجرى البول

تحمي الغلفة حشفة الطفل من البول الذي يبلل ملابسه. فإذا ما أزيلت الغلفة، انكشفت الحشفة وأصبحت ملامسة للملابس المشبّعة بالأمونيا التي في البول، ممّا يؤدّي إلى تحرّق الحشفة وتقرّحها والتهابها. ونسبة المختونين الذين يصابون بهذه الظاهرة تقدّر ما بين 8% و31%، ولكن النسبة الحقيقيّة أعلى من ذلك بكثير لأن حالات الالتهابات والتقرّح لا تسجّل دائماً. وكثيراً ما يجهل الأطبّاء سببها خاصّة عندما تحدث بعد مدّة من الختان فينسون العلاقة بينهما. وعندها يلجأ الأطبّاء إلى البحث عن وسيلة لشفائها، فيقترحون تغيير نظام طعام الطفل لتخفيف الأمونيا في بول الطفل. وقد يقترحون بعض المراهم كالفازلين ومضادّات حيويّة لها عواقب وخيمة إذا ما اعتاد عليها الطفل، إذ يبطل مفعولها، فيضطر الأطبّاء لاقتراح مضادّات أقوى من السابقة. ومنهم من يقترح تغيير الثياب مراراً وغسلها وغليها حتى تزول الأمونيا تماماً.

ضيق فتحة مجرى البول

قد يؤدّي تقرّح فتحة مجرى البول إلى مضاعفات لاحقة مثل ضيق تلك الفتحة، خاصّة عند الصغار، ممّا يجعل التبوّل صعباً ومؤلماً ويتطلب جهداً كبيراً لإخراجه. وقد قام بعضهم بقياس فتحة مجرى البول عند مائة مختون ومائة غير مختون، فوجد أن الفتحة عند غير المختونين أوسع من الفتحة عند المختونين. ويذكر طبيب بأن ضيق فتحة مجرى البول تحدث عند قرابة ثلث المختونين ولا تحدث عند غير المختونين. وقد أثبتت الدراسات أن صعوبة التبوّل تؤدّي في بعض الأحيان إلى التبوّل في السرير ليلاً. ولعلاج ضيق فتحة مجرى البول يلجأ البعض إلى عمليّة جراحيّة لشق المبال أو توسيعه.

تشويه القضيب

ليس كل الذين يختنون يستطيعون إجراء عمليّة ذات نتائج مرضيّة شكلاً. فقد يكون القطع معوجّاً فيؤدّي إلى اعوجاج القضيب عند انتصابه. وقد يترك شفاء الجرح طبقة من الجلد على طبقة أخرى مع نتوات. وقد رفعت إلى المحاكم قضايا في هذا الخصوص باعتبار أن القضيب لا يتفق مع النظرة الجماليّة المتعارف عليها. وإذا تم الختان بواسطة ملزم Plastibell يجب أن تسقط حلقته خلال عشرة أيّام من الختان. ولكن قد تبقى هذه الحلقة داخل الجلد حول حد الحشفة. وهنا يجب تدخّل من الطبيب لإزالة الحلقة التي تترك تشويهاً في العضو على شكل ثلم. وقد يحدث جسر من اللحم بين الغلفة والحشفة يجعل انتصاب القضيب مؤلماً.

التعرّض للخدش

يصبح جلد القضيب في حالة القطع الكبير أكثر توتراً عند الانتصاب ممّا يجعله أكثر عرضة للخدش. وبعض المختونين يشتكون بأنهم لا يتحمّلون احتكاك قضيبهم بالملابس الداخليّة.

فقدان القضيب

هناك حالات تم فيها فعلاً قطع القضيب بسبب التهابات أو بسبب استعمال الكي الكهربائي لإيقاف نزيف الدم بعد إجراء الختان. وقد تطلب الأمر إجراء عدّة عمليّات جراحيّة للمحافظة على القضيب بسحبه من جوف الطفل وترقيعه بالجلد. وفي عدم نجاح تلك المحاولات، فإنه يتم بتر القضيب كاملاً. وفي بعضها حُوّل الولد فعلاً إلى أنثى. وبطبيعة الحال تكون الأنثى هنا غير قادرة على اللذّة الجنسيّة أو الإنجاب، وتجد صعوبة في التبوّل. فعمليّة التحويل هذه هي مجرّد محاولة لتخفيف للعاهة. وهذا التحويل يصاحبه مشاكل نفسيّة لا تقاس تؤيّدي إلى قضايا أمام المحاكم للحصول على تعويضات بسبب الضرر. ولكن هل يمكن لكل أموال الدنيا أن تعوّض عن مثل تلك العاهة؟

الوفاة

يؤدّي الختان بسبب النزيف أو الإصابة بعاهة أخرى أو التخدير إلى حالات وفاة كما ذكرنا سابقاً. ولا يعرف بصورة مؤكدة عدد الوفيّات التي يسبّبها الختان حتى في الدول المتقدّمة إذ إنها تسجّل تحت أسباب غير الختان. ويرى طبيب أمريكي أن كل وفاة تحدث في الأيّام العشرة التي تتبع الختان يجب أن تعتبر وفاة مشبوهة.

الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان اليهودي

يجرى الختان الديني عند اليهود على ثلاث مراحل. فيتم أوّلاً قص الغلفة. ثم تسلخ بطانة الغلفة مع اللجام بظفر مدبّب. وبعدها يقوم الخاتن بمص قضيب الصبي بفمه. وقد توفى آلاف من الأطفال اليهود في القرن التاسع عشر في أوروبا بسبب مص الدم هذه. وقد تم إدخال تعديلات على عمليّة الختان بداية من الربع الأخير من القرن التاسع عشر لكي تتماشى مع التقدّم الطبّي. فقد أستبدل ظفر الخاتن بالمقص في المرحلة الأولى من الختان، ولكن الظفر ما زال مستعملاً لسلخ بطانة الغلفة واللجام. كما أقترح استبدال استعمال أنبوب زجاجي لمص الدم بدلاً من مصّه مباشرة بفم الخاتن لتفادي العدوى. ولكن هذا المص ما زال يمارس بين اليهود الأرثوذكس. وقد سمح الحاخام الشرقي «بكشي دورون» في إسرائيل بمص الدم بأنبوب زجاجي ليس خوفاً على انتقال الأوبئة إلى الطفل ولكن خوفاً من أن ينتقل الإيدز إلى الخاتن.

3) الأضرار الصحّية لختان الإناث

لختان الإناث، كأي عملية طبّية، أضرارها. ولكن ليس هناك إحصائيات موثوقة في هذا المجال. ونحن نستعرض هنا أهم هذه الأضرار الصحّية.

النزيف

يؤدّي ختان الإناث إلى نزيف دموي. في بعض الحالات يكون النزيف بسيطاً ويمكن إيقافه إمّا بوسائل بدائيّة تمهّد لحدوث الالتهابات مثل البن المطحون أو تراب الفرن أو بعض الأعشاب القابضة مثل «القرض»، كما يحدث في بعض المنازل، بما فيه من أتربة وتلوّث. أو بخياطة الأوعية النازفة أو كيّها في المستشفى. وفي حالات أخرى يكون النزيف شديداً لإصابة الشريان البظري الذي يندفع منه تيّار الدم تحت ضغط شديد فتحتاج الفتاة إلى نقل دم وإجراء جراحة عاجلة. وهناك حالات تكون فيها الطفلة مصابة بمرض سيلان الدم الوراثي فيسبّب الختان نزيفاً مستمرّا يؤدّي إلى وفاة البنت.

الصدمة العصبيّة

وهي رد فعل الجسم للألم والنزيف. وأعراضها انخفاض شديد بضغط الدم وحرارة الجسم وإغماء. وقد يمكن إنعاش الفتاة بوسائل طبّية قد تصل إلى عمليّة نقل دم، وقد تتوفى.

الإضرار بالأعضاء المجاورة

إثناء إجراء عمليّة ختان الإناث، تقوم الضحيّة عامّة بحركات مقاومة بسبب الخوف والألم تؤدّي إلى عدم التركيز على العضو الذي يراد بتره، ممّا يسبّب إلحاق جراح بالأعضاء المجاورة مثل مجرى البول أو المهبل أو العجّان أو الشرج. وقد يؤدّي ذلك إلى عدم السيطرة على البول والبراز اللذان قد ينزّان باستمرار. وقد سجّلت بعض الحالات التي تصل إلى كسر بعظام الترقوة أو الذراعين أو الفخذين عند الضغط العنيف على عظام طفلة صغيرة بأيدي من يقيّدون حركتها.

متاعب بوليّة

تشعر الفتاة المختونة بألم شديد عندما يمس البول الحمضي الجرح. وقد يؤدّي الخوف من الألم إلى احتباس البول. كما قد يحدث هذا الاحتباس من تهيّج وتورّم الأنسجة المصابة حول فتحة مجرى البول نتيجة لإصابته أثناء إجراء العمليّة ذاتها، خاصّة إذا كان من يقوم بها ليس على دراية بالتشريح الطبيعي للأعضاء التناسليّة الخارجيّة. ويترتب على احتباس البول آلام شديدة أسفل البطن، وتكاثر الميكروبات في البول الراكد المتجمّع بالمثانة، لا سيما في حالة حدوث التهابات بموضع التشويه كما يحدث كثيراً. ويؤدّي ذلك إلى التهاب بالمثانة، وربّما يتطوّر إلى الحالبين والكليتين.

الالتهابات

الجرح في مكان حسّاس كهذا عرضة للتلوّث، إمّا بسبب استخدام أدوات ملوّثة، أو أشياء ملوّثة لإيقاف النزيف، أو لأن المنطقة قريبة من فتحة الشرج وأي جرح فيها عرضة للتلوّث بالبكتيريا القولونيّة. وقد تعالج هذه الالتهابات وتشفى أو تترك آثاراً مزمنة. وقد تتفاقم وتحدث غنغرينا بالفرج، أو قد تغزوا الميكروبات الدم وتسبّب التسمّم الدموي. وقد تمتد هذه الالتهابات إلى الكلى وسائر الجسم جميعاً، كما قد تؤدّي إلى ضيق فتحة الفرج وما يتصوّر أن ينجم عن هذه الالتهابات والنزيف من وفاة. وقد تمتد الالتهابات إلى الجهاز التناسلي الداخلي أي إلى المهبل والرحم والبوقين. وقد تمتد إلى الجهاز البولي فتصاب المثانة والكليتان. وقد يؤدّي ذلك أيضاً إلى الإصابة بمرض الإيدز بسبب تلوّث جرح الختان.

تشويه العضو

يلتئم جرح الختان بنسيج ليفي محدثاً تشوهات بالمكان. وقد تحدث ندب مؤلمة عند اللمس فتسبّب ألماً عند الجماع. وقد يشوّه الشكل الخارجي نتيجة عدم إزالة أجزاء متساوية أو نتيجة ترك زوائد تنمو وتتدلى بعد ذلك. وقد تتكوّن أورام نتيجة لدخول بعض الخلايا أثناء التئام الجرح تحت الجلد. وتتضخّم هذه الأورام في الكبر ممّا يستدعي إجراء عمليّة جراحيّة لإزالتها. كما قد تحدث التصاقات مختلفة بالأنسجة وقروح مزمنة مكان الجرح. وقد يلتصق حدّا جرح الشفرين محدثاً انغلاقاً للرحم وكأن الختان قد أجري على الطريقة الفرعونيّة.

تعطيل وظيفة الشفرين الصغيرين

يؤدّي قطع الشفرين الصغيرين إلى الحرمان من وظيفتهما في توجيه تيّار البول بعيداً عن الجسم. كما يحرم البنت من وظيفتهما في حماية مدخل المهبل من غزو الجراثيم.

العقم

قد تمتد الالتهابات الموضعيّة مع نقص حماية مدخل المهبل إلى المسالك التناسليّة. وقد تسبّب العقم نتيجة لانسداد البوقين. ويرجع الأطبّاء 20 إلى 25% من حالات العقم في السودان إلى الختان. وتحكي السيّدة الشاديّة سارة يعقوب بأن صديقة لها مختونة ختاناً فرعونياً تم فتحها ليلة زواجها في مكان لا يؤدّي إلى الرحم. وبطبيعة الحال لم تحمل وظنّت أنها مصابة بالعقم. ولحسن حظها عرضت نفسها للطبيب الذي اكتشف الوضع المأساوي فاحدث فتحة يؤدّي إلى الرحم فحملت.

