Site hosted by Angelfire.com: Build your free website today!

(أي لا تبالغن في الخفض) وهذا الحديث جاء مرفوعاً برواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما1.

وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول (ص) إلى ختان النساء ونهيه عن الإستئصال. وقد علّل هذا في إيجاز وإعجاز، حيث أوتي جوامع الكلم فقال «فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج».

وهذا التوجيه النبوي إنّما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول، لضبط الإشتهاء، والإبقاء على لذّات النساء، واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله. وبذلك يكون الإعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الإستمتاع والإستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الإستهتار، وعدم القدرة على التحَكّم في نفسها عند الإثارة.

لمّا كان ذلك: كان المستفاد من النصوص الشرعيّة، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبيّن والثابت في كتب السُنّة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الإلتزام بها. على ما يشير إليه تعليم رسول الله كيفيّة الختان، وتعبيره في بعض الروايات بالخفض، ممّا يدل على القدر المطلوب في ختانهن.

قال الإمام البيضاوي: إن حديث «خمس من الفطرة» عام في ختان الذكر والأنثى. وقال الشوكاني2: إن تفسير الفطرة بالسُنّة لا يراد به السُنّة الإصطلاحيّة المقابلة للفرض والواجب والمندوب، وإنّما يراد بها الطريقة، أي طريقة الإسلام، لأن لفظ السُنّة في لسان الشارع أعم من السُنّة في إصطلاح الأصوليّين.

ومن هنا: إتّفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا القول بمنع الختان للرجال أو للنساء، أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علّمه الرسول (ص) لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً.

أمّا الإختلاف في وصف حُكمه، بين واجب وسُنّة ومَكرُمَة، فيكاد يكون إختلافاً لفظيّاً في الإصطلاح الذي يندرج تحته الحُكم.

يشير إلى هذا: ما نقل في فقه الإمام أبي حنيفة3 من أنه لو إجتمع أهل مصر على ترك الختان، قاتلهم الإمام (ولي الأمر) لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه.

كما يشير إليه أيضاً أن مصدر تشريع الختان هو إتّباع مِلّة إبراهيم، وقد إختتن، وكان الختان من شريعته. ثم عدّه الرسول (ص) من خصائل الفطرة، وأميل إلى تفسيرها بما فسّرها به الشوكاني - حسبما سبق - بأنها السُنّة التي هي طريقة الإسلام ومن شعائره وخصائصه، كما جاء في فقه الحنفيين.

وإذ قد إستبان ممّا تقدّم أن ختان البنات المسؤول عنه من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذي بيّنه رسول الله (ص) فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره ولو كان طبيباً، لأن الطب علم والعلم متطوّر، تتحرّك نظرته ونظريّاته دائماً، ولذلك نجد أن قول الأطبّاء في هذا الأمر مختلف. فمنهم من يرى ترك ختان النساء، وآخرون يرون ختانهن، لأن هذا يهذّب كثيراً من إثارة الجنس لا سيما في سن المراهقة التي هي أخطر مراحل حياة الفتاة، ولعّل تعبير بعض روايات الحديث الشريف في ختان النساء بأنه مَكرُمَة يهدينا إلى أن فيه الصون، وأنه طريق للعفّة، فوق أنه يقطع تلك الإفرازات الدهنيّة التي تؤدّي إلى إلتهابات مجرى البول وموضع التناسل، والتعرّض بذلك للأمراض الخبيثة.

هذا ما قاله الأطبّاء المؤيّدون لختان النساء. وأضافوا أن الفتاة التي تعرض عن الختان تنشأ من صغرها وفي مراهقتها حادّة المزاج سيّئة الطبع، وهذا أمر قد يصوّره لنا ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم، بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة والزحام التي لا تخفى على أحد، فلو لم تقم الفتاة بالإختتان لتعرّضت لمثيرات عديدة تؤدّي بها - مع موجبات أخرى، تزخر بها حياة العصر، وانكماش الضوابط فيه، إلى الإنحراف والفساد.

وإذا كان ذلك: فما وقت الختان شرعاً؟

إختلف الفقهاء في وقت الختان: فقيل حتّى يبلغ الطفل، وقيل إذا بلغ تسع سنين. وقيل عشراً، وقيل متى كان يطيق ألم الختان وإلاّ فلا4.

والظاهر من هذا: إنه لم يرد نص صريح صحيح من السُنّة بتحديد وقت للختان. وإنه متروك لولي أمر الطفل بعد الولادة - صبيّاً أو صبيّة - فقد ورد أن النبي (ص) ختن الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم السابع من ولادتيهما. فيفوّض أمر تحديد الوقت للولي، بمراعاة طاقة المختون ومصلحته.

لمّا كان ذلك، ففي واقعة السؤال: قد بأن أن ختان البنات من سُنَن الإسلام وطريقته لا ينبغي إهمالها بقول أحد. بل يجب الحرص على ختانهن بالطريقة والوصف الذي علّمه رسول الله (ص) لأم حبيبة. ولعلنا في هذا نسترشد بما قالت حين حوارها مع الرسول: هل هو حرام فتنهاني عنه؟ فكان جوابه عليه الصلاة والسلام وهو الصادق الأمين: «بل هو حلال».

كل ما هنالك ينبغي البعد عن الخاتنات اللاتي لا يحسن هذا العمل. ويجب أن يجرى الختان على هذا الوجه المشروع. ولا يترك ما دعا إليه الإسلام بقول فرد أو أفراد من الأطبّاء لم يصل قولهم إلى مرتبة الحقيقة العلميّة أو الواقع التجريبي، بل خالفهم نفر كبير من الأطبّاء أيضاً وقطعوا بأن ما أمر به الإسلام له دواعيه الصحيحة الجمّة نفسيّاً وجسديّاً.

هذا: وقد وكّل الله سبحانه أمر الصغار إلى آبائهم وأولياء أمورهم وشرّع لهم الدين وبيّنه لسان رسول الله (ص). فمن أعرض عنه كان مضيّعاً الأمانة التي وكّلت إليه على نحو ما جاء في الحديث الشريف فيما روى البخاري ومسلم5 عن إبن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله (ص) قال «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيّتها. والخادم راع في مال سيّده وهو مسؤول عن رعيّته. والرجل راع في مال أبيه وهو مسؤول عن رعيّته. فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيّته».

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ملحق 6: فتوى ثانية للشيخ جاد الحق علي جاد الحق (مصر / 1994)6

االختان

(مقدّمة الدكتور علي أحمد الخطيب)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد رحمة العالمين وعلى آله وصحبه وتابعيه - بإحسان - إلى يوم الدين.

وبعد:

فنحمد الله - تعالى- الذي يسّر للأزهر الشريف أن يقف المسلمين - أوّلاً بأوّل - على ما يحتاجون أحكامه وبيانه من هذا الدين الحنيف فنأى الشبهات، ووفّر لهم وضوحاً لآياته البيّنات.

وفي الحق أنه - يسيء إلى هذا الإسلام - من الناس فريقان: مسلم أو مسلمة كلاهما يمارس بعض شعائر هذا الدين على حال ليست من الإسلام في شيء، فلا هو أدّى الشعيرة على خير وجوهها، ولا هو صان الشريعة بالرجوع إلى المختصّين، ليقع عمله على أحسن ما يريد هذا الدين.

وعدو كاشح يتلمّس هذه الأخطاء فتدفعه بغضاؤه إلى الحمل على الدين، والكيد له، وإطلاق ألسنته على شعائره. من أولئك الذين قال الله - تعالى - فيهم: «ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّونكم عن دينكم إن إستطاعوا» ( البقرة 217:2).

وكم للقتال من أساليب وهذا أحدها! يرمون من ورائه اليوم إلى إبطال شعيرة ختان البنات، والله من ورائهم محيط.

أمام هذا الكيد يسّر الله - تعالى - للقائمين على تحرير هذه المجلّة تذكّر فتوى لفضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي في «الختان» فأتينا بها - خالصة لوجه الله - لتكون هديّة هذا العدد الذي يصدر ووجوه قوم معفّرة من نفخ الرماد رغبة في الغيم على الإسلام!؟

«يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون» (الصف 8:61-9).

ولسوف تقرأ - أخي المسلم - في هذه الفتوى:

تعريفاً للختان وخير وقته، متى يكون، ومتى يَحْرُم؟ وبياناً لكيفيته وحُكم الجور فيه الخ. وسوف تستطيع أن تلم - بهذا كلّه - فتكون على علم بما يدفع عنك الشبهة، ويهبك القدرة على الذود عن دينك إزاء الجاحدين.

وفّقنا الله وإياك إنه سميع مجيب.

القاهرة - السبت، 25 من ربيع الآخر 1415 هـ 10 من أكتوبر 1994 م

د. علي أحمد الخطيب.

(نص الفتوى)

التعريف:

الختان والختانة لغة: الإسم من الختن، وهو قطع الغلفة من الذكر والنواة من الأنثى، كما يطلق الختان على موضع القطع. يقال: ختن الغلام والجارية يختنها ويختنهما ختناً. ويقال: غلام مختون، وجارية مختونة، وغلام وجارية ختين. كما يطلق عليه: الخفض والإعذار، وخص بعضهم الختن بالذكر، والخفض بالأنثى، والإعذار مشترك بينهما7. والعذرة: الختان، وهي كذلك الجلدة يقطعها الخاتن - وعذر الغلام والجارية يعذرهما عذراً واعذرهما ختنهما. والعذار والإعذار والعذيرة طعام الختان8.

في مصطلح الفقهاء:

ولا يخرج إستعمال الفقهاء عن معناه اللغوي.

قال الله تعالى: «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين» (سورة النحل 123:16). وفي الحديث الشريف9: «إختتن إبراهيم وهو إبن ثمانين سنة». وروى أبو هريرة10 رضي الله عنه قال رسول الله (ص) «الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة: الختان والإستحداد ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر». وقد تحدّث الإمام النووي الشافعي11 في تفسير الفطرة بأن أصلها الخلقة. قال الله تعالى: «فطرة الله التي فطر الناس عليها» (الروم 30:30). وأختلف في تفسيرها في الحديث: قال الشيرازي والماوردي وغيرهما: الدين. وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: فسّرها أكثر العلماء في الحديث بالسُنّة. ثم عقّب النووي بعد سرد هذه الأقوال وغيرها بقوله: قلت: تفسير الفطرة هنا بالسُنّة هو الصواب. ففي صحيح البخاري عن إبن عمر عن النبي (ص) قال: «من السُنّة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر». وأصح ما فسّر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى، لا سيما في صحيح البخاري.

حُكمه واختلاف الأئمّة فيه:

وقد إختلف أئمّة المذاهب وفقهاؤها في حُكم الختان:

قال إبن قيّم12:إختلف الفقهاء في ذلك: فقال الشعبي وربيعة والأوزاعي ويحيى بن سعد الأنصاري ومالك والشافعي وأحمد: هو واجب وشدّد فيه مالك حتّى قال: من لم يختتن لم تجز إمامته ولم تُقبل شهادته. ونقل كثير من الفقهاء عن مالك، أنه سُنّة، حتّى قال القاضي عيّاض: الختان عند مالك وعامّة العلماء سُنّة، ولكن السُنّة عندهم يأثم تاركها. فهم يطلقونها على مرتبة بين الفرض والندب. وقال الحسن البصري وأبو حنيفة: لا يجب بل هو سُنّة. وفي فقه الإمام أبي حنيفة13: إن الختان للرجال سُنّة. وهو من الفطرة، وللنساء مَكرُمَة. فلو إجتمع أهل مصر (بلد) على ترك الختان قاتلهم الإمام، لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه. والمشهور في فقه الإمام مالك في حُكم الختان للرجال والنساء كحُكمه في فقه الإمام أبي حنيفة. وفقه الإمام الشافعي14: إن الختان واجب على الرجال والنساء. وفقه الإمام أحمد بن حنبل15: إن الختان واجب على الرجال ومَكرُمَة في حق النساء وليس بواجب عليهن، وفي رواية أخرى عنه أنه واجب على الرجال والنساء كمذهب الإمام الشافعي.

وخلاصة هذه الأقوال16: إن الفقهاء إتّفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق الإناث مشروع.

ثم إختلفوا في وجوبه، فقال الإمام أبو حنيفة ومالك: هو مسنون في حقّهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه. وقال الإمام الشافعي: هو فرض على الذكور والإناث. وقال الإمام أحمد: هو واجب في حق الرجال. وفي النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب.

والختان في شأن الرجال: هو قطع الجلدة التي تغطّي الحشفة، بحيث تنكشف الحشفة كلّها. وفي شأن النساء: قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون إستئصالها، وسمّي هذا بالنسبة لهن (خفاضاً).

الدليل على خفاض النساء:

وقد إستدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطيّة رضى الله عنها قالت: إن إمرأة كانت تختن بالمدينة. فقال لها النبي (ص): «لا تُنهِكي، فإن ذلك أحظى للزوج. وأسرى للوجه». وجاء ذلك مفصّلاً في رواية أخرى تقول: «إنه عندما هاجر النساء كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلمّا رآها رسول الله (ص) قال لها: يا أم حبيبة هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ فقالت نعم يا رسول الله. إلاّ أن يكون حراماً فتنهاني عنه. فقال رسول الله (ص): بل هو حلال، فأدن منّي حتّى أعلّمك. فدنت منه. فقال: يا أم حبيبة، إذا أنت فعلت فلا تُنهِكي، فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج»17.

ومعنى (لا تُنهِكي) لا تبالغي في القطع والخفض، ويؤكّد هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول (ص) قال: «يا نساء الأنصار إختفضن (أي إختتن) ولا تُنهِكن (أي لا تبالغن في الخفض)». وهذا الحديث جاء مرفوعاً18 برواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما.

وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول (ص) إلى ختان النساء ونهيه عن الإستئصال. وقد علّل هذا في إيجاز وإعجاز، حيث أوتي جوامع الكلم فقال: «فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج».

وهذا التوجيه النبوي إنّما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مخرج البول، لضبط الإشتهاء، مع الإبقاء على لذّات النساء، واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله. وبذلك يتحقّق الإعتدال، فلم يعدم المرأة مصدر الإستمتاع والإستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الإستهتار، وعدم القدرة على التحَكّم في نفسها عند الإثارة.

لمّا كان ذلك: كان المستفاد من النصوص الشرعيّة، ومن أقوال الفقهاء على النحو المبيّن والثابت في كتب السُنّة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الإلتزام بها. على ما يشير إليه تعليم رسول الله (ص) كيفيّة الختان، وتعبيره في بعض الروايات بالخفض، ممّا يدل على القدر المطلوب في ختانهن.

ومقتضى ما قاله الإمام البيضاوي عن حديث «خمس من الفطرة»19 إنه عام في ختان الذكر والأنثى؛ حيث قال: إن معنى الفطرة في هذا الحديث تتمثّل في مجموع ما ورد من أن الفطرة: هي السُنّة القديمة التي إختارها الأنبياء، واتّفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي ينطوون عليه. وقال الشوكاني20: إن تفسير الفطرة بالسُنّة لا يراد به السُنّة الإصطلاحيّة المقابلة للفرض والواجب والمندوب، وإنّما يراد بها الطريقة، أي طريقة الإسلام، لأن لفظ السُنّة في لسان الشارع أعم من السُنّة في إصطلاح الأصوليّين.

الختان من شعائر الإسلام

ومن هنا: إتّفقت كلمة فقهاء المذاهب على أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا - قول بمنع الختان للرجال أو النساء، أو عدم جوازه أو إضراره بالأنثى، إذا هو تم على الوجه الذي علّمه الرسول (ص) لأم حبيبة في الرواية المنقولة آنفاً.

أمّا الإختلاف في وصف حُكمه، بين واجب وسُنّة ومَكرُمَة، فيكاد يكون إختلافاً في الإصطلاح الذي يندرج تحته الحُكم.

يشير إلى هذا: ما نقل في فقه الإمام أبي حنيفة21 من أنه لو إجتمع أهل مصر على ترك الختان، قاتلهم الإمام (ولي الأمر) لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه.

كما يشير إليه أيضاً أن مصدر تشريع الختان هو إتّباع مِلّة إبراهيم، وقد إختتن، وكان الختان من شريعته، ثم عدّه الرسول (ص) من خصائل الفطرة، وأميل إلى تفسيرها بما فسّرها الشوكاني وغيره - حسبما سبق - بأنها السُنّة التي هي طريقة الإسلام ومن شعائره وخصائصه، كما جاء في فقه الحنفيين وليس المراد السُنّة الإصطلاحيّة - كما تقدّم آنفاً.

ويؤيّد هذا ما ذهب إليه الفقه الشافعي والحنبلي، ومقتضى قول سحنون من المالكيّة من أن الختان واجب على الرجال والنساء22. وهو مقتضى قول الفقه الحنفي23 إنه لو إجتمع أهل بلدة على ترك الختان حاربهم الإمام، كما لو تركوا الأذان، وهذا ما أميل إلى الفتوى به.

وإذ قد إستبان ممّا تقدّم أن ختان البنات موضوع هذا البحث من فطرة الإسلام وطريقته على الوجه الذي بيّنه رسول الله (ص) فإنه لا يصح أن يترك توجيهه وتعليمه إلى قول غيره ولو كان طبيباً، لأن الطب علم والعلم متطوّر، تتحرّك نظرته ونظريّاته دائماً.

رأي الأطبّاء:

وآية هذا أن قول الأطبّاء في هذا الأمر مختلف. فمنهم من يرى ترك ختان النساء، وآخرون يرون ختانهن، لأن هذا يهذّب كثيراً من إثارة الجنس لا سيما في سن المراهقة التي هي أخطر مراحل حياة الفتاة، ولعّل تعبير بعض روايات الحديث الشريف في ختان النساء بأنه مَكرُمَة يهدينا إلى أن فيه الصون، وأنه طريق للعفّة فوق أنه يقطع تلك الإفرازات الدهنيّة التي تؤدّي إلى إلتهابات مجرى البول وموضع التناسل، والتعرّض بذلك للأمراض الخبيثة.

هذا خلاصة ما قاله الأطبّاء المؤيّدون لختان النساء. وأضافوا أن الفتاة التي تعرض عن الختان تنشأ من صغرها وفي مراهقتها حادّة المزاج سيّئة الطبع، وهذا أمر قد يصوّره لنا ويحذّر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم، بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة والزحام التي لا تخفى على أحد، فلو لم تختتن الفتيات على الوجه الذي شرحه حديث رسول الله (ص) لأم حبيبة لتعرّضن لمثيرات عديدة تؤدّي بهن - مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الإنحراف والفساد.