تعسّر عمليّة الوضع

نتيجة لالتئام جرح الختان بنسيج ليفي، فإن منطقة الفرج تفقد مطاطيّتها. وإذا لم يتمدّد الفرج أثناء الوضع فإنه يؤدّي إلى حدوث تمزّق في منطقة العجّان وفي عضلة الشرج، فتفقد السيّدة التحكم في عمليّات الإخراج. وقد تؤدّي طول فترة الولادة وتعسّرها إلى حدوث تمزّق في الأنسجة المحيطة بفتحة البول. وهذه التمزّقات تحتاج لتدخّل جراحي فوري لإيقاف النزيف الناتج عنها ولمنع تقيّح الجروح. وقد يؤدّي ضيق فتحة المهبل الناتج عن الختان إلى تعسّر مرور رأس الجنين، ممّا يؤدّي إلى وفاته اختناقاً بسبب نقص الأكسجين، أو إلى ولادة طفل متخلف عقليّاً أو حركيّاً.

إصابة غدّتا بارثولين

توجد غدّتا بارثولين تحت الثلث الأوسط للشفرين الكبيرين. وتتمثل وظيفتهما في إفراز المادّة المرطبة التي تسهّل العمليّة الجنسيّة. وعند إجراء عمليّة الختان قد تصاب هاتان الغدّتان بالالتهاب أو بالأورام إمّا نتيجة لانسداد قناتهما أو نتيجة للالتصاقات التي تنتج من التئام الجرح. وهذه الأورام تستدعي تدخّلاً جراحيّاً لمعالجتها.

عسر الطمث

يحدث هذا إمّا لأسباب نفسيّة ناتجة عن الصدمة النفسيّة السابقة للختان وارتباطه في اللاشعور بالدم أو النزيف، ممّا يؤدّي إلى تكرار حدوث الصدمة النفسيّة مع كل دورة طمثيّة. وقد يكون السبب عضويّاً نتيجة لحدوث التهابات مزمنة واحتقان بالحوض.

المخاطر العامّة للجرح

عمليّة الختان لها مضاعفات ومخاطر ككل عمليّة جراحيّة. ومن هذه المخاطر الإصابة بالتيتانوس في حالة تلوّث الجرح بهذا الميكروب، أو الالتهاب الكبدي الوبائي أو الإيدز في حالة استخدام أدوات ملوّثة مثلما قد يحدث في الطهارة الجماعيّة لبنات أسرة أو جيران معاً، لا سيما أن الغليان لا يقتل فيروس التهاب الكبد الوبائي.

الوفاة

هناك حالات وفاة بسبب ختان الإناث. ولكن ليس هناك إحصائيّات في هذا الخصوص. وتنتج الوفاة خاصّة بسبب النزيف الذي يصعب السيطرة عليه. كما قد تحدث بسبب الصدمة أو الالتهابات وتعفن الدم، أو بسبب إعطاء كمّية كبيرة من المخدّر في حالة استعماله.

الأضرار الصحّية الخاصّة بالختان الفرعوني

بالإضافة إلى الأضرار السابقة الذكر، هناك أضراراً خاصّة بالختان الفرعوني، مثل:

- حدوث حصوات خلف الندبة

- صعوبة إجراء الفحوصات للأعضاء الجنسيّة لعدم إمكانيّة إدخال الأدوات الطبّية خلف جدار الفرج المخاط. ولا يمكن للطبيب فك الخياطة لأن ذلك يتطلب إعادتها كما كانت.

- احتباس البول ودم الحوض خلف الندبة وتعفنهما ممّا يزيد من المشكلات البوليّة والتناسليّة واحتمال العقم. وكل النساء المختونات عانت من مضاعفات في مدّة الحيض. وتتطلب هذه المضاعفات التدخّل الجراحي لفتح الفرج. وقد يدوم الحيض مدّة عشرة أيّام وينتج عنه روائح كريهة تضطر معها الفتاة البقاء في البيت مدّة الحيض، ممّا يخلق مشاكل دراسيّة ومهنيّة.

- عسر الولادة: قد يضطر الطبيب لتوليد الأم بعمليّة قيصريّة. فكل سيّدة ختنت فرعونياً تخضع لعمليّة قطع لعدم مرونة الأنسجة الناتجة عن التئام الجرح. وهذا يؤدّي إلى نزيف. وقد يؤدّي ذلك إلى الإضرار بمجرى البول وإلى مرض سلس البول (عدم التحكم بالبول). وهذا يطيل عمليّة الولادة مع ما يتبعه من مخاطر نزيف واختناق الطفل ونقص أكسجين.

- قد يؤدّي ضغط رأس الجنين على جدران المهبل لفترة طويلة في الولادة المتعسّرة إلى إصابة الأم بناسور مهبلي - بولي، أو مهبلي - شرجي يؤدّيان إلى عدم تحكمها في البول أو البراز، وهذا يستدعي إجراء جراحة لعلاج هذا الضرر.

الفصل الثالث
المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث

للإنسان الحق في اللذّة الجنسيّة لراحته الجسديّة والنفسيّة تماماً كحقّه في الأكل والشرب والنوم. واللذّة الجنسيّة هي إحدى غايات ووسائل تماسك الزواج. وكما أن قطع جزء من اللسان يؤدّي إلى انتقاص في حاسّة الذوق واللذّة الذوقيّة، فكذلك يؤدّي قطع جزء من الأعضاء الجنسيّة إلى إضعاف اللذّة الجنسيّة. وإذا لم يتمكن الإنسان من الوصول إلى اللذّة كما نظمتها الطبيعة فإنه سوف يبحث عنها بوسائل أخرى كالمخدّرات والشذوذ الجنسي والتبديل للشريك، ممّا يخلق مشاكل في الحياة الزوجيّة.

1) ختان الذكور واللذّة الجنسيّة

أ) مؤيّدو ختان الذكور قديماً يرون فيه إضعاف للذّة

رأى رجال الدين اليهود قديماً في الختان وسيلة مثلى لإضعاف العضو التناسلي عند الذكر وتخفيف اللذّة الجنسيّة وكبت الشهوة، ليس فقط عند الرجل بل أيضاً عند شريكته في العلاقة الجنسيّة. وقد أيّدوا الختان لأن نتائجه تتفق مع نظرتهم السلبيّة للشهوة الجنسيّة.

يقول المفكر اليهودي «فيلون» أن الهدف من الختان هو الحد من اللذّة التي تسحر النفس. فاللذّة النابعة من العلاقة الجنسيّة بين الرجل والمرأة هي أقوى لذّة عند الإنسان. ولذلك قرّر المشرّعون بتر العضو الجنسي المتصل بهذه اللذّة، ليس فقط للحد من هذه اللذّة، بل للحد من جميع الملذّات الأخرى. ويضيف في مكان آخر أن الله أمر بختان الذكور وليس بختان الإناث لأن الرجل أكثر إحساساً باللذّة الجنسيّة من المرأة، فيبحث عن التزاوج. ولذلك أراد الله أن يحد من لذّته ويخفف من اندفاعه. ونجد رأياً مماثلاً عند الطبيب والفيلسوف موسى ابن ميمون الذي يقول:

«وكذلك الختان أيضاً عندي إحدى علله تقليل النكاح وإضعاف هذه الآلة حتى يقصر هذا الفعل ويجمّ ما أمكن. وقد ظُنَّ أن هذا الختان هو تكميل نقص خلقة، فوجد كل طاعن موضعاً للطعن. وقيل كيف تكون الأمور الطبيعيّة ناقصة حتى تحتاج لتكميل من خارج مع ما تبيّن من منفعة تلك الجلدة لذلك العضو. وليس هذه الفريضة لتكميل نقص الخلقة، بل لتكميل نقص الخُلق. وتلك الأذيّة الجسمانيّة الحاصلة لهذا العضو هي المقصودة التي لا يختل بها من الأفعال التي بها قوام الشخص، ولا بطل بها التناسل، ولكن نقص بها الكَلَب والشره الزائد على ما يحتاج. وأمّا كون الختان يضعف قوّة الانعاظ، وقد ربّما نقّص اللذّة، أمر لا شك فيه، لأن العضو إذا أُدمي، وأزيلت وقايته من أوّل نشوئه، فلا شك، أنه يضعف. وببيان قالوا الحُكماء عليهم السلام: إنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها» (انظر الملحق 25).

وعند أقباط مصر يقول ابن العسّال: «وأمّا المنفعة [من الختان] فقد ذكر بعض رجال الطب المتفلسفين المصنّفين أن الختان يضعف آلة الشهوة فتقل وهذا بالاتفاق مستحب». ويرى توما الأكويني أن أحد أسباب وضع الختان كعلامة للإيمان في القضيب وليس في الرأس هو إنقاص الشهوة واللذّة الجنسيّة.

وفي الكتابات الإسلاميّة هناك رأي مماثل. يقول ابن قيّم الجوزيّة بأن في الختان تعديل للشهوة «التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات. فالختان يعدّلها ولهذا تجد الأغلف من الرجال والغلفاء من النساء لا يشبع من الجماع» (انظر الملحق 1). ويقول المنّاوي (توفى عام 1622) نقلاً عن الإمام الرازي (دون تحديد هويّته): «إن الحشفة قويّة الحس. فما دامت مستورة بالغلفة تقوّي اللذّة عند المباشرة. وإذا قطعت صلبت الحشفة فضعفت اللذّة، وهو اللائق بشرعنا تقليلاً للذّة لا قطعاً لها توسيطاً بين الإفراط والتفريط».

ب) معارضو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة

يتفق معارضو ختان الذكور مع من ذكرناهم سابقاً في أن الختان يضعف اللذّة الجنسيّة ويحاولون إيجاد تفسير علمي لذلك. ولكن خلافاً لهم، يعارضون الختان لأن نتائجه تتضارب مع نظرتهم الإيجابيّة للذّة الجنسيّة.

يبيّن المعارضون بأن اللذّة الجنسيّة، خلافاً لما قد يعتقد، لا توجد في الحشفة (رأس القضيب) بل في إكليل الحشفة واللجام والغلفة. فالحشفة تكاد تكون عديمة الحساسيّة، قليلاً ما تتأثر بالألم والحرارة. والعضو الوحيد الأقل حساسيّة من الحشفة هو عقب القدم. وبقطع الغلفة يتم تعرية الحشفة وإكليلها، ممّا يجعلهما تدريجيّاً مع تقدّم العمر أقل حساسيّة ونعومة ورطوبة. ويقارن بين الحشفة والقدم العارية: فكلما سرت بقدم عارية، يخشن جلدها وتنقص حساسيّتها. وبقطع الغلفة يحرم القضيب من أكثر خلايا جسم الإنسان حساسيّة وتهيّجاً. فقد تصل كمّية الجلد التي تقطع إلى 80% من جلد القضيب يقضي على قرابة متر من الأوردة الدمويّة والشرايين وقرابة 10 أمتار من الأعصاب و20.000 نهاية عصبيّة. كما أن الختان أحياناً يحدث أضراراً باللجام.

وإن كان الختان لا يمنع انتصاب القضيب، إلاّ أن تقليص مساحة الجلد الذي يتمدّد فيه وإضعاف مطاطيّته يجعل هذا الجلد مشدوداً وأقل انزلاقاً فوق قصبة القضيب. وإذا كان القطع كبيراً، فإن القضيب قد يلتوي داخل الجلد أو يشد جلد كيس الصفن (كيس الخصوتين) للتعويض عمّا فقده. أضف إلى ذلك أن الختان قد يترك نتوءات وتشوهات في الجلد نتيجة التحام محل القطع.

وفي مرحلة التحضير للعلاقة الجنسيّة، تقوم المرأة عامّة بمداعبة القضيب وتحريك جلده لكي تهيّجه وتبقيه في حالة انتصاب إلى حين أن تصبح هي مستعدّة للعلاقة الجنسيّة. وكذلك يفعل الرجل مع المرأة في إعدادها للعلاقة الجنسيّة من خلال مداعبة بظرها وغلفتها. وتحريك جلد القضيب ليس من السهل إذا ما تم قطع جزء كبير منه بالختان. فالجلد يصبح مشدوداً. كما أن فقدان الغدد التي تفرز المادّة المرطبة يجعل القضيب جافاً. وامرار اليد عليه، وخاصّة على الحشفة المكشوفة، قد يسبّب إيلاماً له، إلاّ إذا تم تعويض المادّة المرطبة الطبيعيّة بمادّة دهنيّة كيماويّة بديلة لا تتلاءم دائماً مع الجسم ولها عواقبها، وخاصّة أنها تتسرّب إلى داخل جسم الرجل والمرأة. لذلك يجب تعليم شريكة العلاقة الجنسيّة أسلوباً لتهييج القضيب المختون بمداعبته دون إيلامه عند شد جلد القضيب إلى الوراء والى الأمام. وهكذا تكون عمليّة التهييج التحضيريّة أقل عفويّة، ممّا يحرم كل من الرجل والمرأة من لذّة التحضير. وقد يكون فقدان الغلفة عند المختونين هو أحد الأسباب التي من أجلها تقوم المرأة في الحضارة الأمريكيّة بعمليّة مص القضيب بفمها معوّضة بهذا الأسلوب فقدان رطوبة القضيب الطبيعيّة بلعابها، وفقدان النسيج الأملس عند الرجل بالنسيج المخاطي الموجود في فمها. وهذا يفسّر أيضاً لماذا تسبق العلاقة الجنسيّة للمختونين عامّة مداعبة أقل. وهكذا يقوم الختان بحرمان كل من الرجل والمرأة من لذّة مرحلة الإعداد قَبل الإيلاج.

وبتر الغلفة يجعل العلاقة الجنسيّة ذاتها مؤلمة لكل من الرجل والمرأة. فالقضيب غير المختون عند ممارسة الجنس ينزلق دخولاً في مهبل المرأة وخروجاً منه ضمن جلده وغلفته وبطانة غلفته. وبفضل عضلات المهبل، تبقى الغلفة وبطانتها ملامسة للمهبل بينما القضيب يتحرّك داخله. أمّا إذا كان القضيب قد فقد غلفته (وبطانتها)، فإنه يتحرّك مع جلده المشدود حوله داخل المهبل. ويسبّب ذلك احتكاكاً أشد والتهاباً أكبر للمهبل

يؤدّي إلى متاعب وألم لكل من الرجل وشريكته تتحوّل إلى متاعب نفسيّة ونفور بينهما. ويضاف إلى شد جلد القضيب فقدانه لجزء كبير من المادّة المرطبة التي تلعب دور الزيت بين عجلات الآلة. ويشار هنا إلى أن المختونين يندفعون نحو الإيلاج ويتصرّفون بسرعة وعنف كبيرين واقتحام للفرج بشدّة للحصول على مثيرات كافية للوصول إلى اللذّة والارتواء، ممّا قد يؤدّي إلى كشط وإدماء وألم عند كل من الذكر والأنثى. وكلما تقدّم الرجل والمرأة في العمر، فإن العلاقة الجنسيّة تصبح أقل لذّة إذ تصبح الحشفة وإكليل الحشفة أقل حساسيّة، وعمليّة الإيلاج أكثر ألماً. ويشار إلى أن ممارسة العادة السرّية تختلف في أسلوبها عند المختون من غير المختون. فغير المختون يقوم بزلق جلد القضيب المتحرّك فوق الحشفة المرطبة ذهاباً وإياباً دون أن يكون هناك احتكاك والتهاب ودون مس الحشفة باليد.

ويشبّه طبيب أمريكي الرجل المختون بالموسيقي الذي يملك آلة موسيقيّة رديئة. فمهما كانت مقدرته الموسيقيّة فإنه لن يتمكن من أن يستخلص منها لحناً موسيقياً يتفق ومقدرته. هذا وسوف نرى لاحقاً كيف أن المختونين يحاولون الآن مط جلد القضيب حتى يسترجعوا بعض ما فقدوه بالختان من طول في الجلد وقوّة في اللذّة.

ج) مؤيّدو ختان الذكور في أيّامنا يرون فيه تقوية للذّة

قديماً أيّد رجل الدين ختان الذكور لأنه يضعف اللذّة الجنسيّة. ثم جاء معارضو الختان فرفضوه لأنه يضعف تلك اللذّة التي يعتبرونها حقاً طبيعيّاً للإنسان. ومع اختلاف القيم، أخذ مؤيّدو ختان الذكور يقولون بأن الختان لا يضعف اللذّة الجنسيّة، لا بل قد يقوّيها. فالمختونون وشريكاتهم لا يتذمّرون من حالهم. والختان يؤدّي إلى إبطاء في عمليّة القذف وإطالة في العلاقة الجنسيّة، ومن ثم مزيداً من اللذّة لكل من الرجل وشريكته. والنظافة الناتجة عن الختان تعمل على زيادة اللذّة. ولكن ما هي حقيقة الأمر؟

إن القول بأن ختان الذكور لا يضر لأن المختونين راضون عن ختانهم ليس له أساس علمي. فليس من السهل أن يتكلم الرجل عن متاعبه الجنسيّة إلاّ بحياء كبير وفي محيط يثق فيه، لأن ذلك متعلق برجولته. أضف إلى ذلك الهاجس الديني. وبدلاً من الاعتراف بنقصه يشدّد المختون على كونه بحالة جيّدة لحماية نفسه. ومن جهة أخرى لا يعرف كثير من المختونين ما فقدوا لأنهم لا يملكون وسيلة للمقارنة بين وضعهم الحالي وكيف كان يمكنهم أن يكونوا لو لم يختنوا. فكل تجربتهم الجنسيّة تمّت بقضيب مختون. وهم في ذلك يشبهون فاقد تمييز الألوان. فهو يظن أن كل شيء على ما يرام وكما يراه ولا يعرف شكلاً آخر للألوان. من جهة أخرى يجهل هؤلاء المختونون تماماً ما هي وظيفة الغلفة وكيفيّة عمل القضيب غير المختون. فالكتب الطبّية والشعبيّة تصوّر لهم القضيب دون غلفة.

وقد أجريت دراسة استطلاعية عام 1994 على 313 شخصاً مختوناً في الولايات المتحدة ينتمون إلى أوساط دينيّة وعرقيّة مختلفة ولهم صلة بمراكز مكافحة الختان واستعادة الغلفة. وتبيّن هذه الدراسة بأن 61% منهم يعانون من نقص في الحساسيّة، وأن هذا النقص أدّى إلى عرقلة العلاقة الجنسيّة من خلال مشاكل الانتصاب وصعوبة القذف أو عدم الوصول للارتواء الجنسي. وقد اضطر 40% منهم إلى اللجوء إلى مثيرات غير طبيعيّة. وأجاب عدد كبير منهم بأن العلاقة الجنسيّة العاديّة (ولوج الفرج) ليست كافية لإثارتهم للوصول إلى اللذّة والارتواء. وفي تقرير آخر تبيّن أن 50% من المختونين غير راضين عن ختانهم، مقابل فقط 3% من غير المختونين غير راضيين عن وضعهم. ويؤكد الذين يستعيدون غلفتهم بأنهم يشعرون بلذّة أكبر في العلاقة الجنسيّة ممّا كان عليه الأمر قَبل استعادة تلك الغلفة.

فيما يخص سرعة القذف يرى مؤيدو ختان الذكور أن بتر الغلفة يضعف حساسية الحشفة وينقص المساحة المهيجة من جلد القضيب مما يؤدّي إلى إبطاء القذف. ولكن هناك مشكلة تعريف سرعة القذف وأسبابه.

يعتبر الأطبّاء سرعة القذف عيباً إذا تم خارج المهبل بمجرّد ملامسته واستمر الحال عليه. وإذا كان القذف سريعاً داخل المهبل ووافق ارتواء الرجل ارتواء المرأة، فهذا أمر لا يعتبر عيباً. أمّا إذا تأخّر قذف وارتواء الرجل عن ارتوائها فقد يحس الرجل بانتقاص في قدرته الجنسيّة. وإذا كان ارتواؤه أسرع من ارتواء المرأة ثم أهملها ولم يوصلها للارتواء بدورها، فقد يشعر الرجل أن المرأة باردة، كما قد تشعر المرأة بالإحباط. وسرعة الارتواء عند الرجل والمرأة تتعلق بعوامل كثيرة من بينها عدم استطاعة الرجل السيطرة على العلاقة الجنسيّة، وتهيّج كبير لدى علاقة مع شريكة أو شريك جديد. وقد يلعب الدين دوراً في سرعة القذف أو في إبطائه. فاليهود الأرثوذكس يرون ضرورة القذف بأسرع وقت ممكن. وهذا يعني أن سرعة القذف هو مصطلح نسبي يختلف من شخص إلى آخر ومن شريك إلى آخر. ويلاحظ أن القذف عند الحيوانات يتم حال إدخال القضيب في مهبل الأنثى.

ولم يثبت علميّاً وجود علاقة بين سرعة أو إبطاء القذف وبين الختان. ولو كان قولهم صحيحاً لواجه غير المختونين مشاكل أكثر من المختونين. ومشكلة سرعة القذف توجد في الولايات المتحدة حتى بين المختونين. وارتفاع الختان في هذا البلد من 50% إلى 75% في عام 1980 لم يؤد إلى تقلص هذه المشكلة، لا بل زادها حدّة. واليهود مثل غيرهم يتجهون للعيادات الطبّية لمعالجة سرعة القذف رغم ختانهم. وهناك شهادات بعض الأفراد الذين تم ختانهم كباراً. وهم يؤكدون أن الختان قد حسّن علاقاتهم الجنسيّة بإبطاء سرعة القذف. ولكن هذا قد يكون في زمن محدود بعد العمليّة، ثم ما يلبثوا أن يعودوا إلى سرعة القذف. وهناك شهادات مخالفة تماماً من أفراد ختنوا صغاراً ثم استعادوا غلفتهم عندما كبروا بالوسائل التي سنعرضها لاحقاً. وقد أدّى ذلك إلى إبطاء القذف وسيطرة أكبر على العلاقة الجنسيّة.

ويرى مؤيّدو ختان الذكور في أيّامنا بأن النساء تفضّل العلاقة الجنسيّة مع المختونين. ولكن هناك آراء تخالف ذلك. فموسى ابن ميمون يقول: «إنه من الصعب أن تفارق المرأة الأغلف الذي جامعها». أي أنها تجد مع غير المختون لذّة أكثر ممّا مع المختون (انظر الملحق 25). وقد تم استطلاع رأي 139 امرأة كان لهن علاقات جنسيّة مع مختونين وغير مختونين. وتبيّن منها ما يلي:

- أن الشريك المختون يصل إلى القذف قَبل الأوان بصورة أكبر من غير المختون.

- أن النساء أقل بلوغاً للارتواء الجنسي في العلاقة مع المختونين.

- أن النساء يقل إحساسهن بالارتياح وتقل عدد مرّات وصولهن إلى الارتواء الجنسي مع المختونين.

- أن إفرازات المهبل تضعف مع استمرار إيلاج المختون. وإذا ما كان الجماع طويلاً، تقل رغبة المرأة في استمراره.

- أن النساء التي يقل عمرهن عن 29 سنة يفضّلن الوصول إلى الارتواء من خلال العلاقة الجنسيّة بالفم مع المختونين.

- أن النساء يفضّلن العلاقة الجنسيّة بالفرج مع غير المختونين بدلاً من المختونين.

- أن النساء يشعرن بأن الرجال غير المختونين يجدون متعة أكثر في العلاقة الجنسيّة العاديّة، وأن المختونين أكثر ممارسة للعادة السرّية والجنس بالفم. وهذه الظاهرة قد تكون لأنهم لا يتمتعون كثيراً بالعلاقة الجنسيّة العاديّة.