مقدار ما يقطع في الختان:

1 نيل الأوطار للشوكاني جـ 1 ص 113.

2 في نيل الأوطار جـ 1 ص 113.

3 الإختيار شرح المختار جـ 2، ص 121.

4 المراجع السابقة.

5 زاد المسلم فيما إتّفق عليه البخاري ومسلم جـ 1 ص 302.

6 صدرت هذه الفتوى في كتيّب كهدية مجانية ملحقة بمجلّة الأزهر لشهر جمادى الأولى 1415 هـ (أكتوبر 1994). وكان الشيخ جاد الحق عند إبدائه هذه الفتوى شيخاً للأزهر وبقي في هذا المنصب حتى وفاته في مارس 1996. هذه الفتوى تأخذ حرفياً بما جاء في الفتوى السابقة وتضيف عليها عناوين الفقرات وفقرات أخرى. وهذه الفتوى مسبوقة بمقدّمة كتبها د. علي أحمد الخطيب، رئيس تحرير مجلّة الأزهر. ومن المعروف إن هذه الفتوى صدرت بعد بث التلفزيون الأمريكي حادثة ختان بنت في القاهرة.

7 لسان العرب والمصباح المنير مادّة (ختن).

8 لسان العرب والمصباح المنير مادّة (عذر).

9 متّفق عليه - البخاري في كتاب بدء الخلق وفي باب الختان في كتاب الاستئذان - ومسلم في باب فضائل إبراهيم - في كتاب الفضائل.

10 متّفق عليه - شرح السُنّة للبغوي جـ 12 ص 109 باب الختان.

11 في المجموع جـ 1 ص 284.

12 في كتابه (تحفة المودود) هامش شرح السُنّة للبغوي جـ 2 ص 110 في باب الختان.

13 الإختيار شرح المختار للموصلي جـ 2 ص 121 في كتاب الكراهيّة.

14 جـ 1 ص 297 من المهذّب للشيرازي وشرحه المجموع للنووي.

15 المغني لابن قدامة جـ 1 ص 70 مع الشرح الكبير.

16 الإفصاح عن معاني الصحاح ليحيى بن هبيرة الحنبلي جـ 1 ص 206.

17 هذا الحديث رواه أبو داوود في السُنَن وأعلّه بمحمّد بن حسّان فقال عنه: إنه ضعيف - أنظر في هذا المنّاوي جـ 1 ص 216، وسُنَن أبي داوود جـ 5 ص 421 تحقيق عزّت دعّاس، ونيل الأوطار للشوكاني جـ 1 ص 113، ومجمع الزوائد جـ 1 ص 884. وقد ورد الحديث أيضاً في مختصر سُنَن أبي داوود للحافظ المنذري ومعالم السُنَن للخطابي وفي تهذيب الإمام إبن قيّم جـ 8 ص 116 بطريق آخر وقال عنه أبو داوود ليس بالقوي. وفي تحفة المودود بأحكام المولود لإبن قيّم ص 193 إن هذا الحديث رواه الإمام أحمد عن أم عطيّة. وأخرجه الحاكم في المستدرك جـ 3 ص 525 عن الضحّاك بن قيس، وسكت عنه الحاكم والذهبي. وفي هامش كتاب إحياء السُنّة وإخماد البدعة ص 263 تحقيق وتعليق أحمد عبد الله باجور ط ثانية الأزهر الشريف قال: وأخرجه السيّوطي في الجامع الصغير أولى برقم 279 سنة 1406 هـ - 1985 رواية الطبراني والحاكم عن الضحّاك بن قيس وأشار إليه بعلامة الصحّة. وللحديث شواهد أخرى تقوّيه فقد جاء في فتح الباري للحافظ بن حجر شرح صحيح البخاري جـ 10 ص 263 عقب نقله قول أبي داوود عن هذا الحديث - ليس بالقوي، قلت وله شاهدان من حديث أنس ومن حديث أم أيمن عن أبي الشيخ في كتاب العقيقة وآخر عن الضحّاك بن قيس عند البيهقي. ويشهد له حديث (خمس من الفطرة) المتّفق عليه بتفسير الفطرة بالمعنى المتقدّم. وحديث إذا إلتقى الختانان وجب الغسل - قال الإمام أحمد وفي هذا إن النساء كن يختتن - كما في تحفة المودود لإبن قيّم ص 192.

18 نيل الأوطار للشوكاني جـ 1 ص 113.

19 رواه البخاري 10/295 في اللباس، باب تقليم الأظفار، ومسلم برقم 257 في الطهارة باب خصال الفطرة، وأنظر ص 160 في تحفة المودود بأحكام المولود لإبن قيّم، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري جـ 10 ص 262 ط الخيريّة 1325 هـ، ونيل الأوطار للشوكاني، جـ 1، ص 109.

20 في نيل الأوطار جـ 1 ص 113 ومثله في فتح الباري شرح البخاري جـ 10 في الحديث عن الفطرة وتفسيرها وخصالها ص 262 و263 ط الخيريّة سنة 1325 هـ.

21 الإختيار شرح المختار ص 121 جـ 2.

22 المجموع جـ 1 ص 298، 299، 301، وقليوبي وعميرة جـ 4 ص 11 وفتح الباري جـ 10 ص 341، وكشاف القناع جـ 1 ص 801، والمنتقى جـ 7 ص 232.

23 الإختيار شرح المختار للموصلي جـ 2 ص 121.

مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

http://www.sami-aldeeb.com/

2003


مؤامرة الصمت


ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي



نبذة عن المؤلف

سامي عوض الذيب أبو ساحلية، مسيحي من أصل فلسطيني وحامل الجنسيّة السويسريّة. ولد عام 1994 في الزبابدة، فلسطين.

أتم دراسته الجامعيّة في سويسرا حيث حصل على ليسانس ودكتوراه في القانون من جامعة فريبورغ، ودبلوم في العلوم السياسيّة من معهد الدراسات الجامعيّة العليا في جنيف. يعمل في المعهد السويسري للقانون المقارن في لوزان كمستشار قانوني مسئول عن القسم العربي والإسلامي منذ عام 1980. له عدة مؤلفات ومقالات في الشريعة والقانون العربي والسياسة في عدّة لغات. وألقى محاضرات عدّة في جامعات ومراكز عربيّة وغربيّة. ويجد القارئ قائمة منشوراته وبعض مقالاته على موقعه على الانترنيت www.sami-aldeeb.com


من بين كتبه

- أثر الدين على النظام القانوني في مصر: غير المسلمين في بلاد الإسلام، 1997 (بالفرنسيّة).

- التمييز ضد غير اليهود مسيحيّين ومسلمين في إسرائيل، 1992 (بالفرنسيّة).

- المسلمون وحقوق الإنسان: الدين والقانون والسياسة، دراسة ووثائق، 1994 (بالفرنسيّة).

- ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين، 2001 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).

- المقبرة الإسلاميّة في الغرب: النظم اليهوديّة والمسيحيّة والإسلاميّة، 2002 (بالفرنسيّة).

- المسلمون في الغرب بين الحقوق والواجبات، 2002 (بالفرنسيّة والإنكليزيّة).


الكتاب الذي بين يديك

هذا الكتاب مختصر لكتاب مطول يجده القارئ في موقعي على الانترنيت. وقد أصدرت دار رياض الريس في بيروت عام 2000 الجزء الأول من الكتاب المطول تحت عنوان: ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيين والمسلمين: الجدل الديني. كما صدر الكتاب كاملاً، دون الملاحق، باللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة.

مؤامرة الصمت

ختان الذكور والإناث
عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين

دراسة ووثائق



د. سامي عوض الذيب أبو ساحلية

تقديم الدكتورة نوال السعداوي




مختصر محتويات الكتاب

يجد القارئ المحتويات كاملة في آخر الكتاب


تقديم الدكتورة نوال السعداوي 11

المقدّمة 17

الجزء الأوّل: تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه 21

الفصل الأوّل: تعريف الختان 21

الفصل الثاني: الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي 24

الجزء الثاني: الختان والجدل الديني 27

الفصل الأوّل: الختان في الفكر الديني اليهودي 27

الفصل الثاني: الختان في الفكر الديني المسيحي 54

الفصل الثالث: الختان في الفكر الديني الإسلامي 71

الجزء الثالث: الختان والجدل الطبّي 105

الفصل الأول: الآلام الناتجة عن ختان الذكور والإناث 105

الفصل الثاني: الأضرار الصحّية لختان الذكور والإناث 109

الفصل الثالث: المضار الجنسيّة لختان الذكور والإناث 119

الفصل الرابع: الفوائد الصحّية المزعومة لختان الذكور والإناث 131

الفصل الخامس: المعالجة الطبّية لآثار الختان الضارّة 152

الجزء الرابع: الختان والجدل الاجتماعي 157

الفصل الأوّل: الختان من بتر الذات الشاذ إلى التصرّف الجماعي الثقافي 157

الفصل الثاني: الختان وتأثير المحيط 162

الفصل الثالث: الختان والدين 165

الفصل الرابع: الختان وكبح النزوات الجنسيّة والأعداد للزواج 167

الفصل الخامس: الختان والنظام القَبلي والطائفي 171

الفصل السادس: الختان وغريزة التسلط 175

الفصل السابع: الختان والعوامل الاقتصادية 178

الفصل الثامن: الختان والدوافع السياسيّة 183

الفصل التاسع: النتائج النفسيّة والاجتماعية للختان 189

الفصل العاشر: الوسائل التربويّة والنفسيّة للقضاء على الختان 198

الجزء الخامس: الختان والجدل القانوني 205

الفصل الأوّل: منع ختان الذكور عبر التاريخ 205

الفصل الثاني: إدانة المشرّع الدولي لختان الإناث 208

الفصل الثالث: الختان وحقوق الإنسان 219

الفصل الرابع: ختان الذكور والإناث والإباحة الطبّية 226

الفصل الخامس: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات 232

الفصل السادس: الختان واللجوء السياسي 238

خاتمة الكتاب 243

ملاحق 245

كامل محتويات الكتاب 335

تقديم الدكتورة نوال السعداوي

منحني هذا الكتاب لذّة المعرفة. أدركت منذ الطفولة أنها أكثر أهمّية من لذّة الحلوى في العيد أو الفستان الجديد، رغم أنها لم ترد في كتب الله الثلاثة ضمن ملذّات الدنيا والآخرة. كنت أتساءل دائماً لماذا تغيب في جنّة عدن. لم أنبهر كثيراً بالجنّة وما فيها من لبن وعسل وخمر وحور وغلمان. كانت لذّة المعرفة تبدو لي أكثر أهمّية من كل ذلك. منذ تعلمت القراءة انفتح عالم الكلمات أمامي على نحو مبهر. إلاّ أن اللذّة كان يصاحبها الإثم دائماً. ربّما بسبب خطيئة حوّاء (كما شرحها لنا المدرّسون) لأنها أكلت الثمرة المحرّمة. لم يذكر الله اسم الشجرة في القرآن، لكنّه ذكر اسمها في كتابه الأوّل التوراة، وقال إنها شجرة المعرفة. عرفت منذ المدرسة الابتدائية أن التوراة والإنجيل أنزلهما الله نوراً وهدى للناس كما أنزل كتابه الثالث القرآن. اقترن الإيمان بالإثم منذ قرأت الكتب السماويّة. يتزايد الإثم في أعماقي مع تزايد المعرفة، حتى قرّرت في مرحلة المراهقة الأولى أن أكف عن القراءة.

كنت في مدرسة تجمع التلميذات من الأديان الثلاثة المسلمات والقبطيّات واليهوديّات، وكم تصارعنا حول أيها الدين الصحيح، وكم تنافسنا في اصطياد الآيات غير المنطقيّة في الكتاب الذي لا نؤمن به. عانيت كثيراً لأني كنت مسلمة ورثت الإسلام عن أبي الذي قال لي إنني يجب أن أومن بكتب الله الثلاثة. عانيت وحدي وأنا أقرأ هذه الكتب. أتوقّف عند آيات لا يقبلها عقلي. وأسأل أبي وأمي والمدرّسين إلاّ أن أحداَ لم يكن يرد على تساؤلاتي.

لا زلت حتى اليوم وبعد أن تجاوزت الستين عاماً أحاول الإجابة على كثير من الأسئلة الطفوليّة التي دارت في رأسي وأنا في العاشرة من العمر دون أن أجد لها جواباً. إن النشاط الهرموني المتزايد في سن المراهقة الأولى يزيد نشاط الخلايا العقليّة، ويصاحب رغبة الاستطلاع الجنسيّة رغبة استطلاع فكريّة. وفي هذا العمر تزيد الضغوط العائليّة والاجتماعية على المراهقين والمراهقات تحت اسم الحماية أو العفة. وتسعى السلطة في الدولة أو العائلة لمصادرة الكتب. هكذا يصاحب التعفف الجنسي تعفف فكري، ويتم تحريم الأفكار الأخرى بمثل ما يتم تحريم الاختلاط بالجنس أو الأجناس الأخرى.

في بلادنا العربيّة لا أظن أننا تخلصنا من داء مصادرة الكتب التي تفتح عقول الشبان والشابّات على أفكار مختلفة لم ترد للأسلاف من الأجداد أو الأنبياء. منذ أيّام قليلة (خلال شهر أبريل 1999) منعت الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة عدداً من الكتب، ومنها سيرتي الذاتيّة المترجمة إلى الإنكليزيّة، رغم أنها نشرت بالعربيّة منذ عامين. وهذا يدلنا على أن الرقابة على الكتب أو على المعرفة لا تزال موجودة في بلادنا، بل إنها تشتد تحت اسم حماية الشباب من الأفكار التي قد تهز إيمانهم الديني! فهل الإيمان قشة يمكن أن يذروها الهواء؟ هل لا بد من غلق النوافذ حتى تظل هذه القشة ملتصقة بقشرة المخ؟ وإن انفتحت نافذة واحدة طارت القشرة ومعها القشة؟!

في العاشرة من عمري في قريتي في مصر كنت ألتهم أي كتاب يقع في يدي، وأقرأ القراطيس التي يلف فيها اللب أو الفول السوداني. كانت صفحات من كتب قديمة يبيعها المفكرون الفقراء بالأقة لأصحاب الدكاكين. تخيّلت وأنا أقرأ هذا الكتاب لو أنه وقع في يدي منذ أربعين عاماً، هل كان يوفر عليَّ السنين الطوال التي أنفقتها في البحث والتنقيب عن الحقيقة؟ التي كانت تتسرّب كالماء من بين أصابعي، ما أن أمسكها حتى تفلت منّي كالسمكة في البحر، وأعود أدراجي إلى الصلاة والتوبة عن الإثم.

هذا الكتاب من الكتب الضروريّة للمكتبة العربيّة. لهذا أود أن يُنشر هذا الكتاب في بلادنا العربيّة، وأن يكون في متناول الشبان والشابّات والتلاميذ والتلميذات في المدارس والجامعات.

أحد الأسلحة في مجال الثقافة العامّة، حيث تحرّم الأغلبيّة الساحقة من الثقافة الحقيقيّة، حيث يفشل نظام التعليم في تدريب الشبان والشابّات على تشغيل عقولهم. تؤدّي الهزيمة العقليّة إلى هزيمة سياسيّة وعسكريّة واقتصاديّة. إن الثقافة غير منفصلة عن السياسة أو الدين أو الحرب، والعقل هو الذي يوجّه اليد التي تمسك السيف أو البندقيّة.

لا أظن أن بلادنا يمكن أن تنهض من كبوتها أو هزائمها المتتالية أمام الغزو الخارجي أو البطش الداخلي دون نهضة عقليّة، دون حرّية فكريّة بحيث يكون الشك هو خادم المعرفة كما يقول مؤلف هذا الكتاب، الحقيقة إذا كانت حقيقة فإنها تقوى أمام كل امتحان.

الشك أوّل الخطوات نحو المعرفة وليس الإيمان. فالإيمان موروث يطمس العقل ويمنعه من التفكير بحرّية. حتى في كليات الطب لم تكن المعرفة واردة، بل التدريب على إجراء عمليّات موروثة عن الآباء والأجداد. أود أن يُدرّس هذا الكتاب للأطبّاء والطبيبات في بلادنا حتى يكفوا عن إجراء عمليّات الختان للذكور والإناث على حد سواء.

يبدأ الدكتور سامي أبو ساحلية كتابه بأنه تألم حين سمع طفلاً يصرخ من شدّة الألم أثناء عمليّة ختان. بقي هذا الصراخ يدوّي في أعماقه رغم أنه هو نفسه لم يتعرّض لعمليّة الختان. فلماذا لا يسمع الأطبّاء هذا الصراخ أثناء إجرائهم هذه العمليّة؟ أليس للأطبّاء آذان وقلوب تتألم مثل البشر؟ أليس للآباء والأمّهات الذين يسمعون صراخ أطفالهم آذان وقلوب؟!

الجهل يطمس القلوب والآذان فلا تسمع ولا تحس. الجهل يقلب الأمور رأساً على عقب فيصبح الألم فرحاً وسفك الدم مبعث السرور والبهجة. ألم يبتهج إله موسى في التوراة حين رأى الدم يسيل من ابنه حين أمسكت زوجته صفورة حجر صوّان وقطعت غرلته؟! إذا كان الإله (الذي هو المثل الأعلى للبشر) يبتهج لمنظر الدم فماذا يفعل البشر؟!

الله هو العدل كما عَرفت من جدّتي الفلاّحة الفقيرة: «ربّنا هو العدل عرفوه بالعقل» هي عبارتها. رسخت في ذهني منذ السادسة من عمري، مع الألم الذي أشعر به إثر عمليّة الختان، وصراخ أختي لا يزال في أذني رغم مرور ستين عاماً. وقد توالى الصراخ في بيتنا إثر ختان تسعة من الأطفال الذكور والإناث. آلمني صراخ أخي الصغير بمثل ما آلمني صراخ أختي الصغرى، وبعد كل صرخة تتزايد شكوكي في عدالة الله، ويتزايد معها الإحساس بالإثم.