- أن العلاقة الزوجيّة والشراكة الجنسيّة أطول مع غير المختونين ممّا مع المختونين. وهذا ما يؤكد مقولة ابن ميمون (انظر الملحق 25). فوجود الغلفة يؤدّي إلى ألفة أكبر بين الزوجين.

هذا وقد تلعب الثقافة ونفسيّة الإنسان دوراً في المفاضلة بين المختونين وغير المختونين. فالمرأة التي تعيش في مجتمع لا يختن الذكور، قد ترى في الختان عيباً وتصاب بصدمة من هذه الظاهرة. أمّا التي تعيش في مجتمع يختن الذكور، قد ترى في عدم الختان عيباً تتقزّز منه. والعكس صحيح. ففي تغيير السروج راحة، حسب قول المثل. وتقول «رومبيرغ» بأنه يجب تخطي مثل هذه الاختلافات السطحيّة التي لا أهمّية لها إذا ما قيست بقيم أخرى مثل اللطف والحرص على الآخر والمداعبة.

2) ختان الإناث واللذّة الجنسيّة

أ) مؤيّدو ختان الإناث قديماً يرون فيه إضعافاً للذّة

رأى مؤيّدو ختان الإناث قديماً فيه وسيلة لإضعاف لذّة المرأة وكبح جماحها لصدّها عن طريق الرذيلة والسيطرة عليها.

فإذا رجعنا إلى الأحاديث التي جاءت في ختان المرأة، وكلها مشكوك في صحّتها، وجدنا أن أهم حديث في هذا الخصوص يربط بين اللذّة وختان الإناث. وهذا الحديث ينقل قولاً للنبي لامرأة كانت تعمل خاتنة للجواري: «أشمّي ولا تُنهِكي، فإنه أنور للوجه وأحظى للرجل». وهناك صوراً أخرى لهذا الحديث في نفس المعنى. واعتماداً على هذا الحديث، كتب الجاحظ:

«والبظراء تجد من اللذّة ما لا تجده المختونة. فإن كانت مستأصلة مستوعبة كان على قدر ذلك [...]. قال النبي (ص) للخاتنة: يا أم عطيّة أشمّيه ولا تُنهِكيه فإنه أسرى للوجه وأحظى عند البعل. كأنه أراد النبي (ص) أن ينقص من شهوتها بقدر ما يردّها إلى الاعتدال. فإن شهوتها إذا قلت ذهب التمتع ونقص حب الأزواج. وحب الزوج قيد دون الفجور [...]. وزعم جناب بن الخشخاش القاضي أنه أحصى في قرية واحدة النساء المختونات والمعبرات، فوجد أكثر العفائف مستوعبات [أي مختونات] وأكثر الفواجر معبرات [أي غير مختونات]، وأن نساء الهند والروم وفارس إنّما صار الزنى وطلب الرجال فيهن أعم لأن شهوتهن للرجال أكثر. ولذلك اتخذ الهند دوراً للزواني. قالوا: وليس لذلك عِلة إلاّ وفرة البظر والغلفة».

ويكرّر علينا الفقهاء نص الجاحظ هذا مع بعض الاختلافات. وذكر ابن تيميّة: «إن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في الغلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها، فإنها إذا كانت غلفاء كانت مغتلمة شديدة الشهوة». ويقول ابن قيّم الجوزيّة بأن في ختان الإناث (والذكور) تعديل للشهوة «التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات. فالختان يعدّلها ولهذا تجد الأغلف من الرجال والغلفاء من النساء لا يشبع من الجماع» (انظر الملحق 1).

ب) معارضو ختان الإناث في أيّامنا يرون فيه أيضاً إضعافاً للذّة

يشدّد معارضو ختان الإناث في مصر على أن بتر البظر يؤدّي إلى انتقاص في اللذّة الجنسيّة عند المرأة. تقول الدكتورة نوال السعداوي:

«البظر [...] يتميّز بأنه العضو الوحيد الذي يشتمل على أنسجة قابلة للانتصاب أثناء الإثارة الجنسيّة وعلى أكثر الأعصاب حساسيّة بلذّة الجنس. وهو الذي يقود العمليّة الجنسيّة من أوّلها إلى آخرها. وبدونه لا تصل المرأة إلى قمة اللذّة التي يصاحبها الإنزال وتنتهي به العمليّة الجنسيّة».

ويقول الدكتور محمّد سعيد الحديدي:

«ما حال أحدنا إذا قطع لسانه لا سمح الله وأريد منه أن يتذوّق شيئاً ليحكم عليه. لا شك أنه يستحيل عليه ذلك. نعم قد يستسيغ الطعام الذي يأكله لأن له رائحة ذكيّة أو لأن شكله جميل أو لأنه يعرف عنه أنه غذاء لذيذ شهي فيقتنع من ناحية معنويّة فقط أن هذا الغذاء سيفيده. هذا بالضبط يا حضرات السادة سؤالي الذي أوجّهه إليكم اليوم والذي أريد منكم الإجابة عنه. ولا شك أنه بدهي تماماً. فكيف يمكن للزوجة المخنّثة التي أستئصِل منها العضو الخاص بالحساسيّة الجنسيّة أن تتذوّق هذه الناحية من الشعور والإحساس. لا شك أن سبيل إقناعها من هذه الناحية يصبح عسيراً صعباً وطويلاً. وهذا ما نشاهده في جميع النساء المخنّثات، وقد نتج عن نقص في الحساسيّة الجنسيّة تستعيض عنه المرأة بطول المدّة اللازمة لإقناعها من هذه الناحية وقلما يمكن إقناعها».

ويحاول الكتاب الغربيّون صياغة فكرهم بصورة علميّة. فيقول الدكتور «جيرارد تسفانج» أن النظام العصبي يكون عند الولادة في مراحله البدائيّة ويبدأ بالتطوّر بين سن الثانية والثالثة بواسطة اللمس اليدوي عندما يكتشف الطفل جسده. وتطوّر حلقة اللذّة الجنسيّة عند البنت متأخّر بالنسبة لتطوّر حلقة اللذّة عند الولد لأن قضيب الولد ظاهر بخلاف البظر عند البنت. فقد لوحظ أن هناك أطفال يمارسون العادة السرّية منذ وجودهم في رحم والدتهم. وعند البنت تتم حلقة أعصاب اللذّة وتصبح ذات فاعليّة ما بين سن السادسة والسابعة. ومع ممارسة العادة السرّية، يستمر تطوير تلك الأعصاب. وتطوّر الجنس عند البنات يتم فقط في الحقبة الثانية من عمرهن، أي بعد عمر عشر سنين. ففي هذا العمر يمكنهن أن يمارسن الجنس. وقد يحسسن باللذّة الجنسيّة من خلال أعصاب المهبل حتى وإن تم قطع البظر قَبل ذلك على شرط أن تكون أعصاب اللذّة قد تطوّرت قَبل قطع البظر. وهناك نساء مختونات تدّعي أنهن وصلن لذروة اللذّة. وقد يكون هذا ممكناً إذا تم ختانهن في عمر متأخّر بحيث كانت الأعصاب متطوّرة وتم تهييجها بواسطة المهبل. ولكن لإثبات تلك الادعاءات يجب القيام بفحوصات في المختبرات. ومثل هذه الفحوصات غير متوفرة لتبديد الشكوك.

ج) مؤيّدو ختان «السُنّة» في أيّامنا يرون فيه تعديلاً أو تقوية للذّة

يفرّق الكتاب المسلمون عامّة بين «ختان السُنّة» الذي يجرى عملاً بالحديث النبوي «أشمّي ولا تُنهِكي»، والأنواع الأخرى الأكثر قسوة. وهم إذ يدينون هذه الأنواع، يقبلون بختان السُنّة ويعتبرونه وسيلة لعديل شهوة المرأة دون إلغاء لذّتها الجنسيّة. لا بل هناك من يرى في ذلك الختان وسيلة لزيادة لذّة كل من الرجل والمرأة. يقول الشيخ محمود شلتوت:

«إن تلك «الزائدة» من شأنها أن تحدث عند الممارسة مضايقة للأنثى، أو للرجل الذي لم يألف الإحساس بها، ويشمئز منها، فيكون خفضها مَكرُمَة للأنثى، وفي الوقت نفسه مَكرُمَة للرجل في الفترات المعروفة. وختان الأنثى بهذا الاعتبار لا يزيد عمّا تقتضيه الراحة النفسيّة واستدامة العاطفة القلبيّة بين الرجل وزوجته، من التزيّن، والتطيّب، والتطهير من الزوائد الأخرى التي تقترب من هذا الحمى» (انظر الملحق 7).

وقد كتب الدكتور الأمريكي «راثمان» في عام 1959 مقالاً يقترح فيه قطع غلاف البظر إذ إن هذه العمليّة، في رأيه، قد أثبتت فائدتها منذ أكثر من 3000 سنة. بالإضافة إلى إمكانيّة اللجوء إلى هذه الوسيلة عندما يكون هناك حاجة لتصليح عيب في الشكل لتضخّم الغلفة أو عطل ميكانيكي، يرى هذا الطبيب فائدة من مثل هذا القطع في الحالات التالية:

- إذا كانت المرأة تجد صعوبة في الوصول إلى الارتواء الجنسي أو لا تصل إليه.

- إذا كانت المرأة غير راغبة في العلاقة الجنسيّة رغم أنه لا يوجد هناك عيب في الغلفة. وهنا تساعد العمليّة لحل مشاكلها النفسيّة.

- إذا كان الرجل بليداً ويصعب تثقيفه. فهذه العمليّة تساعده ليجد طريقه لبظر المرأة بسهولة.

- إذا كان البظر صغيراً. وهنا تساعد العمليّة في إبرازه.

وقد نشرت المجلاّت الشعبيّة الأمريكيّة مقالات مؤيّدة لختان الإناث. ففي عام 1973، نشرت مجلة Playgirl التي يقرأها ستة ملايين شخص، مقالاً عنوانه: «ختان المرأة ألطف قطع على الإطلاق». وبعد سنة ونصف من ذلك المقال نشرت مقالاً آخراً لنفس الكاتبة عنوانه «جراحة بمائة دولار لحياة جنسيّة تساوي مليون دولار». وبعث طبيب برسالة للمجلة شاكراً للمقال وقائلاً بأنه يجري تلك العمليّة وأن قرابة 15 إلى 20% من السيّدات قد تستفيد منها.

هذا ومن الصعب التعرف بدقّة على أثر ختان الإناث على اللذّة. فق ظهر من استطلاع تم في دولة مالي وساحل العاج بأن عدد الباردات جنسيّاً بين المختونات ليس أعلى من عدد الباردات جنسيّاً بين غير المختونات. ويشير البحث بأن الجدل العام حول هذا الموضوع أوجد كبحاً عند بعض النساء المختونات اللواتي يتساءلن بعد قراءاتهن عمّا إذا كانت علاقاتهن الجنسيّة طبيعيّة أم لا. كما جاء في بحث لماري أسعد من أن مناقشة مع 135 ممرّضة في مصر أوضحت عدم وجود علاقة بين اللذّة الجنسيّة والختان. فقد ذكرت 90% منهن أنهن يتمتعن بالجنس. ولكنّها أضافت بأن هذه الأرقام يجب أخذها بتحرّز بسبب حساسيّة الموضوع.

وتختلف نظرة الرجال إلى الأعضاء الجنسيّة الأنثويّة حسب اعتقاداتهم. فالدكتور حامد الغوّابي يقول «كيف لرجل أن يختلط بزوجة وهي لها عضو كعضوه ينتصب كانتصابه. أليس ذلك أدعى إلى استئصال جزء من هذا العضو كما جاء في حديث رسول الله (ص)؟» وتقول كاتبة إفريقيّة أن أحد حجج مؤيّدي ختان الإناث هو الاعتقاد بأنه يحسّن القوّة الجنسيّة للذكور لأن البظر يتهيّج مثل القضيب ويؤدّي إلى سرعة القذف. وفي كثير من الجماعات الذكوريّة، يعتبر إنهاء العلاقة الجنسيّة بسرعة إهانة تؤدّي إلى خصومات في العلاقة الزوجيّة. فالرجل يعتقد بأنه هو الذي عليه أن يتحكم بالعلاقة الجنسيّة للمدّة التي يرغب فيها. ولذلك فإن ختان الإناث يساعد في عدم تدخّل المرأة في تلك المُهمّة.

هناك إذاً تضارب في الآراء حول علاقة ختان الإناث بلذّة الرجل. ولكن يجب الإشارة إلى أن الختان الفرعوني قد يؤدّي إلى علاقة جنسيّة مؤلمة جدّاً في بادئ الأمر لكل من الرجل والمرأة. ولا يمكن تصوّر حدوث لذّة في هذه العلاقة إلاّ إذا اعتبرنا أن الرجل والمرأة مصابان بمرض السادومازوشيّة. ففتح المرأة المختونة فرعونياً بقضيب الرجل قد يأخذ من أسبوع إلى عدّة أشهر. وقد يلجأ الزوج إلى شق فرج المرأة بسكين، أو قد يطلب مساعدة الداية في فتح الزوجة مقابل مبلغ من المال على أن لا تبوح بالسر. وفي بعض الأحيان يحدث قناة جانبيّة يمارس الجنس من خلالها دون علم أن ذلك ليس الفرج.

3) الختان وتعاطي المخدّرات

هناك جدل حول علاقة ختان الذكور والإناث بتعاطي المخدّرات. ولكن ما زالت تنقصنا الدراسات الجدّية في هذا المجال، ربّما لحساسيّة الموضوع. ولتشجيع الباحثين، نقدّم هنا عرضاً للآراء التي عثرنا عليها.

أ) ختان الذكور وتعاطي المخدّرات

كتب القليل عن علاقة ختان الذكور بتعاطي المخدّرات. يقول «جولدمان»، وهو معارض لختان الذكور، أنه إذا ما عرف الذكور المختونون أن الغلفة هي جزء من أعضائهم، فإنهم سوف ينظرون لأنفسهم نظرة سلبيّة ممّا يحط من تقديرهم لأنفسهم، خاصّة أن العلاقة الجنسيّة لها صلة قويّة بتقدير الذات. وإذا قَبلنا بأن الختان ينقص اللذّة الجنسيّة، فيجب أن نعتبر أن الختان ينقص تقدير الذات. وهذا له أثر شخصي واجتماعي. فالذي لا يقدّر نفسه لا يقدّر الآخرين. ويؤدّي ذلك إلى الانعزالية، والإحباط واستعمال المخدّرات.

وقد نشرنا في المحلق 24 من كتابنا الموسّع نصّاً للشيخ محمود محمّد خضر يقول عكس ذلك. فهو يرى أن عدم الختان يؤدّي إلى شدّة الهيجان الجنسي أو سرعته ومن ثم إلى سرعة القذف. وغالباً ما يلجأ الرجل إلى المخدّرات لتبريد هذا الهيجان وإطالة أمد العمليّة الجنسيّة، وبعض الناس يستعين بالغطاء الذكري لإطالة العمليّة ولو لم يكن بحاجة إليه لمنع الحمل من الجماع (انظر الملحق 24).

ب) ختان الإناث وتعاطي المخدّرات

تشير كتابات مصريّة كثيرة إلى علاقة تعاطي المخدّرات بختان الإناث. فقد كتب أحمد أمين:

«في هذه الأيّام من حياتي، أعني في سنة 1950 وما بعدها، نادى بعض الناس بقصر الختان على الذكور دون الإناث، وحجّتهم في ذلك أن ختان البنات قد سبّب انتشار عادة تعاطي الحشيش والمنزول والأفيون ونحو ذلك. وذلك بسبب أن البنت إذا اختتنت ثم كبرت فختانها يقلل من لذّتها الجنسيّة، فيضطر الرجل إلى استعمال المخدّرات التي ذكرناها لغيابه عند مضاجعتها. فنادوا بعدم ختانها حتى لا يضطر الرجل إلى مثل هذه المخدّرات؛ ولم تلقى هذه الدعوة في أوّل أمرها كثيراً من الاهتمام».

وقد رد مؤيّدو ختان الإناث على هذا الاتهام معتبرين أن عدم ختان الإناث هو الذي يؤدّي إلى الإدمان على المخدّرات وليس العكس. فهم يرون أن المرأة إذا لم تختن تبقى شديدة الميل جنسيّاً مع تقدّم العمر على العكس من الرجل الذي يفتر. وحتى يستطيع مضاهاتها، فإنه سوف يلجأ إلى استعمال المخدّرات. لكن «في الحالة التي تختتن فيها المرأة نصف اختتان، يكون إحساسها معقولاً، والزوج والزوجة في حالة متساوية».

ويقول مجدي فتحي السيّد متسائلاً: «ألم تختن النساء على ممر القرون الطوال، فلم يحدث أي تعكير للرجال، ولم يصدر في يوم من الأيّام أيّة علاقة تربط بين ختان النساء والمخدّرات». ويضيف: «كيف بعد دعوة الرسول (ص) إلى ختان النساء يقول لنا هؤلاء بأنه سبب رواج المخدّرات؟! ولكن إذا لم تستح فقل ما شئت، وأصنع ما شئت». ولكن صاحبنا بعد أن استنكر الختان كما يجرى في السودان وأعتبره حراماً في دين الله وعملاً جاهليّاً، قال إن عواقبه وخيمة ويحرم الرجل والمرأة من اللذّة ويؤدّي أحياناً لشرب المسكرات والمخدّرات من جانب الرجال.

4) الختان والشذوذ الجنسي

الشذوذ الجنسي يعني ميل الرجل للعلاقة الجنسيّة مع رجل آخر، وميل المرأة للعلاقة الجنسيّة مع امرأة أخرى. وفي العلاقة بين رجلين هناك الداخل والمدخول، وقد يكون هناك تبادل للأدوار. ويمكن التفريق بين نوعين من الشذوذ الجنسي:

- الشذوذ الجنسي العضوي: إذا ما زادت هرمونات الأنوثة على هرمونات الذكورة عند الرجل، فإن هذا الرجل سيجد نفسه أكثر ميلاً للرجال. وإذا ما زادت هرمونات الذكورة على هرمونات الأنوثة عند المرأة، فإن هذه المرأة ستجد نفسها أكثر ميلاً للنساء.

- الشذوذ الجنسي الوضعي: هذا الشذوذ ناتج ليس عن تكوين عضوي، بل بسبب أوضاع خاصّة. فمثلاً إذا سجن رجال في غرفة واحدة لمدّة طويلة ولم يكن هناك منفذ للوصول إلى المرأة، فإن هؤلاء الرجال قد يلجأون إلى العلاقة الجنسيّة بينهم لسد حاجتهم. ونفس الأمر إذا ما حبست نساء في غرفة واحدة دون منفذ إلى الرجل، فإن هذه النساء قد يلجأن إلى العلاقة الجنسيّة بينهن.

والذي يهمّنا هنا هو الشذوذ الوضعي لمعرفة ما إذا كان الختان يجر الرجل أو المرأة إلى ممارسة علاقة جنسيّة شاذّة.

أ) ختان الذكور والشذوذ الجنسي

ليس هناك دراسة شاملة حول علاقة ختان الذكور بالشذوذ الجنسي بسبب حساسيّة الموضوع. وسوف نشير هنا إلى ما وجدناه في هذا المجال ضمن الكتابات العامّة.

يشار أوّلاً أن الغرب قد لجأ إلى الختان لمكافحة العادة السرّية التي تقود، في نظر مؤيّديه، إلى الشذوذ الجنسي.

وتقول «رومبيرغ» بأن أكثر الشاذّين جنسيّاً في الولايات المتحدة هم من المختونين، وأن هؤلاء الشاذّين يفضّلون العلاقة الجنسيّة الشاذّة مع رجال مختونين. وتضيف المؤلفة أن الشذوذ الجنسي موجود أيضاً في أوروبا وفي أجزاء أخرى من العالم حيث لا يمارس الختان بصورة واسعة مثل الولايات المتحدة. وهذا يعني أن الختان ليس العامل الوحيد للشذوذ الجنسي. ورغم هذا التحفظ، فإن هذه المؤلفة تعطي تفسيرين للشذوذ الجنسي عند المختونين:

- الختان قد يورث الخوف من الخصي عندهم. فبعد ختان شخص، أصبح هذا غير قادر على العلاقة الجنسيّة مع النساء. وكلما حاول دخول امرأة، أحس بألم كبير. وفي هذه الحالة، أدّى الختان إلى مضاعفات نفسيّة قادته فعلاً إلى الشذوذ الجنسي.

- الإحساس الجنسي عند الطفل يبدأ منذ الساعات الأولى من ولادته. فالطفل يتحسّس جسده بيديه في الدقائق الأولى من حياته. ومنهم من يعتاد على لمس أعضائه الجنسيّة، ومنهم من يلمس فمه ومنهم من يلمس أذنيه، متحسّساً الأعضاء التي يشعر أنها أكثر عذوبة له. وإذا ما اعتبرنا أن الطفل الأمريكي يبتر في الأيّام الأولى من ولادته، فماذا يمكن أن تكون ردّة فعله إذا اكتشف أن أعضاءه الجنسيّة تسبّب له ألماً، لا لذّة؟

ويقول «جولدمان» أن الشذوذ الجنسي عند الرجل هو بسبب عدم الرضى من العلاقة الجنسيّة مع المرأة. وقد يكون سبب عدم الرضى شعور الرجل بالخجل أو ضعف في تقدير الذات، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في التفاعل في مرحلة الإعداد للعلاقة الجنسيّة أو إلى عجز جنسي. وهذا بدوره يؤدّي إلى بحث للذّة إمّا من خلال علاقة مع امرأة غير زوجته أو في علاقة شاذّة. ويضيف هذا المؤلف أن الختان يفقد الحشفة غلافها وحساسيّتها ويجعلها جافة وخشنة ويحرمها من المادّة المرطبة التي تساعد على إيلاج القضيب في الرحم. وقد يكون هذا هو السبب الذي يجعل ظاهرة ممارسة الجنس بالفم للحصول على اللذّة الجنسيّة أكثر انتشاراً في الولايات المتحدة ممّا في الدول الأخرى.

وتشير دراسة أن بقاء الغلفة ضروري للتصرّف الجنسي الطبيعي. فقد تبيّن أن حذفها عند الثدييات وعند الإنسان يؤدّي إلى تشويش في العلاقة الجنسيّة نتيجة تلف الخلايا الناقلة للحس واللذّة. وقد نشبّه ذلك بقطع بعض أسلاك الراديو الداخليّة ممّا يؤدّي إلى تشويش في استلام المحطات الإذاعيّة. وهذا ما جعل البعض يربط بين الختان والعادة السرّية والعلاقة الجنسيّة الشاذّة ومص القضيب. ففي حالة الختان يحاول الإنسان (والحيوان) التعويض عمّا خسره من خلايا ولذّة بالبحث عن اللذّة خارج مجراها الطبيعي.

ب) ختان الإناث والشذوذ الجنسي

سنرى لاحقاً أن الغرب لجأ لختان الإناث للحد من العادة السرّية التي تقود إلى الشذوذ الجنسي في نظره. وفي عام 1975، نشر الطبيب الأمريكي «جيمس بورت» كتاباً عنوانه «جراحة الحب» تأييداً لختان الإناث. وقد علل تأييده لهذه العمليّة بأنها تحد من الشذوذ الجنسي عند النساء.