فرحت بهذا الكتاب، لأنه قد يحرّر الناس من الإحساس بالإثم الدفين منذ طفولتهم، ولأنه قد يلعب دوراً كبيراً في إقناع الكثيرين بالامتناع عن ختان أطفالهم الذكور والإناث. لقد بذل المؤلف الدكتور أبو ساحلية جهداً كبيراً في المقارنة بين الأديان السماويّة الثلاثة إزاء موقفها من الختان، ومتابعة الآراء المعارضة والمؤيّدة بروح علميّة وإنسانيّة. وهناك نقص كبير في الدراسات المقارنة بين الأديان في معظم الجامعات في العالم. وقد اكتشفت أن الأقسام التي تدرس الدين في الجامعات الأمريكيّة والأوروبيّة لا تهتم بالدراسات المقارنة بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة، بل إنها تدرّس الإسلام فقط لمن يختص في الإسلام، ويصبح أستاذاً في الدين الإسلامي، دون أن يعرف التشابه أو الاختلاف بين الإسلام والمسيحيّة واليهوديّة. قابلت كثيراً من الأساتذة الأمريكيّين والأوروبيين الذين تخصّصوا في الإسلام، والذين يعتقدون أن حجاب المرأة وختانها يرتبط بالإسلام فقط وليس له وجود في المسيحيّة واليهوديّة.

هذا الكتاب يكشف عن هذه الأفكار الخاطئة والشائعة في الغرب. فإن عمليّات الختان للذكور كانت تمارس قبل ظهور الأديان السماويّة. وقد مورست في ظل هذه الأديان الثلاثة. ويتميّز القرآن عن التوراة في أنه صمت تماماً عن ختان الذكور، كما أن القرآن لم يذكر شيئاً عن ختان الإناث. فلماذا هذه الشائعات السياسيّة الغربيّة عن الإسلام وحده دون الأديان الأخرى؟ أذكر أنني في إحدى المحاضرات في بداية الثمانينات في مؤتمر بمونتريال بكندا، تعرّضت للأديان الثلاثة فيما يخص الحجاب وختان الذكور والإناث. وتقبّل الحاضرون من النساء والرجال كلامي بفهم كبير، خاصّة وأنني قرأت بعض الآيات من التوراة والإنجيل والقرآن. إلاّ أن الغضب الشديد استولى على بعض النساء اليهوديّات الأمريكيات والإسرائيليّات على حد سواء. أصابهن هستيريا الغضب ولجأن إلى الصراخ والشتائم والاتهامات أقلها الاتهام بالعداء للساميّة. إلاّ أنني واجهت هذا الغضب بقوّة المنطق، لأن الغضب كثيراً ما يكون غطاءاً للزيف وبطلان المنطق. وقلت إننا العرب من أهل سام وليس اليهود فقط. وأن العداء للساميّة هو عداء للعرب أيضاً. لذلك لا يمكن تخويفنا بهذه الحجّة الواهية (العداء للساميّة). ثم أثبت بحقائق التاريخ أن اليهوديّة والمسيحيّة فرضتا الحجاب على النساء. ولا يختلف زي الراهبات في الكنائس عن زي النساء المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب. وفي يومنا هذا لا يمكن لامرأة مسيحيّة (وإن كانت زوجة الرئيس الأمريكي) أن تقف أمام البابا في الفاتيكان دون أن تغطي رأسها بحجاب. ثم قرأت بعض ما يكتبه التيّار اليهودي الأصولي في إسرائيل عن عزل النساء من الحياة العامّة ممّا هو أشد قهراً للنساء ممّا يكتبه التيّار الإسلامي الأصولي في مصر أو الباكستان.

تأتي أهمّية هذا الكتاب من الدراسة المقارنة بين الأديان الثلاثة. وهي تكشف عن الصراعات السياسيّة والاقتصادية بين الفرق المختلفة تحت اسم الله.

يقول المؤلف عن العهد القديم بين الله والنبي إبراهيم، إنه «تسييس عمليّة جراحيّة». وهذا صحيح. وإلاّ فلماذا وعد الله شعبه المختار بأرض كنعان، وما علاقة الاستيلاء على أرض الغير بختان الذكور؟

في مقال لي بمجلة روز اليوسف في 21/12/1998 تحت عنوان: «أوقفوا ختان الذكور»، تساءلت عن سر العلاقة بين الاستيلاء بالقوّة عن أرض فلسطين وبين قطع غرلة الأطفال الذكور؟! الغريب أن غضب بعض الرجال المسلمين عليّ لم يكن أقل من غضب النساء اليهوديّات في مؤتمر مونتريال منذ خمسة عشر عاماً. ممّا يدل على أن الإسرائيليّات قد تسرّبت إلى الإسلام فيما يخص ختان الذكور، كما وضّح لنا هذا الكتاب.

لقد تم استخدام القوّة لإخفاء الحق منذ نشوء العبوديّة أو النظام الطبقي الأبوي في التاريخ البشري، ولإخفاء السلطة السياسيّة تحت غطاء السلطة الدينيّة. كان الإله الحاكم يجلس على عرش الأرض والسماء ويقدّم له العبيد القرابين من الفراخ والحمام واللحم البشري فيأكل ويشرب ويغسل قدميه ويطالب عبيده بأن يبنوا له بيتاً يعيش فيه يسمّونه المعبد المقدّس.

رغم مرور آلاف السنين منذ نشوء النظام الطبقي الأبوي لم تنفصل السلطة السياسيّة عن السلطة الدينيّة حتى يومنا، في الشرق والغرب والشمال والجنوب. إن الرأسماليّة العالميّة أو النظام الطبقي الأبوي الدولي لا يمكن أن يستمر في الوجود دون الارتكاز على قوّة غامضة غير مرئيّة، يستطيع باسمها أن يخدع الناس ويقهرهم ويحتل أراضيهم ويقطع في أجسادهم وعقولهم كما يشاء تحت اسم المقدّس.

يكشف هذا الكتاب عن دور السياسة في موضوع الختان. حدثت عام 1871 قفزة إلى الأمام بسبب ما كان ينتج عن الختان من وفيّات ونزيف وقرّر المجمع اليهودي أن ختان الذكور ليس واجباً مفروضاً على اليهود. إلاّ أن الردّة السياسيّة والثقافيّة حدثت مع تزايد قوّة الاستعمار وبعد إنشاء دولة إسرائيل. تضاعفت القوى السياسيّة والدينيّة المحافظة، إلى أن جاء قرار الجمعيّة العموميّة لحاخامات اليهود عام 1979 بفرض ختان الذكور.

يوضّح الكتاب أن الختان عمليّة عبوديّة أو علامة العبيد كما يقول المؤلف. هناك آية في الدين اليهودي تؤكد ذلك، وهي: (يختن المولود في بيتك والمشترى بفضّتك) كما يوضّح الصراع الذي دار على الدوام حتى عصرنا هذا بين الذين يتمسّكون بحرفيّة كتاب الله (من أجل مصالح مادّية في الدنيا) وبين الذين ينشدون جوهر الدين الصحيح وهو العدل واحترام كرامة الإنسان وجسده. كما يوضّح التشابه بين عمليّات الختان وعمليّات اخصاء العبيد، حتى يتفرغوا للخدمة في البيوت أو للغناء في الملاهي مثل النساء.

لا تختلف عمليّات الختان عن عمليّات القتل الجماعي في حروب الاستعمار القديم والجديد، ولا تكف الآلة العسكريّة الرأسماليّة الاستعمارية عن قتل الآلاف والملايين من الشعوب البريئة حتى يومنا هذا، دون رحمة أو شفقة. بل إنهم يقتلون تحت اسم الله أو العدل أو الحرّية أو الديموقراطيّة أو السلام، كما يختنون الملايين ويقطعون في أجسامهم باسم الله.

الدول، وإن أعلنت أنها علمانيّة (تفصل بين الدين والسياسة)، إلاّ أنها لا تستطيع أبداً التخلي عن الدين، لأنها لا تستطيع تحمّل مسؤوليّة القتل أو الختان، ولا بد لها من إلقاء المسؤوليّة على الله. ويكشف الكتاب عن ختان الذكور. هو بقايا الضحايا الدمويّة في اليهوديّة القديمة. ولا بد من إسالة نقطة دم وإن أصبح الختان رمزياً فقط (دون قطع الغرلة)، لأن الدم علامة العبوديّة (دم العهد) وتصاحب عمليّة الختان صلوات رجال الدين لإدخال الله رمزياً في العمليّة، وإذا تم بعيداً عن رجال الدين لا يعترفون به، ولا بد من وجودهم ليكون ختاناً شرعيّاً.

ألا يشبه ذلك عقد الزواج؟ إن الزواج لا يكون شرعيّاً إلاّ بحضور المأذون أو رجل الدين. وهذا يؤكد سلطة رجال الدين الاجتماعية، رغم اضمحلال قوّتهم في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. لقد أصبحت جميع القوانين في بلادنا مدنيّة ما عدا قانون الزواج والطلاق فهو لا يزال قانوناً دينيّاً يسيطر عليه رجال الدين، يمسكونه بالمخالب والأنياب كأنما هو آخر قلاعهم أو معاقلهم، ولأن قانون الزواج مثل الختان يمس حياة الشرائح الأضعف في المجتمع، وهم الأطفال والنساء.

ويكشف الكتاب كيف يتنصّل كثير من اليهود اليوم من عمليّات ختان الذكور، يحاولون إلصاقها بالمصريّين القدماء، كما حاولوا إلصاق عمليّات ختان الإناث بالعرب والإسلام لأسباب سياسيّة، ولإثبات أن العرب أمّة بربريّة متخلفة تقطع بظور النساء.

دهشت عندما سمعت وزير الصحّة في مصر يردّد أن ختان الإناث عادة أفريقيّة. وسمعت بعض الأطبّاء يردّدون هذه العبارة ذاتها، في محاولة لإبعاد العار عن مصر وإلصاقه بالأفارقة السود. لكن هذا الكتاب يوضّح هذه النظرة الخاطئة، ويشرح كيف انتشرت عمليّات ختان الذكور والإناث في المجتمعات المختلفة منها: اليهود والمسيحيّين والمسلمين والسود والبيض في الشرق والغرب.

إن تقدّم البشريّة وتخلصها من هذه العادات العبوديّة يرتبطان بالنظم السياسيّة والاقتصادية. أمّا الأديان فهي خادمة لهذه النظم، ويمكن للدين أن يتطوّر ويتقدّم مع التقدّم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للنساء والرجال والشاب والأطفال.

يتخفى الحكام في عصرنا هذا تحت اسم الله كما يتخفى الكهنة في الأزمنة القديمة. تذكرت وأنا أقرأ في هذا الكتاب عن بطرس وكيف برّر قبوله لدعوة قرنيليوس برؤيا رآها قبل أن يصله المبعوث بالدعوة، وأصبح ذهاب بطرس إلى قرنيليوس (الأغلف. النجس. العدو) ليس خيانة لعهد الله بل طاعة للروح القدس التي جاءته في الرؤيا. تذكرت كيف برّر الرئيس المصري أنور السادات (توفى عام 1981) ذهابه إلى إسرائيل عام 1979 بأنه رأى الله في المنام وأن الله قال له اذهب إلى إسرائيل. هكذا أصبحت رحلة السادات إلى تل أبيب شرعيّة.

كذلك وجدت تشابهاً كبيراً بين أقوال «إتيوس» الطبيب في البلاط البيزنطي (في القرن السادس الميلادي) بأقوال الشيخ متولي الشعراوي (توفى عام 1998) في مصر عام 1977. كلاهما كان يؤيّد ختان الإناث لأن «بظر المرأة يحتك بملابسها ويثير شهوتها».

ومن أطرف الحكايات في هذا الكتاب قصّة البعثة الطبّية الكاثوليكيّة إلى مصر في القرن الثامن عشر التي عادت إلى روما وفي جعبتها تقرير عن بظر المرأة المصريّة، فحواه أن هذا البظر أكبر من بظور النساء في العالم أجمع ولا بد من قطعه لأنه يمنع ما لأجله شرّع الزواج.

لعّل أهم ما في الكتاب هو النظرة العلميّة المحايدة التي لا تتعصّب لدين دون الدين الآخر، وتعرض الآراء على نحو عادل. يترك للقراء والقارئات أن يحكموا بأنفسهم على الأمور. رأينا كيف أن الأديان تتشابه خاصّة في نظرتها إلى الأعضاء الجنسيّة وفرض الطاعة على العبيد والجواري، ونجاسة المرأة التي تظهر في التوراة أكثر من أي كتاب آخر، وكيف مُنعت المرأة في المسيحيّة من الترانيم الروحيّة بالكنيسة بمثل ما منعت في الإسلام من الأذان للصلاة. وهناك كثير من المشايخ في الإسلام في يومنا هذا يردّدون عبارة بولس الشهيرة: «ولتصمت النساء في الجماعات شأنها في جميع كنائس القدّيسين فإنه لا يؤذن لهن بالتكلم». أصبح صوت المرأة عورة عند الكثيرين من المسيحيّين والمسلمين، بمثل ما أصبح شعر المرأة عورة منذ أن جاءت هذه العبارة الشهيرة في التلمود: «شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري». وتشمل صلاة اليهودي كل يوم هذه العبارة الشهيرة: «أشكرك يا رب لأنك لم تخلقني امرأة».

ومن أهم الأجزاء في الكتاب تلك التي تكشف عن صمت الأمم المتحدة عن ختان الذكور وعدم تحريمه كما حرّمت ختان الإناث، بسبب الخوف من اللوبي اليهودي السياسي في أمريكا وأوروبا.

أتفق تماماً مع الدكتور سامي أبو ساحلية مؤلف هذا الكتاب في أن الحملة ضد الختان يجب أن تشمل الذكور والإناث ولا تقتصر فقط على الإناث، ذلك أن الجريمة واحدة وإن اختلفت درجتها أو شكلها.

المقدّمة

من خلف جدار دار الجيران يرتفع صريخ أطفال يتألمون ممزوج بزغاريد النساء مع أغاني فرح ما زلت أحفظ منها جملة تقول: «زَينُه يا شلبي وسلمُه لامُه».

كان الجيران يحتفلون بختان أطفالهم وبهذه المناسبة اجتمعوا مع الأقارب في ساحة البيت وفي الشارع المجاور ووزّعوا الحلوى على المارة. وكانت عمليّة الختان تتم داخل البيت، يقوم بها «الشلبي». ولصغر سني حين ذاك ولكوني من عائلة مسيحيّة لا تمارس الختان لم أستوعب ما هو الختان ولماذا يصيح الأطفال من الألم بينما الجمع من حولهم يفرحون ويمرحون. لقد بقي هذا الحدث الغريب المتناقض عالقاً بذاكرتي بعد أكثر من أربعين عاماً من انقضائه ورغم المسافة التي تفصلني عن مكان حدوثه

في عام 1993، أعطيت أول محاضرة عن ختان الذكور والإناث بناء على طلب المنظمة الليبية (شمال جنوب 21) ضمن مؤتمر عن حقوق الطفل عقدته في جامعة جنيف يومي 30 و31 يناير عام 1993. وما إن انتهيت من إلقاء المحاضرة حتى انهالت علي الانتقادات من منظمي المؤتمر، وكان بينهم مسلمون وصفوني بالإلحاد. أمّا الحاضرون فقد صفقوا لي واستغربوا الاتهام. فدافعت عن نفسي موضّحاً أن ما جاء في محاضرتي ليس تهجّماً على الديانات بل دفاعاً عن الأطفال الأبرياء.

في 7 سبتمبر 1994، عندما كانت تنعقد في القاهرة أعمال المؤتمر العالمي للسكان والتنمية، عرضت شبكة التلفزيون الأمريكيّة «سي إن إن» فيلماً وثائقياً عن ختان طفلة مصريّة اسمها نجلا في العاشرة من عمرها في العاصمة المصريّة بيد حلاّق. وكانت الطفلة تصرخ من الألم. فاهتزت على أثر هذا الفيلم كل الأوساط المصريّة، الرسميّة والشعبيّة. هناك من اعتبر الفيلم إهانة لمصر وللإسلام وهناك من اغتنم هذا الفيلم للتصدّي لعادة ختان البنات في مصر. وتدخّل رجال الدين الإسلامي فأعلنوا رأيهم في هذا الخصوص، فتعارضت الآراء بين مفتي الجمهوريّة وشيخ الأزهر، ولكل منهما سنده وحجّته وأتباعه. وهذا التباين جعلني أتساءل ما هي الأسباب التي من أجلها عرضت الشبكة المذكورة فلمها؟ هل كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان أم تشهيراً بمصر وبالإسلام؟ وإن كان ذلك دفاعاً عن حقوق الإنسان، فلماذا تسكت هذه الشبكة عمّا يجري في الولايات المتحدة حيث يختن يومياً ما يناهز 3300 طفل أمريكي في المستشفيات الأمريكيّة يصيحون من الألم؟ ولماذا ينتقد الغرب ختان البنات ويُصدر ضد فاعليه الأحكام القضائيّة القاسيّة بينما ختان الصبيان يمر مرور الكرام دون سؤال أو استفسار؟ وقد توصّلت إلى أن أحد الأسباب، إن لم يكن أهمّها، هو الخوف من اليهود الذين يمارسون ختان الذكور.

في شهر يوليو 2002 زرت جامعة بريسبان في أستراليا في يوليو 2002 واجتمعت مع رئيس قسم الدراسات الخاصّة بأهل أستراليا الأصليين، ميكائيل ويليمز، وسألته عن الختان عند الأستراليين الأصليين وكان رده بأنه لا يحق له التكلم في هذا الموضوع لأنه يخاف أن يصاب بالمرض. وعندما سألته عن معنى الحرّية العلميّة إذا كان يرفض الإجابة فرد بأن القانون الديني يعلو على القانون العلمي. وفي ردّه على سؤال حول ختان الإناث قال لي بأنه لا يحق للرجال التكلم عن مواضيع النساء واقترح علي مناقشة الأمر مع نائبته الأستاذة جاكي هيجنز. وقد أرسلت رسالة إليكترونية لها مع بعض الأسئلة عن ختان الذكور والإناث فردّت عليها جميعاً بجملة واحدة تقول فيها بأنها تأسف لعدم الإجابة على أسئلتي لأنها لا تملك إذناً بالبوح بما تعرف.

في 28 و 29 أكتوبر 2002 قمت بإلقاء محاضرتين عن ختان الذكور والإناث في باريس. وفي اليوم الأول انسحبت ثلاث يهوديات من القاعة احتجاجاً على عرضي ممارسة الختان في الطائفة اليهودية. وفي اليوم الثاني حضرت مع رجلين نبهاني بأنهما جاءا لمراقبتي.