وتشير مقابلات مع بعض نساء مصريّات أنهن يعتقدن بأن عدم ختانهن يؤدّي بهن إلى العلاقة الجنسيّة الشاذّة والجري وراء الجنس. ونجد هذا الفكر في كتاب «المنتخب من السُنّة» الذي نشره المجلس الأعلى للشئون الإسلاميّة في مصر. فهو يقول: « دلت الحوادث على أن ترك ختانهن يؤدّي بهن إلى أخطر العادات، حيث تشيع فيهن عادة السحاق. وقد ثبت من الإحصائيّات أنه لا وجود لهذه العادة إلاّ في البلاد التي لا تختتن فيها الإناث». وهذا القول يعني أن المرأة ستشعر أن عندها قضيب صغير، فتمارس دوراً شبيهاً بدور الذكر مع المرأة وتعاشر المرأة مثلها. ويرد الدكتور محمّد رمضان على هذا القول:

«الواقع يكذّب هذا، والشذوذ الجنسي هذا، هو انحراف في النفس والسلوك، وليس مرتبطاً بأي عضو من الأعضاء سواء كان العضو صغيراً أم كبيراً. ألا نرى أن عضو الرجل كبير وأنه وسيلته الأساسيّة في المعاشرة؟! فهل وجوده بهذا الحجم أدّى إلى انحرافه وممارسته الشذوذ؟ وكأنهم بهذا يلقون الذنب والخطأ على هذا العضو!! وهل العلاج أن تكون الوقاية قطع هذا العضو لكل النساء، وتقصيره لكل الرجال مثلاً؟

5) تأثير الختان على الزواج

العلاقة الزوجيّة مبنيّة على التفاهم وتلبية المصالح بين الزوجين، ومن بينها اللذّة الجنسيّة. وإذا ما أصاب العلاقة الجنسيّة ضرر، فإن ذلك ينعكس سلبيّاً على الحياة الزوجيّة. وهذا ما جعل البعض يرى أن الختان يؤدّي إلى الطلاق وتعدّد الزوجات.

أ) تأثير ختان الذكور على الزواج

يرى باحث أمريكي أن ختان الذكور سبباً لتعدّد الزوجات وعلاقات جنسيّة خارج الرابطة الزوجيّة بحثاً عن اللذّة المفقودة. كما أنه قد يؤدّي إلى تفكك العلاقة الزوجيّة والى الطلاق. وقد بيّنت دراسة بأن الشراكة الجنسيّة بين المرأة وغير المختونين تدوم مدّة أطول من الشراكة مع المختونين بسبب الألفة التي يحس بها الشريكين في العلاقة الجنسيّة. وهذا يبيّن صدق مقولة ابن ميمون بأن المرأة التي تمارس الجنس مع غير المختون يصعب فصلها عنه (انظر الملحق 25).

وقد تنبّه مؤيّدو ختان الذكور لهذه النظريّة فحاولوا إثبات العكس. فقد ذكرت دراسة نشرت عام 1998 أن الختان مثل بتر أي جزء من الإنسان يؤثر على الخلايا العصبيّة في المخ، خاصّة إذا تم ذلك البتر في سن مبكرة. وهذا بدوره يؤثر على التصرّف الجنسي للفرد، فلا يلغي الرغبة في الجنس ولكن يخففها. ونفس الأثر ينتج عن تخشّن الحشفة. فيكون الختان نوعاً من الخصي العصبي الضعيف. وتستشهد هذه الدراسة بقول ابن ميمون السابق الذكر في هذا المجال. ولكن هذه الدراسة ترى في ختان الذكور فائدة تساعد في بقاء الجماعة اليهوديّة للأسباب التالية:

- إضعاف الشهوة الجنسيّة يقلل من عنف الشباب وتنافسهم على النساء ممّا يمثل خطراً على بقاء الجماعة.

- إضعاف الشهوة الجنسيّة تجعل الرجل في مستوى المرأة التي هي أقل اندفاعاً من الرجل في العلاقة الجنسيّة.

- هذا التساوي يساعد في الحفاظ على متانة الزواج ويقلل من حالات الخيانة الزوجيّة.

وهذه الدراسة قد تأثرت في النقطتين الثانية والثالثة بالفكر الإسلامي الذي ذَكَرْته في مقال لي وضع في مراجع تلك الدراسة. فقد عَرَضْت في ذلك المقال أن المسلمين يرون في ختان الإناث إضعاف للغريزة الجنسيّة عند النساء ومساواة بينها وبين غريزة الرجل. وهذه الدراسة قامت فقط بقلب تلك النظريّة لصالح ختان الذكور.

ب) تأثير ختان الإناث على الزواج

يرى عامّة مؤيّدو ختان الإناث، أن الغاية منه منع انحراف البنت وتهذيب ميولها الجنسيّة. ويعتقدون أن الختان يؤثر أيضاً إيجابيّاً على العلاقة الزوجيّة. يقول الدكتور حامد الغوّابي:

«إن الرجل دائماً هو أكبر من زوجته في السن. وقد يكون الفارق بينهما عشر سنين أو خمس عشرة أو عشرين سنة أو أكثر كما نرى في بلادنا. فما بال هذا الرجل إذا بلغ سن الخمسين أو أكثر، وقد فتر نشاطه وضعفت حيويّته، وكانت زوجته لا تزال في سن الثلاثين أو أقل بأعضائها السليمة الحسّاسة؟! كيف لمثل هذا الرجل أن يحتفظ بصحّته وهو يجد أمامه زوجة لا تزال في عنفوان الشباب، قويّة الإحساس، وهو قد فتر إحساسه، شديدة الميل وهو قد قل ميله. فماذا تكون النتيجة؟ هنا يضطر الرجل إلى تناول المكيّفات كالحشيش، ولكن في الحالة الأولى التي تختتن فيها المرأة نصف اختتان، يكون إحساسها معقولاً، والزوج والزوجة في حالة متساوية».

ولكن يرى المعارضون أن العكس هو الذي يحدث. يقول الدكتور ماهر مهران:

«إن نسبة الضعف في التجاوب في التي أجريت لهن عمليّة الختان تصل إلى 54%. ويرجع هذا إلى استئصال المناطق الحسّاسة اللازمة للتفاعل الجنسي. وممّا لا شك فيه أن عدم تجاوب المرأة في اللقاء الجنسي يؤدّي إلى مشاكل عديدة أوّلها عدم تواصل التعاون الجنسي بين الزوج والزوجة، ممّا يؤدّي إلى احتقان مزمن في الحوض والألم وإفرازات مهبليّة بجانب التوتر العصبي والنفسي. وقد أدّى ذلك في كثير من الحالات إلى مشاكل أسريّة عنيفة قد تنتهي بالطلاق. كما أن ذلك سبب من الأسباب الهامّة التي أدّت إلى انتشار المخدّرات بين الأزواج متصوّرين أن في ذلك حلاً للمشكلة».

الفصل الرابع
الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث

حاول مؤيّدو ختان الذكور والإناث عبر التاريخ إثبات أن للختان فوائد صحّية، منتقلين من حجّة إلى أخرى، مغتنمين الأمراض التي تزرع الرعب في قلوب الناس، آخرها الإدّعاء أن الختان يقي من مرض الإيدز. ويرد عليهم المعارضون بأن هذه الفوائد مزعومة وهي على كل حال لا تضاهي الأضرار الناتجة عن الختان، ولذلك لا تبرّره.

1) ختان الذكور والإناث للحفاظ على النظافة

أ) الختان والنظافة في الكتابات القديمة

إن كانت التوراة لا تتضمّن حجّة النظافة، إلاّ أنه من غير المستبعد أن تكون النظافة السبب الأكثر احتمالاً لممارسة الختان في القديم. وقد أشار هيرودوت إلى علاقة الختان بالنظافة عند المصريّين القدامى. فهو يقول: «بينما كل شعوب الأرض تبقي على الأعضاء التناسليّة كما هي، فإن المصريّين ومن تعلم منهم يمارسون عادة الختان». ويضيف «بأنهم يمارسون الختان حفظاً للنظافة، لأن النظافة عندهم أولى من الجمال». ثم يشرح كيف أنهم كانوا مثابرين عليها. فهم يشربون بأكواب من النحاس يغسلونها جميعها كل يوم ويلبسون ثياباً من الكتان نظيفة. والكهنة منهم كانوا يحلقون أجسادهم كل يومين حتى لا يبقى عليهم قمل أو نجاسات أخرى. وقد ذكر المؤلف اليهودي «فيلون» كلاماً مشابها عن علاقة الختان بالنظافة عند المصريّين القدامى.

ب) الختان والنظافة في المصادر الإسلاميّة والعربيّة

ليس في القرآن أي ذكر لختان الذكور والإناث. إلاّ أن بعض الأحاديث المنسوبة للنبي محمّد تذكرهما. ورغم تشكيكنا في صحّتها، إلاّ أنها توضّح أن عند واضعيها هناك علاقة بين الختان والنظافة. فأحد تلك الأحاديث يقول: «الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط». وعلق ابن العربي على هذا الحديث: « [...] أمّا الختان فلنظافة الغلفة عمّا يجتمع من أذى البول فيها». ويقول ابن قيّم الجوزيّة: «وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم، وله بالغرلة اتصال واختصاص» (انظر الملحق 1).

ويفرّق الكتاب المسلمون عامّة بين ختان الذكور وختان الإناث في موضوع النظافة. فالشيخ محمود شلتوت يقول إن ختان الذكور قد أعتبر سُنّة لأنه به تتم النظافة والطهارة. «أمّا الإناث فلعدم تحقّق هذا الاعتبار الصحّي فيهن فقد نزل الحُكم فيهن عن درجة السُنّية إلى درجة المَكرُمَة» (انظر الملحق 7). ولكن الدكتورة نور السيّد رشاد ترى ضرورة ختان الإناث بقطع غلفة البظر لأن هذا الغشاء

«يشبه الجراب، ممّا يجعله دائماً غير نظيف، نتيجة لدخول بعض الإفرازات المهبليّة وجزء من البول وتراكمها فيه، وهذه الإفرازات وبقايا البول تكوّن بيئة ملائمة لنمو وتكاثر أنواع عديدة من البكتيريا والفطريّات» (انظر الملحق 13).

وتشير المؤلفة «لايتفوت كلاين» أن هناك اعتقاداً في الأوساط الشعبيّة السودانيّة بأن عدم الختان يجعل الفرج وسخاً ومليئاً بالديدان.

ج) الختان والنظافة في المصادر الغربيّة

حجّة النظافة هي أحد الأسباب الرئيسيّة التي يتذرّع بها مؤيّدو الختان. وهي وراء كل ادعاءاتهم الأخرى بأن الختان يمنع تفشّي الأمراض. فهم يرون أنه يصعب تنظيف القضيب إذا ما بقي على حاله. وعدم النظافة تؤدّي إلى تراكم المادّة المرطبة التي تصبح مرتعاً لجراثيم الأمراض الجنسيّة وسرطان عنق القضيب ومجرى التبوّل والبروستاتة وقد تصل إلى سرطان عام للقضيب. وعدم إمكانيّة النظافة تعني ضرورة بتر الغلفة. ولكن هذا الإدّعاء يخالفه الواقع حيث إن معظم رجال العالم غير مختونين، وهم لا يعانون من العاهات المذكورة. فلو كان الأمر كذلك لختنهم أطبّاء دولهم. ودولة مثل بريطانيا التي تركت الختان لم ترى ضرراً في ذلك ولم ترجع إلى ممارسته.

ويرى معارضو ختان الذكر أن ربط الختان بالنظافة في الغرب هو تعبير عن احتقار الأطبّاء للنساء. فرغم الحمّام اليومي في الولايات المتحدة في أيّامنا وتواجد وسائل النظافة المتعدّدة، إلاّ أن الختان ما زال منتشراً في هذا البلد. فالأطبّاء يعتبرون أن النساء غير قادرات على الحفاظ على نظافة أعضائهن الجنسيّة والأعضاء الجنسيّة لأطفالهن. وقد خلق موقف الأطبّاء هذا عند المرأة تخوّفاً من عدم مقدرتها بالقيام بتلك المُهمّة ممّا جعلها تقبل إتمام الختان على طفلها لكي تعفى من تلك المُهمّة.

ويرى طبيب أمريكي في الإدّعاء بأن ختان الذكور ضروري للنظافة مسبّة وإهانة للذكور. فهذا يعني أنهم لا يستطيعون نظافة أنفسهم. فأي شخص عنده قليل من الذكاء يمكنه أن يغسل عضوه التناسلي. فغسل القضيب ليس أصعب من غسل أحد أصابع اليد. ومن الجنون استعمال السكين بدلاً من الغسل البسيط للحفاظ على النظافة. فالطفل الذي يتعلم كيف ينظف أسنانه وانفه وأذنيه يمكنه أيضاً تنظيف غلفته وحشفته دون حاجة للقطع. وقد تعلم الإنسان كيف يربط حذاءه وكيف يذهب إلى القمر فلماذا لا يمكنه التعلم كيف ينظف أعضاءه الجنسيّة؟ وإذا ما شدّدنا على ضرورة ختان الذكور للحفاظ على النظافة، فيجب أيضاً ختان الإناث لأن المحافظة على نظافة الأعضاء الجنسيّة للذكور بسبب بروزها أسهل بكثير من المحافظة على الأعضاء الجنسيّة للإناث التي تختفي ضمن التجاعيد. أضف إلى ذلك أن الأعضاء الجنسيّة للإناث أكثر قرباً من الشرج من القضيب وأكثر تعرّضاً للتلوّث.

2) ختان الذكور والإناث لمكافحة الاستمناء وعواقبه

الاستمناء، والذي يطلق عليه اسم «العادة السرّية» أو «جلد عميرة»، يعني طلب إخراج المني والوصول إلى اللذّة الجنسيّة بصورة عمديّة بغير جماع. ويختلف عن «الإمناء» أو «الإنزال» اللذان يحصلان في غير اليقظة ودون طلب. وهذا التعبير ينطبق على الرجل والمرأة. ويكون الاستمناء باليد أو غيرها من أنواع المباشرة، أو بالنظر أو بالفكر. ويكون من فعل الشخص أو فعل غيره.

أ) الاستمناء في المصادر العربيّة

ترى الكتب الإسلاميّة بصورة عامّة أن حُكم الشرع في الاستمناء هو الحرمة وارتكاب الإثم. وهي تعتمد على الآيات التالية من القرآن:

- «والذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فألئك هم العادون» (المؤمنين 5:23-7).

- «وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله» (النور 42:24).

وترى الحنفيّة والشافعيّة والإمام أحمد أن الاستمناء مكروه. ولكن إذا كان لتسكين الشهوة المفرطة الغالبة التي يخشى معها الزنى فهو جائز في الجملة، بل قيل بوجوبه، لأن فعله حينئذ يكون من قبيل المحظور الذي تبيحه الضرورة، ومن قبيل ارتكاب أخف الضررين. وينقل القرطبي عن أحمد: «أحمد بن حنبل على ورعه يجوّزه ويحتج بأنه إخراج فضلة من البدن فجاز عند الحاجة». ويضيف القرطبي: «وعامّة العلماء على تحريمه».

وفي عصرنا، تشدّد رجال الدين المسلمون ضد الاستمناء، فلا يسمحون به إلاّ لتفادي الزنى. ولا يكتفون بالاعتماد على سورة المؤمنين 5:23-7 سابقة الذكر، بل يضيفون إليها آية «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (البقرة 2: 195)، وحديث «لا ضرر ولا ضرار»، معتبرين أن الاستمناء محرّم ليس فقط لمخالفته التعاليم الدينيّة، بل أيضاً لمضارّه الجسميّة والجنسيّة والنفسيّة والعقليّة. وهو ما لم يقل بل أحد من الفقهاء المسلمين القدامى. وهؤلاء الفقهاء ينصحون بالصيام والصلاة والزواج والانشغال كوسيلة للحد منه، ولكن لا يذكرون بتاتاً الختان. والغريب في الأمر أن بعض الكتاب المسلمين الجدد في أيّامنا قد استولوا على حجّة الاستمناء وجنّدوها في نضالهم لتأييد ختان الذكور والإناث، وهم عامّة يجهلون كيف نشأت هذه الحجّة في الغرب وأنها تكاد لا تذكر في أيّامنا هناك ولا يتمسّك بها إلاّ الذين أعمت التعاليم اليهوديّة بصائرهم.

ب) الاستمناء عند اليهود والمسيحيّين الغربيّين

يأخذ رجال الدين اليهود موقفاً متشدّداً من الاستمناء. وهم يعتمدون خاصّة على النص الآتي من سفر التكوين:

«واتخذ يهوذا زوجة لعير بكره اسمها تامار. وكان عير بكر يهوذا شرّيراً في عيني الرب. فأماته الرب. فقال يهوذا لأونان: أدخل على امرأة أخيك وقم بواجب الصهر وأقم نسلاً لأخيك. وعلم أونان أن النسل لا يكون له. فكان إذا دخل على امرأة أخيه، استمنى على الأرض، لئلاّ يجعل نسلاً لأخيه. فقبح ما فعله في عيني الرب. فأماته أيضاً» (التكوين 6:38-10).

وزواج الرجل من زوجة أخيه المتوفى التي لم تنجب منه فريضة في التوراة (تثنية 5:25-6)، وما زالت حتى يومنا عند اليهود. والذي يظهر من قصّة «أونان» أنه كان يمارس «العزل» (أي إنزال المني خارج الرحم) حتى لا تحمل امرأة أخيه منه. فأماته الله لرفضه تنفيذ الشريعة. إلاّ أن رجال الدين اليهود فهموا أن «أونان» كان يمارس الاستمناء، وأن هذا هو سبب موته.

ونجد إدانة للاستمناء في «المشنا» الكتاب الثاني بعد التوراة قداسة عند اليهود. فهي تقول: «يجب مدح يد المرأة التي تتفحّص بتكرار العضو الجنسي، ولكنّها إذا كانت يد رجل فلتقطع». ومدح يد المرأة سببه أنها تتفحّص أعضاءها التناسليّة لمعرفة درجة طهارتها والامتناع عن الأعمال التي لا يحق لها عملها في حالة النجاسة. وقطع يد الرجل سببه ممارسة الاستمناء. وقد ذكر لنا التلمود جدلاً كبيراً بين رجال الدين اليهود حول هذا النص. فهناك من اقترح قتل من يمارس الاستمناء ومنهم من رأى في الاستمناء كجلب الطوفان على الأرض.

وقد أدان رجال الدين المسيحيّون الاستمناء معتمدين على نص الكتاب المقدّس اليهودي السابق الذكر الخاص بـ «أونان» وأضافوا إليه نصّاً من رسالة للقدّيس بولس يقول:

«أما تعلمون أن الفجّار لا يرثون ملكوت الله. فلا تضلوا، فإنه لا الفاسقون ولا عبّاد الأوثان ولا الزناة ولا المخنّثون ولا اللوطيون ولا السرّاقون ولا الجشعون ولا السكيرون ولا الشتامون ولا السالبون يرثون ملكوت الله» (1 قورنتس 6: 9-10).

هذا وقد انتشر الخوف من الاستمناء خاصة بعد سنة 1715 عندما نشر دجّال إنكليزي مجهول الاسم كتيّباً تحت عنوان Onania في أقل من مائة صفحة حول مضار الاستمناء للذكور والإناث ووسائل مكافحته. وقد تتابعت طبعات هذا الكتيّب مع إضافات جديدة في كل طبعة حتى عام 1778 وترجم إلى عدّة لغات. وعنوان الكتاب هو إشارة للنص التوراتي المذكور سابقاً ومنها تحوّر ليصبح Onanism، ليعني الاستمناء. وهذا الكتاب يذكر بين مضار هذه العادة داء السيلان والضعف الجنسي والقرح والتشنج والصرع وعدم النمو. ويرسم للاستمناء صورة مخيفة ويقول إنه يؤدّي إلى الموت. وإن تمكن الرجل أو المرأة من الإنجاب، فأولادهما يموتون صغاراً. والمرأة التي تمارس الاستمناء تعرّض نفسها لخطر الإجهاض. ويضيف المؤلف أن الذين لا يشعرون بتلك العاهات في هذه الدنيا، فهم معرّضون للمصائب في هذه الدنيا وللعقاب الإلهي في الآخرة.

وأكبر تأثير لهذا الدجّال الإنكليزي كان على الطبيب السويسري «تيسو» (توفى عام 1797). فقد كتب هذا كتاباً باللاتينيّة عام 1758 حول حمّى المرارة ألحقها بنص حول الاستمناء ومضارّه. وعاد عام 1760 فنشر الملحق موسّعاً ضمن كتاب بالفرنسيّة. وقد طارت شهرة هذا الطبيب في كل أوروبا الغربيّة ممّا ساعد على اشتهار كتابه ضد الاستمناء فأعيدت طباعته سنوياً حتى عام 1782 وقد ترجم لعدّة لغات أوروبيّة. وقد أثر هذا الطبيب بدوره في الفكر الطبّي والفلسفي والتربوي الأوروبي في عصره. وقد بدأ تحت تأثيره منذ عام 1785 تصميم ملابس خاصّة تمنع الولد أو البنت من مس أعضائهم الجنسيّة لممارسة الاستمناء. وقد كان على علاقة ودّية مع «روسو» (توفى عام 1778) الذي مارس تلك العادة ونبّه ضد أضرارها معتبراً أنه من المفضّل أن يزني الإنسان ممّا أن يمارسها لأن الخروج من سيطرة النساء أسهل من الخروج من سيطرة تلك العادة. ونجد رأياً مماثلاً عند «كانت» (توفى عام 1804) الفيلسوف الألماني الشهير.

وقد انتشرت فكرة ضرر الجنس المفرط والاستمناء في كل الدول الغربيّة ولكن بدرجة أكبر في إنكلترا والولايات المتحدة تحت وطأة الفكر الفكتوري في عصر الملكة فكتوريا 1837-1901 حيث ترعرعت فكرة أن هناك عنصر بشري أعظم من غيره. وعلى العنصر الأعظم السيطرة على تصرّفه الجنسي لإبقاء سيطرته على الغير إذ إن التصرّف الجنسي المفرط يؤدّي إلى الخمول العقلي. وفي الولايات المتحدة كتب عالم الفيزياء «جورج بيرد» مطالباً بالحرص على النشاط العقلي عند المثقّفين، وهذا يعني السيطرة على النشاط الجنسي. وكان العصر الفكتوري معادي للجنس بسبب النظريّات الطبّية حول الاستمناء. وقد حدّدت العلاقات الجنسيّة حتى بين المتزوّجين إذ أعتُبِر بأن تلك العلاقة يجب أن لا تزيد عن مرّة واحدة في الشهر أو حصرها بالإنجاب فقط. وكان يُظن أن المرأة التي تمارس العلاقة الجنسيّة خلال الحمل لا بد أن تفقد طفلها بالإجهاض.

ومن أكبر معادي الاستمناء الطبيب الأمريكي «جون هارفي كيلوج». ففي عام 1882 كتب أن الاستمناء خطيئة ضد الطبيعة ويساوي اللواط، لا بل هو أكثر خطورة منه لكثرة انتشاره. وكان يرى بأنه يسبّب ما يناهز 31 عاهة. وقد وضع عدّة معايير يمكن من خلالها معرفة الشخص الذي يمارس الاستمناء منها الأرق والخجل والأكتاف العريضة وعدم بروز الثدي عند المرأة والتدخين وحب الشباب وقرض الأظافر بالأسنان واستعمال الكلمات البذيئة. وقد اقترح لمكافحة الاستمناء تناول إفطاره المشهور الذي يحمل اسمه وإجراء عمليّة الختان.

ورغم استمرار معاداة التعاليم الدينيّة للاستمناء، فإن الطب أصبح تدريجيّاً أكثر تسامحاً معها. وقد بدأ الأمر في إنكلترا. ففي محاضرة نشرها الطبيب الإنكليزي «جيمس ماجيت» عام 1875 حول مرض الوهم الجنسي رأى أن الضرر ليس في الاستمناء ولكن في تكرارها الذي قد يؤدّي إلى التعب. ونفس النتيجة تنتج عن العلاقة الجنسيّة المتكرّرة.

أمام الخوف من الاستمناء وسيلان المني في النوم، كان لا بد من اللجوء إلى وسائل لمنعهما. فبالإضافة إلى الوسائل الروحيّة مثل التوبة والإماتة والأعمال الصالحة، كان الأطبّاء ينصحون بوسائل غير جراحيّة وجراحيّة من بينها الختان.