في كل مكان من العالم هناك قانون الصمت الذي يخيم على ممارسات ختان الذكور والإناث التي يروح ضحيتها سنوياً ما لا يقل عن 13 مليون صبي ومليوني صبية. وما زلت منذ عام 1993 أحاول كسر هذا القانون من خلال كتاباتي ومحاضراتي ومداخلاتي في الراديو والتلفزيون. وها أنا اليوم أقدم هذا الكتاب لتأليب الرأي العام ضد هذه الممارسات البدائية والهمجية.

وبعد شكري للمولى على فضله، أود أن أشكر كل من شجّعني لكتابة هذه الدراسة. كما أشكر كل من قام بمراجعتها وأبدى ملاحظاته على الشكل والمحتوى. ولكني وحدي الذي أتحمّل تبعة ما يحتويه هذا الكتاب من آراء أو أغلاط.

هذا أرجو القارئ الكتابة لي على عنواني التالي لإبداء آرائه وملاحظاته البنّاءة:

Dr. Sami Aldeeb

Ochettaz 17

1025 St-Sulpice, Switzerland

عنواني الإلكتروني saldeeb@bluewin.ch

تنبيه

ارتكزنا في كتابنا هذا على «الكتاب المقدّس»، الطبعة الثالثة للترجمة العربيّة الصادرة عن دار المشرق في بيروت عام 1986. وإذا جاء نص من هذه الكتب المقدّسة ضمن فقرة نقلناها عن مؤلف بالعربيّة بترجمة غير التي بين أيدينا أو مرقمة بغير أرقامنا الحاليّة، استبدلنا تلك الترجمة والأرقام بالترجمة والأرقام الحاليّة. وقد وضعنا أرقام الآيات في بدايتها بين قوسين (...) لتسهيل عمليّة الرجوع لهذه النصوص. وعند ترك آية داخل النص لا علاقة لها بموضوعنا نشير إلى ذلك بعلامة [...]. كما أننا نستعمل نفس الإشارة عندما نضيف كلمة لتوضيح النص.

حتى لا نثقل على القارئ قرّرنا حذف جميع هوامش ومراجع الكتاب إلا ما جاء في داخل النص ونحيل القارئ للكتاب العربي المطول على الانترنيت لمن تهمه تلك الهوامش والمراجع. هذا وقد أشرنا إلى تاريخ وفاة المؤلفين، خاصّة القدامى منهم، بعد ذكر اسمهم لأوّل مرّة. والتواريخ المذكورة هنا كما في الكتاب هي حسب التقويم الميلادي (م = بعد المسيح؛ ق.م = قَبل المسيح). وقد أخذنا بالاختصارات الآتية فيما يخص أسفار الكتب المقدّسة اليهوديّة والمسيحيّة:

الكتب المقدّسة اليهوديّة

التكوين: سفر التكوين

الخروج: سفر الخروج

الأحبار: سفر الأحبار

العدد: سفر العدد

تثنية: سفر تثنية الإشتراع

يشوع: سفر يشوع

القضاة: سفر القضاة

1 صموئيل: سفر صموئيل الأوّل

2 صموئيل: سفر صموئيل الثاني

1 ملوك: سفر الملوك الأوّل

2 ملوك: سفر الملوك الثاني

عزرا: سفر عزرا

أستير: سفر أستير

1 المكابيين: سفر المكابيين الأوّل

2 المكابيين: سفر المكابيين الثاني

المزامير: سفر المزامير

الأمثال: سفر الأمثال

أشعيا: سفر أشعيا

أرميا: سفر أرميا

حزقيال: سفر حزقيال

ملاخي: سفر ملاخي


الكتب المقدّسة المسيحيّة

متى: الإنجيل كما رواه متى

مرقس: الإنجيل كما رواه مرقس

لوقا: الإنجيل كما رواه لوقا

يوحنّا: الإنجيل كما رواه يوحنّا

أعمال: سفر أعمال الرسل

رومية: رسالة بولس إلى أهل رومية

1 قورنتس: رسالة بولس الأولى إلى أهل قورنتس

2 قورنتس: رسالة بولس الثانية إلى أهل قورنتس

غلاطية: رسالة بولس إلى أهل غلاطية

فيليبي: رسالة بولس إلى أهل فيليبي

قولسي: رسالة بولس إلى أهل قولسي

طيطوس: رسالة بولس إلى طيطوس

الجزء الأوّل
تعريف الختان وأهمّيته العدديّة وتوزيعه

الفصل الأوّل
تعريف الختان

1) الختان أحد أساليب التصرّف بالجسد

منذ قديم العصور حتى يومنا هذا، حاول ويحاول الإنسان التصرّف بأعضاء جسده وجسد غيره، من أعلى رأسه حتى أصابع رجليه مروراً بأعضائه الجنسيّة، مدّاً أو ضغطاً أو وشماً أو كيّاً أو شقّاً أو ثقباً أو بتراً. ولم يستطع تقدم المجتمع التخلص من هذه التصرفات التي قد تصيب الفقير والغني. ومن بين الحالات المشهورة الأميرة «ديانا» (توفت عام 1997). ففي إحدى مناقشاتها الحادّة مع الأمير «شارلز» التقطت سكين جيب وجرّحت صدرها وفخذيها.

وقد حظيت الأعضاء الجنسيّة بنصيب كبير من نكد الإنسان على نفسه. فقد مثل بها كيفما شاء خصياً أو جبّاً أو شقّاً أو ثقباً. وفي كتابنا هذا سوف نتوقّف عند نوع واحد من أنواع التعدّي على الأعضاء الجنسيّة وهو ختان الذكور والإناث الذي يعتبر من ظواهر المساس بسلامة الجسد الأكثر غموضاً والأوسع انتشاراً. وكان من ضحايا هذه الظاهرة أبو الأنبياء إبراهيم الذي ختن نفسه عندما كان عمره 99 سنة حسب التوراة، أو 80 أو 120 سنة حسب المصادر الإسلامية. واتباعاً لمثاله ملايين الأطفال ختنوا وما زالوا يختنون.

2) الكلمة ومدلولها الاجتماعي والسياسي

أصل الختان عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين هو التوراة. ويستعمل اليهود في العبريّة كلمة «ميلا» التي تعني القطع. وهذه الكلمة تستعمل ضمن عبارة «بريت ميلا» أي «عهد القطع» التي تُذَكرنا بالعبارة العربيّة «قطع عهداً». وهذه العبارة كما سنرى لاحقاً إشارة للفصل السابع عشر من سفر التكوين الذي يَدَّعِي أن الله قطع عهداً لإبراهيم بأن يعطيه ونسله الأرض الموعودة، أي «أرض كنعان». ومقابل ذلك العهد، أمر الله إبراهيم بأن يقطع غلفته وغلفة كل ذكر من نسله وعبيده. هناك إذاً تلاعب بالكلمات وتسييس لعمليّة جراحيّة. وتستعمل التوراة أيضاً كلمة «تبر» (الخروج 4:25)، ونفس الكلمة في العربيّة تعني هلك أو أهلك، وتُذَكرنا بكلمة «بتر» مع قلب الأحرف التي تعني قطع. والجزء الذي يقطع يسمّى في العبريّة «غرلة». وغير المختون يسمّى بالعبريّة «أغرل». ولا يوجد في التوراة ذكر لختان الإناث.

يستعمل علماء اللغة العربيّة كلمات عدّة للإشارة إلى الختان مثل الخفض والخفاض والإعذار. والعامّة هي كلمة ختان أو طهور أو طهار أو طهارة للذكر والأنثى. وهذه الكلمة الأخيرة تبيّن أن الختان في فكر الناس يُطهِّر من تُمارَس عليه هذه العادة. والقطعة التي تقطع عند الذكر تسمّى «الغرلة» كما في العبريّة، أو «الغلفة» أو «القلفة». وغير المختون يسمّى «أغرل» أو «أغلف» أو «أقلف».

وكلمة «الختان» التي تشير إلى عمليّة القطع لها معان ذات صلة بالزواج. يقول ابن منظور (توفى عام 1131): «الختن أبو امرأة الرجل وأخو امرأته وكل من كان من قِبَل امرأته، والجمع أختان، والأنثى ختنة. وخاتن الرجلُ الرجلَ إذا تزوّج إليه. وفي الحديث: علي ختن رسول الله (ص) أي زوج ابنته. والاسم الختونة [...] والختن: زوج فتاة القوم، ومن كان من قِبَله من رجل أو امرأة فهم كلهم أختان لأهل المرأة. وأم المرأة وأبوها: ختنان للزوج». وسوف نرى لاحقاً كيف أن الختان كان يسبق الزواج وشرطاً له في بعض المجتمعات. وقد يكون لكلمة «ختن» صلة بكلمة «ختم» مع انقلاب الميم نوناً كما هو معرف في اللغات الساميّة. فيكون معناها وضع علامة للتعرّف على العبد الآبق.

وفي اللغات الأوروبيّة يمكن استعمال كلمة واحدة للدلالة على ختان الذكور والإناث وهي بالإنكليزيّة circumcision. وهذه الكلمة من أصل لاتيني وتعني «القطع دائرياً». ولكن بعض الكتاب يستعمل هذه الكلمة فقط لختان الذكور. وأمّا ختان الإناث فإنهم يستعملون لها كلمة excision وهي كلمة أيضاً من أصل لاتيني وتعني «استئصال».

ومنذ عام 1990 قررت منظمة الصحّة العالميّة استخدام تعبير «بتر الأعضاء الجنسيّة للإناث» والاحتفاظ بكلمة الختان فقط للعملية التي تتم على الذكور والهدف من ذلك تفادي الخلط بين الختانين. فهذا الخلط يعتبره اليهود إهانة لهم. ففي نظرهم ختان الذكور كما تأمر به التوراة جزء هام جدّاً من اعتقادهم الديني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنته بختان الإناث. وقد أخذ معارضو ختان الذكور مصطلح منظمة الصحّة العالميّة وحوّروه لصالحهم فسمّوا ختان الذكور «البتر الجنسي للذكور».

وسوف نستعمل في كتابنا هذا مصطلح «الختان» لكل من ختان الذكور وختان الإناث. فهو المصطلح الأكثر شيوعاً عند الفقهاء المسلمين وفي اللغة العاميّة. وهذا المصطلح «الختان» يعني في كل الأحوال بتر جزء من العضو التناسلي للذكر أو الأنثى.

3) أنواع عمليّة ختان الذكور

يمكن تصنيف أنواع ختان الذكور كما يلي:

الدرجة الأولى: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب، جزئيّاً أو كلياً. وقد تصل نسبة الجلدة المقطوعة من ربع إلى أكثر من نصف جلد الذكر حسب مهارة الخاتن وعادات الختان.

الدرجة الثانية: يتم في هذه العمليّة بتر غلفة القضيب وسلخ بطانتها وهي تجرى عند اليهود. ويطلق على المرحلة الأولى اسم «ميلا» وعلى المرحلة الثانية اسم «بيريا». ويتبع هذه المرحلة، حسب التعاليم اليهوديّة التقليديّة، مص الخاتن قضيب الطفل (بالعبريّة: مزيزا).

الدرجة الثالثة: يتم في هذه العمليّة سلخ جلد الذكر حتى كيس الصفن أو حتى الساق. وتتم هذه العملية عند قبائل «النمشي» شمال الكمرون وعند بعض قبائل الجزيرة العربية. وقد تعرّضت لهذا النوع فتوى سعوديّة لابن باز (توفى عام 1999) اعتبرته من تشريع الشيطان.

الدرجة الرابعة: شق مجرى البول الخلفي لجعله يشبه فرج المرأة، كما يتم عند القبائل البدائيّة في أستراليا.

أسلوب الختان عند بعض القبائل البدائيّة في أستراليا

المصدرBryk, Circumcision in man and woman, 1934, p. 129


سوف نقتصر في كتابنا على الدرجتين الأوليتين من الختان لأنهما الأوسع انتشاراً بين اليهود والمسيحيين والمسلمين.

والختان قد يتم بوسائل بدائيّة. وسوف نرى أن صفورة، زوجة موسى، ختنت أبنها بصوّان، وكذلك ختن يشوع اليهود بصوّان. ويذكر حديث منسوب للنبي محمد (توفى عام 632) أن إبراهيم قد ختن نفسه «بقدوم»، أي بآلة النجارة. وفي الروايات اليهوديّة، تم ختان إبراهيم بسيفه أو بقرصة عقرب. وقد تفنّن المخترعون في تصميم آلات عدّة لإجراء عمليّة الختان.

4) أنواع عمليّة ختان الإناث

يمكن تصنيف أنواع ختان الإناث كما يلي:

الدرجة الأولى: في هذه العلميّة يتم إزالة غلفة البظر أو جزء منها.

الدرجة الثانية: تشمل قطع البظر وغلفته، مع الشفرين الصغيرين أو جزء منهما.

الدرجة الثالثة: في هذه العمليّة يتم قطع البظر وغلفته والشفرين الصغيرين. ثم يلي ذلك شق الشفرين الكبيرين ويتم إخاطتهما معاً أو ابقائهما متماسين عن طريق ربط الرجلين معاً حتى يلتئما مكوّنين غطاء من الجلد يغطي فتحة البول والجانب الأكبر من المهبل. وتترك فتحة صغيرة في حجم رأس عود الثقاب أو طرف إصبع اليد الصغير لتسمح بنزول البول ودم الحيض. ويطلق على هذه العملية في مصر اسم «الطهارة السودانيّة»، وفي السودان، اسم «الطهارة الفرعونيّة» أو «الخفاض الفرعوني». وللجماع يتم عادة فتح المرأة بخنجر. كما أنه يتم توسيع الفتحة للولادة. وقد يعاد إخاطتها بعد الولادة أو في حالة سفر الزوج أو الطلاق.

الدرجة الرابعة: تضم أصناف مختلفة من التشويه الجنسي مثل شق الجدار الخلفي للمهبل؛ كي البظر والأنسجة المحيطة به بواسطة أداة صلبة محماة؛ وخز البظر أو الشفرين الصغيرين أو شقّهما؛ كحت بطانة المهبل أو عمل شقوق بها؛ مط البظر أو الشفرين الصغيرين؛ وضع مواد أو أعشاب كاوية في المهبل؛ فض بكارة العروس ليلة الزفاف بإصبع داية تطيل ظفرها من أجل هذه المناسبة. وهذه العادة معروفة خاصّة في الريف المصري.

هناك عدّة وسائل لإجراء ختان الإناث، منها البدائيّة ومنها المتقدّمة. وقد ابتكر طبيب أمريكي يهودي اسمه «راثمان» عام 1959 آلة مثل الكمّاشة لبتر غلفة بظر المرأة.

الفصل الثاني
الأهمّية العدديّة والتوزيع الجغرافي

1) إحصائيّات ختان الذكور

لا توجد إحصائيّات أكيدة تبيّن مدى انتشار ختان الذكور. ويشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 13.300.000 طفل سنوياً، أي بمعدّل 25 طفل كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونين من الذكور في العالم تبلغ 23%، أي بمجموع 650 مليون ذكر.

يُمارس ختان الذكور عادة في أيّامنا على جميع ذكور اليهود والمسلمين مع بعض الاستثناءات القليلة. وهناك عدد من المسيحيّين الذين يختنون أطفالهم. فالمسيحيون في مصر والسودان والحبشة مثلاً يمارسون ختان الذكور بصورة تكاد تكون شاملة، على خلاف اخوتهم المسيحيّين في دول المشرق العربي حيث ختان الذكور نادر. وهناك مؤشرات تفيد بأن ختان الذكور في تزايد في تلك الدول. وقد يكون السبب هو انتشار الثقافة الطبّية الأمريكيّة وزيادة عدد الولادات في المستشفيات حيث يمارس الأطبّاء سلطتهم في إقناع الأهل لإجراء تلك العمليّة.

وهناك ظاهرة غريبة وهي انتشار ختان الذكور في الدول الغربيّة الناطقة بالإنكليزيّة: إنكلترا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وهناك صعوبة كبيرة للحصول على إحصائيّات في هذا الخصوص ولكن تقدر نسبة الختان قبل الحرب العالمية الثانية في إنكلترا بـ 50% وقد هبطت هذه النسبة إلى قرابة الصفر بعد تعديل نظام التأمين الاجتماعي. وكانت نسبة الختان في الولايات المتحدة 85% عام 1979 ولكنها انخفضت في العقدين الأخيرين حتى أصبحت توازي اليوم 60% بسبب تزايد معارضي الختان. ولكن هذه النسبة تصل إلى 95% في بعض المستشفيات الأمريكيّة. واليوم نسبة الختان في أستراليا تقدّر بـ 10% وفي كندا بـ 25%. أمّا في الدول الغربيّة الأوروبيّة الأخرى، فنسبة ختان الذكور ضئيلة قد لا تزيد عن 2%. وهنا تنقصنا الإحصائيّات الموثوقة. ويشار هنا إلى أن نسبة الختان في كوريا الجنوبية تصل إلى 90% بسبب تأثير الجيش الأمريكي.

2) إحصائيّات ختان الإناث

يقول الفقيه ابن الحاج (توفى عام 1336): «والسُنّة في ختان الذكر إظهاره وفي ختان النساء إخفاؤه». هذا القول يصوّر الواقع حتى في أيّامنا. لذلك لم تنكشف حقيقة ممارسة ختان الإناث إلاّ في العقدين الأخيرين. وحتى الآن ما زال الكثير من الناس يجهل حتى معنى ختان الإناث ويستغربون وجوده في دولة إسلاميّة مثل مصر. والإحصائيّات المتوفرة في هذا الخصوص غير وافية ولا تُعرف بصورة مؤكدة الدول التي تنتشر بها هذه العادة. والحملة الحاليّة ضد ختان الإناث قد يساعد على كشف هذه الدول، ولكن قد يكون أيضاً عائقاً خوفاً من الدعاية السيّئة التي تنتج عن ذلك.

يشير مصدر أنه يتم في العالم ختان قرابة 2.000.000 طفلة سنوياً. أي بمعدّل 3.8 طفلة كل دقيقة. ويشير مصدر آخر أن نسبة المختونات من الإناث في العالم تبلغ 5%، أي بمجموع 100 مليون أنثى.

وقد نشرت منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 و1996 و1998 أرقاماً بخصوص النساء المختونات في 28 دولة أفريقية تمارس ختان الإناث، من بينها 17 دولة عضو في منظمة المؤتمر الإسلامي. ويتبين من هذه الأرقام أن عدد المختونات هو كما يلي:

1994 114296900

1996 132490000

1998 136797440

ويشير هذا المصدر أن 15% إلى 20% من عدد النساء المختونات ختن حسب الدرجة الثالثة (الختان الفرعوني). وأن كل سنة يتم ختان مليوني فتاة. وفيما يخص مصر، ذكرت الإحصائيّات التي أصدرتها منظمة الصحّة العالميّة عام 1994 أن نسبة المختونات هناك تبلغ 50% أي ما يوازي 13.625.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1996 بـ 80% أي ما يوازي 24.710.000 امرأة. ثم قدرت نسبة المختونات عام 1998 بـ 97% أي ما يوازي 27.905.930 امرأة. هذا الاختلاف بين الإحصاء الأوّل والثالث لا يعني أن ختان الإناث قد ارتفع في مصر خلال السنين الأربعة الأخيرة بمعدّل 47%، بل إن المعلومات أصبحت أكثر دقّة بخصوصه. وهذا يبيّن مدى التعتيم الذي يسيطر على موضوع ختان الإناث وصعوبة الحصول على معلومات أكيدة بخصوصه. ونشير إلى أن منظمة الصحة العالمية لا تهتم بدول غير أفريقية تمارس ختان الإناث مثل إندونيسيا واليمن والإمارات وعُمان والسعودية.

الجزء الثاني
الختان والجدل الديني

كل جدل حول الختان يبدأ بالدين. فاليهود والمسيحيّون والمسلمون يعتقدون أن الله أنزل للبشريّة شرائع تنظم علاقة الإنسان بأخيه وبالله، وأن هذه الشرائع جاءت ضمن رسالات أؤتمن عليها الأنبياء والمرسلون وتم توثيقها في «الكتب المقدّسة» أو «الكتب السماويّة». وهذه الشرائع نهائيّة لا تقبل التبديل، وإن أمكن تفسيرها في بعض الأحيان. وأول سؤال يدور حول ما إذا كانت تلك الشرائع قد سنّت على الختان أم لا. وتفادياً للتكرار، نشير هنا إلى أن الكتب المقدّسة للطوائف الثلاث لم تذكر بتاتاً ختان الإناث، فكل ما جاء فيها يخص ختان الذكور.

الفصل الأوّل
الختان في الفكر الديني اليهودي

1) نصوص الكتب المقدّسة اليهوديّة عن الختان

تضم التوراة عدة نصوص عن ختان الذكور أهما نصّان في سفر التكوين وسفر الأحبار هما:

التكوين: الفصل 17

(1) ولمّا كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة، تراءى له الرب وقال له: أنا الله القدير، فسِر أمامي وكن كاملاً. (2) سأجعل عهدي بيني وبينك وسأكثرك جدّاً جدّاً. (3) فسقط أبرام على وجهه. وخاطبه الله قائلاً: (4) ها أنا أجعل عهدي معك فتصير أبا عدد كبير من الأمم (5) ولا يكون اسمك أبرام بعد اليوم، بل يكون اسمك إبراهيم، لأني جعلتك أبا عدد كبير من الأمم. (6) وسأنميك جدّاً جدّاً وأجعلك أمماً، وملوك منك يخرجون. (7) وأقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك مدى أجيالهم، عهداً أبديّاً، لأكون لك إلهاً ولنسلك من بعدك. (8) وأعطيك الأرض التي أنت نازل فيها، لك ولنسلك من بعدك، كل أرض كنعان، ملكاً مؤبّداً، وأكون لهم إلهاً. (9) وقال الله لإبراهيم: وأنت فاحفظ عهدي، أنت ونسلك من بعدك مدى أجيالهم. (10) هذا هو عهدي الذي تحفظونه بيني وبينكم وبين نسلك من بعدك: يختتن كل ذكر منكم. (11) فتختنون في لحم

يكون ختان الذكور بقطع الجلدة التي تغطّي الحشفة، وتسمّى الغلفة، والغرلة، بحيث تنكشف الحشفة كلّها. وفي قول عند الحنابلة: إنه إذا أقتصر على أخذ أكثرها جاز. وفي قول إبن كج من الشافعيّة: إنه يكفي قطع شيء من الغلفة، وإن قل بشرط أن يستوعب القطع تدوير رأسها.

ويكون ختان الأنثى بقطع ما يطلق عليه الإسم من الجلدة التي كعرف الديك فوق مخرج البول، والسُنّة فيه أن لا تقطع كلّها بل جزء منها1. وذلك لحديث أم عطيّة - رضي الله عنها - سالف الذكر من أن إمرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي (ص): «لا تُنهِكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل»2.

وقت الختان:

ذهب الشافعيّة والحنابلة إلى أن الوقت الذي يصير فيه الختان واجباً هو ما بعد البلوغ؛ لأن الختان من أجل الطهارة، وهي لا تجب عليه قَبله، ويستحب ختانه في الصغر إلى سن التمييز لأنه أرفق به، ولأنه أسرع برءاً فينشأ على أكمل الأحوال.

وللشافعيّة في تعيين وقت الإستحباب وجهان. والصحيح المفتى به أنه يوم السابع، ويحتسب يوم الولادة معه لحديث جابر: «عق رسول الله عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيّام»3.

وفي مقابله، وهو ما عليه الأكثرون أنه اليوم السابع بعد يوم الولادة، وفي قول الحنابلة والمالكيّة: إن المستحب ما بين العام السابع إلى العاشر من عمره؛ لأنها السن التي يؤمر فيها بالصلاة.

وفي رواية عن مالك أنه وقت الإثغار إذا سقطت أسنانه، والأشبه عند الحنفيّة أن العبرة بطاقة الصبي؛ إذ لا تقدير فيه فيترك تقديره إلى الرأي. وفي قول: إنه إذا بلغ العاشرة لزيادة الأمر بالصلاة إذا بلغها. وكره الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة الختان يوم السابع، لأن فيه تشبّها باليهود4.

ولمّا كان الظاهر ممّا تقدّم أنه لم يرد نص صريح من السُنّة بتحديد وقت للختان، فيترك لولي أمر الطفل بعد الولادة - صبيّاً أو صبيّة؛ إذ إن ما ورد من أن النبي (ص) ختن الحسن والحسين - رضي الله عنهما - يوم السابع غير مسلّم بثبوته من البيهقي ومن الذهبي كما تقدّم. ومن ثم أميل إلى الفتوى بتفويض أمر تحديد وقت وسن الختان للولي بمشورة الطبيب للتثبّت من طاقة المختون - ذكراً أو أنثى - ومن مصلحته، ويكون هذا قَبل البلوغ الطبيعي لكل منهما.

ختان من لا يقوى على الختان:

من كان ضعيف الخلقة بحيث لو ختن خيف عليه، لم يجز أن يختن حتّى عند القائلين بوجوبه بل ويؤجّل حتّى يصير بحيث يغلب على الظن سلامته؛ لأنه لا تعبّد فيما يفضي إلى التلف، ولأن بعض الواجبات يسقط بخوف الهلاك.

وللحنابلة تفصيل في هذا ملخّصه: إن وجوب الختان يسقط عمّن خاف تلفاً، ولا يحرّم مع خوف التلف لأنه غير متيقّن. أمّا من يعلم أنه يتلف به، وجزم بذلك فإنه يحرّم عليه الختان5 في قول عامّة الفقهاء لقوله تعالى: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (البقرة 195:2).

قولهم فيمن مات غير مختون:

إتّفقت كلمة الفقهاء على أنه: لا يختن الميّت الأغلف الذي مات غير مختون لأن الختان كان تكليفاً وقد زال بالموت، ولأن المقصود من الختان التطهير من النجاسة وقد زالت الحاجة بموته. ولأنه جزء من الميّت فلا يقطع، كيده المستحقّة في قطع السرقة، أو القصاص وهي لا تقطع من الميّت. وخالف الختان قص الشعر والظفر لأن هذين يزالان في الحياة للزينة، والميّت يشارك الحي في ذلك. أمّا الختان فإنه يفعل للتكليف به، وقد زال بالموت. وفي قول ثان للشافعيّة: إنه يختن الكبير والصغير لأنه كالشعر والظفر وهي تزال من الميّت. والقول الثالث عندهم: إنه يختن الكبير دون الصغير لأنه وجب على البالغ دون الصغير6.

متى يضمن الخاتن؟

إتّفق الفقهاء على تضمين الخاتن إذا مات المختون بسبب سراية جرح الختان، أو إذا جاوز القطع الحشفة أو بعضها، أو قطع في غير محل القطع. وحُكمه في الضمان حُكم الطبيب، أي أنه يضمن من التفريط أو التعدّي، وكذلك إذا لم يكن من أهل المعرفة بالختان7. وللفقهاء تفصيل في هذه المسألة:

فذهب الحنفيّة إلى أن الخاتن إذا ختن صبيّاً، فقطع حشفته ومات الصبي فعلى عاقلة الخاتن نصف ديته. وإن لم يمت فعلى عاقلته الديّة كلّها؛ وذلك لأن الموت حصل بفعلين: أحدهما مأذون فيه وهو قطع الغلفة، والأخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة، فيجب نصف الضمان. أمّا إذا بريء فيجعل قطع الجلدة وهو المأذون فيه كأن لم يكن، وقطع الحشفة غير مأذون فيه فيجب ضمان الحشفة كاملاً وهو الديّة، لأن الحشفة عضو مقصود لا ثاني له في النفس، فيقدّر بدله ببدل النفس كما في قطع اللسان8.

وذهب المالكيّة إلى أنه لا ضمان على الخاتن إذا كان عارفاً متقناً لمهنته، ولم يخطئ في فعله، كالطبيب؛ لأن الختان فيه تغرير فكأن المختون عرّض الخاتن لما أصابه. فإن كان من أهل المعرفة بالختان وأخطأ في فعله فالديّة على عاقلته. فإن لم يكن من أهل المعرفة عوقب. وفي كون الديّة على عاقلته، أو في ماله قولان: فلابن القاسم أنها على العاقلة، وعن مالك وهو الراجح أنها في ماله لأن فعله عمد والعاقلة لا تحمّل عمداً9.

وذهب الشافعيّة إلى أن الخاتن إذا تعدّى بالجرح المهلك، كأن ختنه في سن لا يحتمله لضعف أو نحوه أو شدّة حر أو برد، فمات لزمه القصاص. فإن ظن كونه محتملاً فالمتّجه عدم القود لانتفاء التعدّي. ويستثنى من حُكم القود الوالد وإن علا؛ لأنه لا يقتل بولده، وتلزمه ديّة مغلظة في ماله؛ لأنه عمد محض - فإن إحتمل الختان وختنه ولي، أو وصي أو قيّم فمات فلا ضمان في الأصح؛ لإحسانه بالختان إذ هو أسهل عليه ما دام صغيراً بخلاف الأجنبي لتعدّيه، ولو مع قصد إقامة الشعائر. ولم ير الزركشي القود في هذه الحالة على الأجنبي أيضاً؛ لأنه ظن أنه يقيم شعيرة10.

وذهب الحنابلة إلى أنه لا ضمان على الخاتن إذا عرف منه حذق الصنعة ولم تجن يده؛ لأنه فعل فعلاً مباحاً فلم يضمن سرايته كما في الحدود. وكذلك لا ضمان إذا كان الخاتن بإذن وليّه، أو ولي غيره أو الحاكم. فإن لم يكن له حذق في الصنعة ضمن؛ لأنه لا يحل له مباشرة القطع. فإن قطع فقد فعل محرّماً غير مأذون فيه، لقوله (ص): «من تطبّب ولا يُعلم منه طب فهو ضامن»11. وكذلك يضمن إذا أذن له الولي، وكان حاذقاً، ولكن جنت يده، ولو خطأ، مثل إن جاوز قطع الختان فقطع الحشفة أو بعضها أو غير محل القطع، أو قطع بآلة يكثر ألمها أو في وقت لا يصلح القطع فيه، وكذلك يضمن إذا قطع بغير إذن الولي12.

لمّا كان ذلك:

وكان الختان للذكور وللإناث من سُنّة الإسلام، أي طريقته وسماته كما سبق النقل عن الشوكاني. وكان للختان أو الخفاض للفتيات أنواع أربعة كما هو واضح من الشرح الطبّي السابق في مقدّمة الموضوع:

النوع الأوّل: وفيه يتم قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر.

النوع الثاني: وفيه يتم إستئصال جزء من البظر وجزء من الشفرين الصغيرين.

النوع الثالث: وفيه يستأصل كل البظر وكل الشفرين الصغيرين.

النوع الرابع: وفيه يزال كل البظر، وكل الشفرين الصغيرين وكل الشفرين الكبيرين.

وكانت توجيهات وتعليمات رسول الله (ص) لأم حبيبة التي كانت صناعتها خفاض البنات قال: «أشِمِّي ولا تُنهِكي» أي: أتركي الموضع أشم، والأشم المرتفع كما قال الجويني. وقال الماوردي: وأمّا خفض المرأة فهو قطع جلدة في الفرج فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ويؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها13.

وكانت مذاهب الأئمّة الشافعي وأحمد في أظهر أقواله، ومالك فيما قال به سحنون، ومقتضى الفقه الحنفي حيث أوجب قتال البلدة التي تترك الختان - كان مقتضى هذا - وجوب الختان للذكور والإناث، وكان ما يقطع لخفاض الأنثى ما بيّنه الرسول (ص) في تعليم الخاتنة أم حبيبة على ما جاء في حديث أم عطيّة سالف الذكر.

لمّا كان ذلك:

كان النوع الأوّل من طرق الختان أو الخفاض للبنات، وهو قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر هو الواجب الإتّباع؛ لأنه الوارد به النص الشرعي في حديث رسول الله (ص) لأم حبيبة «أشِمِّي ولا تُنهِكي» أي: أتركي الموضع أشم، والأشم المرتفع، والمعنى: إقطعي الجلدة التي كعرف الديك فوق البظر، ولا يستأصل البظر نهائيّاً، وقد علّل رسول الله (ص) هذا بعبارة جامعة في رواية أخرى قال: «فإنه أشرق للوجه وأحظى للزوج».

آداب الختان:

تشرّع الوليمة للختان، وتسمّى الإعذار والعذار والعذرة والعذير. والسُنّة: إظهار ختان الذكر، وإخفاء ختان الأنثى. وصرّح الشافعيّة بأنها تستحب في الذكر، ولا بأس بها في الأنثى للنساء فيما بينهن14.

هذا:

وفي الختام - وفي شأن الختان عامّة للذكر والأنثى - نذكّر المسلمين بما جاء في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة: لو إجتمع أهل بلد على ترك الختان قاتلهم الإمام (أي ولي الأمر)؛ لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه15. إذ مقتضى هذا لزوم الختان للذكر والأنثى، وأنه مشروع في الإسلام. والله - سبحانه وتعالى أعلم.

شيخ الأزهر: جاد الحق علي جاد الحق

ملحق 7: فتوى أولى للشيخ محمود شلتوت (مصر / 1951)16

الختان شأن قديم ترجع معرفة الناس به إلى عهد إبراهيم عليه السلام. وكانوا يختنون الذكور والإناث. وقد رويت فيه عن النبي (ص) عدّة أحاديث، إتّفق المحدّثون على صحّة بعضها، وضعف البعض الآخر. فما أتّفق عليه قول النبي (ص): «خمس من الفطرة: الإستحداد والختان وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر». وقوله (ص): «إختتن إبراهيم خليل الرحمن» وهو متّفق عليه بين البخاري ومسلم.

وقال العلماء: «الفطرة السُنّة القديمة التي إختارها الأنبياء، واتّفقت عليها الشرائع، وكانت لذلك كالأمر الجبلي الذي تدعو إليه الخلقة وتقتضيه فيما يختص بالتطهر والنظافة».

وممّا ناله تضعيف المحدّثين: حديث «من أسلم فليختتن» وقوله لمن جاء إليه وقد أسلم: «ألق عنك شعر الكفر واختتن» وقوله للمرأة التي كانت تختن الإناث: «أشِمِّي ولا تُنهِكي» ومعناه: خفّفي ولا تبالغي في القطع، وقوله: «الختان سُنّة في الرجال، مَكرُمَة في النساء».

وأمام هذه الأحاديث إختلف الفقهاء في حُكم الختان، شأنهم في كل ما لم يرد فيه نص صريح قاطع.

فرأى الشافعيّة أنه واجب في الذكور والإناث، ووافقهم الحنابلة على الوجوب في الذكور فقط، ورأى الحنفيّة والمالكيّة أنه سُنّة في الذكور، ومَكرُمَة في الإناث.

وقد قال الإمام الشوكاني بعد إستعراض المرويّات في الموضوع من جهة الرواية والأدلّة: «والحق أنه لم يقم دليل صحيح يدل على الوجوب، والمتيقّن السُنّية، كما في حديث: «خمس من الفطرة» ونحوه، والوجوب: الوقوف على المتيقّن إلى أن يقوم ما يوجب الإنتقال عنه».

ومن هنا يتبيّن أن الأدلّة لا تعطي أكثر من أن الختان سُنّة، وقد كان العموم في حديث السنيّة الصحيح وهو: «خمس من الفطرة» يقضي بالمساواة بين الذكر والأنثى في سنيّة الختان، ولكن كثيراً من المذاهب رأى أنه مَكرُمَة في الإناث وسُنّة في الذكور. ولعّل هذه التفرقة ترجع فيما وراء الأحاديث إلى إعتبار آخر يقضي بأهمّية الختان في الذكر والتأكيد فيه؛ وهو أن داخل الغلفة منبت خصب لتكوّن الإفرازات التي تؤدّي إلى تعفّن يغلب معه سكون جراثيم لأمراض ضارّة. وإلى الإعتبار يشير الإمام أحمد بقوله في الفرق بين الذكر والأنثى «أن الرجل إذا لم يختتن فتلك الجلدة مدلاّة على الكمرة، ولا ينقى ما ثم».

ونظراً إلى أن ختان الذكر كان دائراً عند الأئمّة بين الوجوب والسُنِّية المؤكّدة. وفيه هذا الإعتبار الوقائي الذي تعنى به الشريعة أيّما عناية، قال الفقهاء: إنه من شعائر الإسلام، حتّى لو إجتمع أهل مصر أو قرية على تركه يحاربهم الإمام، وهذا في الذكور خاصّة.