ومن بين الوسائل غير الجراحيّة كان الأطبّاء ينصحون الذكور والإناث بغسل الأعضاء الجنسيّة بالماء البارد، وممارسة الرياضة حتى يتعب الجسم ولا يفكر الإنسان في اللجوء لتلك العادة بل ينام حال ارتمائه في السرير. وكان عليهم تجنّب الألعاب الرياضيّة التي تسبّب احتكاك الأعضاء الجنسيّة مثل الانزلاق على خشبة الدرج أو التأرجح على آلة الحصان أو شد الحبل الملس، وتفادي بعض القراءات التي تهيّج المخيّلة، ومنها بعض نصوص التوراة مثل سفر «نشيد الأناشيد». كما كانوا ينصحونهم بإتباع نظام غذائي خاص. فالدجّال الإنكليزي السابق الذكر اقترح تجنّب أكل الفول والبازلاء والخرشوف لأنها تنفخ الأعضاء الجنسيّة. وإذا لم يتخلص الولد أو البنت من هذه العادة، كان الأطبّاء ينصحون الأهل بربط أيديهم بقضبان السرير أو إلباسهم إحدى المعدّات الميكانيكيّة والملابس والأحزمة الغريبة التي تحول دون لمس الأعضاء الجنسيّة. ففي كتاب «رعاية الطفل» الذي أصدرته عام 1921 «دائرة الأطفال» الحكوميّة الأمريكيّة نصيحة للأهل بأن يلجأوا إلى تلك المعدّات الميكانيكيّة لمنع الولد أو البنت من ممارسة الاستمناء الضار الذي يدمّره مدى الحياة. ولكن عام 1929 لم يعد هذا الكتاب يؤمن بتلك الوسائل وحظر على الأهل أن يلجأوا إليها لأنها قد تؤثر بهم نفسيّاً. وبدلاً من ذلك ينصح الكتاب أن يلهى الولد قَبل النوم بلعبة. وفي طبعة 1942 يقول الكتاب بأن الأم الحكيمة لن تهتم بهذه العادة التي يمارسها الأطفال بصورة طبيعيّة. وفي عام 1951 ينصح الأم بأن لا تقول للطفل كلمة «لا» لأن ذلك قد يزعجه.

بالإضافة إلى الوسائل غير الجراحيّة، نصح الأطبّاء بإجراء عمليّات جراحيّة لمن يتمكن من دفع تكاليفها، وخاصّة الطبقات العليا في المجتمع، تلك الطبقة التي يأتي منها أكثر الأطبّاء. وقد زاد من اللجوء إلى هذه العمليّات إدخال التخدير في الطب حوالي عام 1850. وقد تفنّن الأطبّاء فاقترحوا ثقب غلفة القضيب وشبكها بحلقة. وشبك الغلفة هذا لمكافحة الاستمناء نجده في كتب ألمانيّة من القرن الثامن عشر. وقد اقترح جرّاح ألماني عام 1827 بأن تمارس عمليّة شبك الغلفة لتحسين الجنس البشري ومن يزيل هذا الشبك يجب معاقبته بشدّة. وقد اقترح كتاب طبّي شعبي صدر عام 1920 في مقاطعة «اوهايو» الأمريكيّة أن يلجأ إلى شبك غلفة القضيب ضد الاستمناء.

كما أن الأطبّاء اقترحوا الختان بقطع الغلفة بمقص مفلول، وحتى الخصي. واقتراح الختان نجده عند الطبيب الفرنسي «كلود فرنسوا لالمان» (توفى عام 1853). وقد تسرّبت نظريّته هذه إلى الولايات المتحدة في كتابات الطبيب الأمريكي «ادوراد يكسون» (توفى عام 1880) الذي اقترح في كتاب صدر عام 1845 فرض ختان الأطفال كما هو الأمر عند اليهود. وقد ساعد في انتشار هذا الفكر في الولايات المتحدة الطبيبان اليهوديّان «موزيس» و «جاكوبي». فكل منهما ادّعى بأن اليهود لا يمارسون الاستمناء، وأن سبب ذلك هو الختان، وأن غير اليهود يميلون كثيراً للاستمناء، ولذلك فهم أكثر عرضة للأمراض الخطيرة بسبب وجود غلفة عندهم. وكانا يريان أن الغلفة تسبّب الصرع وضعف التغذية والهستيريا وكثيراً من الاضطرابات العصبيّة. وفي عام 1914 كتب الطبيب اليهودي الأمريكي «ابراهام وولبارست» أن من واجب كل طبيب أن يشجّع ممارسة الختان على الصغار. وفي عام 1932، كتب مقالاً يقترح فيه تعقيم من يمارس الاستمناء ومنعه من الزواج. ونتيجة لمواقف هذا الطبيب المؤيّدة للختان، تم إعادة كتابة كتب تعليم الطب لتحث أطبّاء التوليد بفحص كل طفل يولد. فإذا وجدوا أن غلفته لا ترجع إلى الوراء، كان عليهم قطعها حالاً.

ومع تراجع الخوف من الاستمناء، بدأ التراجع عن وصف الختان كوسيلة لمنعه. فقد أوصى الأطبّاء مثل الدكتور «بنجامين سبوك» عام 1942 بعدم اللجوء إلى الختان لمداواة الاستمناء رغم أنه كان ما زال يؤيّد ختان الأطفال حديثي الولادة. وقد تراجع عن تأييده للختان كلية عام 1976 إذ صرّح: «إني أؤيّد أن يترك القضيب على حاله. إن الرأي في طب الأطفال يبتعد عن عمليّة الختان الروتينيّة لكونها عمليّة غير ضروريّة وأقل ما يقال عنها أنها خطيرة نوعاً ما. وإني أؤمن باحتمال حدوث ضرر حسّي بسبب العمليّة. يجب على الأهل أن يتأكدوا ما إذا كانت هناك أسباب مقنعة لأجل الختان - ولكن لا توجد مثل تلك الأسباب حسب معرفتي».

هذا وقد اقترح أيضاً الأطبّاء الغربيّون ختان الإناث لمعالجة الاستمناء والأمراض المرتبطة به مثل الهستيريا تحت تأثير العادات القبليّة الإفريقيّة حيث ذكرت تقارير الرحّالة وعلماء الإنسان أن النساء الإفريقيّات لهن بظر كبير وأنهن إذا بقين على حالهن دون ختان يصبحن هائجات. ومع موجة الخوف من الجنس الذي اجتاحت الغرب، تم تبنّي هذه العادة. وأوّل عمليّة ختان أنثى ذكرت في الغرب هي تلك التي تمّت في برلين عام 1822. وقد لجأ الطبيب «جيستاف براون» إلى ختان الإناث كوسيلة للحد من الاستمناء في فينا خلال الستينات من القرن التاسع عشر. وفي جدل دار في جمعيّة الجرّاحين في باريس عام 1864 ناقشوا خلاله عدّة وسائل لمنع الاستمناء منها بتر البظر عند الفتاة، ووضع أملاح البوتاسيوم عليه، أو كيّه. ولكن البعض فضّل إبقاء البظر وإخاطة الشفرين الكبيرين بحيث يغطيان البظر لمنع ملامسته وتهييجه مع إبقاء فتحة للبول.

وقد بلغت عمليّة ختان الإناث في بريطانيا ذروتها ما بين عام 1858 و1866. وكان المدافع عن هذه العمليّة الدكتور «إسحاق بيكر براون» (توفى عام 1873) الذي أختير رئيساً للجمعيّة الطبّية في لندن عام 1865. ولكن سرعان ما أنتقد هذا الجرّاح من قِبَل الأطبّاء هناك وطرد من جمعيّة الجرّاحين عام 1867 وتخلى عن رئاسة الجمعيّة الطبّية. وهكذا سقطت عادة ختان الإناث في إنكلترا. إلاّ أنها أثرت على كثير من الأطبّاء في دول أخرى، وخاصّة في الولايات المتحدة. فقد أشارت إليها إحدى المجلاّت الطبّية الأمريكيّة عام 1866. ورغم ما دار من جدل ضد ختان الإناث في بريطانيا قام الأطبّاء الأمريكيّون بتبنّي هذه العمليّة وزيّنوا لها. وفي نهاية السبعينات من القرن التاسع عشر قام طبيبان بإجراء عمليّة جراحيّة مزدوجة تم فيها قطع البظر واستئصال المبيضين. ويُظن أن عدد العمليّات التي أجريت هناك في هذا الشكل يصل إلى عدّة آلاف. ثم فصلت العمليّتان في الثمانينات من القرن التاسع عشر وتركت عمليّة استئصال المبيضين بينما أستمر في إجراء عمليّة ختان الإناث.

وقد انتشرت عمليّة ختان الإناث في الولايات المتحدة بصورة واسعة ما بين الثمانينات من القرن التاسع عشر والأربعينات من القرن العشرين لمكافحة الاستمناء. وفي عام 1941 أوصى كتاب كاثوليكي موجّه للكهنة في «كرسي الاعتراف» بأن ينصحوا قطع أو كي البظر بالنار كعلاج للنساء الشاذات جنسيّاً. وكانت عمليّة الختان تجرى على النساء في كل الأعمار حتى سن اليأس، وحتى في الخمسينات. وكان هناك قرابة ثلاثة آلاف امرأة تختن سنوياً في السبعينات من القرن العشرين في المستشفيات الأمريكيّة. وفي عام 1973 نصحت مجلة طبّية ختان الإناث لمداواة البرود الجنسي. وكانت شركة التأمين Blue Shield تدفع تكاليف مثل هذه العمليّات عام 1977.

ومهما كان موقفنا من الاستمناء، يبقى السؤال الأساسي وهو: هل الختان يحمي فعلاً من الاستمناء؟ ولماذا؟ لا يرد مؤيّدو ختان الذكور والإناث على هذا السؤال الأخير. ولا توجد أيّة دراسة تثبت أن المختونين والمختونات يمارسون الاستمناء بصورة أقل من غير المختونين وغير المختونات. وإن كنّا اليوم نعتبر إجراء ختان الذكور والإناث لمنع الاستمناء شطحة من شطحات رجال الطب تحت تأثير الهوس الديني الذي أعمى بصائرهم، فإنهم لم يتوقّفوا عند هذا الحد. فقد اقترحوا إجراء الختان لأمراض أخرى آخرها مرض الإيدز.

3) ختان الذكور والإناث للوقاية من الأمراض الفتاكة

أ) الختان والوقاية في الكتابات القديمة

يذكر المؤلف اليهودي «فيلون» أن الختان يقي من مرض مؤلم يصعب شفاؤه يصيب الغلفة يدعى مرض «الفحم»، ويسبّب التهابات مستديمة تصيب غير المختونين. وفي مكان آخر، يقول إن الختان يمارس في المناطق الحارّة بين اليهود والمصريّين والعرب والأثيوبيين وتقريباً بين كل الذين يسكنون المناطق الجنوبيّة حيث الحرارة الشديدة. فالغلفة التي تحيط بالعضو التناسلي تسخن فتلتهب وتتجرّح، بينما إذا قطعت، فإن العضو التناسلي يتهوّى بتعريته، ممّا يبعد الأمراض. فالذين يسكنون المناطق الشماليّة والمناطق التي تكثر فيها الرياح لا يمارسون الختان لأن الحرارة أقل، ممّا يقلل من الأمراض. ويعطي برهاناً على ذلك أن الأمراض التي تصيب الأعضاء الجنسيّة تتفشى في الصيف وليس في الشتاء.

ب) الختان والوقاية في الكتابات الغربيّة

اقترح الأطباء أمام الأمراض التي لم يتمكنوا من شفائها إجراء العمليّات الجراحيّة بما فيها ختام الذكور والإناث. ويجب هنا الإشارة إلى نشاط جمعيّة ما بين عام 1890 و1920 في الولايات المتحدة تدعى «جمعيّة جراحة الفتحات»، أسّسها الجرّاح «برات» في مستشفى بـ»شيكاغو». وكانت هذه الجمعيّة تمرّن على الجراحات التي تجرى على فتحات الجسم التي تقع تحت الخصر. وقد نشر مؤسّسها كتاباً عام 1890