أمّا الإناث فلعدم تحقّق هذا الإعتبار الصحّي فيهن فقد نزل الحُكم فيهن عن درجة السُنّية إلى درجة المَكرُمَة. ولعّل ذلك يرجع إلى أن تلك «الزائدة» من شأنها أن تحدث عند الممارسة مضايقة للأنثى، أو للرجل الذي لم يألف الإحساس بها، ويشمئز منها، فيكون خفضها مَكرُمَة للأنثى، وفي الوقت نفسه مَكرُمَة للرجل في الفترات المعروفة.

وختان الأنثى بهذا الإعتبار لا يزيد عمّا تقتضيه الراحة النفسيّة واستدامة العاطفة القلبيّة بين الرجل وزوجته، من التزيّن، والتطيّب، والتطهير من الزوائد الأخرى التي تقترب من هذا الحمى.

أمّا ما يراه بعض الناس من لزوم ختان الأنثى نظراً إلى أن تركه يشعل لديها الغريزة الجنسيّة فتندفع إلى ما لا ينبغي، فهو ممّا تحتاج في قبوله وترتيب الحُكم عليه إلى فحص واستقراء غالب. على أن الإنزلاق إلى ما لا ينبغي كثيراً ما يوجد في المختونات كما هو معروف في الجنايات العرضيّة، والمستور منها أكثر ممّا يعرفه الناس. والواقع أن الشأن في هذا لا يرجع إلى ترك الختان، وإنّما يرجع - كما قرّرته الدكتورة كوكب حفني ناصف - إلى سلامة البنية، ونشاط الغدد وضعفها؛ ثم - من جانبنا - يرجع أيضاً إلى الخلق والبيئة، والرعاية، والرعاية في التربية، والإشراف والحزم في المراقبة، والقبض على ناصية الأمر وعدم إرسال الحبل على الغارب في الإختلاط الذي كان يقضي على العفّة والكرامة.

وكذلك ما يراه بعض آخر من منع الختان نظراً إلى أنه يضعف في الأنثى النزعة الجنسيّة، فيحتاج الرجل - تمكينا لها من تلك النزعة - إلى الإستعانة بتناول المواد المعروفة ومن ذلك وجب ختانها حفظاً للرجل من تناول هذه المواد الضارّة.

والواقع في هذا الإعتبار أن الذين يعتادون تناول هذه المواد لا يقصدون سوى تلبية نزعتهم الخاصّة في الجانب الجنسي، وأن كثيراً منهم يتناولها لعادة تحَكّمت فيه، وصارت بها لديهم من المكيّفات اللازمة كما هو الحال عند مدمني الشاي والدخان.

ومن هذا نرى أن هذا الإعتبار لا ينهض حجّة في منع ختان الأنثى، كما أن الإعتبار السابق لا ينهض حجّة في لزومه. ولذلك سلم لغير الشافعيّة من الفقهاء القول «بأن الأنثى ليس واجباً ولا سُنّة، وإنّما هو مَكرُمَة للرجال أو النساء».

هذا والشريعة تقرّر مبدأ عامّاً وهو: إنه متى ثبت بطريق البحث الدقيق، لا بطريق الآراء الوقتية التي تُلقى تلبية لنزعة خاصّة، أو مجاراة لتقاليد قوم معيّنين، أن في أمر ما ضرراً صحّياً، أو فساداً خلقيّاً، وجب شرعاً منع ذلك العمل دفعاً للضرر أو الفساد. وإلى أن يثبت ذلك في ختان الأنثى فإن الأمر فيه على ما درج عليه الناس وتعوّدوه في ظل الشريعة الإسلاميّة، وعلم رجال الشريعة من عهد النبوّة إلى يومنا هذا، وهو أن ختانها مَكرُمَة، وليس واجباً ولا سُنّة.

أمّا ما يراه بعض الكاتبين من أنه «عمليّة وحشيّة» فمن رأيي أنه إسراف في التعبير ومبالغة في التنفير. وقد تكون «الوحشيّة» المتخيّلة في أصل ختانها ناشئة من تحكيم الحال في عمليّات تجريها الجاهلات، المحترفات لهذه العمليّة. ويرجع ذلك إلى تقصير أولياء الأمر في مراقبة هذا الجانب، ومنع من لا يحسن العمليّة من مباشرتها. والشريعة تقرّر في هذا وأمثاله وجوب الحجر على المتطبّب الجاهل، والجرّاح الجاهل، وتوجّب على أولياء الأمر، حفظاً لصحّة الناس ووقاية لهم من الضرر، منع من يسيئون في الأعمال العامّة، كما توجب تعزيرهم عند المخالفة بما يردعهم ويردع أمثالهم.

أمّا بعد: فهذا هو حُكم الشريعة - فيما نرى - في موضوع الختان أخذاً من النصوص ومقارنة الأدلّة.

ملحق 8: فتوى ثانية للشيخ محمود شلتوت (مصر / 1959)17

ختان الأنثى

قال صاحبنا: إختلفت آراء الأطبّاء في ختان الأنثى، فمنهم من سمح به وأيّده، ومنهم من أنكره وحذّره. والناس على رغم هذا الإختلاف متمسّكون به، حريصون عليه: يفعلونه ويقيمون له الولائم الأسريّة، ويرون أنه شأن يدعو إليه الدين، ويجعله شعاراً خاصاً للمسلمين، فهل لنا أن نعرف حُكم الإسلام فيه! وأن نعرف وقته من عمر الطفل؟

وليس صاحبنا هذا بأوّل من يطلب حُكم الإسلام في عمليّة الختان، وليس ما أكتبه اليوم جواباً له أوّل ما كتبت فيها. فقد كتبت فيها مرّات كثيرة. غير أنها كانت لخصوص السائلين، لا لعموم القارئين. وقد آثرت اليوم أن أحقّق رغبته الكريمة فأتحدّث فيها عن طريق منبر له صوته في آذان الناس من جهة ما ترهف أسماعهم إليه، وهو حُكم الدين وحُكم الإسلام، فيعرف السائل وغير السائل موقف الشرع من هذه العمليّة، ويكون القارئون على بينة من الأمر في علاقتها بالشرع والدين.

الختان شأن قديم:

وعمليّة الختان قديمة، عرفها كثير من الناس منذ فجر التاريخ، واستمرّوا عليها حتّى جاء الإسلام، واختتنوا وختنوا - ذكوراً وإناثاً - في ظلّه. غير أننا لا نعرف بالتحديد: أكان مصدرها لديهم التفكير البشري وهداية الفطرة في إزالة الزوائد التي لا خير في بقائها، أو التي قد يكون في بقائها شيء من الأذى والقذر، أم كان مصدرها تعليماً دينيّاً، ظهر على لسان نبي أو رسول في حقب التاريخ الماضية؟ والذي يهمّنا هو معرفة علاقته بالدين وحُكم الإسلام فيه.

الفقهاء والختان:

وقد أثرت في شأنه جملة من المرويّات، كان الفقهاء أمامها في حُكمه على مذاهب شأنهم في كل ما لم يرد فيه نص صريح. فمنهم من رأى أنه واجب ديني في الذكور والإناث، وأنه فيهم «مَكرُمَة»، وكما إختلف الفقهاء في حُكمه على هذا الوجه - الذي تتباعد وجهات النظر فيه إلى أقصى حد للتباعد، وتتقارب إلى أقصى حد للتقارب - إختلفوا في الوقت الشرعي الذي تجرى فيه عمليّته على هذا الوجه أيضاً. فمنهم من رأى أنه لا يختص بوقت معيّن، ومنهم من حرّمه قَبل أن يبلغ الطفل عشر سنين، ومنهم من جعل وقته بعد أسبوع من الولادة، ومنهم ومنهم إلى آخر ما نقل عنهم في ذلك من آراء.

وجهات النظر المختلفة:

وإذا كان لنا أن نأخذ من إختلافهم هذا - وهو الشأن الكثير الغالب بينهم في كل ما لم يرد فيه نص صحيح صريح - ما ننتفع به في معرفة الوضع الحقيقي للتشريع الإسلامي، فإن أوّل ما نأخذه أن القوم كانوا على حرّية واسعة المدى وهم يبحثون عن حُكم الشرع فيما وصل إليهم أو وصلوا إليه من مصادر تشريعيّة، لم تنل قطعيّة الدليل ولا كمال الحجّة المتّفق عليها، لا يعيب أحدهم على صاحبه ولو كان على نقيض رأيه، وكانوا يستمعون الحجج فيقبلون أو يرفضون دون تزمّت أو إسراف في التجهيل أو الإنحراف.

وليس أغرب من أن يستدل الذاهبون إلى وجوب الختان بقوله تعالى: «ثم أوحينا إليك أن إتّبع مِلّة إبراهيم حنيفاً» (النحل 123:16) ويقولون إنه قد جاء في الحديث: «أن إبراهيم إختتن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة» والإتّباع الذي أمر به محمّد وأصحابه يقضي عليهم أن يفعلوا ما فعله إبراهيم، وإذاً يكون الختان وقد فعله إبراهيم واجباً على محمّد وأتباعه.

إسراف في الإستدلال، غاية ما قوبل به عدم التسليم له، وهو من نوع إستدلال آخر للقائلين بالوجوب أيضاً وهو: إن الختان أحد الأمور التي إبتلى الله بها إبراهيم وأتى ذكرها بعنوان «الكلمات» بقوله تعالى: «وإذ إبتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمّهن» (البقرة 124:2). قالوا: وورد عن إبن عبّاس أن تلك الكلمات هي خصال الفطرة: وهي الختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، إلى آخر ما قالوا ونقرؤه في المتداول من كتب التفسير.

رأينا في الموضوع:

وقد خرجنا من إستعراض المرويّات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على «السُنّة الفقهيّة»؛ فضلاً «عن الوجود الفقهي» وهي النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء السابقين، وعبّر عنها بقوله: «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع» وأن كلمة «سُنّة» التي جاءت في بعض المرويّات معناها، إذا صحّت، الطريقة المألوفة عند القوم في ذلك الوقت، ولم ترد الكلمة على لسان الرسول بمعناها الفقهي الذي عرفت به فيما بعد.

والذي أراه أن حُكم الشرع لا يخضع لنص منقول، وإنّما يخضع في الذكر والأنثى لقاعدة شرعيّة عامّة: وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعاً إلاّ لمصالح تعود عليه، وتربو على الألم الذي يلحقه.

ختان الذكر:

ونحن إذا نظرنا إلى الختان في ضوء ذلك الأصل نجده في الذكر غيره في الإناث، فهو فيهم ذو مصلحة تربو بكثير عن الألم الذي يلحقهم بسببه. ذلك أن داخل «الغلفة» منبت خصيب لتكوين الإفرازات التي تؤدّي إلى تعفّن تغلب معه جراثيم تهيئ للإصابة بالسرطان أو غيره من الأمراض الفتّاكة. ومن هنا، يكون الختان طريقاً وقائيّاً يحفظ للإنسان حياته. ومثل هذا يأخذ في نظر الشرع حُكم الوجوب والتحتيم.

ختان الأنثى:

أمّا الأنثى فليس لختانها هذا الجانب الوقائي حتّى يكون كختان أخيها. نعم، حُكم الناس فيه جانباً آخر يدور ما يتحدّث به بعض الأطبّاء من «إشعال الغريزة الجنسيّة وضعفها». فيرى بعضهم أن ترك الختان يشعل تلك الغريزة، وبها تندفع إلى ما لا ينبغي. وإذاً، يجب الختان وقاية للشرف والعرض. ويرى آخرون أن الختان يضعفها فيحتاج الرجل إلى إستعانة بمواد تفسد عليه حياته. وإذاً يجب تركه حفظاً لصحّة الرجل العقليّة والبدنيّة.

إسراف هنا وهناك:

ولعلّي لا أكون مسرفاً أيضاً إذا قلت: ما أشبه إسراف الأطبّاء في وجهات نظرهم إسراف الفقهاء في أدلّة مذاهبهم. فإن الغريزة الجنسيّة لا تتبع في قوّتها أو ضعفها ختان الأنثى أو عدمه، وإنّما تتبع البنية والغدد قوّة وضعفاً، ونشاطاً وخمولاً. والإنزلاق إلى ما لا ينبغي كثيراً ما يحدث للمختونات كما هو مشاهد ومقروء من حوادث الجنايات العرضيّة، والمستور منها أكثر ممّا يعلمه الناس.

والذين يتناولون المواد الضارّة إنّما يتناولونها بحُكم الإلف الواصل إليهم من البيئات الفاسدة، وليس ما يحسّونه في جانب الغريزة إلاّ وهما خيّله لهم تخدير الأعصاب.

والواقع أن المسألة في جانبيها «الإيجابي والسلبي» ترجع إلى الخلق والبيئة وإحسان التربية وحزم المراقبة. ومن هنا يتبيّن أن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه، وإلى تحتيمه، لا شرعاً، ولا خلقاً، ولا طبّاً.

قد يكون مَكرُمَة:

نعم قد يكون ختان الأنثى - كما يقول بعض الفقهاء - مَكرُمَة للرجال الذين لم يألفوا الإحساس «بالزائدة» وهو في ذلك لا يزيد عمّا تقتضيه الفطرة البشريّة من التجمّل والتطيّب وإزالة ما ينبت حول الحمى.

أمّا بعد: فهذا هو حُكم الختان للذكر والأنثى فيما أرى، أخذاً من القواعد العامّة للشريعة، لا أخذاً من نصوص تشريعيّة خاصّة بالموضوع.

ملحق 9: فتوى أولى للشيخ محمّد سيّد طنطاوي (دار الإفتاء - مصر / 1993)18

أن الفقهاء إتّفقوا على أن الختان في حق الرجال، والخفاض في حق النساء أمر مشروع، ثم إختلفوا في وجوبه. فقال الإمامان أبو حنيفة ومالك هو مسنون في حقّهما وليس بواجب وجوب فرض ولكن يأثم بتركه تاركه. وقال الإمام الشافعي هو فرض على الذكور والإناث. وقال الإمام أحمد هو واجب في حق الرجال، وفي حق النساء عنه روايتان أظهرهما الوجوب. وهو في شأن النساء قطع الجلدة التي فوق مخرج البول دون مبالغة في قطعها ودون إستئصالها، وسمّي هذا خفاضاً. وقد إستدل الفقهاء على خفاض النساء بحديث أم عطيّة رضي الله عنها قالت أن إمرأة كانت تختن بالمدينة فقال لها النبي (ص): «لا تُنهِكي فإن ذلك أحظى للزوج وأسرى للوجه». ومعنى لا تُنهِكي لا تبالغي في القطع والخفض. ويؤكّد هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن الرسول (ص) قال: «يا نساء الأنصار إخفضن (أي إختتن) ولا تُنهِكن (أي لا تبالغن في القطع)». وهذا الحديث جاء مرفوعاً برواية أخرى عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذه الروايات وغيرها تحمل دعوة الرسول (ص) إلى ختان الإناث ونهيه عن الإستئصال. وقد علّل هذا في إيجاز وإعجاز إذ قد أوتي جوامع الكلم. وهذا التوجيه النبوي إنّما هو لضبط ميزان الحس الجنسي عند الفتاة. فأمر بخفض الجزء الذي يعلو مجرى البول لضبط الإشتهاء والإبقاء على لذّات النساء واستمتاعهن مع أزواجهن، ونهى عن إبادة مصدر هذا الحس واستئصاله. وبذلك يكون الإعتدال. فلم يحرم المرأة مصدر الإستمتاع والإستجابة، ولم يبقها دون خفض فيدفعها إلى الإستهتار وعدم القدرة على التحكّم في نفسها عند الإثارة. لمّا كان ذلك المستفاد من النصوص الشرعيّة ومن أقوال الفقهاء على النحو المبيّن والثابت في كتب السُنّة والفقه أن الختان للرجال والنساء من صفات الفطرة التي دعا إليها الإسلام وحث على الإلتزام بها على ما يشير إليه تعليم رسول الله (ص) كيفيّة الختان وتعبيره عنه في بعض الروايات بالخفض ممّا يدل على القدر المطلوب في ختانهن والله سبحانه وتعالى أعلم.

ملحق 10: فتوى ثانية للشيخ محمّد سيّد طنطاوي (مصر / 1994)19

السيّد الدكتور علي عبد الفتا ح وزير الصحّة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فبناء على الخطاب المرسل من السيّد الدكتور محمود إبراهيم القسط، مدير عام الإدارة العامّة للثقافة والإعلام الصحّي بشأن الحُكم الشرعي بالنسبة لختان البنات، نفيد سيادتكم بما يلي:

1 - إتّفق الفقهاء على أن الختان بالنسبة للذكور من شعائر الإسلام. ومن الأحاديث النبويّة الشريفة التي إعتمد عليها الفقهاء في ذلك، ما رواه الحاكم والبيهقي عن السيّدة عائشة - رضي الله عنها - أن النبي (ص) ختن الحسن والحسين في اليوم السابع من ولادتهما.

2 - وأمّا الختان - أو الخفاض - بالنسبة للإناث، فلم يرد بشأنه حديث يحتج به، وإنّما وردت آثار حَكم المحقّقون من العلماء عليها بالضعف. ومنها حديث: «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء» وحديث «لا تُنهِكي فإن ذلك أحظى للمرأة وأحب إلى البعل». ومعنى «لا تُنهِكي» لا تبالغي في إستقصاء الختان. وفي رواية «أشِمِّي ولا تُنهِكي» أي: إقطعي شيئاً يسيراً. ومنها حديث «ألق عنك شعر الكفر واختتن» وحديث: «من أسلم فليختتن».

وقد ذكر هذه الأحاديث جميعها الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار وحَكم عليها بالضعف - بعد الكلام المفصّل عن أسانيدها - وذكر قول الإمام إبن منذر: «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع»20.

وقال صاحب كتاب عون المعبود شرح سُنَن أبي داوود - بعد أن ذكر ما جاء في الختان - «وحديث ختان المرأة روي من أوجه كثيرة، وكلّها ضعيفة معلولة، مخدوشة لا يصح الإحتجاج بها كما عرفت». ثم قال: «وقال إبن عبد البر في التمهيد «والذي أجمع عليه المسلمون أن الختان للرجال»21.

3) وجاء في كتاب (الفتاوى) لفضيلة المرحوم الشيخ محمود شلتوت تحت عنوان: «ختان الأنثى» قوله «وقد خرجنا من إستعراض المرويّات في مسألة الختان على أنه ليس فيها ما يصح أن يكون دليلاً على السُنّة الفقهيّة فضلاً عن الوجود الفقهي. وهي النتيجة التي وصل إليها بعض العلماء السابقين، وعبّر عنها بقوله: ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع»22.

4) وقال فضيلة الشيخ سيّد سابق في كتابه (فقه السُنّة): «أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء»23.

5) وكتب فضيلة المرحوم الشيخ محمّد عرفة - عضو جماعة كبار العلماء - بحثاً عن الختان بمجلّة الأزهر جاء فيه: «وخفاض المرأة موضوع يبحث فيه العالم الشرعي لبيان حُكمه في الشرع. ويبحث فيه العالم بوظائف الأعضاء ليبيّن وظيفة هذا العضو الذي يقع عليه الخفاض. ويبحث فيه العالم الإجتماعي ليبيّن آثار الخفاض الإجتماعيّة، أهي آثار حسنة أو آثار سيّئة. وعلم وظائف الأعضاء يرى أن هذا العضو حسّاس، وأنه معين على إتمام عمليّة التخصيب، وأن قطعه وإنهاكه يبعد الشهوة. وبعض علماء الإجتماع يرى أن الخفاض سبب في إنتشار المخدّرات في البلاد التي تزاوله ومنها مصر. ولأن الزوج يجد شهوته أقرب من شهوتها، فيستعين ببعض العقاقير التي شاع خطأ أنها تبطئ موافاة الماء من الرجل. ويزيدون فيقولون: «إذا أريد القضاء على آفة إستعمال الحشيش والأفيون والمواد المخدّرة، فينبغي القضاء على أسبابها، وهو ختان المرأة لتكون طبيعيّة، ويكون الرجل طبيعيّاً». ثم قال فضيلته: «فإذا ثبت كل ذلك، فليس على من تختتن من النساء من بأس، ومن إختتنت فيجب ألاّ ينهك هذا العضو منها. وإذا منع في مصر كما منع في بعض البلاد الإسلاميّة كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس»24.

6 - والذي نراه بعد أن إستعرضنا آراء بعض العلماء القدامى والمحدثين في مسألة الختان أنها سُنّة أو واجبة بالنسبة للذكور لوجود النصوص الصحيحة التي تحض على ذلك.

أمّا بالنسبة للنساء، فلا يوجد نص شرعي صحيح يحتج به على ختانهن. والذي أراه أنه عادة إنتشرت في مصر من جيل إلى آخر وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافّة الطبقات ولا سيما طبقات المثقّفين.

ومن الأدلّة على أنها عادة ولا يوجد نص شرعي يدعو إليها، أننا نجد معظم الدول الإسلاميّة، الزاخرة بالفقهاء، قد تركت ختان النساء. ومن هذه الدول: السعوديّة ومعها دول الخليج وكذلك دول اليمن والعراق وسوريا وشرق الأردن وفلسطين وليبيا والجزائر والمغرب وتونس الخ.

وما دام الأمر كذلك، فإني أرى أن الكلمة الفاصلة في مسألة ختان الإناث مردّها إلى الأطبّاء. فإن قالوا في إجرائها ضرر تركناها لأنهم أهل الذكر في ذلك. وإن قالوا غير ذلك فعلى وزارة الصحّة في مصر أن تتّخذ كافّة الإجراءات القانونيّة لإجراء هذه العمليّة بالنسبة للإناث بطريقة يتوفّر فيها الستر والعفاف والكرامة الإنسانيّة التي تصون للفتاة أنوثتها السويّة. وبالله التوفيق.

ملحق 11: فتوى الدكتور يوسف القرضاوي (مصر / 1987)25

ختان البنات

سؤال: ما حُكم الإسلام في ختان البنات؟

جواب: هذا الموضوع إختلف فيه العلماء والأطبّاء أنفسهم، وقامت معركة جدليّة حوله في مصر منذ سنوات. من الأطبّاء من يؤيّد، ومنهم من يعارض. ومن العلماء من يؤيّد ومنهم من يعارض. ولعّل أوسط الأقوال وأعدلها وأرجحها، وأقربها إلى الواقع، وإلى العدل في هذه الناحية، هو الختان الخفيف، كما جاء في بعض الأحاديث - وإن لم تبلغ درجة الصحّة - أن النبي (ص) قال لامرأة كانت تقوم بهذه المُهمّة، قال لها: «أشِمِّي ولا تُنهِكي، فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج». والإشمام هو التقليل، ولا تُنهِكي أي لا تستأصلي، فهذا يجعل المرأة أحظى عند زوجها، وأنضر لوجهها فلعّل هذا يكون أوفق. والبلاد الإسلاميّة تختلف بعضها عن بعض في هذا الأمر. فمنها من يختن ومنها من لا يختن. وعلى كل حال، من رأى أن ذلك أحفظ لبناته فليفعل، وأنا أؤيّد هذا، وخاصّة في عصرنا الحاضر. ومن تركه فلا جناح عليه، لأنه ليس أكثر من مَكرُمَة للنساء، كما قال العلماء، وكما جاء في بعض الآثار.

أمّا الختان للذكور فهو من شعائر الإسلام، حتّى قرّر العلماء أن الإمام لو رأى أهل بلد تركوه لوجب عليه أن يقاتلهم حتّى يعودوا إلى هذه السُنّة المميّزة لامة الإسلام. والحمد لله رب العالمين.

ملحق 12: فتوى الدكتور محمّد سليم العوّا (مصر / 1994)

ختان البنات ليس سُنّة ولا مَكرُمَة26

منذ أن أذاعت محطة التلفزيون العالميّة CNN تقريراً مصوّراً عن عمليّة ختان تجرى في القاهرة لطفلة مصريّة بريئة، وموضوع الختان، خاصّة ختان الإناث، يستولي على قدر غير قليل من الإهتمام العام، ليس في مصر وحدها، ولكن في بقاع عديدة أخرى، لا سيما في الوطن العربي والإسلامي.

وقد كتب كثيرون محاولين تقرير حُكم الإسلام في هذا الختان، وكان أغلب ما كُتِب يدور حول إثبات صحّة مشروعيّة الختان. وبالغ بعضهم فوصفه بأنه من السُنّة، وغالى بعض آخر من الكاتبين فقال أن مقتضى الفقه «لزوم الختان للذكر والأنثى».

ليس ختان الذكور موضوع خلاف، فلا حاجة إلى بيان حُكم الشرع فيه.

وحُكم الشريعة الإسلاميّة يؤخذ من مصادرها الأصليّة المتّفق عليها: وهي القرآن الكريم، والسُنّة النبويّة الصحيحة، والإجماع بشروطه المقرّرة في علم أصول الفقه، والقياس المستوفي لشروط الصحّة.

أمّا فقه الفقهاء، فهو العمل البشري الذي يقوم به المتخصّصون في علوم الشرع لبيان أحكام الشريعة في كل ما يهم المسلمين، بل الناس أجمعين، أن يعرفوا حُكم الشريعة فيه. ولا يُعَد كلام الفقهاء «شريعة» ولا يحتج به على أنه دين، بل يحتج به على أنه فهم للنصوص الشرعيّة، وإنزال لها على الواقع، وهو سبيل إلى فهم أفضل لهذه النصوص وكيفيّة إعمالها، لكنّه ليس معصوماً، ويقع في الخطأ كما يقع في الصواب. والمجتهد المؤهّل من الفقهاء مأجور أجرين حين يصيب، ومأجور أجراً واحداً حين يخطئ.

فإذا أردنا أن نتعرّف على حُكم الشريعة الإسلاميّة في مسألة ختان الإناث، فإننا نبحث في القرآن الكريم ثم السُنّة النبويّة ثم الإجماع ثم القياس، وقد نجد في الفقه ما يعيننا فنطمئن به إلى فهمنا ونؤكّده، وقد لا نجد فيه ما ينفع في ضوء علم عصرنا وتقدّم المعارف الطبّية خاصّة، فنتركه وشأنه ولا نعول على ما هو مدوّن في كتبه.

وقد خلا القرآن الكريم من أي نص يتضمّن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث، وليس هناك إجماع على حُكم شرعي فيه، ولا قياس يمكن أن يُقبل في شأنه.

أمّا السُنّة النبويّة فإنها مصدر ظنِّ المشروعيّة، لما ورد في مدوّناتها من مرويّات منسوبة إلى الرسول (ص) في هذا الشأن. والحق أنه ليس في هذه المرويّات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حُكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة على الحياة الإنسانيّة كهذه المسألة. ولا حجّة، عند أهل العلم، في الأحاديث التي لم يصح نقلها، إذ الحجّة فيما صح سنده دون سواه.

والروايات التي فيها ختان الإناث أشهرها حديث إمرأة كانت تسمّى أم عطيّة، وكانت تقوم بختان الإناث في المدينة المنورة، زعموا أن النبي (ص) قال لها: «يا أم عطيّة: أشِمِّي ولا تُنهِكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج»، وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقي وأبو داوود بألفاظ متقاربة، وكلّهم رووه بأسانيد ضعيفة كما بيّن ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي27.

وقد عقّب أبو داوود، والنص المروي عنده مختلف لفظه عن النص السابق، على هذا الحديث بقوله «روي عن عبد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده. وليس هو بالقوي، وقد روي مرسلاً [...] وهذا الحديث ضعيف»28.

وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديث، وكلّها طرق ضعيفة لا تقوم حجّة حتّى قال أخونا الدكتور العلاّمة محمّد الصبّاغ في رسالته عن ختان الإناث: «فأنظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داوود والعراقي وكيف حَكما بالضعف ولا تلتفت إلى من صحّحه من المتأخّرين».

فحديث أم عطيّة - إذاً - بكل طرقه لا خير فيه ولا حجّة تستفاد منه. ولو فرضنا صحّته جدلاً، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمّن أمراً بختان البنات، وإنّما يتضمّن تحديد كيفيّة هذا الختان إن وقع، وأنها «إشمام» وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعني أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمّى «الغلفة». وهو كما قال الإمام الماوردي: «[...] قطع هذه الجلدة المستعلية دون إستئصالها». وهو كما قال الإمام النووي: «قطع أدنى جزء منها». فالمسألة مسألة طبّية دقيقة تحتاج إلى جرّاح متخصّص يستطيع تحديد هذا «الجزء المستعلي» الذي هو «أدنى جزء منها»، ولا يمكن أن تتم - لو صح جوازها - على أيدي الأطبّاء العاديين فضلاً عن غير المتخصّصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاّقي الصحّة... الخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العمليّة الشنيعة للفتيات.

والحديث الثاني الذي يوازي في الشهرة حديث أم عطيّة هو ما يروى أن النبي (ص) قال: «الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء»، وقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين على ضعفه أيضاً. ولذلك، ولغيره، قال العلاّمة الشيخ سيّد سابق في فقه السُنّة: «أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء»29.

وقد نص الحافظ إبن حجر في كتابه «تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير» على ضعف هذا الحديث، ونقل قول الإمام البيهقي فيه إنه ضعيف منقطع. وقول إبن عبد البر في «التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد»: إنه يدور على رواية راو واحد لا يحتج به30.

وكلام الحافظ أبي عمر إبن عبد البر في كتابه المذكور نصّه: «واحتج من جعل الختان سُنّة بحديث أبي المليح هذا، وهو يدور على حجّاج بن أرطأة، وليس ممّن يحتج بما إنفرد به، والذي أجمع المسلمون عليه: الختان في الرجال [...] «31.

وعلى ذلك فليس في هذا النص حجّة، لأنه نص ضعيف، مداره على راو لا يحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حُكم شرعي بأن أمراً معيّناً من السُنّة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبّة، والإستحباب حُكم شرعي لا يثبت إلاّ بدليل صحيح.

ولا يُرَدّ على ذلك بأن لهذا الحديث شاهداً أو شواهد من حديث أم عطيّة السابق ذكره. فإن الشواهد التي أوردها بعض من ذهب إلى صحّته، معلولة بعلل قادحة فيها، مانعة من الإحتجاج بها.

وعلى الفرض الجدلي أن الحديث صحيح، وهو ليس كذلك، فإنه ليس فيه التسوية بين ختان الذكور وختان الإناث في الحُكم، بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسُنّة، وإنّما هو في مرتبة دونها. وكأن الإسلام حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفيّة البالغة منتهى الدقّة، الرقيقة غاية الرقّة، بلفظ «أشِمِّي ولا تُنهِكي» الذي في الرواية الضعيفة الأولى، وأراد تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنّه من أعراف الناس بذكر أنه «سُنّة للرجال [...]» - وهي «أي السُنّة» هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة، في الرواية الضعيفة الثانية.

ولا تحتمل الروايتان على الفرض الجدلي بصحّتهما تأويلاً سائغاً فوق هذا. ولو أراد النبي (ص) التسوية بين الرجال والنساء لقال: «أن الختان سُنّة للرجال والنساء»، أو لقال: «الختان سُنّة»، وسكت. فإنه عندئذ يكون تشريعاً عامّاً ما لم يقم دليل على خصوصيته ببعض دون بعض. أمّا وقد فرّق بينهما في اللفظ، لو صحّت الرواية، فإن الحُكم يكون مختلفاً. وكونه سُنّة، بالمعنى الأعم لهذه الكلمة، يكون في حق الرجال فحسب. وهذا هو ما فهمه الإمام إبن عبد البر القرطبي حين عرّض بالذين قالوا إنه «سُنّة» لاعتمادهم تلك الرواية الضعيفة وبيّن أن الإجماع منعقد على ختان الرجال.

ولمثل هذا الفهم قال الإمام إبن المنذر «ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع»32. وقال الإمام الشوكاني: «ومع كون الحديث لا يصلح للإحتجاج به فهو لا حجّة فيه على المطلوب»33.

وفي بعض ما نشر مؤخّراً في مصر حول هذا الموضوع، ذِكر إمرأة سمّوها (أم حبيبة)، وذِكر حديث لها في هذا الشأن مع النبي (ص). وهذا الحديث لا يوجد في كتب السُنّة وليس هناك ذكر فيها لامرأة بهذا الإسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجّة فيه، بل لا أصل له.

وقد إحتجّوا بحديث روي عن عبد الله بن عمر، فيه خطاب لنساء الأنصار يأمرهن بالختان. وهو حديث ضعيف كما في المصدر الذي نقلوه منه نفسه34. فلا حجّة لأحد في هذا الأمر المزعوم كذلك.

وفي السُنّة الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعاً إلى رسول الله (ص)، وموقوفاً على عائشة، حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه: «إذا إلتقى الختانان فقد وجب الغسل». روى هذا الحديث مالك في الموطّأ، ومسلم في صحيحه، والترمذي وابن باجة في سُنَنهما، وغيرهم من أصحاب مدوّنات الحديث النبوي.

وموضع الشاهد هنا قوله (ص) «الختانان» إذ فيه تصريح بموضوع ختان الرجل والمرأة، ممّا قد يراه بعض الناس حجّة على مشروعيّة ختان النساء.

ولا حجّة في هذا الحديث الصحيح على ذلك. لأن اللفظ هنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين بإسم الأشهر منهما، أو بإسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربيّة منها العُمَران (أبو بكر وعمر) والقمران (الشمس والقمر) والنيِّران (هما أيضاً، وليس في القمر نور بل إنعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر). والعرب تغلّب الأقوى والأقدر في التثنية عادة. ولذلك قالوا للوالدين (الأبوان) وهما أب وأم. وقد يغلّبون الأخف نطقاً كما في العمرين (لأبي بكر وعمر) أو الأعظم شأناً كما في قوله تعالى: «وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج» (الفرقان 53:25). فالأوّل النهر والثاني البحر الحقيقي. وقد يغلّبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم: (المروتان) يريدون جبلي الصفا والمروة في مكّة المَكرُمَة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب35.

وهكذا يتبيّن أن السُنّة الصحيحة لا حجّة فيها على مشروعيّة ختان الأنثى. وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلّها ضعيفة لا يستفاد منها حُكم شرعي. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدّم العلم الطبّي أمر تهذيبها أو إبطالها.

وبقي أن نذكّر الداعين إلى ختان الإناث، والظانّين أنه من الشرع، أن هذا الختان الذي نتحدّث عنه ليس معنى مجرّداً نظريّاً يجوز أن يتجادل فيه الناس حول الصحّة والفساد العقليين، وإنّما هو عادة سائدة تدل الإحصائيّات المصريّة المنشورة على أن 95% من الإناث المصريّات تجرى لهن عمليّة الختان36. وهي تجرى بإحدى صور ثلاث كلّها تخالف ما يدعو المؤيّدون لختان الإناث إلى إتّباعه فيها.

وبجميع الصور التي يجرى بها الختان للإناث في مصر فإنه يقع تحت مسمّى «النهك» الذي ورد في نص الحديث الضعيف. أي أنه لا فائدة من الإحتجاج بما يحتجّون به من هذا الحديث لأن العمل لا يجري على وفقه، بل يجري على خلافه. والختان الذي يجري في مصر، بصوره الثلاث، عدوان على الجسم يقع تحت طائلة التجريم المقرّر في قانون العقوبات37.

والمسؤوليّة الجنائيّة والمدنيّة عن هذا الفعل يستوي فيها الأطبّاء وغير الأطبّاء، لأن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه ليس مرضاً، ولا هو سبب لمرض، ولا يسبّب ألماً من أي نوع يستدعي تدخّلاً جراحيّاً. ومن هنا فإن المساس الجراحي بهذا الجهاز الفطري الحسّاس، على أيّة صورة كان الختان عليها، لا يُعد - في صحيح القانون - علاجاً لمرض أو كشفاً عن داء أو تخفيفاً لألم قائم أو منعاً لألم متوقّع؛ ممّا تباح الجراحة بسببه. فيكون الإجراء الجراحي المذكور غير مباح وواقعاً تحت طائلة التجريم38.

وقد نهى رسول الله (ص) عن تغيير خلق الله، وصح عنه لعن «المغيّرات خلق الله»، والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو من الحيوان، بل هو ممّا توعّد الشيطان أن يضل به بني آدم في أنعامهم وقرنه بتغيير خلق الله، فقال تعالى عن الشيطان: «لعنه الله وقال لاتّخذن من عبادك نصيباً مفروضاً. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ومن يتّخذ الشيطان من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً» (النساء 118:4-119)39.

والختان بصورته التي يجرى بها في مصر، وفي أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، فيه تغيير خلق الله، ومن قطع بعض أعضاء الإنسان المعصومة ما لا يخفى. وإذا كان هذا في الحيوان من إضلال الشيطان فكيف يكون في حق الإنسان؟؟

ومن المعلوم للكافّة أن هذا الموضع الذي يجرى فيه الختان هو أحد المواضع الشديدة الحساسيّة للإستثارة الجنسيّة، وأنه يتوقّف على كيفيّة ملامسته إرواء المرأة من متعة التواصل الواجب مع الزوج أو حرمانها منها، وعلى إكتمال الشعور بهذا الإرواء يتوقّف إحساس المرأة بالإشباع العاطفي، وهو يكتمل باكتماله وينقص بقدر نقصانه. وكل مساس جراحي بهذا الجزء من الجسم ينتقص، بلا خلاف، من شعور المرأة بهذين الأمرين. وهذا عدوان صريح على حقّها المشروع في المتعة بالصلة الحميمة بينها وبين زوجها وفي السلام النفسي المترتّب على إستيفائها لهذا الحق. وقد خلق الله أعضاء كل إنسان على صورة خاصّة به غير متكرّرة بتفصيلاتها في غيره، وهو أعلم بما خلق ومن خلق، ولم يكن صنعه في أحد من خلقه عبثاً أو غفلة حتّى تأتي الخافضة برأي هؤلاء الداعين إلى ختان الإناث فتصحّحه. إنّما جعلت أعضاء كل إنسان لتؤدّي وظائفها له على أكمل نحو وأمثله، وحرمانه من ثمرات بعض هذه الوظائف عدوان عليه بلا شك.

والذين يدعون إلى إستمرار ختان الأنثى يتجاهلون هذه الحقيقة ويؤذون النساء بذلك أشد الإيذاء، وهو إيذاء غير مشروع، والضرر المترتّب عليه لا يمكن جبره، والألم النفسي الواقع بسببه لا يستطيع أحد تعويضها عنه.

وإذا كان الختان ليس مطلوباً للأنثى، ولا يقوم دليل واحد من أدلّة الشرع على وجوبه ولا على كونه سُنّة، فبقى أنه ضرر محض لا نفع فيه. وليس كما يزعم الداعون إليه أنه «يهذّب كثيراً من إثارة الجنس، لا سيما في سن المراهقة [...]» إلى أن قالوا «وهذا أمر قد يصوّره لنا، ويحذّر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة التي لا تخفى على أحد فلو لم تختن الفتيات [...] لتعرّضن لمثيرات عديدة تؤدّي بهن مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الإنحراف والفساد»!!

أقول إن الأمر ليس كما يزعمون، لأن موضع الختان لا تتحقّق الإثارة الجنسيّة فيه إلاّ باللمس الخاص المباشر، الذي لا يقع قطعاً في حالات التداخل والتزاحم ومجالات الملاصقة (التي أظهرُها وسائل المواصلات العامّة) التي يتحدّثون عنها. وهذه المجالات يجرى فيها تلامس غير جائز بين الرجال والنساء في أجزاء شتّى من الجسم البشري، فهل تعالج هذه الحالات بقطع هذه الأجزاء من أجسام الناس جميعاً؟؟

ومعلوم أن كل عفيف وكل صائنة نفسها يكونان في غاية الألم والأسى إذا وقع شيء من ذلك، وهو يقع عادة دون قصد أو تعمّد. ومع هذه الحالة النفسيّة، التي يكون فيها الأسوياء من الناس، نساء ورجالاً، تعساء آسفين مستغرقين حياء وخجلاً، لا تقع إستثارة جنسيّة أصلاً، لأن مراكز الإحساس في المخ تكون معنيّة بشأن آخر، غير هذا الشأن الذي لا يكون إلاّ في طمأنينة تامّة وراحة كاملة واستعداد راض، اللهم إلاّ عند المرضى والشواذ، وهم لا حُكم لهم.

إن العفّة والصوّان المطلوبين للنساء والرجال على سواء، هما العاصم ممّا لا يحمد من نتائج اللقاء المتقارب بين النساء والرجال. والتربية على الخلق القويم هي الحائل الحقيقي بين هذا اللقاء وبين إحداث آثار ممنوعة شرعاً مستهجنة خلقاً. أمّا ما يدعون إليه من ختان الإناث فلا فائدة فيه، بل هو ضار ضرراً محضاً كما بينّا.

ومن واجب الدولة في مصر، وفي غيرها من البلاد الإسلاميّة التي تشيع فيها هذه العادة السيّئة، إصدار التشريع المانع لممارستها، لا سيما على الوجه الذي تمارس به الآن، ولا يجوز أن يمنع من ذلك جمود بعض الجامدين على ما ورثوه من آراء السابقين. فقد نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان بموضع الجماع) الديّة الكاملة. والديّة عقوبة لمن يدفعها وتعويض لمن يستحقّها. وعلّلوا ذلك بأنه بهذين الشفرين «يقع الإلتذاذ بالجماع». فكل فوات لهذا الإلتذاذ أو بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضيّة، ومنع سببه جائز قطعاً، بل هو أولى من إنتظار وقوعه ثم محاولة تعليله أو تحليله40.

وهكذا يتبيّن حُكم الشرع في ختان الأنثى: إنه لا واجب ولا سُنّة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مَكرُمَة أيضاً لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه. بل هو عادة، وهي عادة ليست عامّة في كل بلاد الإسلام بل هي خاصّة ببعضها دون بعض. وهي عادة ضارّة ضرراً محضاً لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع. وهو ضرر لا يعوّض لا سيما النفسي منه. وقد أوجب الفقهاء إذا فاتت بسببه، أو بسبب الحيف فيه على ما يجرى الآن في بلادنا في جميع حالات الختان، متعة المرأة بلقاء الرجل، أوجب الفقهاء فيه القصاص أو الديّة.

فليتق الله أولئك الذين يسوّغون ما لا يسوغ، وينسبون إلى الشرع ما ليس منه. وليذكروا وصيّة الرسول (ص) بالنساء: « إستوصوا بالنساء خيراً ». وليضعوا أنفسهم موضع هؤلاء المسكينات اللاتي حرمن بهذا الختان، الذي لم يرد به شرع، متعة لو حُرِمها هؤلاء الرجال ما عوّضهم عنها شيء قط!!

ملحق 13: رأي الدكتورة نور السيّد راشد (مصر / 1995)41

وداعاً للخلاف في أمر الختان

«ربّنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً» (الكهف 10:18).

أختي المسلمة. الزوجة والأم. أعرف أنك تعانين نفسيّاً، لكونك أم تريد الإطمئنان على بناتها وأبنائها، وأجدك تتساءلين كثيراً بينك وبين نفسك، أو بينك وبين الأخريات، هل تقومين باختتنان أبنائك أم لا؟

ولا أكذب عليك، فقد جرّبت هذه الحيرة كثيراً، إلى أن هداني الله لإجراء بحث عملي لمعرفة كيفيّة الختان ومعرفة فوائده الكثيرة.

وقد قمت بهذا البحث، لكوني مسلمة تريد إتّباع هدى الرسول الكريم (ص)، ودكتورة صيدلانيّة عندي معرفة من الناحية الطبّية، إلى حد ما، يؤهلني لذلك، وأنثى يمكنها أن تفيد بنات جنسها، وزوجة، وأم. «من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً» (الكهف 17:18).

أختي المسلمة. أم البنين والبنات، يقول الحق تبارك وتعالى: «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين» (المؤمنون 12:23-14). «الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين. ثم جعل من سلالة من ماء مهين. ثم سوّاه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون» (السجدة 7:23-9). «إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً» (الإنسان 2:76).

لقد خلق الله الإنسان في بادئ الخلق من طين، ثم جعل تناسله وتكاثره من نطفة أمشاج (خليط) من ماء الرجل (الحيوانات المنويّة) وماء الأنثى (البويضة) مكوّنا اللاقحة التي تعلّق بجدار رحم الأنثى فيخلقها الله إلى إنسان كامل في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين. الله الذي خلق هذا الإنسان، أمره بالحفاظ على أعضائه التناسليّة وحمايتها، لضمان قيامها بوظائفها التي خلقها الله من أجلها، وهي التناسل والتكاثر لإنتاج الذرّية. فشرّع لنا الختان وأمر به أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام. ولقد إتّبع رسولنا الكريم محمّد (ص) سُنّة أبيه إبراهيم عليه السلام وأمرنا بإتّباعها، وهدانا إلى كيفيّة القيام بها.

وفي بحثي المتواضع حاولت الإلمام بالكثير ممّا يخص أمر الختان للبنين والبنات، من حيث التعريف بالختان، كيفيّة ختان الذكر، كيفيّة ختان الأنثى، السند من السُنّة النبويّة الشريفة على وجوب الختان، فوائد الختان بالنسبة للذكر والأنثى، وقت الختان، ممّا يهم كثيراً من الأمّهات والآباء لتهدأ نفوسهما ويحمدا الله على أن جعلهم من المسلمين.

الختان

التعريف: الختان: بكسر الخاء، الإسم من الختن، وهو موضع القطع من الذكر والأنثى. وفي الحديث: «إذا إلتقى الختانان فقد وجب الغسل». ويطلق الختان على الذكر والأنثى. ويقال لقطعهما الإعذار والخفض.

الختان: صناعة الختن، والختن فعل الخاتن للغلام. هذا من حيث اللغة. أمّا في الشرع نجد ما يلي: عرّف علماء الشرع الختان بأنه: قطع بعض مخصوص من عضو مخصوص. والعذرة: الختان وهي كذلك الجلدة يقطعها الخاتن. وعذر الغلام والجارية يعذرهما عذراً وأعذرهما: ختنهما. والعذار والإعذار والعذيرة: طعام الختان.

ختان الذكر: يكون ختان الذكر بقطع الجلدة التي تغطّي الحشفة، وتسمّى الغلفة، بحيث تنكشف الحشفة كلّها.

ختان الإناث: ذُكِرَ في مجلّة الأزهر42. إن الخفاض للفتيات له أنواع أربعة معروفة هي:

النوع الأوّل: وفيه يتم قطع الجلدة أو النواة فوق رأس البظر.

النوع الثاني: وفيه يتم إستئصال جزء من البظر، وجزء من الشفرين الصغيرين.

النوع الثالث: وفيه يستأصل كل البظر، وكل الشفرين الصغيرين.

النوع الرابع: وفيه يزال كل البظر، وكل الشفرين الصغيرين وكل الشفرين الكبيرين.

وأرجو من سيادة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الشريف أن يسمح لي بالتعليق على أنواع الختان هذه من وجهة نظري الطبّية ونتاج لبحث عملي قمت به للتيقن من هذا الأمر.

التعليق الأوّل: البظر هو عضو الحس الجنسي للأنثى وله أهمّية كبيرة في الجماع والمعاشرة الزوجيّة وإزالته أو إزالة جزء منه يؤدّي إلى البرود الجنسي.

التعليق الثاني: إزالة الشفرين الكبيرين (الشفتين بالنسبة للفرج) أو تركهما لا يؤثّر على العمليّة الجنسيّة، وتركهما ليس منه أي ضرر صحّي. ولذا أفضّل تركهما، لأن لهما دور هام في حماية الجهاز التناسلي للأنثى، ولأن إستئصالهما فيه تشويه لهذه المنطقة من الأنثى.


1 المجموع جـ 1 ص 302، الخرشي جـ 3 ص 48، البداية جـ 1 ص 273، كشّاف القناع جـ 1 ص 85.

2 أنظر الهامش الخاص بهذا الحديث سابقاً.

3 أخرجه البيهقي جـ 8 ص 324 - وفي إسناده راو متكلّم فيه - وقد أورد الذهبي من مناكيره هذا الحديث- وفي نيل الأوطار للشوكاني «إن النبي (ص) ختن الحسن والحسن يوم السابع من ولادتهما».

4 حاشية إبن عابدين جـ 5 ص 478، مواهب الجليل جـ 3 ص 258، المجموع جـ 1 ص 313، الإنصاف جـ 1 ص 124، حاشية الجمل على شرح المنهج جـ 5 ص 174، النووي على مسلم جـ 3 ص 148.

5 المجموع جـ 1 ص 304، فتح القدير جـ 1 ص 43، الشرح الصغير مع حاشية الصاوي جـ 2 ص 152، الخرشي على خليل جـ 3 ص 48 ومطالب أولي النهي جـ 1 ص 91.

6 المجموع جـ 1 ص 304، جـ 5 ص 183، فتح القدير جـ 1 ص 451، الخرشي على خليل جـ 2 ص 136، مطالب اولي النهي جـ 1 ص 858، كشّاف القناع جـ 1 ص 97.

7 فتح القدير جـ 7 ص 206، حاشية إبن عابدين جـ 5 ص 364، ص 400، نهاية المحتاج جـ 8 ص 33-34، حاشية الدسوقي جـ 4 ص 28، جواهر الإكليل جـ 2 ص 191، كشّاف القناع جـ 4 ص 34-35.

8 فتح القدير جـ 7 ص 206، حاشية إبن عابدين جـ 5 ص 364، ص 400.

9 حاشية الدسوقي جـ 4 ص 28.

10 نهاية المحتاج جـ 8 ص 33-34.

11 أخرجه أبو داوود جـ 4 ص 710 والحاكم من حديث عبد الله بن عمر وصحّحه الحاكم ووافقه الذهبي.

12 كشّاف القناع جـ 4 ص 34-35.

13 تحفة المودود في أحكام المولود لإبن قيّم الجوزيّة، في الفصل الثامن في بيان ما قد يؤخذ في الختان - وراجع ذلك فيما سبق.

14 فتح الباري جـ 10 ص 266 ط الخيريّة 1325 هـ، قليوبي وعميرة جـ 3 ص 294 ط إحياء الكتب العربيّة - الحلبي، والمدخل لابن الحاج جـ 3 ص 60.

15 الإختيار شرح المختار - مرجع سابق.

16 نشر في مجلّة لواء الإسلام، العدد الأول، السنة الخامسة، يونيو 1951. ونقلنا هذا النص عن: عبد الرازق: الختان: رأي الدين والعلم في ختان الأولاد والبنات، ص 87-90.

17 شلتوت: الفتاوى، دراسة لمشكلات المسلم المعاصر، ص 330-334. أخذنا هنا بتاريخ طبعة الجامع الأزهر.

18 الفتاوى الإسلاميّة من دار الإفتاء المصريّة، المجلّد 21، القاهرة 1994، ص 7864. صدرت هذه الفتوى في 28 ديسمبر 1993 ولم تنشر بعد. نقلناها عن حكم المحكمة الإداريّة العليا الصادر في 28/12/1997، غير منشور.

19 إعتمدنا هنا على نسخة من الفتوى الرسميّة المؤرّخة في 8/10/1994. وقد نشرت معظم هذه الفتوى جريدة الأخبار في 28/10/1994، ص 7. وقد كان الشيخ الطنطاوي مفتي الجمهورية عند إبدائه هذه الفتوى. وقد عيّن شيخ للأزهر بعد وفاة الشيخ جاد الحق في مارس 1996.

20 الشوكاني: نيل الأوطار، جزء 1، ص 137 و140.

21 كتاب عون المعبود شرح سُنَن أبي داوود جـ 14 ص 183 وما بعدها.

22 محمود شلتوت: الفتاوى، ص 302.

23 سيد سابق: فقه السُنّة، جـ 1 ص 33.

24 مجلّة الأزهر، المجلّد 24 لسنة 1952 ص 1242.

25 القرضاوي: هدى الإسلام: فتاوى معاصرة، ص 443. إعتمدنا في تاريخ هذه الفتوى على تاريخ الطبعة الثالثة من هذا الكتاب.

26 مقال نشرته جريدة الشعب (القاهرة)، 18/11/1994، وجاء نصّه أيضاً في كتاب محمّد بن لطفي الصبّاغ: الحكم الشرعي في ختان الذكور والإناث، منظّمة الصحّة العالميّة، المكتب الإقليمي لشرق المتوسّط، الإسكندرية 1995، ص26-34.

27 الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي، 1/148.

28 سُنَن أبي داوود مع شرحها عون المعبود، جـ 31، ص 125-126.

29 سيد سابق في فقه السُنّة، جـ 1، ص 33.

30 عون المعبود في شرح سُنَن أبي داوود لشمس الحق العظيم آبادي، جـ 14، ص 124.

31 التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد، جـ 21، ص 59.

32 نقله عنه: شمس الحق العظيم آبادي في شرحه لسُنَن أبي داوود، جـ 14، ص 126.

33 نيل الأوطار للشوكاني، جـ 1، ص 139.

34 نيل الأوطار للشوكاني، جـ 1، ص 139 حيث يقول: في إسناد أبي نعيم، أحد مخرجيه، مندل بن علي وهو ضعيف وفي إسناد إبن عدي خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل!

35 من المراجع المشهورة بين أيدي الطلاّب في هذا المعنى: النحو الوافي لعبّاس حسن، جـ 1، ص 118-119.

36 حقائق علميّة حول ختان الإناث، الجمعيّة المصريّة للوقاية من الممارسات الضارّة بصحّة المرأة والطفل، 1993، ص 11.

37 ختان الأنثى في ضوء المسؤوليّة الجنائيّة والمدنيّة في القانون المصري، للمستشار صلاح عويس، نائب رئيس محكمة النقض.

38 المصدر السابق، ص 9.

39 التبتيك: القطع.

40 أنظر المحلّى لابن حزم الظاهري، جـ 10، ص 458، حيث نقل آراء الفقهاء في ذلك وخالفهم إلى إيجاب القصاص على المتعمد، ونفى الديّة عن المخطئ؛ والمغني لابن قدامة، جـ 12 ص 158، وجـ 11 ص 546 حيث نقل رأيين أحدهما يجيز القصاص في قطع الشفرين، والثاني يكتفي بالديّة لاعتبارات فنّية تتصل بإجراء القصاص.

41 راشد: وداعاً للخلاف في أمر الختان، دار الوفاء، المنصورة، 1995. اكتفينا هنا بالمتن دون الهوامش إلاّ نادراً. وقد قمنا بتصحيح الأغلاط التي جاءت في كتابة الكلمات الطبّية باللغة اللاتينية.

42 شهر جمادى الأول 1415هـ ص 27، وهذه إشارة إلى فتوى الشيخ جاد الحق الثانية السالفة الذكر.